النظرية الليبرالية الجديدة في العلاقات الدولية

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: نظرية العلاقات الدولية
Livre: النظرية الليبرالية الجديدة في العلاقات الدولية
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Friday 17 May 2024, 13:06

Description

تعد النظرية الليبرالية الجديدة احدى النظريات التي تندرج ضمن الإتجاه المعياري في العلاقات الدولية، وهي نظرية تشدد على منطق التعاون والتقارب بين الدول في العلاقات الدولية بدل منطق القوة والصراع في العلاقات الدولية.

1. أهم مبادئ النظرية الليبرالية الجديدة في فهم العلاقات الدولية

- النظرية الليبرالية الجديدة : (Theory  Neoliberalism)

          نشير بداية إلى أن الليبراليين يرفضون تلك الصورة التي تقول بها الواقعية على أن السياسات الدولية تقوم على منطق القوة، فهذه الصورة للسياسات الدولية لا تأخذ في الاعتبار العواقب الهامة لعديد من التطورات المعاصرة تحت تأثير قوى عديدة نابعة من الاعتماد الدولي المتبادل.

          ولقد استمرت أفكار المدرسة الواقعية، تمارس سيطرتها ونفوذها على حقل العلاقات الدولية، لكن مع نهاية السبعينيات من القرن العشرين، عرف المنظور الليبرالي تطورا كبيرا خاصة بعد إصدار كتاب روبرت كيوهان (Robert Keohane) وجوزيف ناي (Josephl Nye) بعنوان (International and world politics وتطور العلاقات الاقتصادية الدولية وتشابكها مما أدى إلى تراجع العلاقات الإستراتيجية والعلاقات ما بين الدولية لصالح علاقات عبر قومية

          فالليبراليون يرون بأن سياسات العلاقات الاقتصادية الدولية واقتصاديات العلاقات السياسية الدولية أي الموضوعات التي تبرز في نطاق التعاون أو التصارع بين الفاعلين الدوليين، في سعيهم نحو تحقيق أهداف الرخاء والثروةـ تمثل محورا أساسيا في محتوى السياسات الدولية.

          كما أن الليبراليين ينظرون إلى علاقات الدولة – المجتمع على أنها لها تأثيرات أساسية على سلوك الدولة في السياسات العالمية، أي أن الأفكار الاجتماعية والمصالح والمؤسسات تؤثر على السلوك من خلال تشكيل أفضليات الدولة. وهذه تعتبر غاية مهمة في ظل الحسابات الإستراتيجية للحكومات، وهي العلاقات- تتشكل بواسطة المؤسسات الداخلية أو بواسطة الاعتماد الاقتصادي المتبادل، أو من خلال الأفكار المتعلقة بتوفير الحاجات العامة القومية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.وبالتالي فإن الليبرالية (الشبكة العنكبوتية) في تفسيرها للعلاقات العامة عوضت لعبة البلياردو للواقعية (Boules des billards) والتي مفادها أن العلاقات الداخلية والخارجية غير مرتبطة.

          وعليه وانطلاقا من هذه الرؤى نجد أن من أهم مبادئ المنظور الليبرالي والتي تساعد على فهم العلاقات الدولية تتمثل في:

          - يمكن تقليص حدة النزاعات بين الدول عن طريق إتباع منطق جديد وهو منطق التعاون والتقارب بين الدول ومحاولة إيجاد قيم مشتركة فيما بينهم.

          - التعاون بين الدول يكون بإنشاء مؤسسات ومنظمات تعمل على تحقيق التعاون والأمن وتقليص حدة التهديدات.

          - نشر القيم الديمقراطية وتقليص الوازع العسكري لأن الديمقراطيات في اعتقادهم نادرا ما تدخل فيما بينها وغالبا ما تكون الصراعات بينها وبين دول غير ديمقراطية.

          - نشر التجارة والقيم الليبرالية الخاصة بفتح الحدود والتبادل الحر وتطوير شبكة رأس المال فوق القومي، حيث أن هذا التداخل يحقق الأمن نتيجة تخوف كل طرف على مصالحه الاقتصادية التي تؤدي          إلى تحقيق الرفاهية للدول والشعوب وكل الفاعلين في النظام الدولي وبالتالي الوصول إلى العولمة.

          ونشير هنا إلى أن تقاليد الليبرالية تعتمد على الفلسفة السياسية التي يعود تاريخها إلى جون ستيوارت ميل (John Stuart Mill)، مازيني جوزيبي (Giuseppe Mazzini)، و ودرو ويلسون(Woodrow Wilson) وجون ماينار كينزو(John Maynard Keynes) ، كذلك إلى تصورات إيمانويل كانط (Immanuel Kant) في القرن (18م) .

          

2. الإفتراضات الأساسية للنظرية اللبيرالية الجديدة

تتمثل أهم إفتراضات الليبرالية الجديدة في :

- رغم أن الأفراد والدول عقلانيون إلا أن القدرة على حل المشكلات مرهون بالعمل الجماعي.

- التعاون الدولي يعود بالمنفعة المشتركة ويعتبر ممكنا بل مطلوبا أيضا.

- يلعب الفواعل من غير الدول دورا محوريا في الأحداث الدولية، فالليبرالية قدمت تعريفا مخالفا للفاعلين عن تعريف الواقعية، فهي ترى بأن الفاعلين هم أولئك الذين تؤثر قراراتهم  على الموارد والقيم  والذين يؤثر أحدهم على الآخر فيما وراء الحدود، فهي ترى بأن المسألة لا تتعلق بأهمية الدول، بل هي أن المزيد من هذه القوى أصبح يمارس تأثيرا على المحصلة النهائية في السياسة الدولية، ومن أبرز هذه القوى:

- المنظمات الدولية (الحكومية وغير حكومية):

      والتي تعرفها على أنها هياكل مؤسسية رسمية تتجاوز الحدود القومية ويتم إنشاؤها بموجب اتفاق متعدد الأطراف بين الدول. تتخصص كل منها في خدمة أهداف يعينها من أجل التقدم البشري المتكافئ على صعيد السلم، الأمن، والاقتصاد والرخاء، والتلاقي الثقافي، وتكامل القيم الإنسانية.

- القوى العابرة للقومية: ( الشركات المتعددة الجنسية) (Multinational corporations)

      والتي تعتبر إحدى الفواعل الهامة التي برزت في الساحة الدولية وإحدى التحديات لسلطة الدولة خاصة من الناحية الاقتصادية فهي تتمتع بقوة ونفوذ في علاقتها مع الدول، الأمر الذي جعل العديد من الدول عازفة عن ممارسة التحكم على أنشطتها. فهي بالرغم من أنها تفتقر للقوة العسكرية، لكنها تمتلك موارد اقتصادية هائلة، بالإضافة إلى فواعل أخرى، كما تقول الليبرالية سواء كانوا جماعات أو أفراد.

      أما فيما يخص أيضا التصور الذي تقول به الواقعية أن الدولة فاعل موحد، فإن الليبرالية تفترض بأن الدولة ليست موحدة بل هناك داخليا مصالح متنافسة وقد تكون متعارضة في صنع السياسة الخارجية بين المراكز البيروقراطية وجماعات المصالح والضغط والمؤسسات الإعلامية...                   

     - تتوزع القوة في النظام الدولي وتناسب بين مختلف الفواعل.

     - الدول الديمقراطية لا تحارب بعضها البعض نظرية السلام الديمقراطي.

     - تسعى الدول للحصول على المكاسب المطلقة وذلك مقابل المكاسب النسبية حسب التصور الواقعي.

3. الافتراضات المتعلقة بطبيعة السياسة الدولية

الافتراضات المتعلقة بطبيعة السياسة الدولية:

          شهدت السياسة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة في فترة الخمسينيات تطورات، حيث لم تبقى كما كانت في فترة ما بين الحربين الأولى والثانية، حيث أن التطور التكنولوجي في ميدان الاتصالات والنقل أحدث تأثيرا ثوريا على الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول.

          كما أن أزمة 1973 التي شهدها العالم، وكما يشير هانس مورغانتو(Hans J Morgenthau) بأنها أزمة غير مسبوقة في التاريخ، لأنها فصلت بين القوة العسكرية القوة الاقتصادية، فهذه الأزمة وما رافقتها من تطورات قد أفقدت الدولة دورها، الذي هيمن على السياسة العالمية لمدة أربعة قرون.

          لذلك فالليبراليون يرون بأن الاعتماد المتبادل هو صفة مميزة لكل نظام، لذلك فإن النظر إلى النظام الدولي يعني النظر إلى أنماط من التفاعلات بين الفاعلين، فالاعتماد المتبادل  يركز على الترابط بين الداخلي بين وحدات النظام، وهذا الترابط يؤثر على رغبات صناع القرار في الفعل.

          فالاعتماد المتبادل عند الليبراليين بمثل ما يمثله توازن القوى للواقعيين أو مفهوم التبعية لأصحاب النظرية الراديكالية، ويميز كيوهان (Keohane) و ناي (Nye) بين نوعين من الاعتماد المتبادل، الأول يخلق هيكلا راسخا أو إطار محددا ومقبولا من كل الأطراف، بالإضافة إلى أن الأدوات التي تستخدمها السياسة الخارجية تعرضه فقط لتغيرات تراكمية جزئية، ولا تمس الهيكل نفسه (نمط حساسية المتبادلة)، أما النمط الثاني فإنه يعرض هيكل العلاقات ذاته للسقوط (نمط القابلية للتأثر- Vulnérablity).

          فالليبراليون يؤكدون على أن مناخ العلاقات الدولية هو أقرب إلى حالة الاعتماد المشترك منه إلى حالة الفوضى والحرب، فهناك نوع من النظام الدولي آخذ في الاتساع والتكامل، وهو في طريقه إلى أن يفرض نفسه بوصفه نوعا من العرف والقانون الدولي المقبول طواعية من جميع الدول. كما أن اهتمامات الدول في سياستها الخارجية أصبحت تنصب على قضايا التطور التقني من جميع الدول. كما أن اهتمامات الدول في سياستها الخارجية أصبحت تنصب على قضايا التطور التقني والاقتصادي، وذلك على حساب القضايا الأمنية ، مما أدى إلى بروز مناخ من التفاهم والتعاون بين الدول

                     

4. المفاهيم الأساسية في التحليل الليبرالي الجديد

- المفاهيم الأساسية في التحليل الليبرالي الجديد :

يعتمد التحليل الليبرالي الجديد على مجموعة من المفاهيم في بناء فرضياته، وينظر بطريقة مختلفة إلى بعض المفاهيم التي طرحها النموذج الواقعي، مثل: القوة والمصلحة القومية والأمن بالإضافة إلى مفهوم الاعتماد المتبادل  

- الأمــــن: (Security)

          ينظر الليبراليون إلى مفهوم الأمن من تصور آخر مخالف للتصور الواقعي، حيث يستبدلون مفهوم الأمن القومي عند الواقعيين بمفهوم الأمن الجماعي.

          فالليبراليون يرون أن هذا الأخير يتحقق من خلال إنشاء منظمات ومؤسسات دولية وإقليمية تعمل على ضمان وتحقيق الأمن والسلام بطريقة تعاونية وتبادلية بين الدول، وبالتالي وجود فاعلين غير الدولة عكس المنظور الواقعي.

          وهذا التصور الليبرالي البديل يقوم على أساس تشكيل تحالف موسع يضم أغلب الفاعلين في النظام الدولي بقصد مواجهة أي فاعل آخر، والفاعلين هنا قد تكون دول، منظمات ومؤسسات دولية وإقليمية.

          كما أن المأزق الأمني عند الليبراليين هو انعدام وجود اتصال ونقص المعلومات بين الأطراف والفاعلين مما يؤدي إلى أزمة ثقة وتخوف بين الدول مما يؤدي إلى ظهور حالة اللا أمن بالنسبة للدول وحتى بالنسبة للقوى الكبرى، وبالتالي فإن الاتصال ين الدول عن طريق هذه المؤسسات والمنظمات شيء ضروري ومهم ومركزي لتحقيق الأمن بالنسبة للدول. 

- القوة الناعمة (Soft power)

          قدم الليبراليون تصورا آخر لمفهوم القوة بعكس تصور الواقعيين التي يقوم مفهوم القوة لديهم على أساس العوامل المادية، فجوزيف ناي (Joseph Nye) يرى بأن للقوة شقين: الشق الصلب والشق الناعم.

فهو يرى أن كل من القوة العسكرية والاقتصادية مثالان للقوة الصلبة ويمكن استعمالها للإقناع (جزرة) أو للتهديد (عصا). كما يرى أن هناك طريقة غير مباشرة لممارسة القوة، إذ بإمكان دولة ما أن تنال النتائج التي تريدها وذلك لأن الدول الأخرى تريد أن تتبعها، تعجب بقيمها، تتشبه بمثلها،  تطمح للوصول إلى مستوى رخائها. وبالتالي هذا النوع من القوة تجعل من الآخرين أن يريدوا ما تريد، و هي القوة الناعمة (Soft powerوالتي تعرف على أنها:« قدرة بلد ما على إيجاد وضع تستطيع فيه بلدان أخرى أن تطور أفضلياتها أو أن تعرف مصالحها بطريقة متناغمة مع أفضليات وصالح ذلك البلد»، وهي تنشأ من موارد مثل الجاذبية الثقافية أو الإيديولوجية وكذلك قواعد ومؤسسات النظم الدولية. 

          كما يشير جوزيف ناي إلى أن القوة الناعمة ليست ضدا للقوة الصلبة بالضرورة، فالفاتيكان لم تفقد قوتها الناعمة عندما فقدت قوتها الصلبة في إيطاليا.

          بالإضافة إلى أنه يحث الدول على اللجوء في تعاملاتها وخاصة القوة الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية USA) إلى التقليص من استعمال القوة الصلبة وتعويضها باستعمال القوة الناعمة أي المجال الثقافي والاقتصادي للانتشار في النظام الدولي، حيث أنها تحقق السلم والأمن وهي أقل تكلفة من استعمال القوة الصلبة (Hard Power) القوة العسكرية.

- المصلحة الوطنية: ( National Interest)