- آثار العقد - نطاق العقد

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: مصادر الالتزام-
Livre: - آثار العقد - نطاق العقد
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Tuesday 7 May 2024, 14:06

1. نسبية آثار العقد - نطاق العقد

إذا استجمع العقد أركانه و شروط صحته انعقد صحيحا و ترتبت عليه كافة الآثار القانونية،

و تشكلت له القوة الملزمة و تعين على اطرافه تنفيذ التزاماتهم التعاقدية كاملة و بحسن نية، و هو ما جاءت به المادة 106 ق م ج بنصها: " العقد شريعة المتعاقدين....."، أي أن مضمون العقد بمثابة قانون للمتعاقدين، فالقوة الملزمة للعقد تظهر من ناحيتين، الأولى من حيث الموضوع فالأطراف ملزمون بالتقيد بمضمون العقد، و من ناحية الأشخاص إذ أن أطراف العلاقة العقدية وحدهم دون غيرهم ملزمون بأحكامه كقاعدة عامة.

  و عليه سنقسم هذه المحاضرة إلى جزئين، نخصص الأول منها آثار العقد من حيث الموضوع، و الثاني نعرج فيه على غير أن هذه الآثار لا تنصرف إلا إلى عاقديه كقاعدة عامة أي أنها لا تنسحب على الغير الذي لم يكن طرفا في العقد، و هو ما يعرف بمبدأ نسبية العقد آثاره من حيث الأشخاص.

2. آثار العقد من حيث الموضوع ( تحديد مضمون العقد

ذكرنا أن العقد الصحيح يرتب التزامات متبادلة يقع على أطرافه تنفيذها، و كل طرف متعاقد لا يلتزم إلا بما ورد في العقد، غير أن تحديد نطاق العقد قد يحتاج في كثير من الأحيان إلى تفسير عباراته التي لا تكون واضحة دائما، فإذا تم تفسير الألفاظ تحدد النطاق الذي يلتزم فيه الأطراف.

المطلب الأول: تفسير العقد

لا تثور مسألة التفسير إلا عند حصول نزاع بين أطراف العقد حول تنفيذه، و لذلك يجب تحديد معناه حتى يسهل تنفيذ كل متعاقد لالتزاماته، و عادة ما تسبق التفسير عملية أخرى تسمى التكييف و الذي يقصد منه استخلاص الطبيعة القانونية للاتفاق المبرم بين الطرفين أو هو إعطاء الوصف القانوني الصحيح للآثار الأساسية التي يهدف المتعاقدان إلى تحقيقها من اتفاقهما.

و الأصل في تفسير العقد أنه لا يجب تحديد معناه بما يريده أحد الأطراف، وغنما بناء على ما اتجهت إليه إرادتهما المشتركة، هذه الإرادة التي يتم استخلاصها عن طريق تحليل و تأويل عبارات العقد فضلا عن الظروف و الملابسات التي تزامنت مع انعقاده.

هذه العباؤات التي يتضمنها العقد قد تكون واضحة الدلالة على مقصود أصحابها فلا يجد القاضي صعوبة في تفسيرها، بل الأصل أن لا يثور نزاع بشأنها نظرا لوضوحها، كما قد تكون العبارات غامضة و غير دالة دلالة كافية عما قصده و ابتغاه الأطراف، فتحتاج إلى تفسير، كما أن العقد قد يكون بين طرفين غير متكافئين من ناحية القوة الاقتصادية فيفرض أحدهما شروطه الجائرة و التعسفية على الطرف الآخر و هو ما يعرف بعقود الإذعان. لذلك سنتناول موضوع تفسير العقد في ثلاث فقرات.

أولا: حالة وضوح عبارات العقد: في هذه الحالة لا يجوز للقاضي الانحراف عن هذا المضمون الواضح، و ذلك عملا بأحكام المادة 111 ق م ج التي نصت على أنه: " إذا كانت عبارات العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين." و يعبر بعض الفقهاء على هذه الحالة بوضوح الإرادة، بمعنى أن إرادة الأطراف واضحة و في غير حاجة إلى تفسير أو تأويل عباراتها، و هو أمر يعكس مبدأ سلطان الإرادة. و بهذا نجد أن المشرع قد اعتمد مذهب الإرادة الظاهرة للحفاظ على استقرار المعاملات و المراكز القانونية.

ثانيا: تفسير العبارات الغامضة أو المبهمة: في هذه الحالة يكون التفسير أكثر أهمية و دقة في تحديد مضمون العقد و بالتالي التزامات كل طرف، إذ يجب على القاضي أن ينتهي إلى توضيح و تفسير المعنى وصولا إلى ما قصده المتعاقدان حقيقة، و هو ما قضت به المادة 111 ف 2 ق م ج بنصها " أما إذا كان هناك محل لتأويل العقد، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل، و بما ينبغي أن يتوافر من أمانة و ثقة بين المتعاقدين، وفقا للعرف الجاري في المعاملات."

فهذا النص يحدد هدفا لتفسير عبارات العقد و هو البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين، إذ لا يجوز للقاضي البحث في نية أحد الطرفين دون الآخر، كما لا يجوز له البحث في نية كل طرف على حدى، بل الواجب أن يبحث عن النية المشتركة التي قصد تحقيقها كلا طرفي العقد معا.

و بعد تحديد الهدف من طرف المشرع، قام هذا الأخير بوضع ضوابط يلتزم القاضي باحترامها و هو بصدد تفسير العبارات الغامضة للعقد، و تتمثل هذه الضوابط فيما يلي:

1.عدم الالتزام بحرفية الألفاظ: إذ يجب تغليب المعنى على المبنى أي المضمون على الحرفية، و بهذا فعدم تقيد القاضي بحرفية الألفاظ هو نتيجة منطقية للحاجة للتفسير بسبب غموض لابس العقد.

فأطراف العقد و بحكم افتقادهم لثقافة قانونية كافية و عدم إتقانهم للمصطلحات القانونية قد يستخدمون ألفاظ تناقض ما قصدوه من إبرام العقد، و هنا يبدو ضروريا البحث في النية المشتركة بعيدا عما يبدو من ظاهر العبارات.

2.الاسترشاد بطبيعة التعامل: قد يتضمن العقد عبارات تتناقض فيما بينها في المعنى، و لا يكون واضحا مقصد الطرفين من وضعها، و في هذه الحالة يستعين القاضي في التفسير بطبيعة المعاملة، بمعنى أن يفسر هذه العبارات بما يتفق مع طبيعة العقد، لأن الأقرب إلى المنطق و المعقول أن يظل العقد محكوما بقواعده العامة، ما لم ينص صراحة في جزئية من جزئياته على استبعاد تلك القواعد.

3.إعمال الكلام خير من إهماله: قد يحتمل العقد بعض العبارات التي تحتمل عدة معاني، فإذا كان بعض هذه المعاني لا ينتج أثرا في التعاقد بين الطرفين، فإنه يتعين استبعاد هذا المعنى غير المنتج، و معنى ذلك وجوب حمل العبارات العقدية على المعنى الجاد و ليس على محمل اللغو في الكلام، ذلك أن المتعاقد العاقل لما يضع بندا في العقد فإنه يقصد من ورائه ترتيب أثر قانوني معين، و مثال ذلك إذا تضمن العقد معنى يتفق مع كون العقد صحيح و معنى يجعله باطلا وجب ترجيح المعنى الذي يحافظ على صحة العقد و عدم بطلانه.

4.تفسير بنود القد بعضها في ضوء البعض الآخر: و معنى ذلك أن البند الغامض يفسر في ضوء البنود الأخرى، بمعنى أنه لا يجوز عزل عبارة عن باقي العبارات الأخرى، بل يجب تفسيرها باعتبارها جزءا من كل و هو العقد. فقد تكون العبارة مطلقة و لكن تحددها عبارة سابقة أو لاحقة، أو قد تكون العبارة أصلا و لكن يرد عليها استثناء قبلها أو بعدها، و مثال ذلك أن يتضمن عقد البيع بندا يقضي بأن العقار المبيع خال من الارتفاقات ثم تظهر عبارة أخرى في العقد تنص على أن البائع لا يضمن إلا أفعاله الشخصية، فهنا ينبغي تفسير العبارتين على ضوء بعضهما البعض بمعنى أن العبارة الثانية قد خصصت العبارة الأولى، فيكون البائع غير ضامن إلا للارتفاقات التي يعلمها دون تلك التي قد يكون رتبها أسلافه.

5.تفسير العقد وفقا لمقتضى حسن النية و الأمانة الواجبة: يعد حسن النية و الأمانة من المبادئ الرئيسية التي تهيمن على تنفيذ العقود في العصر الحالي، و هو ما يعني الالتزام بهذه المبادئ عند تفسير العبارات الغتمضة في العقود، و بالتالي يجب على المحكمة إلغاء كل تفسير مبني على سوء النية و الغش و التضليل، و أن تأخذ بما تمليه الثقة المشروعة في المعاملات.

 6.تفسير العبارات وفقا لما يقتضيه عرف التعامل: و هو ما أشارت إليه المادة 111 ق م ج ضمن وسائل التفسير الأخرى، و يحتل العرف مكانة واضحة في بعض صور المعاملات خاصة في نطاق العقود التجارية، فهو يفسر ما كان مبهما من عبارات العقد، بل إنه أيضا يكمل النقص في المسائل التي يسكت المتعاقدان عن تنظيمها، بل إنه يكمل النقص عن المسائل التي سكت المتعاقدان عن إدراجها.

و لكن القاضي لا يرجع إلى العرف إلا إذا لم يجد في نصوص القانون ما يفسر أو يكمل العقد، أو كانت شروط العقد لا تسعفه في استظهار مقصد المتعاقدين، أو كانت بنوده مبهمة في هذا الخصوص.

8.تفسير الشك لمصلحة المدين: نصت المادة 112 ق م ج على أنه " يفسر الشك لمصلحة المدين. و مع ذلك لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضارا بمصلحة الطرف المذعن."

 و بالتالي نجد أن النص المذكور جاء بالقاعدة العامة و هي أن الشك يفسر لمصلحة المدين على أساس أنه هو من يتحمل عبئ الالتزام، و الأصل في الإنسان براءة الذمة و مخالفة الأصل غير جائز التوسع فيها، و من ناحية أخرى فإن الداءن هو من يتحمل عبئ الإثبات، فإن قام شك في حدود هذا الحق و عجز صاحب هذا الحق عن إثبات ما يزيل هذا الشك بقي الحال لمصلحة المدين. و من ناحية ثالثة فإن الدائن و هو الذي يملي عادة صيغة الالتزام عليه تحمل مغبة ما قد يشوبه من شك.

و من تطبيقات ذلك أنه لو قام شك حول استحقاق فوائد الدين وجب ترجيح عدم استحقاقها، و إذا قام شك حول مبدأ استحقاق التعويض الاتفاقي و هل هو عن التأخير في التنفيذ أو عدم التنفيذ وجب ترجيح المعنى الأخير.

3. القوة الملزمة للعقد من حيث الأشخاص

يخضع العقد لقاعدة أساسية مؤداها نسبية آثاره بالنسبة للأشخاص، بمعنى أن هذه الآثار لا تنسحب إلا على من كان طرفا في العقد، فهو لا ينشئ حقوقا للغير و لا يرتب في ذمته التزامات.

المطلب الأول: أثر العقد بالنسبة للمتعاقدين

كلمة " المتعاقدان" لا يقتصر مفهومها على من قاما بالتوقيع على العقد، بل يتجاوز هذا المعنى إلى معنى أوسع و يشمل من يمثلهما في العقد، و المتعاقد يمثل خلفه العام، كما يمثل في حدود معينة الخلف الخاص، و على هذا النحو فإن مبدأ النسبية من حيث الأشخاص لا يحول دون التزام الخلف العام بما التزم به سلفه، كما لا يحول دون التزام الخلف الخاص أحيانا بما التزم به من تلقى الحق عنه، و في حدود انصراف أثر العقد إلى الخلف العام أو الخاص فإن كل منهما لا يعتبر من الغير.

أولا: انصراف أثر العقد إلى الخلف العام

الخلف العام هو من يخلف سلفه في كل أمواله، أو في جزء منها يعبر عنه بكسر حسابي، كالثلث أو الربع مثلا، و بالتالي فهو يشمل الوارث و الموصى له بحصة في التركة. و قد نصت المادة 108 ق م ج على أنه " ينصرف أثر العقد إلى المتعاقدين و الخلف العام.دون الإخلال بالقواعد المتعلقة بالميراث، ما لم يتبين من العقد أو من طبيعة المعاملة أو من نص القانون أن هذا الأمر لا ينصرف إلى الخلف العام."

 و بالتالي فهذا النص يضع المبدأ ثم يبين حدوده، فالمبدأ أن ما يترتب على العقد من حقوق ينتقل إلى الورثة بالورثة بعد موت مورثهم، أما ما يترتب من التزامات فإنها تخضع لقاعدة شرعية مفادها أنه " لا تركة إلا بعد سداد الديون" و معنى ذلك أن الورثة لا يلتزمون بديون المورث في ذمتهم الشخصية، و إنما يلتزمون في حدود ما آل إليهم من التركة.

أما حدود هذا المبدأ فقد أوردتها ذات المادة و هي:

1.عدم انصراف آثار العقد إلى الخلف العام بناء على اتفاق: إذ يجوز مثل هذا الاتفاق لأنه لا يتعارض مع النظام العام و الآداب العامة، وم نذلك تأجيل الوفاء بالثمن في عقد البيع مع اشتراط عدم انتقال هذه الميزة إلى الورثة.

2.إذا حالت طبيعة الحق أو الالتزام دون انتقاله إلى الورثة: و من ذلك أن طبيعة حق الانتفاع تمنع انتقاله إلى الورثة حيث ينقضي قانونا بوفاة صاحب حق الانتفاع. و كذلك الإيراد لمرتب مدى الحياة لا ينتقل إلى الورثة بحكم طبيعته المادية و القانونية، و نفس الأمر بالنسبة للعقود التي تقوم على الاعتبار الشخصي.

3.إذا وجد نص في القانون يمنع انتقال الحقإلى الخلف العام: و من هذا القبيل ما تقضي به أحكام القانون المدني التي تقرر أن الشركة تنقضي بوفاة أحد الشركاء.

4.الإخلال بقواعد الميراث: يعتبر الوارث و هو خلف عام من الغير أحيانا، و ذلك حماية له من أن تنصرف إليه آثار تصرفات مورثه التي تضر بمصالحه، فوصية المورث لا تنفذ في حق الورثة إلا في حدود الثلث.

ثانيا: انصراف أثر العقد إلى الخلف الخاص

الخلف الخاص هو من يخلف السلف في عين معينة أو في حق عيني عليها، و مثاله المشتري أو الموصى له بعين في التركة، و من تقرر له حق انتفاع، و قد نصت المادة 109 ق م ج على أنه " إذا أنشأ العقد التزامات و حقوقا شخصية تتصل بشيء انتقل بعد ذلك إلى خلف خاص، فإن هذه الالتزامات و الحقوق تنتقل إلى هذا الخلف في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء إذا كانت من مستلزماته و كان الخلف الخاص يعلم بها وقت انتقالالحق عليه.'

 و يشترط ابتداءا لانصراف آثار العقد للخلف الخاص أن يكون هذا العقد من ناحية قد أبرم في شأن الشيء الذي انتقل إلى الخلف الخاص، فإذا كان في شيء آخر فلا محل للاستخلاف، و من ناحية ثانية يجب أن يكون العقد سابقا على انتقال الشيء إلى الخلف، و تثبت هذه الأسبقية بثبوت تاريخ العقد.

و مفاد ذلك أنه لا مجال للاستخلاف بالمعنى المذكور إذا استند الخلف في ملكيته للشيء إلى سبب آخر غير التلقي.و يضاف إلى هذا الأمر القيود التي جاءت بها المدة المذكورة و هي:

1.أن تكون الحقوق من مستلزمات الشيء: و تعتبر كذلك إذا كانت مكملة للئيء أو محددة له، و مثال الأولى الحقوق العينية التي يكون السلف قد رتبها لمصلحة الشيء مثل ترتيب للعقار المبيع حق ارتفاق، أما الثانية أي الحقوق المحددة للشيء فهي تتمثل في الالتزامات التي تثقل الشيء و تحدد من نطاقه و مثالها الالتزامات التي تقيد من سلطة استعمال حق معين كالالتزام بعدم تعلية البناء على الأرض المبيعة بعد حد معين.

2.أن يعلم الخلف الخاص بما يرد على الشيء من التزامات و ما يتمتع به من حقوق: و تظهر أهمية هذا الشرط على وجه الخصوص بالنسبة للالتزامات التي تحدد الشيء، إذ في حالتها يثور النزاع من جانب الخلف الخاص مدعيا عدم العلم بها و بالتالي عدم نفاذها في حقه. و لهذا كان السبب على قدر من الأهمية و كان من مقتضاه أن يكون العلم يقينيا و لا يكفي استطاعة العلم.و إذا كان الحق العيني يتعلق بحق عيني واجب الشهر فإن الشهر يغني عن الفعلي.

المطلب الثاني: آثار العقد بالنسبة للغير

الغير هو من لم يكن طرفا في العقد أو ممثلا فيه، أي غير المتعاقدين و خلفهما العام و الخاص في حدود معينة، و لكن مع ملاحظة أن الخلف العام قد يعامل معاملة الغير حين يقصد القانون حمايته من تصرفات مورثه، و كذلك الخلف الخاص لا يتأثر بترفات سلفه إذا كانت لاحقة على التصرف أو كان موضوع التصرف لا يكمل الشيء و لا يحدده.

 و بالتالي فالغير هو الشخص الأجنبي تماما عن العقد، و عليه فالعقد لا يسري على هذا الغير أي أنه لا يكتسب منه حقا و لا يتحمل منه التزاما و قد نصت على هذا المبدأ المنطقي المادة  113 ق م ج بنصها " لا يرتب العقد التزاما في ذمة الغير، و لكن يجوز أن يكسبه حقا". فهذا النص يثير مسألة بشقين الأولى هي مسألة التعهد عن الغير، و الثانية هي مسألة الاشتراط لمصلحة الغير.

الفرع الأول: التعهد عن الغير

التعهد عن الغير حالة يتعهد فيها شخص بالحصول على موافقة شخص آخر على إجراء عمل قانوني يقوم به هذا الأخير،  وقد تدعو إلى ذلك ضرورات عملية كما هو الحال في حالة الشيوع، حيث تتصرف الأغلبية مع الالتزام بموافقة الأقلية على التصرف، فيكون المتصرفون أصلاء على أنفسهم و ملتزمين عن غيرهم.

أولا: شروط التعهد عن الغير: و يشترط لتوافر حالة التعهد عن الغير عدة شروط، و هي:

1.أن يلتزم المتعهد باسمه شخصيا و ليس باسم من تعهد عنه، و هو شرط يعني المفارقة بين هذه الحالة و حالة الوكيل أو الفضولي.

2.أن يقصد المتعهد إلزام نفسه و ليس إلزام غيره، ذلك أنه لو تعاقد باسمه و اتجهت إرادته غلى إلزام غيره فإن العقد يقع باطلا لاستحالة محل الالتزام من الناحية القانونية.

3.أن يكون مضمون التزام المتعهد هو الحصول على قبول الغير للتعهد، و هو ما يعني أن التزام المتعهد هو التزام بعمل مؤداه الحصول على قبول الغير، و هو التزام بتحقيق نتيجة، و لكنه يقف عند تحقيق هذه النتيجة دون أن يضمن تنفيذ المتعهد عنه لالتزامه بعد القبول.

    ثانيا: أحكام التعهد عن الغير: بعد أن يلتزم الشخص فإنه يبقى من حق الغير قبول الالتزام أو رفضه، و هو ما سنتناوله في فقرتين:

1.حالة الموافقة على التعهد: يعتبر ذلك بمثابة قبول من جانب الغير لإيجاب صادر عن المتعهد لمصلحته، و يترتب على ذلك أن هذا القبول ينعقد به عقد جديد بين الغير و المتعهد لمصلحته، و هذا العقد يختلف عن عقد التعهد عن الغير،  و يؤدي انعقاده غلى انقضاء التزام المتعهد و براءة ذمته من تعهده.

2.حالة عدم الموافقة على التعهد: في هذه الحالة فإن الغير لا يتحمل أي مسؤولية، لأن هلم يكن طرفا في التعهد و بالتالي لا مسؤولية عليه، و تبقى المسؤولية عن عدم التنفيذ على عاتق المتعهد الذي لم يوف بالتزامه بتحقيق النتيجة التي التزم بها، و تنصرف مسؤوليته إلى دفع تعويض للمتعهد له عما لحقه من ضرر من جراء الإخلال بالالتزام و المتمثل في موفقة الغير.

الفرع الثاني: الاشتراط لمصلحة الغير

يؤدي مبدأ نسبية آثار العقد إلى أن آثاره مقصورة على طرفيه، فلا ينصرف إلى غيرهما سواء فيما ينشأ عنه من حقوق أو ما يترتب عنه من التزامات. و تثير مسألة الاشتراط لمصلحة الغير الشق الخاص بانتفاع الغير بحقوق ناشئة من عقد لم يكن طرفا فيه، و لا خلفا عاما لأحد أطرافه، فالاشتراط لمصلحة الغير يعني إنشاء حق مباشر عن العقد لفائدة الغير، و هذه الفرضية أكثر قبولا من الفرضية السابقة ( التعهد عن الغير) و التي لا يتصور معها أن يصبح الشخص مدينا دون أن يعبر عن إرادته بالقبول صراحة أو ضمنا، و مفاد ذلك أنه من السهل تصور أن يعتبر الشخص دائنا رغن عدم تعبيره عن إرادته في ذلك، لأن في ذلك مصلحة محضة له.

 و من أمثلة الاشتراط لمصلحة الغير عقد التأمين على الحياة لمصلحة الغير، ففي هذا العقد يتلقى هذا الغير حقا مباشرا من الاشتراط لمصلحته.

أولا: شروط الاشتراط لمصلحة الغير: لصحة هذا النوع من الاتفاقات ينبغي توفر الشروط التالية:

1.ان يتعاقد الشخص باسمه لا باسم المستفيد: و هذا الشرط هو الذي يعطي للاشتراط خصوصيته، لأنه بذلك يتميز عما قد يشتبه به من أنظمة قانونية مثل الفضالة و النيابة، و يترتب على هذا الاختلاف تغير في الأحكام، فالاشتراط نظام مفتوح أمام أي شخص يرغب في الاشتراط لمصلحة غيره، و الحال غير ذلك في النيابة أو الفضالة، كما أن المشترط لا  أن تكون له مصلحة شخصية فيما يقوم به، أما النائب فليس بالضرورة أن تكون له مصلحة، أما الفضولي فإنه يلتزم بالاستمرار فيما بدأه من عمل، أما المشترط فله حق الرجوع عن اشتراطه أو تغيير شخص المستفيد.

2.أن يتضمن الاشتراط إنشاء حق مباشر للمستفيد: و يعكس هذا الشرط مغزى الاشتراط و حقيقته، فهو بحكم منطوقه يتضمن اشتراط حق للغير، فإذا تخلف هذا الشرط بأن كان الاشتراط لمصلحة المشترط نفسه فإن الأمر يخرج عن نطاق مفهوم الاشتراط لمصلحة الغير، حتى و لو تصادف أن استفاد الغير بطريق التبعية، فعندما يستفيد الغير بطريق الميراث أو الوصية أو الحوالة، فإن الأمر يخرج عن دائرة الاشتراط، و مثال ذلك أن يبرم شخص عقد تأمين لحسابه و لمصلحته ثم يتوفى فينتقل الحق في مبلغ التأمين إلى الوارث، ففي هذه الحالة تكون الاستفادة بطري قالميراث و ليس الاشتراط.

ثانيا: أحكام و آثار الاشتراط لمصلحة الغير:

1.العلاقة بين المشترط و المتعهد:

- المشترط و المتعهد هما المتعاقدان أصلا، و تنطبق على علاقتهما قواعد و أحكام العقد في أركانه و شروط صحته وفقا للقواعد العامة، و إذا تعلق الأمر بعقد تامين وجب اسيفاء الشرائط التي تتطلبها القوانين المنظمة لعقود التأمين.

- إنه من حق الطرفين أن يضعا حدا للاشتراط ما دام المستفيد لم يعلن عن قبوله، فالمستفيد إلى ما قبل إعلان القبول ليس صاحب حق، و ليس طرفا متعاقدا، كما أن لكل من طرفيه التمسك بالفسخ وفقا لضوابطه القانونية، إذا لم يف الطرف الآخر بالتزاماته.

- للمشترط أن يتمسك بالتنفيذ العيني و أن يطالب المتعهد بالوفاء بالتزامه قبل المستفيد، ففي عقد التأمين مثلا إذا لم تف شركة التأمين بمبلغ التأمين المتفق عليه عند تحقق الخطر المؤمن عنه، فإن للمشترط أن يحرك وسائل المسؤولية وصولا إلى التنفيذ العيني، أو طلب الفسخ إذا أخل المدين بالتزامه، و معنى ذلك أن قبول المستفيد للاشتراط لا يعني خروج المشترط من العلاقة العقدية، ما لم يتبين من الاتفاق أن المستفيد هو وحده صاحب الحق في ممارسة المكنات السابقة.

2.العلاقة بين المشترط و المستفيد: يصبح المستفيد دائنا مباشرا للمتعهد منذ تاريخ توقيع الاتفاق بين المشترط و المتعهد، بمعنى أن حقه يولد منذ ميلاد الاتفاق و ليس من تاريخ قبوله للاشتراط، فالقبول يؤدي فقط إلى تثبيت حق المنتفع و جعله نهائيا، فضلا عن أن هذا القبول ينأى بالاشتراط عن أية إمكانية للنقض من جانب المشترط.

 و ما تجدر الإشارة إليه أن المستفيد لا يصبح رفا في عقد المشارطة رغم ثبوت حقه الناشئ عنها، و ينبني على ذلك أن للمستفيد أن يرفع دعوى مباشرة للمطالبة بالتنفيذ العيني، و لكنه لا يملك حق رفع دعوى الفسخ، لأنها ملك لأطراف العقد و المستفيد ليست له هذه الصفة.

3.العلاقة بين المشترط و المنتفع: أشرنا سابقا إلى أن المشترط ليس طرفا في العقد حتى بعد قبوله للاشتراط، و كل ما في الأمر أن هذا التافاق يخلق له حقا مباشرا قبل المتعهد، و يترتب على ذلك أن المستفيد ليس دائنا للمشترط، و لذلك فمن المتصور أن لا توجد رابطة محددة بين المشترط و المستفيد و يترتب على هذا المفهوم عدة نتائج:

- حين يكون دافع المشترط هو التبرع فإن التزام المشترط يجد سببه في نية التبرع فحسب، و هو ما يحدث في بعض الحالات التي يكون فيها الاشتراط لمصلحة الغير هو وسيلة تنفيذ هبة أو تبرع بطريق غير مباشر.

 اما إذا كان سبب الالتزام هو سعي المشترط للحصول على مقابل، و من ذلك أن يستهدف قضاء مديونية سابقة على عاتق المشترط للمستفيد، ففي هذه الحال يكون سبب التزامه هو قضاء الدين القائم في ذمته.

-         يترتب على انتفاء العلاقة العقدية بين المشترط و المنتفع و نشوء حق مباشر لهذا الأخير قبل المتعهد، أنه إذا توفي المشترط فإن منفعة الاشتراط لا تصب في تركته و لا تعتبر جزءا منها، و بالتالي لا يستطيع دائنو المتوفي مزاحمة المنتفع في شأن القيمة موضوع الاشتراط.