المقامات (بديع الزمان الهمذاني، مقامات الحريري، منامات الوهراني)

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: النص الأدبي القديم -نثر- أ.أونيس
Livre: المقامات (بديع الزمان الهمذاني، مقامات الحريري، منامات الوهراني)
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Sunday 1 September 2024, 07:15

Description

يحتوي هذا الملف على عناصر الدرس الأساسية فهو مورد أساسي

1. مقدمة

فن المقامات فن عربي أصيل من فنون الأدب القديمة، تميز بنقد الأوضاع العامة للمجتمع الإسلامي في قالب قصصي فني، معتمدا على الزخرفة اللفظية والفنون البلاغية مع معجم هائل من اللغة العربية القديمة. وكان من أهم أعلامه في المشرق: بديع الزمان الهمذاني، وأبو القاسم الحريري، وفي الأندلس: أبو الطاهر السَّرَقُسْطي. وقد أفاد الدارسون والأدباء والمشتغلين باللغة والنقد من هذا الفن التراثي؛ إذ عكفوا عليه بالدراسة والتحليل مستجلين قيمته الفنية واللغوية والأدبية والتاريخية والحضارية.

2. نشأة فن المقامة

بالطبع كان العرب منذ غيرهم منذ قديم الأزل كانوا يقيمون المجالس ويرددون الحكايات بهدف الاستمتاع في مجالس، وكانت تلك القصص تعبر عن معتقداتهم وأفكارهم وعاداتهم الاجتماعية.

ظهر هذا الفن العربي في العصـر العباسي؛ في القرن الرابع الهجري، واشتهر به أولًا بـديـعُ الزمـان الهمـذانـي (ت 398هـ/ 1008م)، لأنه أول من سمى نصوصه مقامات، وكــان من أكبر أدباء عصره المبدعيــن. ثم تلاه في الشهرة أبو القاسم الحريري (ت 516هـ/1122م). وهناك كثيرون كتبوا مقامات ذات مواضيع مختلفة، ومنهم مثلا: ابن نباتة (ت 405هـ) وابن ناقيا (ت 485هـ) والزمخشري (ت 538هـ) والسرقسطي الأندلسي (ت 538هـ)، السيوطي (ت 911هـ)، وناصيف اليازجي (ت 1287هـ) واسم كتابه: مَجْمَع البحرين.

وقد استعرضَ شوقي ضيف في كتابه (المقامة) مجموعة من أبرز من كتبوا في فن المقامة عبر التاريخ العربي الإسلامي.

3. عناصر المقامة الأدبية

 تحتوي المقامة على عدد من العناصر كغيرها من الفنون الأدبية، وفيما يأتي عرض لهذه العناصر:

  • الراوي: هو تلك الشخصية التي تنقل المجلس وتحدث عنه.
  • البطل: هو تلك الشخصية التي تدور حوله مجريات المقامة، وتنتهي بانتصاره دائماً.
  • النكتة: هي العقدة التي تحاك عليها القصة لكي يتم الاعتبار بها من قبل القارئ، وغالباً ما تكون بعيدة عن الأخلاق الحميدة، وقد تَعرض في بعض الأحيان أخلاق كريمة.

4. مقومات المقامة ودعائمها

إنّ المقامة الأدبية كغيرها من الفنون لها بناء ودعائم، ومنها ما يأتي:

 التشويق: يعتبر من أهم دعائم المقامة حيث تثير انتباه القارئ وتسلبه؛ من خلال ما يخرج من قريحة أبطالها من طرق عرض مميزة.

الحادثة: الحدث هو عنصر أساسي في بناء المقامة لا يمكن إغفاله لتعرض المقامة بطريقة متسلسلة. السرد: تعتمد المقامة على طريقة سرد الأحداث، حيث يجب أن تُعرض بطريقة مغرية للقارئ من خلال عرض الأحداث بطريقة مترابطة ومشوّقة.

5. أسلوب المقامات

تعتمد المقامة على السجـع كثيرا؛ لأنه يسهل حفظها ويجعل القارئ يعجب ويطرب لما فيها من إيقاع لفظي ظاهر من خلال الانتهاء بالحروف المتجانسة، كما تتميز المقامة أيضا باشتمالها عادة على غريب اللغة والألفاظ المعجمية، وبشيوع فنون البلاغة المختلفة: البديع والبيان والمعاني، وخصوصا البديع والبيان، فالأول يوفر الموسيقا والإيقاع عن طريق السجع والجناس والطباق والمقابلة...، والثاني يهتم بالصورة عبر التشبيهات والاستعارات والكنايات...

6. أشهر من كتب في المقامات

 اشتهر في كتابة المقامات الأدبية ثلاثة أسماء كبيرة وهم:

 بديع الزمان الهمذاني: هو أول من قام بكتابة المقامات وبرع بها؛ حيث تميزت مقاماته بالسهولة والفصاحة وقصرها، كما تخللها روح الدعابة والمرح، وبديع الزمان هو بديع في وصفه؛ فقل أن يجد القارئ له تشابهاً في مقامته من حيث المضمون.

أبو القاسم الحريري: برع أبو القاسم في هذا الفن حيث كتب مقاماته بلغة قصيرة الجمل ومتينة متعاقبة الألفاظ متناسقة المعنى قريبة إلى القارئ. ابن دريد: قد يكون لهذا الاسم أثر كبير على بديع الزمان؛ فهو بمثابة الإلهام له حيث إنّ بديع الزمان اعتمد في كتابته للمقامات على الأصول التي وجدها عند ابن دريد.

7. أهم السمات الأسلوبية لدی كل من بديع الزمان والحريري

1- بديع الزمان: مقامات البدیع قصيرة النصوص في الأغلب، وفیها فصاحة وسهولة ووضوح، إلی جانب الدعابة والمرح والتهکم، وهو حسَن الابتکار، قلّ أن تجد له مقامتین في معنی واحد، وتُظهِر مقاماته جودته في السرد والوصف الحسّي والتحلیل، وعباراته رشيقة الألفاظ سائغة التراکیب تحوي أوصافا جميلة، ومع أنه يُكثر من الصناعة المعنویة (في الاستعارات والکنایات والتوریات خاصة) فإنه لا يُظهِر تکلّفا ولا إغراقا في السجع. والهمذاني یبدو بارعا في دراسة الطبائع وتصویر المعائب وعرض مساویء المجتمع. غیر أنّه لا یهدف دائما إلی إصلاح هذه المساویء بنصح أو برَدْع، وإنمّا غایته التهکّم بأصحابها وإطرافِ الآخرین بتصویرها واستعراضها، ويبدو كما لو كان ناقما على المجتمع.

2- الحريري: مقامات الحريري في الغالب أطول من مقامات البديع، وهذا الطول لا يعود لطول قصة المقامة نفسها، بل لأنه يجمع أحيانا حكايتين في مقامة واحدة. ويعود كذلك إلى إكثاره من الألفاظ المترادفة لمعنى واحد، وإيراد عدة جُمَل للمضمون ذاته، كما أن من أسباب طولها أيضا إکثاره من الشعر كتلك القصائد التي يشرح بها أبو زید أحواله، ویقص فيها أخباره. ولغة الحریري عميقة وصعبة، ولكنه يستخدم جُمَلا قصیرة ویقطعّها تقطیعاً موسیقیاً، فلا تتعدی جملته - في الغالب - الکلمتین أو الثلاث، وهو في إنشائه بادي الصنعة، ظاهر التکلّف، یتعمد الغریب من الألفاظ، ویُسرف في استعماله، ویُفرط في اصطناع المجاز والتزیین حتی تجفّ عبارته ویقل ماؤها ویعسُر مساغُها.

ومن أشهر مقامات بديع الزمان مقامتان؛ هما المقامة المَضیریة والمقامة البِشْرِیة. أما المقامة المَضیریة فتظهر فیها براعة البدیع في الوصف ودقة التصویر، علی شيء کثیر من السخرية وخفة الروح. وأما البِشْرِیة، فهي التي وفق بها بدیع الزمان لاختراع شاعر جاهلي تبنّاه التاریخ من بعده، وهو بِشْر بن عُوانة العَبْدي.

8. الوهراني

يُعد الوهراني من أهم كتاب فن المقامة .

8.1. نبذة عن حياته

قديما كتب عن الوهراني العديد من المؤرخين من بينهم ابن خلكان في الوفيات ، وفضل الله العمري في مسالك الأبصار، والصفدي في الوافي بالوفيات، وابن قاضي شهبة في الأعلام[4]، والسيوطي في الكتاب المنسوب إليه "الكنز المدفون" .

أما حديثا فقد كتب عنه محمد كرد علي في المقتبس، وخير الدين الزركلي في الأعلام، وفريد وجدي في دائرة معارف القرن العشرين، والدكتور عبد المالك مرتاض في كتابه فن المقامات في الأدب العربي، وأبو علي حيدر في مجلة عيون المقالات المغربية في عددها السادس والسابع الصادر عام 1987م، وصلاح الدين المنجد في مجلة المجمع العلمي، في جزئها الأول من المجلد الأربعين، والصادر في يناير عام 1965م، وغيرهم.

هو أبو عبد الله محمد بن محرز بن محمد الوهراني، الملقب بركن الدين، وقيل: جمال الدين، أصله من وهران، بفتح الواو وسكون الهاء، وهي مدينة جزائرية كبيرة، تقع في غرب الجزائر، وهي على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

ولقد عرف عن سيرته بعد مطالعة آثاره المخطوطة، أنه زار دمشـــق فــي أيــام نــور الــدين محمـود  بن زنكـي (المتوفى سنة 569 هـ ) واتصل به، وأنه مر بصقلية، وزار مصر و بغداد ، ثم استقر به المقام بدمشق، التي كانت قبلة الأنظار، تهوي إليها أفئدة الناس من كل حدب وصوب. وكان نور الدين شديد العطف على المغاربة، فوجه خطابة مسجد داريّاإلى الوهراني.

توفي بداريَّا سنة خمس وسبعين وخمسمائة (575هـ) أيام صلاح الدين الأيوبي، ودفن في تراب أبي سليمان الداراني.

8.2. آثاره

ترك الوهراني نصوصا نثرية في صورة منامات ومقامات ورسائـل وخطـب، جمعـها كتابه"جليس كل ظريف"، وقد حققه إبراهيم شعلان ومحمد نغش تحت عنوان: "منامـات الوهراني ومقاماته ورسائله"، وراجعه الدكتور عبد العزيز الأهواني، وصدر عن دار الكاتب العربـي فـي القاهرة عام 1968م، يتألف من مائتين وسبع وثلاثين صفحة من الحجم المتوسط.

8.3. المنام الكبير

لقد ابتدع الوهراني فن المنامات الأدبية، وقد شهر منامه الكبير الذي حاكى فيه أبا العلاء المعري في رسالة الغفران، قال ابن خلكان: "ولو لم يكن له فيها إلا المنام  الكبير لكفاه، فإنه أتى فيه بكل حلاوة، ولولا طوله لذكرته…".

لقد جمع الوهراني في المنام ألوانا من الأدب والمزاح، فتخيل أنه رأى في المنام كأن القيامة قامت، ومناديا ينادي: هلموا إلى العرض الأكبر، فخرج من قبره حتى بلغ أرض المحشر، فوجد بها كثيرين ممن عرفه وعاصره، فسخر منهم جميعا وذكر ما حوسبوا عليه.

للمؤلف حوالي 44 نصا بين منام ومقامة ورسالة بأطوال مختلفة تتميز :

المنامات: وعددها ثلاث، تناولت مواضيعها عوالم مختلفة بين جن وآخرة تنقل خياله بأسلوب نثري تخللته بعض الأشعار. أكبر المنامات وأشهر المنام الكبير الذي قال عنه ابن خلكان: «وَلَوْ لَمْ يَكنْ لَهُ فِيهَا إلاّ المنامُ الكَبير لَكَفَاهُ، فإنّه أتَى فيهِ بِكُلّ حَلاوَة، وَلَولا طُوله لَذكَرْتُهُ.

المقامات : تناول فيها الوهراني بعض المسائل السياسية والحكم (في الأولى التي كتبها في بغداد) ونقد لظواهر الاجتماعية (في مقامته الثانية في شمس الخلافة) كما لجأ للمدح ( في مقامته الثالثة " المقامة الصقلية ").

الرسائل : وبلغت حوالي 33 رسالة تنوعت مواضيعها بأسلوب أدبي أنطق فيه الجماد والحيوان لتبليغ رسالته.

8.4. الهزل في كتابات الوهراني

لقد اختار الوهراني لنفسه أسلوب السخرية والتهكم في الكتابة، وقد جمع في كتابه "أنيس كل جليس" الكثير من رسائله ومناماته وفصوله الهزلية. كتب على لسان بغلته رسالة إلى الأمير عز الدين موسك: "المملوكة ريحانة بغلة الوهراني تقبل الأرض بين يدي المولى عز الدين حسام أمير المؤمنين، نجاه الله من حر السعير، وعظم بذكره قوافل العير، ورزقه من القرط والتبن والشعير ما وسق مائة ألف بعير، واستجاب فيه صالح أدعية الجم الغفير من الخيل والبغال والحمير…".

وهكذا نرى أن الوهراني كان صاحب دعابة ومزاح، وأنه كان خفيف الروح مقبول الكلام،قال صلاح الدين المنجد: "هو ثاني اثنين سلطهما على أهل دمشق أيام الأيوبيين، ابن عنين في "مقراض الأعراض " شعرا، وهو في "رسائله" و"منامه" نثرا".

أقدم من ترجم للوهراني هو القاضي ابن خلكان، قال عنه إنه:" أحد الفضلاء الظرفاء، قدِم من بلاده إلى الديار المصرية في أيام صلاح الدين ـ رحمه الله تعالى ـ وفنه الذي يمُتُّ به صناعة الإنشاء. فلما دخل البلاد ورأى بها القاضي الفاضل وعماد الدين الأصبهاني الكاتب ، وتلك الحلبة علم من نفسه أنه ليس من طبقتهم، ولا تنفق سلعته مع وجودهم، فعدل عن طريق الجد ، وسلك طريق الهزل…".

يفهم من كلام ابن خلكان أن الوهراني ترك طريق الجد بعد أن لقي الفاضل والعماد عند صلاح الدين بمصر. والواقع أن الوهراني قد سلك طريق الهزل قبل أن يصبح صلاح الدين سلطانا. والدليل على ذلك أن الكثير من مقاماته الهزلية ورسائله كتبها في عهد نور الدين بدمشق، ثم إن العماد والفاضل لم يجتمعا بمصر إلا بعد موت نور الدين، زد على ذلك أن قدوم الوهراني من بلاده إلى الشام لم يكن في زمن صلاح الدين، بل كان في زمن نور الدين كما أسلفنا.

ولعل سلوك الوهراني مسلك الهزل مرده إلى التكسب وطلب المال. يحدثنا هو عن نفسه فيقول :

"لما تعذرت مآربي ، واضطربت مغاربي، ألقيت حبلي على غاربي، وجعلت مذهبات الشعر بضاعتي…فما مررت بأمير إلا حللت ساحته، واستمطرت راحته، و لا بوزير إلا قرعت بابه وطلبت ثوابه، ولا بقاض إلا أخذت سيبه، وأفرغت جيبه…".

وإن كان نور الدين قد سلم من لسان الوهراني اللاذع، فلأنه كان لا يعطي الأدباء والشعراء الأموال.

وأيًّا كان أمر الوهراني فيما ابتغاه من سخريته، فإن كتاباته جديرة بالدراسة الواسعة.

8.5. أسلوبه

كتب الوهراني بأسلوب نثري مرسل، حاكى فيه كتاب القـرن الرابـع الهجـري وسجـع المقامات، ونأى به عن صنعة الهمذاني والقاضي الفاضل، فجاءت كتاباته عفويـة؛ تتدفق بالحيوية.

ولما كان ظريفا خفيف الروح، بارعا في الهزل والسخرية، مجيدا للتهكم والسخرية، فقد صبَّ سخريته على كبار علماء دمشق وفقهائها وأطبائها وكتابها كالتاج الكندي، والمهذب ابن النقاش، والقاضي الفاضل، والقاضي ضياء الدين الشهرزوري، والقاضي ابن أبي عصرون، وغيرهـم.

8.6. مضامين كتاباته

نستخلص من قراءاتنا لآثار الوهراني، أنه قد سخّر قلمه للتشهير بكبار علماء زمانه مـن فقهاء وأدباء وأطباء وقضاة، كما فضح المتصوفة والشيعة، وكشف ما يجري في الأوساط الدينيـة من التكسب بالدين واختلاس الأموال والتلاعب بموارد الأوقاف.

لقد عرّى الوهراني الكثير من المفاسد الاجتماعية والسياسية في زمانـه، واحتـج عليـها بأسلوبه الساخر.