الخطابة الاسلامية

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: النص الأدبي القديم -نثر- أ.أونيس
Livre: الخطابة الاسلامية
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Sunday 1 September 2024, 07:18

Description

يعتبر هذا الملف بمثابة المورد الأساسي للوحدة الثالثة

1. مقدمة

كان ظهور الدعوة الإسلامية حدثاً عظيمًا، وتحولاً بارزًا وضخما في تاريخ الإنسانية، حيث بعث الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل، وبعد أن كان الناس في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، وبعد أن أسِنَت الحياة وفسدت بما ضلَّ الناس طريق الله رب العالمين، وصراطَه المستقيم.

ولقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم برسالته من رب العالمين، وقد أُمِر بإعلانها وتبليغها، فلم يسعْه إلا القيام بما أمره به ربه: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الحجر: 94]، ﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 67]، فقام البشير النذير صلى الله عليه وسلم يدعو بدين الله، فطرق مسامعَ البشرية صوتُ هذا الداعي الجديد، وأقبل الناس ينظرون ما الأمر، فكان منهم من شرح الله صدره للإسلام، فكان على نور من ربه، ومنهم من أعرض واستكبر ونأى بجانبه، وولى وأدبر، واتبع هواه، وحارب دعوة الله، فصار للدعوة مناوئون، كما كان لها ممالئون، فأنصارها يدعون إليها ويذودون عنها، وأعداؤها يحاربونها ويصدون الناس عن طريقها.

ومنذ ذلك الحين أهَلَّ على الخَطابة زمان جديد، كان إيذاناً بارتقائها وعلوِّ شأنها، فقد اعتمدت الدعوة الجديدة على الخَطابة في نشرها، والدفاع عن مبادئها ضد خصومها، وكذلك صنع المناوئون لها، ثم إن الإسلام بالإضافة إلى اعتماده على الخَطابة في نشر الدعوة، قد جعلها ضمن الشعائر التعبدية، ففرض خطبة كل يوم جمعة، لا تصح الصلاة بدونها، كما أن هناك الخطبَ المشروعة في الحج، وفي الاستسقاء، وفي الخسوف والكسوف، وفي الزواج، والجهاد وغيرها، كما أن الشريعة الإسلامية تحث دائما على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإسداء النصح للآخرين. 

ولقد ارتقت الخَطابة في ظل الدعوة الإسلامية، وبلغت الغاية في الكمال مظهرًا وجوهرًا، أو أداءً ومضمونًا، وكان من أكبر عوامل ارتقائها وسموها؛ استمدادها من القرآن الكريم، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتأثّر الخطباء ببلاغة وفصاحة القرآن والحديث النبوي الشريف.

2. عوامل ازدهار الخطابة في العصر الإسلامي

-  الدَّعوة إلى الإسلام: فقد أتى النَّبي محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- برسالة الإسلام في بيئةٍ تتقن القول وتتعاطى صنعة الكلام وتجيد في البلاغة، فحاججهم بالقول حتَّى أعجزهم وأثبت صدق رسالته، فكانت الخطابة هي الأداة الأولى لنشر الحنيف مما أسهم في انتشارها وازدهارها.

 بيان الأحكام الشرعيَّة: فبعد أن دخل النَّاس في دين الإسلام، كان لا بدَّ من بيان أحكامه وشرح مجمل معانيه والتَّفصيل فيما جاء في قرآنه، فكان النَّبي الكريم يشرح لهم ما أشكل فهمه ويوضح ما التبس من أمره ببلاغةٍ وبيانٍ فيهما وحي النُّبوَّة ونور الإيمان مما نهض بالخطابة حينها.

 المعاني الجديدة: لقد ولَّد الدِّين الحنيف مفاهيم جديدة لم يكن للإنسان عهدًا بها قبله، فجدَّد اللَّغة وبعثها من جديد بحلَّةٍ إسلاميَّةٍ ظهرت أكثر ما ظهرت في الخطب الدِّينيَّة، حيث مرَّن الإسلام اللُّغة ودلَّلها وأخرجها بحلَّةٍ جديدةٍ جذبت النَّاس إليها أكثر من قبل.[٥] وحدة الموضوع: كانت الخطابة في الجاهليَّة متعدِّدة الموضوعات ومتباعدة المقاصد لا يجمعها هدفٌ ولا يربطها رابط، إلَّا أنَّ الإسلام وحَّد مقاصد الخطابة وجعلها تدور حول موضوعٍ واحدٍ فيه الموعظة والنَّصيحة، فأصبح للخطبة غاية واضحة وموضوع تلمُّ بأطرافه مما رفع من قيمتها.

 القرآن الكريم: لقد أحدث نزول القرآن الكريم نقلةً كبيرةً في النَّفس الإنسانيَّة لما فيه من إعجاز، وأفادت الخطابة من بلاغته وسعة معانيه ودقَّة وصفه، فهذَّب اللُّغة ورقَّق أساليبها وسهَّل عباراتها، وفتح أبوابًا جديدةً للألفاظ كما ساعد الخطباء بقوَّة حجَّته فطوَّر مقدراتهم على الإقناع بالمنطق والبرهان.

 الحديث الشَّريف: تأثَّر الحديث النَّبويّ بالقرآن ومعانيه وفصَّل فيها وشرح مجملها، وأضاف النَّبي الكريم بما أثر عنه من أحاديث ثروةً من المعاني أغنت الخطابة وأثَّرت فيها تأثيرًا مقاربًا لأثر القرآن فهي مستقاةٌ من مشكاته وهديه.

3. سمات الخطابة في العصر الإسلامي

الطَّابع الدِّيني: حيث اتجهت الخطب للدَّعوة إلى الإسلام والدِّفاع عنه، ثمَّ بيان أحكامه وعقيدته وترسيخ أركانه والتَّأكيد على وحدانيَّة الله تعالى وصدق رسالة الإسلام وما توجبه من تقوى الله والتزامٍ لحدود الشَّريعة الَّتي أنزلها على نبيِّه.

الدَّعوة إلى الأهداف الإنسانيَّة: وهو ما يتناسب وأحكام الدِّين الحنيف والشَّريعة الجديدة الَّتي أعادت تشكيل العقل العربيّ والحياة العربيَّة، فحرَّرتها من الشّرك والضَّلال وأخرجتها من الجهل والوثنيَّة ودعتها إلى الفضائل.

اتِّساع دائرة الخطابة: حيث اتَّجهت إلى نواحي الحياة جميعًا، وتناولت الآداب والشُّؤون والتَّعاليم جميعًا في ظلِّ نهضةٍ حضاريَّةٍ أحدثها الإسلام، فقصدت إلى أغراضٍ سامية وفكرٍ راقٍ، كما عبَّرت عن الصِّراع العقليّ والعاطفيّ حول المبادئ والمعتقدات.

اختلاف الهيكل العام للخطب: حيث أصبحت الخطبة تقسم إلى أجزاء، ففيها مقدِّمة تبدأ بحمد الله والثَّناء عليه ونحو ذلك، وفيها المضمون الَّذي يتناول فيه الخطيب غايته، وفيها الخاتمة الَّتي تنتهي بالصَّلاة على النَّبي أو الدُّعاء أو غير ذلك.

- الإكثار من الاقتباس: حيث أكثر الخطباء من الاستشهاد بالقرآن الكريم، وبما أثر من أحاديث عن النَّبي الكريم -صلَّى الله عليه وسلّم- ففيهما القول الفصل فيما هو حقٌّ وما هو باطلٌ، وفيهما بيانٌ لصواب الرَّأي وخطئه، بالإضافة إلى ما بهما من بلاغةٍ وبيان .

البعد عن التَّكلُّف: فقد تخلَّصت الخطب في العصر الإسلاميّ من الصَّنعة والتَّكلُّف، وابتعد الخطباء عن السَّجع فصار نادرًا وقليلاً لا يرد إلَّا عفو الخاطر، فقد نهى النَّبي محمَّد عنه لاقترانه في ذلك الوقت بسجع الكهان.

الإيجاز: فنرى الخطب الَّتي وصلت إلينا من العصر الإسلاميّ قصيرة في معظمها، وربَّما يعود هذا القصر إلى عدم حفظ نصوص الخطب كاملةً، حيث كان العرب يعتمدون على السَّماع في حفظهم، ولم يكن الخطباء يدوِّنون تلك الخطب.

4. نماذج من الخطابة في العصر الإسلامي

ومن النماذج الرنانة الجميلة التي أثرت من خطب الأولين اخترنا هذه الخطب:

خطبة أبي بكر الصديق: بعد مبايعة المسلمين له "أمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي، الصِّدْقُ أَمَانَةٌ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ، وَالضَّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيٌّ عِنْدِي حَتَّى أَرُدَّ له حَقَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ عِنْدِيَ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَا يَدَع قَوْمٌ الْجِهَادَ في سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا ضَرَبَهُمُ اللَّهُ بِالذُّلِّ، وَلَا تَشِيعُ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا عَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْبَلَاءِ، أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّه وَرَسُولَهُ، فَإِنْ عَصَيْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ".

خطبة عمر بن الخطاب: عام الرمادة "أيُّها النَّاس: استغفروا ربَّكم إنَّه كان غفَّارًا، اللَّهم إنِّي أستغفرك وأتوب إليك، اللهم إنا نتقرب إليك بعمِّ نبيِّك وبقيَّة آبائه وكبار رجاله؛ فإنَّك تقول-وقولك الحق- {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} فحفظتهما لصلاح أبيهما، فاحفظ اللَّهم نبيَّك في عمِّه، اللَّهم اغفر لنا إنَّك كنت غفَّارًا، اللَّهم أنت الرَّاعي لا تهمل الضَّالة، ولا تدع الكسيرة بمضيعة، اللَّهم قد ضرع الصَّغير ورقَّ الكبير، وارتفعت الشَّكوى، وأنت تعلم السِّرَّ وأخفى، اللَّهم أغثهم بغياثك، قبل أن يقنطوا فيهلكوا؛ فإنَّه لا ييأس من روح الله إلَّا القوم الكافرون".

-  خطبة الحسن البصري: في النكاح "أمَّا بعد: فإنَّ الله جمع بهذا النّكاح الأرحام المنقطعة، والأنساب المتفرِّقة، وجعل ذلك في سُنَّة من دينه، ومنهاج واضح من أمره، وقد خَطَب إليكم فلان، وعليه من الله نعمة، وهو يبذل من الصَّدَاق كذا، فاستخِيرُوا الله، ورُدُّوا خيرًا، يرحمكم الله".