عوامل نمو الحركة الفكرية والتعليمية في المغرب الأوسط

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: الحركة الفكرية
Livre: عوامل نمو الحركة الفكرية والتعليمية في المغرب الأوسط
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Tuesday 23 July 2024, 03:27

1. الرحلة العلمية

      

الرحلة في شقّها العلمي تشكّل أحد الأركان الهامة في بناء صرح الانتاج المعرفي والفكري للفرد، وأرضية خصبة لإنعاش مواده وتغذية مشاربه، وبحرا عميقا لريّ مضاميره وإشباع حاجاته، لذلك نجد ابن خلدون يؤكّد على أنّ من تشوف للعلم بفطرته خصوصا من نشأ بالقرى والأمصار غير المتمدّنة لا بدّ له "من الرحلة في طلبه إلى الأمصار المستبحرة شأن الصنائع كلّها". والرحلة في منظوره "لابدّ منها في طلب العلم لاكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال". ولئن كنّا في غنى لنُثبت ما هو في الأصل ثابت بشأن ما تنطوي عليه نصوص الرحلات وجهود من اضطلع بها من قيمة علمية وفائدة في الكتابة التاريخية وفي الحقل المعرفي بكل مواطنه، فإنّ استحضار جانب من السمات المعرفية الهامة التي اصطبغت بها والأهمية المعرفية الخالدة التي تكتسيها، واستنطاق مساحة من الجهد الفكري الدارس لنصوصها الكاشف لجهود الرحالة على اختلاف مذاهبهم الرحلاتية ومشاربهم العلمية واهتماماتهم المعرفية على امتداد المسار الزمني الـمُؤطّر للحقبة المغربية الوسيطة، لا يُلجِم أقلامنا عن التنويه بحجم الآثار الايجابية التي تخلفها على الحياة الفكرية.

ومن ذلك: تحريك عجلة التأليف، وتنمية حقول المعرفة وتطويرها. بالاضافة إلى الاحتكاك الفاعل بين أهل العلم وطلبته.

2. التأثير المشرقي على المغرب:

ومن مظاهره:

انتشار المذاهب السنية الفقهية كالمالكي، وغير السنية  المذهبيةكالخارجي الصفري والاباضي والشيعي.

            تأثر المغرب بالمذاهب التي ظهرت في المشرق وانتقلت إلى المغرب وأسهمت في احداث تنوع ثقافي وانتعاش فكري.

            ساهم الكتاب وحركة التأليف في بناء جيل جديد، وفي انعاش الحياة الفكرية كما أسهم في احداث القطيعة بين الموروث البربري القديم الممزوج بالموروث الروماني البزنطي المسيحي.

            أسهمت القبائل العربية في عملية التعريب حيث اندمج الهلاليون في المنظومة الثقافية للعامة للمجتمعات المغرب أوسطية ...

ثانيا: الحركة التجارية:

            طبيعي أنّ هذا الصنف من الرحلة يقوم بشكل أساس على دافع المتاجرة وتبادل المصالح الاقتصادية وتحصيل الربح والمنفعة المادية، حيث كان تجار المغرب الأوسط يتنقلون بين أرجاء العالم الاسلامي بسلعهم فيبيعون ويشترون، يروجون لبضائعهم ويستنفعون بما ينتجه غيرهم من أنواع السلع ومواد التجارة التي لا تنتجها بلادهم وتنطوي على أهمية بالغة في السوق، غير أن ذلك لا يعني أن الحياة الفكرية لم تنتفع بهذا النشاط على اعتبار أن طرق التجارة كانت تسلك كذلك من طرف طلبة العلم الذين يرافقون التجار مع قوافلهم وذلك بقصد طلب العلم والاستزادة من المعارف. ويلفت انتباهنا ابن خلدون في هذا الصدد، إلى مدى أهمية التجارة الخارجية أو تجارة العبور في انعاش الحياة الاقتصادية إذا أحسن التاجر الاستثمار في الأزمة باعتبار فتراتها فرصة سانحة لتحقيق الربح والاستنفاع، وتجشّم عناء المخاطرة في سبيلها، فيقول: "وكذلك نقل السلع من البلد البعيد المسافة أو في شدة الخطر في الطرقات يكون أكثر فائدة للتجار وأعظم أرباحا وأكفل بحوالة الأسواق لأنّ السلعة المنقولة حينئذ تكون قليلة معوزة لبعد مكانها أو شدّة الغرر في طريقها فيقلّ حاملوها ويعزّ وجودها وإذا قلّت وعزّت غلت أثمانها... ولذا تجد التجار الذين يولعون بالدخول إلى بلاد السودان أرفه الناس وأكثرهم أموالا لبعد طريقهم ومشقته... فتجد سلع بلاد السودان قليلة لدينا فتختص بالغلاء وكذلك سلعنا لديهم. فتعظم بضائع التجار من تناقلها ويرسع إليهم الغنى والثروة من أجل ذلك. وكذلك المسافرون من بلادنا إلى المشرق لبعد الشقة أيضا". كما إن الحياة الثقافية تنتعش هي الأخرى كلما كانت المجتمعات تشهد انتعاشا اقتصايا.

3. حواضر المغرب الأوسط عامل جذب:

بما تشهده من حراك ثقافي وعلمي، وما تحوزه من مقومات سياسية وادارية وجغرافية وثقافية وبشرية وأمنية. فقد كانت تيهرت والقلعة الحمادية وتلمسان مقصدا لكل راغب في العلم، فكانت تيهرت مستقرا لأهل العلم سكنها مسلمون ومسيحيون ويهود، وسكنها من أصحاب المذاهب: سنيون و شيعة  صفرية ومعتزلة وجموع الإباضين، وبالفعل فقد كانت تيهرت بهذه الصورة وبهذا الشكل عاصمة ليس فقط للإباضين والخوارج، بل كانت عاصمة ومنطقة جذب لكل الخارجين عن الدولة العباسية، لما عُرف عن ابن رستم من عدل وحسن السيرة بين رعيته.

    وهذا يبين بصورة واضحة مدى الاستقطاب الكبير الذي شهدته احواضر المغرب الأوسط، حيث أصبحت في مدة قصيرة تحوي أجناسا مختلفة، إضافة إلى المهاجرين المشرقيين الذين كانت لهم مكانة هامة سواء من ناحية عدد الأفراد أو الدور الاقتصادي لكثير منهم، ضف إلى ذلك العنصر العربي ومعظمهم جاءوا من إفريقيا.

 

4. دور السلطة

أسهمت السلطة السياسية ببلاد المغرب في انتعاش الحياة الثقافية والاقتصادية بحواضرها كتاهرت والقلعة الحمادية وبجاية وتلمسان، حيث لعبت دورا ملحوظا في استقطاب النخب المشرقية والأندلسية، وبذلك الدفع بعجلة الحراك الثقافي والتفاعل الفكري ...