الثقافة التنظيمية

الموقع: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
المقرر: السلوك التنظيمي
كتاب: الثقافة التنظيمية
طبع بواسطة: مستخدم ضيف
التاريخ: Friday، 17 May 2024، 6:02 AM

الوصف

يحتوي هذا الدرس على موضوع الثقافة التنظيمية والعناصر التي تشرجها كما يلي

1. مقدمة ومفهوم الثقافة التنظيمية

مقدمة:

إن المنظمات الإدارية بوجه عام تمتلك خصوصيات وسمات تميزها عن غيرها، وهذا يرجع بالطبع إلى الاختلاف في الأنماط الفكرية والثقافية التي تحكم سلوك المنظمات، وبالتالي فإن لكل منظمة شخصية تميزها عن بقية المنظمات، وهذا التميز كمفهوم إداري يطلق عليه "الثقافة التنظيمية للمنظمة".

مفهوم الثقافة التنظيمية:

عرفها الكاتب "كيرت لوين" بأنها مجموعة من الافتراضات والاعتقادات والقيم والقواعد والمعايير التي يشترك بها أفراد المنظمة وهي بمثابة البيئة الانسانية التي يؤدي الموظف عمله فيها. ويمكن الحديث عن ثقافة المنظمة بصورة عامة أو ثقافة وحدة تنظيمية، والثقافة شيء لا يشاهد ولا يحس ولكنه حاضر يتواجد في كل مكان، وهي كالهواء يحيط بكل شيء في المنظمة ويؤثر فيه.

ويعرف "شين" الثقافة التنظيمية في كتابه "الثقافة التنظيمية والقيادية": هي مجموع المبادئ الأساسية التي اخترعتها الجماعة أو اكتشفتها أو طورتها أثناء حل مشكلاتها للتكيف الخارجي و الاندماج الداخلي، والتي أثبتت فعاليتها ومن ثم تعليمها للأعضاء الجدد كأحسن طريقة للشعور بالمشكلات و إدراكها وفهمها.

 ويرى "ديل و كيندي" أنها الارتباط و التماسك بين القيم، والعادات، والمؤثرات، و الإشارات، التي تحكم تصرفات الأفراد، وتشكل في حد ذاتها شكلا معينا لمنظمة معينة.

وعرفها "دايفيز" بانها مجموع القيم والمعتقدات و التوقعات المشتركة، والتي تعد كدليل للأفراد في المؤسسة ينتج من خلالها معايير تؤثر بشكل كبير على سلوكيات الأفراد والمجموعات داخل هذه المؤسسة.

ومهما تنوعت تعريفات الثقافة التنظيمية فإن جميع التعريفات تشترك بعنصر مميز هو "القيم"، وهي التي تمثل القاسم المشترك بين تلك التعاريف المختلفة. وتشير هذه القيم إلى الاتجاهات والمعتقدات والأفكار في منظمة معينة، لذلك تعتبر القيم المفهوم الأساسي لتقييم تصرفات الأفراد وسلوكهم في المنظمات. وتصل هذه القيم إلى الأفراد من خلال العلاقات الاجتماعية و التفاعل المستمر بينهم، فعندما تتبنى المنظمة قيما معينة مثل الانصياع للأنظمة و القوانين و الاهتمام بالعملاء وتحسين الفاعلية و الكفاءة، فالمنظمة تتوقع من أعضائها تبني هذه القيم وتنعكس على سلوكياتهم.

2. عناصر الثقافة التنظيمية

تتضمن الثقافة التنظيمية مجموعة من العناصر ذات الأهمية، أبرزها ما يلي:

  1. القيم التنظيمية: القيم عبارة عن اتفاقات مشتركة بين أعضاء التنظيم الاجتماعي الواحد جول ما هو مرغوب أو غير مرغوب، جيد أو غير جيد، مهم أو غير مهم...الخ. أما القيم التنظيمية فهي تمثل القيم في مكان أو بيئة العمل، بحيث تعمل هذه القيم على توجيه سلوك العاملين ضمن الظروف التنظيمية المختلفة. ومن هذه القيم: المساواة بين العاملين، والاهتمام بإدارة الوقت، والاهتمام بالأداء واحترام الآخرين...الخ.
  2. المعتقدات التنظيمية: وهي عبارة عن أفكار مشتركة حول طبيعة العمل و الحياة الاجتماعية في بيئة العمل، وكيفية إنجاز العمل والمهام التنظيمية، ومن هذه المعتقدات: أهمية المشاركة في عملية صنع القرارات، و المساهمة في العمل الجماعي و أثر ذلك في تحقيق الأهداف التنظيمية.
  3. الأعراف التنظيمية: وهي عبارة عن معايير يلتزم بها العاملون في المنظمة على اعتبار أنها معايير مفيدة للمنظمة. مثال ذلك التزام المنظمة بعدم تعيين الأب و الابن في نفس المنظمة، ويفترض أن تكون هذه الأعراف غير مكتوبة وواجبة على المرؤوسين.
  4. التوقعات التنظيمية: تتمثل التوقعات التنظيمية بالتعاقد غير المكتوب والذي يعني مجموعة من التوقعات يحددها أو يتوقعها الفرد أو المنظمة، كل منهما من الآخر، خلال فترة عمل الفرد في المنظمة. مثال ذلك توقعات الرؤساء من المرؤوسين، والمرؤوسين من الرؤساء، والزملاء الآخرين والمتمثلة بالتقدير و الاحترام المتبادل، وتوفير بيئة تنظيمية ومناخ تنظيمي يساعد ويدعم احتياجات الفرد و العوامل النفسية و الاقتصادية.
  5. الطقوس والعادات التنظيمية: يقصد بها تلك الأحداث و الأنشطة المتكررة التي يقوم بها أفراد المنظمة والتي ترتبط بأهداف معينة تسعى المؤسسة إلى تحقيقها، كما تعبر هذه الأنشطة المتكررة عن أفكار محددة وتعكس قيم رئيسية في المنظمة، والتي تحاول تعزيزها بصورة دائمة عن طريق هذه العادات التنظيمية، حيث نجد مثلا أن فترات الاستراحة اليومية لتناول القهوة أو الشاي توفر للمؤسسة فرص كبيرة لتقوية الروابط بين العمال.
  6. الرموز: تمثل الرموز علاقة خاصة بمعلومات تتعلق بالنظام الثقافي للمؤسسة، إذ تستخدم للتعبير عن معاني معينة ترمي إليها والتي تتجاوز الرمز في حد ذاته، والتي يصعب إدراكها بحواسنا، وتظهر الرموز داخل المؤسسة في شكل أشياء و أفعال تستخدم كوسيلة لنقل معني معينة للأفراد، مثل شعار المؤسسة أو عملها أو اسمها التجاري وكذا تصميمها المعماري و أماكن الاستقبال ونمط اللباس وغيرها من الرموز الأخرى، كل هذه الرموز تحمل في طياتها معاني ترتبط بقيم المؤسسة ومعاييرها.
  7. الموروث الثقافي للمنظمة: نقصد بالموروث الثقافي للمنظمة تلك الأحداث و المواقف التي مرت بها المؤسسة، منها ما هو إيجابي و التي تحاول المنظمة التركيز عليه ونشره باعتباره مرجع وعنصر محفز للأفراد ، ومنها ما هو سلبي والتي تحاول المؤسسة التغاضي عنه لأنه مثبط لعمل الأفراد والمؤسسة ككل. ويتجسد هذا الموروث الثقافي في:

- القصص و الأساطير التنظيمية: تعد القصص رواية عن الأحداث السابقة الجارية في بيئة العمل والتي تفسر كل من العادات والقيم العميقة للثقافة، والقصص التنظيمية ما هي إلا روايات عن حالات التميز و المنافسة وحالات النجاح والفشل، والتي تجسد القيم التي تحكم هذه الحالات، أما في ما يخص الأساطير فهي  قصص مثالية شخصياتها هم أبطال المؤسسة تروي أحداث حقيقية وقعت في هذه المنظمة، بهدف التأثير على سلوك الأفراد وتدعيم القيم الثقافية داخل أعضاء المنظمة، مما يجعلهم مثالا يقتدى به.

-  الأبطال: الأبطال هم أفراد غير عاديين يتفوقون على زملائهم ويصبحون أحيانا رمزا للصناعة التي تعمل بها المنظمة، كما انهم يتمسكون بقيم المنظمة وثقافتها، يقدمون دورا مثاليا في الأفراد و الإنجاز لباقي أعضاء المنظمة، مما يجعلهم مثالا يقتدى به.

-  الطابوهات (المحظورات): ترتبط الطابوهات بتلك المخاوف التي تتفادى المنظمة الحديث عنها مثل الاخفاقات وبعض المشاكل و الأحداث المأساوية التي مرت بها المؤسسة، وبالتالي فهي كل المواضيع و الأحداث التي لا يجوز الحديث عنها أو تلك الأعمال والتصرفات التي لا يجب اقترافها مرة أخرى، وذلك بهدف تجنب وتفادي بعض الاختلالات والتوترات داخل المؤسسة.

3. أهمية الثقافة التنظيمية

تلعب الثقافة التنظيمية دورين مهمين بالنسبة للمؤسسة:

أ‌-الأهمية والدور الخارجي: تلعب الثقافة دور مهم في رسم و تعيين حدود المنظمة، وذلك من خلال إعطائها خصوصية وهوية خاصة تميزها عن باقي المؤسسات الموجودة في المحيط، وبهذا تظهر الثقافة التنظيمية كأحد عوامل إثبات الهوية والتميز عن المحيط الخارجي، وذلك انطلاقا من القيم و العناصر الثقافية المشتركة بين العمال والتي تسمح لهم بالتميز و الاختلاف عن باقي أفراد المجتمع و أفراد المؤسسات الأخرى.

ب‌-  الأهمية و الدور الداخلي: إن للثقافة التنظيمية دور مهم جدا داخل المنظمة، حيث من خلالها يتم جمع العديد من الأفراد على اختلاف مستوياتهم التعليمية و مصالحهم الشخصية داخل منظمة واحدة، يعملون من خلالها ويشتركون في عمل واحد من أجل تحقيق هدف مشترك، ويرجع ذلك إلى أن هذه الثقافة التنظيمية تعمل على تعزيز وتقوية نقاط الاتحاد، وإضعاف تلك التي تؤدي إلى التفرقة و الاختلاف.

4. خصائص الثقافة التنظيمية

1- الانسانية: فالثقافة صفة انسانية لأن الانسان هو الوحيد الذي يصنع الثقافة ويبدع عناصرها ويرسم محتواها عبر العصور، وهي بدورها تشكل هويته، والثقافة التنظيمية لها سمة الانسانية لأنها تتشكل من المعارف و الحقائق والمدركات والمعاني، والقيم التي يأتي بها الأفراد إلى التنظيم، وتتكون لديهم خلال تفاعلهم مع التنظيم.

2- الاكتساب والتعلم: الثقافة ليست فطرية بل تنتقل من فرد إلى آخر عن طريق الاكتساب، والتعلم من المجتمع المحيط بالفرد، فكل مجتمع له ثقافته المحددة في الزمان و المكان المعينين، والفرد يكتسب الثقافة من الوسط الاجتماعي من خلال الأدوار التي تقوم بها مؤسسات التنشئة الاجتماعية من الأسرة و المدرسة، مكان العمل.

3 الاستمرارية: ونعني بها أن الثقافة تحتفظ بكيانها لعدة أجيال رغم ما تعترض له المجتمعات أو المنظمات الإدارية من تغيرات مفاجئة أو تدريجية، فالثقافة لها خاصية الاستمرار بتوارث الأجيال لها عبر الزمن، فهي لها القدرة على الإشباع وتزويد الأفراد بالحد الأدنى من التوازن، الأمر الذي يدعم استمرار العادات و التقاليد وطرق التفكير و الأنماط السلوكية، وتستمر الثقافة التنظيمية في الوجود وفي تأثيرها على إدارة المنظمات الإدارية حتى بعد تغيير الأفراد.

4- التراكمية: تأتي كنتيجة حتمية لخاصية الاستمرارية حيث أن استمرار وجود الثقافة يؤدي بالضرورة إلى تراكم السمات الثقافية، وبالتالي تعقد وتشابك العناصر الثقافية المكونة لها، مع الإشارة إلى الاختلاف من حيث طريقة التراكم، فاللغة التقنية، القيم التنظيمية، وأدوات الإنتاج لكل منها طريقتها في التراكم.

5- الانتقائية: بسبب عجز الأجيال على الاحتفاظ بالثقافة في ذاكرتها كاملة، يعمد كل جيل إلى القيام بعمليات انتقاء للعناصر الثقافية، وذلك بقدر ما يحقق إشباع حاجته، وتجعله متوافقا مع البيئة الاجتماعية، والطبيعية، فالمجتمع الانساني له خاصية انتقاء الخبرة من رصيدها المتراكم عبر الأجيال.

6- القابلية للانتشار:من خلال عملية احتكاك الأفراد، والمجتمعات ببعضها البعض، يتم انتقال بعض العناصر الثقافية داخل محيط الثقافة نفسها، أو من ثقافة مجتمع إلى ثقافة مجتمع آخر، وتختلف عملية انتشار الثقافة من حيث السرعة والفعالية تبعا لما هو متوقع من فائدة. كما نشير إلى انتشار العناصر المادية يتم بسرعة أكبر من انتشار العناصر المعنوية.

7- التغيير: يحدث التغيير في كافة العناصر المادية و المعنوية، ويكون عادة سهلا ومرنا في العناصر المادية، بينما يكون أكثر صعوبة على الأفراد في العناصر المعنوية أين يتعرض هذا التغيير إلى المقاومة، وكنتيجة لما تتعرض له المنظمات من أحداث، تجعل من الأشكال الثقافية السائدة غير مناسبة لتلبية الاحتياجات التي تفرضها خبرات وأنماط سلوكية.

8- التكاملية : لتحقيق التكيف و الانسجام مع المتغيرات المختلفة التي تحدث في المنظمة، فالتكامل هو قوة للثقافة التنظيمية والعكس، يعد كل قصور أو تعارض بين العناصر الثقافية عامل ضعف لهذه الثقافة.

5. تصنيفات الثقافة التنظيمية + خلاصة

أ‌- من حيث شمولية الثقافية:

  1. الثقافة السائدة: وهي الثقافة التي يشترك فيها معظم أعضاء المنظمة، وتوجه سلوكهم، حيث يكون انتشارها بينهم على نطاق واسع.
  2. الثقافة الجزئية: هي الثقافة التي تشترك فيها مجموعات صغيرة من العاملين، فقد تكون على مستوى المجموعات المهنية كالمهندسين والمحاسبين.

ب‌-  من حيث مدى قوة الثقافة:

  1. الثقافة القوية: أن تكون تلك الثقافة ممثلة لقيم غالبية أعضاء المنظمة، وتوجد الثقافة القوية عندما يكون هناك اتفاق كبير وتمسك شديد من قبل أغلبية أعضاء المنظمة بالقيم والمعتقدات السائدة. ويمكن الحكم على مدى قوة الثقافة من خلال تقييم درجة ثبات القيم والمعتقدات ومدى تطابقها مع بعضها كما أن بقاء الثقافة الفردية يستمر لأجل طويل في معظم الحالات.
  2. الثقافة الضعيفة: يكون هناك اتفاق قليل وتمسك أقل من أعضاء المنظمة بالقيم والمعتقدات المشتركة، وتوصف ثقافة المنظمة بأنها ضعيفة عندما يكون عدم اعتناقها بقوة من قبل أعضاء المنظمة وعندما لا تحظى بالقبول الواسع.

ت‌-  من حيث الفعالية:

  1. ثقافة ديناميكية: وهي الثقافة ذات الفعالية الكبيرة، حيث تحقق الأداء الجيد والتكيف مع مستجدات محيط المنظمة.
  2. ثقافة سلبية: وهي ثقافة تتصف بكونها مثبطة ومحبطة، وغالبا ما تعكس صفات عدم الانتماء للمنظمة.

ث‌-  من حيث نمط التسيير:

  1. ثقافة تسلطية: وهي التي تنطلق من الافتراض بأن القائد هو المسيطر الآمر الناهي الوحيد، و الأفراد لا يتمتعون بمستوى النضج الذي يمكنهم من التصرف وبالتالي تعكس الثقافة طريقة و أسلوب القائد داخل التنظيم.
  2. ثقافة ديمقراطية: التي تقبل بوجود الاختلاف في الرأي، وتنطلق من الإيمان بضرورة مشاركة الأفراد بفعالية في التنظيم على أساس تمتعهم بالنضج والقدرة على الفعل.

خلاصة:

لا يمكن تفسير أي جانب من جوانب حياة المنظمة بعيدا عن فهم عميق لأبعاد الثقافة التنظيمية لهذه المنظمة، لأن الثقافة التنظيمية هي ببساطة حياة هذه المنظمة، أو هويتها، التي تجعلها تختلف عن باقي المنظمات الأخرى، كما تجدر الإشارة إلى أن الهوية الثقافية للمنظمة تجعل من مسألة معالجة مختلف مشكلات المؤسسات تتسم بالخصوصية في الحل والمعالجة، تبعا لخصوصية العناصر الثقافية لكل تنظيم.