الحركة الفكرية في الدولة الفاطمية ببلاد المغرب

1. الدولة الفاطمية في المغرب:

حكمها في بلاد المغرب أربعة خلفاء بعد أبي عبد الله الشيعي الداعي الذي قتل هو وأخيه بأمر من عبيد الله المهدي أول خلفائهم سنة 298هـ/ 911م، وكان لمقتلهما عواقب على مستقبل هذه الدولة الشيعية.

- خلافة عبيد الله المهدي (297-322هـ/909-934م): دخل رقادة ونزل بقصورها، وتلقّب بالمهدي أمير المؤمنين، حيث عكف على تنظيم شؤون دولته بتعيين الحجاب، والقضاة، وأصحاب الدواوين، وكان أبرز ما ميّز عهده من أحداث مقتل أبي عبد الله الشيعي، وبنائه لمدينة المهدية، والقضاء على حركات التمرّد ضدّ الدولة.

- خلافة القائم بأمر الله (322-334هـ/934-945م): بوفاة الخليفة الأوّل لدولة الشيعة بالمغرب، اعتلى ابنه القائم بأمر الله عرشها، فوضع قواعد دولتـه، و سار سيرة أبيه، و كان أبرز حدث ميّـز عهده خروج الثائر أبي يزيد مخلد النكاري عليه، و إعلان الثورة ضدّ الفاطميين.

- خلافة المنصور إسماعيل (334-341هـ/945-952م):

تولّـى المنصور الخلافة في ظروف صعبة، بعد هلاك أبيه في حصار أبي يزيد النكاري للمهدية، فكان أهمّ عمل استهلّ به شأن خلافته، هو القضاء على هذه الثورة و زعيمها، و قد تمكّن من ذلك.

- خلافة المعز لدين الله (341-362هـ/952-972م):  بعد وفاة أبيه صار أمر المغرب إليه، و قد عدّ من أعظم ملوك بني عبيد، لما شهدته فترة خلافته من أحداث هامة، أهمّها وصول قائده جوهر الصقلي في فتوحاته حتىّ المغرب الأقصى والبحر المحيـط، فأخضع نواحي المغرب وافتتح مدنه، كما سيّره إلى مصر سنة 358هـ/958م فافتتحها⁽وانتقل إليها المعز في سنة 362هـ/972م، وعهد إلى بلكين بن زيري بأمر المغرب.

2. الحياة العلمية:

        اعتنى الفاطميون بالتعليم وأشرف الخليفة بنفسه على تعيين الأساتذة والمعلمين بالمساجد الجامعة، وكان النعمان بارعا في جلب الطلبة إليه، حيث خصص يوم الجمعة للتدريس والتعليم وقراءة الحكمة. وكان يرفض التلقين بل يحبذ الحوار والمجادلة والسؤال والجواب.

        كان دعاة الشيعة معلمين وفقهاء وخطباء، يسعون إلى بناء جيل على المذهب الاسماعيلي كأبي عبد الله الشيعي هو أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن محمد بن زكريا، عرف بألقاب منها: الشيعي، المحتسب، الصنعاني، المعلم، اتّصل بإمام الزمان في سلمية الذي رأى فيه من الذكاء، ثم أرسله إلى مركز تكوين الدعاة الماهرين باليمن، حتىّ صار من الدعاة الكبار، فأرسله حينها منصور اليمن (ابن حوشب) إلى أرض كتامة، حسبما رسم الإمام، بعد موت الحلواني وأبي سفيان، وهناك عكف على نشر مبادئ الشيعة الإسماعيلية، وكان له دور كبير في قيام دولة الشيعة، قتل سنة 298هـ/910م

3. صنوف المعرفة:

        اهتمت بمختلف العلوم والفنون من علوم القرآن والفقه والحديث والرياضيات والطب.  فالمعز لدين الله الفاطمي رابع خلفاء الفواطم عرف باهتمامه بعلم النجوم أو علم الفلك.

        في الفقه والتاريخ القاضي النعمان صاحب افتتاح الدعوة.

        كما اهتموا بفنون الأدب والنحو، ونظم الشعر، ومن الشعراء في تلك الفترة البارزين: سهل الوراق.

4. الاختلاف العقدي-المذهبي:

كان الاختلاف لامعا بين المالكية السنية والاسماعيلية الشيعية، وقد عمدت الدولة الفاطمية إلى اضطهاد علماء المالكية وحتى التنكيل بمن يرفض المذهب الاسماعيلي ويعارض عقائده وأصوله من العلماء السنيين وتعذيبهم وحتى اعدام بعضهم ممن قاوم بشدة الفكر الاسماعيلي وجهر بالحق وناضل في سبيله.

5. المناظرة والجدل:

كانت هناك مناظرات بين علماء السنة المالكية وفقهاء الاسماعيلية الشيعية. ومن أبرز مواضيع الجدال: حول الامامة؛ كإمامة علي، امامة المفضول في وجود الفاضل أو الأفضل، صلاة التراويح، ونكاح المتعة، والتقية، وكانت مجالس المناظرات كثيرة ومتعددة.

        كما كانت المقاومة بالتأليف والتصنيف في الفقه والعقائد، لتوضيح المسائل المفصلية في الدين ووحتى الفرعية، كمسألة الامامة عند أهل السنة. ومن هذه المؤلفات: كتاب الامامة لابن سحنون، وكتاب الامامة للامام ابراهيم بن عبد الله، وكتاب : الرد على الرافضة، الذي كان سببا في امتحان وضرب وسجن صاحبه.

6. أهم المصادر والمراجع:

- القاضي النعمان، أبو حنيفة بن محمد  التميمي (ت 363هـ/ 973م)، صاحب كتاب افتتاح الدعوة، صاحب هذا المصنف من رجالات الدولة الفاطمية، الّذين اهتمّوا بالتأريخ لها منذ بداياتها الأولى على أرض المغرب، و ما شهده تاريخها من أحداث، و هو مصدر مهم لدراسة التاريخ الفاطمي.

- القاضي النعمان: اختلاف أصول المذهب، تح، مصطفى غالب، ط3، دار الأندلس للطباعة و النشر و التوزيع، بيروت، لبنان، 1983.

- القاضي النعمان: كتاب المجالس و المسايرات، تح، الحبيب الفقي، و آخرون، ط1، دار المنتظر، بيروت، لبنان، 1996.

- في نسب الخلفاء الفاطميين أسماء الأئمة المستورين كما وردت في كتاب أرسله المهدي عبد الله إلى ناحية اليمن، تقديم، حسين بن فيض الله الهمداني، تصدير، بايرد دودج، الرسالة الأولى، مطبوعات الجامعة الأمريكية، القاهرة، 1958.

- المقريزي، أبو العباس أحمد بن علي (ت 845 هـ/1441م)، خاصة في كتابه اتّعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا، و هو كتاب مهم، احتوى على أخبار تتعلّق خصوصا بتاريخ المغرب في فترة دولة الفاطميين، و قد استفدت كثيرا من النصوص الّتي أوردها بخصوص الثورات و الصراعات الّتي شهدتها المنطقة آنذاك، خاصة الآثار الّتي خلّفتها ثورة صاحب الحمار ضدّ الفاطميين على عمران المدن و أهاليها.

- الداعي إدريس، عماد الدين (ت 872هـ/1488م): تاريخ الخلفاء الفاطميين بالمغرب القسم الخاص من كتاب عيون الأخبار، تح، محمد اليعلاوي، ط1، دار  الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1985.

- الداعي إدريس، عماد الدين القرشي: عيون الأخبار و فنون الآثار في فضائل الأئمة الأطهار، السبع السادس، تح، مصطفى غالب، ط2، دار الأندلس للطباعة و النشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1984.

- الحاجري، محمد طه: مرحلة التشيع في المغرب العربي و أثرها في الحياة الأدبية، ط1، دار النهضة العربية للطباعة و النشر، بيروت، 1403هـ-1973م.

- الخربوطلي، علي حسن: أبو عبد الله الشيعي مؤسس الدولة الفاطمية، (د.ط)، المطبعة الفنية الحديثة، 1972.

- جار الله، موسى: الوشيعة في نقد عقائد الشيعة، (د.ط)، مطبعة الكيلاني، باب الخلق، 1982.

- جمال الدين، عبد الله محمد: الدولة الفاطمية (قيامها ببلاد المغرب و انتقالها إلى مصر إلى نهاية القرن 04 هـ)، (د.ط)، دار الثقافة للنشر و التوزيع، القاهرة، 1411هـ-1991م.

- حسن، إبراهيم حسن و طه أحمد شرف: عبيد الله المهدي إمام الشيعة الإسماعيلية ومؤسس الدولة الفاطمية في بلاد المغرب، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1366هـ-1947م.

- حسن، إبراهيم حسن: تاريخ الدولة الفاطمية في المغرب و مصر و سوريا و بلاد العرب، ط2، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1958.

- طقوش، محمد سهيل: تاريخ الفاطميين في شمالي إفريقية و مصر و بلاد الشام (297-567هـ/910-1171م)، ط1، دار النفائس للطباعة و النشر و التوزيع، بيروت، لبنان، 1422هـ-2011م.

- لقبال، موسى: دور كتامة في تاريخ الخلافة الفاطمية منذ تأسيسها إلى منتف القرن الخامس الهجري (11 م)، (د.ط)، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع، الجزائر، 1979.

- ماجد، عبد المنعم: ظهور الخلافة الفاطمية و سقوطها في مصر، ط4، دار الفكر العربي، القاهرة، 1414هـ-1994م.

- مرمول، محمد الصالح: السياسة الداخلية للخلافة الفاطمية في بلاد المغرب الإسلامي، (د.ط)، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1983.

        التشيع قبل أبي عبد الله كان هناك أبو سفيان والحلواني هما اللذان حرثا بلاد المغرب وجاء أبو عبد الشيعي صاحب البذر، ثم عبيد الله المهدي صاحب الأمر.

        حين جاء أبو عبد الله وجد من يحتضن دعوته لماذا وكيف؟

        لا يمكن دراسة الحياة الفكرية بالمغرب الأوسط الفاطمي دون التطرق إلى طبيعتها في المغارب عموما، فقد برزت مدرسة بالقيروان إلى الوجود بداية من الامام سحنون الذي توفي سنة 256ه/869م، قال عنه أبو العرب في طبقات علماء افريقية: "لم يكن في عصره أحد أجمع لعلوم الفنون منه". ومن آثاره: آداب المعلم والمتعلم (آداب المتعلمين).