الحياة الفكرية في الدولة الحمادية

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: الحركة الفكرية
Livre: الحياة الفكرية في الدولة الحمادية
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Tuesday 23 July 2024, 09:22

1. الدولة الحمادية:

.

1.1. الصراع الحمادي الزيري وتأسيس الدولة الحمادية:

تعود البدايات الأولى لهذا الصراع إلى عهد باديس بن المنصور، و الّذي عهد إلى حماد بمحاربة أعمامه الّذين خالفوه، كما أوكـل إليه مهمة استئصال شأفة زناتة، وفي المقابل أقطعه أشير، وكل ما يفتـح من مناطق المغرب الأوسـط، فعمد حمـاد إلى ما أوكل إليـه من مهام، وانتصر على إخوانه، وعلى زناتة، كما قام ببناء القلعة سنة 398هـ/07-1008م، بل وسعى أيضا إلى التوسّع في بلاد المغرب. وهكذا ونتيجة لما حقّقه حماد، خاف باديس على دولته، و لعبت الوشاية دورها في إفساد ذات البـين، فرأى باديس سنة 403 هـ/1012م، أن يختبر ولاء حماد، إذ طلب منه التنازل لابنه المعز، عن تيجس، وقصر الإفريقي، وقسنطينة، غير أنّ حماد خالف دعوة باديس فدخل الطرفان في صراع و حروب، بعدما زحف إليه باديس بجيشه، و بعد سلسلة من الهزائم الّتي لحقت بحماد، التجأ إلى القلعة للاحتماء بها، و شدّد باديس حصارها، حتىّ وفاته على ذلك سنة 406هـ/1015م، و لم يكن ذلك ليضع حدّا لذلك الصراع، الّذي تجدّد في عهد المعز، أين تمكّن مـن هزيمة حماد، فسارع هذا الأخير إلى طـلب الصلح، و أجابه المعز إلى ذلك، و توّج هذا الصلح، بإقطاع المعز لحماد كل من عمل المسيلة، طبنة، الزاب، أشير، و تيهرت، و ذلك سنة 408هـ/1018م، و وضع حدّا للصراع بين أبناء العمومة و لو إلى حين.

وبذلك أصبح استقلال المغرب الأوسط أمرا واقعا، تحت حكم حماد، و الّذي سيتوارث أبناؤه حكم هذه البلاد لفترة تزيد عن القرن من الزمن، عرفت البلاد خلالها، تجدّد الصراع مع أبناء العمومة من بني زيري، و تواصل الصراع التقليدي مع قبيلة زناتة، و غيرها من الأحداث التاريخية الهامة و الّتي كان لها تأثير على الجانب الحضاري لبلاد المغرب، المتمثّل في المدن على وجه الخصوص، سواء سلبا أو إيجابا.

1.2. القلعة حاضرة بني حماد:

شرع حماد في بناء مدينته سنة 398هـ/1007-1008م. و بعدما فرغ من ذلك أحاطها بسور من الحجارة يشتمل على ثلاثة أبواب باب الجنان يفضي إلى المسيلة ، و هو في جنوبها الغربي ، و على الجنوب الشرقي بـــــاب جراوة على الطريق المؤدّي إلى برج الغدير،إضافة على باب الأقواس في الجهة الشمالية. و استمرّت مدينة القلعة في النمو و التطور ، حيث أخذ مسارها التطوري عدة مراحل بدايــــة بالقلعــــــــة العســــــكرية الحصينة العاتية ، فالمدينة الواسعة ، لتغدو عاصمة الحماديين وحاضرة دولتهم. و يفيدنا الجغرافي البكري حول التطور الهام الذي عرفته هذه القلعة خصوصا بعد الخراب الذي تعرضت له مدينة القيروان حاضرة المغرب الأدنى لردح مـن الزمن إثر الهجرة الهلالية إلى المنطقة حيث يذكر بأنه " انتقل إليها أكثر أهل إفريقية ، وهي اليوم مقصد التجار، و بها تحلّ الرجال من العراق و الحجاز و مصر والشام وسائر بلاد المغرب " .

وعلى هذا الأساس أخذت مدينة القلعة بنموها و تطورها مكانة القيروان كحاضرة تستقطب السكان و تجذبهم ، حتى أصبحت المدينة كما يصفها الإدريسي " من أكبر البلاد قطرا ،وأكثرها خلقا وأغزرها خيرا ،و أوسعها أموالا ، وأحسنها قصورا ومساكنا". ويضيف ابن خلدون "ورحل إليها من الثغور القاصية و البلد البعيد طلاب العلم وأرباب الصنائع لنفاق أسواق المعارف والحرف والصنائع بها ".

1.3. الانتقال إلى بجاية:

لمّا استفحل أمر الهلايين و لم يكفّوا عن عيثهم، و تخريبهم، و قطعهم السابلة في المدن والضواحي، لم يجد الناصر بن علناس بدّا من البحث عن بديل لهذه العاصمة، بإيجاد موضع أكثر حصانة من القلعة، و في مكان بعيد عن تأثير العرب الهلالية و أعمالها التخريبية، بعدما استحال عليه أمر ترويضها كما يرويه صاحب الاستبصار. فاختار موضع بجاية لبناء مدينته و العاصمة الثانية لدولته، و الّتي تشكّل ملجأ حصينا ضدّ الهلاليين، فهي بعيدة عن مجال تحرّكاتهم، نظرا لوجود حواجز جبلية تفصل هذه المدينة عن المناطق الّتي تصول و تجول فيها خيل العرب الهلالية، و في ذلك يذكر ابن خلدون محدّدا سبب بناء المدينة قائلا: «...وما كانوا يسمونهم بالقلعة من خطة الخسف و سوء العذاب بوطء ساحاتها و العيث في نواحيها، و تخطّفوا النّاس من حولها لسهولة طرقها على رواحلهم، و صعوبة المسالك عليهــا في الطريق إلى بجاية لمكان الأوعار، فـاتّخذ بجاية هـذه معقلا، و صيّـرها دارا لملكه، وجدّد قصورها». و ببناء الناصر لمدينة بجاية انتقل إليها سنة 461هـ/ 1068م، وجعلها مستقرّا له، و سعى إلى تعميرها، فشيّد القصور و الحمّامات و الأبراج، كما بنى دارا لصناعة الأساطيل و المراكب و الـسفن، و ذلك بعدما نقل السكّان إليـها من القلعة بعـد تخريبها، فغدت حينها عاصمة الحماديين خلفا لمدينة القلعة. وفي ظلّ ما يراه بعض المؤرّخين من أنّ تراجع الدور السياسي لمدينة القلعة بعد بناء الناصر بجاية و الانتقال إليها ما هو إلاّ نتيجة حتمية لما آلت إليه أوضاع تلك المنطقة من نهب و تخريب الهلاليين للمدن و القرى و المنازل و الزروع، فإنّ السؤال الّذي يطرح هو: هل يقتصر سبب بناء الناصر لمدينة بجاية على ما ذكرناه آنفا أم أنّ هناك أسبابا أخرى؟ ثمّ هل انتقل الناصر إلى يجاية من القلعة بشكل نهائي و انقطع عنها؟ للإجابة على الشطر الأوّل من السؤال الّذي طرحناه، نقول بأنّه تعدّدت آراء المؤرّخين حول سبب بناء الناصر مدينة بجاية، ففي الوقت الّذي يرى البعض أنّ السبب هو تخريب القلعة، فإنّ هناك مـن المؤرّخـين من كان له رأي آخر، و يتزعم ذلك الرأي الجـغرافي ياقوت الحموي والمؤرّخان ابن الأثير والنويري، بحيث يذكرون أنّ السبب في بنائها، هو رغبة الناصر بن علناس في إيجاد ميناء بحري حربي لعاصمته القلعة، و كذلك بهدف مواجهة القوة الزيرية، بل و حتىّ التوسّع على حسابها، و دخول مدينة المهدية، فيذكر الحموي ذلك قائلا: «...وأشار عليه ببناء بجاية... وأراه المصلحة في ذلك الّتي تحصل له من الصناعة وكيد العدو»، وبناء على هذا فلا يمكننا أن نحمّل العرب الهلالية المسؤولية الكاملة في تراجع الدور السياسي لمدينة القلعة، بعد التخريب الّذي أحدثته في تلك المنطقة، بل إذا صحّت الروايات التاريخية الّتي ذكرناها، فإنّ لأطماع الناصر بن علناس في ملك بني عمومته، و طموحاته التوسّعية على حسابهم، دور كبير في تراجع دور القلعة بعدما بنى بجاية و اتّخذها عاصمته السياسية. أمّا بخصوص انتقال الناصر إلى بجاية فإنّ ابن خلدون يشير إلى أنّ الناصر بعد انتقاله إلى يجاية سنة 461هـ/1068م، بقـي يتردّد على القلعة، و لم يغادرها بشـكل نهائي، حـتىّ هلك سنة 481هـ/1088م، فخلفه ابنه المنصور، الّذي لم ينتقل إلى بجاية حتىّ سنة 483هـ/ 1090م.

2. عوامل نمو الحركة العلمية بالقلعة وبجاية:

هجرة العلماء من القيروان إلى القلعة الحمادية.

الرحلة العلمية.

الاحتكاك والتواصل الثقافي بين العلماء داخل بلاد المغرب الأوسط وخارجها.

        اهتمام القيادة السياسية بالحياة الثقافية، بناء المساجد والمدارس، حيث اعتنى الناصر بن علناس ببناء المؤسسات العلمية ببجاية.

المقومات التي تحوزها حواضر المغرب الأوسط الثقافية.

عناية السلطة بالحياة الفكرية وبالعلماء.

 

3. المؤسسات العلمية بالدولة الحمادية:

    الكتاتيب، المساجد، المدارس.
 

4. مظاهر الحركة الفكرية في عهد بني حماد:

        العلوم النقلية: اهتموا بعلوم القرآن، والفقه وأصوله، والتفسير والحديث، ومن اهم العلماء في هذا المجال: أحمد بن نصر الداودي توفي سنة 402ه/1111م صاحب كتاب الأموال، والذي درس في القلعة مركز انتاج العلماء،، كما شرح كتاب الموطأ للامام مالك بن أنس توفي سنة 179 للهجرة. بالإضافة إلى الأديب الكامل أبي علي بن رشيق المسيلي، الذي درسة بالمسيلة ثم ارتحل إلى القيروان سنة 406ه، له تواليف حسب ما يقوا ابن بسام الشنتريتي في النظم والنثر، منها كتابه: العمدة، وكتاب الأنموذج، وعدة رسائل رائقة، وله قصائد بديعة.

        وكذلك: أبو علي حسين بن محمد المسيلي توفي سنة 431ه/1040م، تعلم في القلعة، برع في الفقه وأصوله، يقول عنه ابن بشكوال صاحب الصلة: "كان حسن التفقه، وكان عفيفا متواضعا".

        وكذلك: علي بن معصوم القلعي توفي سنة 551ه/1156م، فقيه وعالم بالحساب من أهل القلعة، رحل إلى المشرق واستوطن دمشق، وانتقل إلى خرسان ومات هناك.

        وكذلك: أبو حسن المسيلي توفي سنة 580 للهجرة. بالإضافة إلى: ابن حماد الصنهاجي أبو عبد الله محمد، هو مؤرخ وأديب وفقيه.

        أما العلوم العقلية فاهتموا بالأدب والنحو والتراجم ، والحساب والفلك...

 

5. أهم المصادر والمراجع:

- ابن خلدون، عبد الرحمن، (1421هـ/2000م)، العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، ج1، ضبطه، خليل شحادة، (د.ط)، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

- الغبريني، أحمد، (1979)، عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية، تح، عادل نويهض، ط2، بيروت: منشورات دار الآفاق الجديدة.

- عشي، علي، (2018)، (المؤسسات الدينية بالمغرب الأوسط خلال العهد الموحدي)، مجلة الحوار المتوسطي، جامعة سيدس بلعباس، الجزائر، المجلد: 9، العدد: 3.

- عقبة، السعيد: «الحياة العلمية و الفكرية ببجاية خلال القرن السابع الهجري 13 م من خلال كتاب عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة بجاية لأبي العباتس أحمد الغبريني (ت 704هـ/1304م)»، رسالة ماجستير في حضارة المغرب الأوسط في العصر الإسلامي الوسيط، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، قسنطينة، 1429-1430هـ/2008-2009م.

- خلفات، مفتاح: «علماء زواوة و الإرث الثقافي القلعي»، مجلة الآداب و العلوم الإنسانية، العدد 10، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، قسنطينة، 1430هـ-2009م.

- فيلالي، عبد العزيز: «قلعة بني حماد الحاضرة الاقتصادية و الثقافية للمغرب الأوسط خلال القرن 05 هـ/11م»، مجلة الآداب و العلوم الإنسانية، العدد السابع، جامعة الأمير عبد لقادر للعلوم الإسلامية، قسنطينة، 1427هـ-2006م.

- عمارة، علاوة: «التطور العمراني و التجاري لمدينة بجاية في العصر الإسلامي الوسيط»، مجلة جامعة الأمير عبد القادر الإسلامية، العدد 26، جامعة الأمير عبد القادر، قسنطينة، 1429هـ-2008م.

- عمارة، علاوة: «الهجرة الهلالية و أثرها في تغيير البنية الاجتماعية لبلاد الزاب»، مجلة الآداب و العلوم الإنسانية، العدد10، جامعة الأمير عبد القادر للعوم الإسلامية، 1430هـ-2009م.

- عمارة، علاوة: «الهجرة الهلالية و إشكالية انحطاط حضارة المغرب الإسلامي الوسيط: قراءة في نقاش تاريخي»، مجلة الآداب و العلوم الإنسانية، العدد 04، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، قسنطينة، الجزائر، 1425هـ-2004م.

- مجاني، بوبة: « مدينة قسنطينة في الفترة الإسلامية دراسة اجتماعية»، مجلة العلوم الإنسانية، العدد 08، منشورات جامعة قسنطينة، 1997.