المدرسة الأمريكية : نظرية سيادة القوة البحرية
Site: | Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2 |
Cours: | د.عيدون الحامدي /الجغرافيا السياسية ، السنة 2 علوم سياسية لموسم الجامعي 2023-2024 |
Livre: | المدرسة الأمريكية : نظرية سيادة القوة البحرية |
Imprimé par: | Visiteur anonyme |
Date: | Saturday 23 November 2024, 01:16 |
1. توطئة
على عكس رواد المدرسة الالمانية راتزل وماكيندر وهاوسهوفر ومدرسة ميونخ الذين تبنوا افتراض سيطرة متعاظمة للقوى الأرضية، نجد مجموعة أخرى من الجيوبوليتيكيين الذين يرون للقوى البحرية أفضلية تمكنهم من السيطرة العالمية،حيث ابدى الأمريكيون دائما إهتماما خاصا لكي تكون الجغرافيا التطبيقية في خدمة السياسة رغم صدور مبدأ 'منورو' سنة 1823. فــ "المصير الواضح" Manifest Destiny و"نظرية الحدود" لــــ 'فردريك جاكسون' Frederic Jackson افضل مثال على ذلك. وكما هو الحال مع تقرير 'ألفريد مهان' الصارم الذي أرسله للرئيس الأمريكي 'تيودور روسفلت'Théodore Roosevelt بخصوص تطور القدرات البحرية للولايات المتحدة الامريكية. وخلال الحرب العالمية الثانية ، كان الجغرافيون الأمريكيون في خدمة الحكومة بكيفية وبشكل أكثر هيكلية مما كان حاصلا في ألمانيا.
ويأتي على رأس الجغرافيين السياسيين الأمريكيين 'ألفرد ثاير ماهان' و 'نيكولاس سبيكمان' اللذان قدما أبحاثاً قيمة في هذا المجال،فماهي اسمهامات الاساسية لهاذين الجيبولتيكين الامريكيين؟
2. أولوية القوة البحرية : نظرية ماهان "Alfred Thayer Mahan "
يقول 'إداورد ميدايرل': أحدث 'ألفراد ثايير مهان Alfred Thayer Mahan " 1840-1914" ثورة عارمة في السياسة البحرية الامريكية، وأقام أساسا نظريا مكن بريطانيا من الإحتفاظ بمكانتها كدولة بحرية متميزة على غيرها. كما كان هذا التطور البحري الألماني الذي تم بواسطة الأمبراطور غيوم الثاني Wilhelm II والأدميرال تيربتز Tirpitzz.
خلافا لــ 'راتسيل' و'ماكيندر' و'وتشلين' لم يكن 'ألفريد مهان' عالما بل عسكريا أبدى إهتماما بفن الحرب وكتب عددا كبيرا من الدراسات في الهندسة العسكرية. يقول 'ميدايرل' في شأنه: "لقد ترعرع ماهان الصغير ليس فقط في الجو العسكري للأكادمية العسكرية بـ'ويست بوينت' بل وفي جو تتوافر له الثقافة العسكرية في منزله". لم يستخدم 'ألفريد ماهان' مصطلح الجيوبولتيكا، إلا أن منهج تحليله والنتائج الأساسية التي توصل إليها تتطابق مع الرؤية الجيبولتيكية الصرفة. درس تاريخ الأسطول الحربي سنة 1885،وأصدر أول كتاب له سنة 1890 " تأثير القوى البحرية في التاريخ"، The Influence of Sea power upon History"1660-1783" يقول 'دوغين" أنه وفور نشر هذا الكتاب أمسى نصا كلاسكيا في الإستراتجية العسكرية"
القوة البحرية أساس قوة الدولة
هو يرى أن القوة البحرية أساس قوة الدولة و أن أي دولة تريد السيطرة على العالم يجب أن تتحكم في قوة بحرية كبيرة، ويجب أن تكون لها السيطرة على البحار، و برأيه أن الدول البحرية هي التي ستسود العالم في النهاية. في هذا الصدد، كتب 'بول كيندي' يقول: لقد أشار عدد من أوائل كتاب القرن التاسع عشر مثل (توكفيل) في حديثهم عن المستقبل ( البعيد) إلى "أن إرادة السماء قد إختارت روسيا والولايات المتحدة الامريكية ليتحكما بمصائر نصف العالم". ثم تابع يقول "لقد كانت دولة بحرية مثل (بريطانيا العظمى) وليس هذان العملاقان القاريان، هي التي حققت أعظم تقدم حاسم في الفترة 1660- 1815، وازاحت في آخر المطاف فرنسا عن موقعها كأعظم قوة على الإطلاق. وهنا مرة أخرى لعبت الجغرافيا دورا حيويا وإن لم يكن وحيدا.
وهو حينما يكتب عن القوة البحرية فإنه يعني القوة العسكرية التي يمكن نقلها بالبحر إلى المكان المطلوب، دون أن يعني مجرد الأسطول البحري، ومن ثم فإن التحكم في البحار يعني لديه التحكم في القواعد البرية التي تتميز بالمواقع الاستراتيجية المتحكمة في النقل البحري والقواعد البحرية التي تحميها أشكال السواحل من جهة وعمق خلفيتها الأرضية من جهة ثانية.
وتصبح كتابات ماهان عن السيطرة البحرية مهمة وذات طابع جغرافي حينما يتناول العالم كله في نظرة استراتيجية، وقد أعرب عن ذلك الاتجاه الجغرافي الجيوبوليتيكي لأول (مشكلات آسيا) المنشور ، ١٩٠٠(1)الذي يركز فيه على مشكلات أورو آسيا، وقد شعر أن قارات العالم الشمالية هي مفتاح السيطرة العالمية، وأن قناتي السويس وبنما هما الحدود الجنوبية لعالم الشمال المتميز بتكاثف الحركة التجارية والسياسية العالمية.
2.1. العوامل الخمسة الأساسية في تكوين القوة البحرية
وقد حدد ماهان خمسة عوامل اعتبرها أساسية في تكوين القوة البحرية للدول وهي :
-
الموقع الجغرافي: من حيث الإطلالة على بحار مفتوحة، وما إذا كان هناك طرق سهلة تصل الجبهات مع بعضها البعض، كذلك مدى تحكمها في الطرق التجارية الرئيسية والقواعد الاستراتجية، وقدرتها على تهديد اراضي العدو بأسطولها.
-
شكل الساحل و امتداده:، إذ تعتبر الواجهة البحرية أحد تخوم حدود الدولة، وكلما يسرت هذه التخوم الإتصال بما ورائها ، كلما زاد ميل الإنسان إلى الإختلاط بغيرهم.
-
-خصائص الظهير القاري ( يجب أن يكون غني الموارد).لما لشكل الساحل وإمتدادته دور في تمكين السكان من أن تكون لهم رغبة في جعل بلدهم يحظى بمكانة بحرية جيدة. فالموانئ الجيدة، وسهولة الخروج للبحر، تعد عوامل قوة الدولة.
-
الصفات القومية للشعب.التعداد السكاني ونوعية التكوين التي يحظى بها الشعب لاسيما ما تعلق (بركوب البحر)، من عوامل قياس قوة الدول البحرية
-
شخصية الحكومة وسياستها، ومدى توجيه الموارد الطبيعية والبشرية للدولة لتقوية الأسطول.كما تلعب دورا في إعداد وتوفير ووضع الإسترتجيات الحريبة في كل ما من شأنه أن يرفع ويساهم في قوة الدولة البحرية
وقد أكد أن كل المقومات والعوامل متوفرة للولايات المتحدة الأمريكية التي تكاد تشبه الجزيرة المحصنة، وهي مؤهلة لأن تكون أعظم قوة بحرية في العالم .
2.2. دورا الحكومة في إعداد وتوفير ووضع الإسترتجيات الحريبة
يقدم 'ماهان' مثال على ذلك، بـ استراتجية الحكومة الفرنسية التي أصرت على أن يقوم أمراء البحر في أسطولها بالمناورة في المحيطات الفسيحة مع تجنب أي اشتباك قد يؤدي إلى خسارة لسفنها، وكانت هذه إستراتجية منعت الأسطول الفرنسي من الإشتباك في معارك حاسمة، وأضاعت كل فرصة ممكنة للإنتصار على الأسطول البريطاني
3. نيكولاس سبيكمان : من قلب الأرض "Heartland" إلى النطاق الهامشي "Rimland"
يعد الأمريكي 'نيكولاس سبيكمان' ( 1893-1943) Nicholas Spykman الهولندي المولد، المتابع المباشر لخط الأميرال 'ماهان'،بعد أصدار كتابه الأخير الذي نشر بعد وفاته عام 19444 والذي كان يحمل إسم "جغرافية السلام"بعد عام من وفاته، أصبح مؤلفه برنامج عمل من أجل الحفاظ على السلم والتوازن في فترة ما بعد الحرب. وتوقع بدقة الوضع الذي تكون عليه الحالة الجيبولتيكية خلال الحرب الباردة، ويمكن القول بأنه سمح للولايات المتحدة من إتباع سياسة حققت لها في النهاية الانتصار .
كان 'سبيكمان' ينظر إلى الجيبولتيكا على أنها الأداة الأكثر أهمية في السياسة الدولية المحددة كمنهج تحليلي ونظام للمعادلات يسمحان معا باستنباط الإستراتجية الأشد تأثيرا. وفي هذا المعنى وجد أعنف نقده للمدرسة الجيبولتيكية الألمانية وبخاصة في كتابه "جغرافية العالم" والذي عد فيه الحدود العادلة والظالمة هراء ميتافيزيقا". من سمات 'سبيكمان' المدخل النفعي والرغبة المحددة في تقديم المعادلة الجيبولتيكية الأشد تأثيرا والتي تتمكن الولايات المتحدة بعونها في التوصل، وبأسرع الطرق إلى تحقيق السيطرة العالمية"
نظرية الريملاند لسبيكمان ومراجعة نظرية ماكيندر
وبعد أن درس سبيكمان بكل اهتمام أعمال ماكيندر تقدم بصياغته لمخطط جيوبوليتيكي أساسي يختلف عن أنموذج ماكيندر، وكانت فكرة سبيكمان الأساسية تقوم على أساس أن ماكيندر قد بالغ في تقييم الأهمية الجيواستراتيجية للهارتلاند، وهذه المبالغة لم تتناول فقط التموضع الحيوي للقوى على خارطة العالم، بل وتناولت المخطط التاريخي الأولي أي اهماله للعالم الجديد امريكا. نقد التحليل التاريخي القائم على سابقة التاريخية و اهمال تطور المجال البحري. فالهارتلاند لا يتمتع في نظر سبيكمان بأي صفات تؤهله للقيادة "افتقاره للموارد الطبيعية والطاقوية، يقع أغلبهB في مناطق متجمدة أو صحراوية"، لذلك فإن منطقة الثقل الرئيسية لا تتمثل في منطقة القلب الأرضي –عند ماكيندر -وإنما تتركز فيما يسميه بمنطقة الإطار أو حافة الأرض، الريملاند ،Rimlandوهي من وجهة نظرسبيكمان أعظم أهمية من القلب نفسه. اي أن "الريملاند" وليس "الهيرلاند" هو مفتاح السيطرة العالمية بحسب 'سبيكمان'.
رسم 'سبيكمان' إطار نظريا جيبولتيكا عالميا لإثنين من كبريات اليابسة landmasses. واستعرض التحولات التاريخية في مراكز القوى في العالم: من الشرق الأوسط، إلى بحر إيجة، إلى البحر الأبيض المتوسط، إلى أوروبا الغربية، إلى المحيط الأطلسي، إلى ذلك الوقت في (1938) الوضع حيث كانت هناك أربع "مناطق" من القوى العالمية، كل قوة تسيطر على مراكز مختلفة "، الأمريكتين من قبل الولايات المتحدة، والشرق الأقصى من قبل اليابان وقلب أوراسيا من طرف موسكو، والمحيط الأطلسي الشرقي والمحيط الهندي من طرف أوروبا." واختتم 'سبيكمان' بأن الولايات المتحدة، مع وجود إمكانية للوصول مباشرة إلى أحواض المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، تكون "الدولة التي تحظى بأفضلية أكثر في العالم وفقا لوجهة النظر التي تستند للموقع."
3.1. ما المقصود بالنطاق الهامشي "RIMLAND"
الريملاند هو ذلك - الإطار أو الهامش الأطراف، او النطاق الساحلي كما يسمي ايضا بالنطاق القاري ، والذي يشمل كل أوروبا -عدا روسيا- والجزيرة العربية بما في ذلك العراق وآسيا، والصين وشرق سيبيريا،
واعتبر سبيكمان الريملاند بمثابة منطقتيتن حاسمتين بين القوى البحرية والبرية تفصل بين القوى المتصارعة البرية والبحرية و هي :
-
منطقة حاجزة في زمن السلم،
-
منطقة التقاء و تصادم Crush Zone في : زمن الحرب،
كما اهتم سبيكمان بهذه الحلقة الوسطى وأعطاها أهمية أكبر من قلب الأرض، ويرجع ذلك إلى أن النطاق الارتطامي يضم عددا ضخما من سكان العالم وأنه يمتاز بموارده الاقتصادية والطبيعية الغنية المتنوعة، علاوة على استخدامه لطرق بحرية داخلية.
مثال : الصراع و التنافس التاريخي على النطاق الهامشي
ويرى سبيكمان أن التاريخ السياسي بطوله لم يكن عبارة عن نضال بين القوى البحرية والقوى البرية بهذه البساطة، وإنما هو نضال "بين قوة بحرية بريطانيا، قوة هامشية أي قوة من الريملاند"من ناحية،ضد قوة منالنطاق الهامشي"من الريملاند" وقوة برية "روسيا" من ناحية أخرى، أو بين قوة بحرية "بريطانيا" وبرية "روسيا" من ناحية، ضد قوة من الريملاند من ناحية أخرى كما يبرز التنافس الكبير بين القوتين في مثال تطور تكنولوجيا الغواصات البحرية بين القوتيتن.
3.2. فرضيات سبيكمان حول نظرية النطاق الهامشي RIMLAND
يقترح 'سبيكمان' معادلته القائلة:
-
"من يسيطر على 'الريملاند' يسيطر على أوراسيا .Who controls the rimland rules Eurasia
-
ومن يسيطر على أوراسيا يقبض على مصير العالم بيده".Who rules Eurasia controls the destinies of the World
ويرى 'غراي' بأن 'سبيكمان' تحدى بنظريته أطروحة 'ماكيندر' المحورية حول "الهارتلاند" وزود بذلك الولايات المتحدة وحلفائها بإستراتجية مضادة قابلة للتطبيق.
3.3. نقد دوغين لسبيكمان في فهم الريملاند
وبحسب 'دوغين' فإن 'سبيكمان' لم يأت بجديد فـrimland أو "الحافة" أو "الهلال الخارجي" هي النقطة الأساسية في السيطرة على القارة، وبحسبه فقد فهم 'ماكيندر' أن الريملاند ليس كتشكيل جيبولتيكي مستقل ومكثف بذاته بل كميدان للمواجهة بين نبضين "البحري" و"البري". فضلا عن ذلك فإن 'ماكيندر' بحسبه لم يفهم Hearland على الإطلاق على أنه مفهوم للسيطرة على روسيا والتكتلات القارية المحيطة لها. إن أرويا الشرقية كما يقول مجال بيني – بين "المحور الجغرافي للتاريخ" والـــrimland وعليه في تناسب القوى على أطراف الـــ hearland يكمن مفتاح مشكلة السيطرة العالمية. وبحسبه فقد تخيل 'سبيكمان' عملية خلط الأوراق في مقولته الجيبولتيكية المتعلقة بنظرية 'ماكيندر' على أنها شيئ جديد كل الجدة. أما في واقع الأمر فما دار الحديث إلا حول قليل من الإختلاف في اللونيات الدلالية للمفاهيم.