الإطار المفاهيمي لنظريات العلاقات الدولية

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: نظريات العلاقات الدولية
Livre: الإطار المفاهيمي لنظريات العلاقات الدولية
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Tuesday 14 May 2024, 18:25

Description

يعد مفهوم نظريات العلاقات الدولية، من بين المفاهيم الأساسية في ميدان العلوم السياسية. وهذا لما لهذا الموضوع من أهمية. فالنظرية تعمل على تزويد الباحثين بالأدوات التحليلية المناسبة لدراسة أي ظاهرة في هذا الحقل. ولهذا استدعت الضرورة إلى الوقوف عند هذا المفهوم لضبطه وتحديد الاستخدامات المحددة لمفهوم النظرية في العلاقات الدولية.

1. مفهوم نظرية العلاقات الدولية

    قبل التطرق إلى مفهوم نظرية العلاقات الدولية، يتوجب الوقوف عند تحديد تعريف العلاقات الدولية ليتمكن الطالب معرفة هذا المصطلح والخصائص التي يتميز بها. حتى يتسنى له استيعاب الإسهامات الفكرية النظريات المختلفة في هذا الحقل.

أ- تعريف العلاقات الدولية:

    إن الدارس لهذا الحقل، يلاحظ بأنه لا يوجد اتفاق حول تحديد تعريف موحد وشامل للعلاقات الدولية من طرف المختصين والباحثين في هذا المجال، وهذا يعود إلى العديد من الأسباب. أهمها حداثة التخصص وتعقد وتشابك ظواهره وكذا حالة اللاثبات والتغير المستمر في ظواهر العلاقات الدولية، بالإضافة إلى تعدد واختلاف المشارب الفكرية والانتماءات الجغرافية لرواد ومنظري هذا الحقل. كل هذه الأسباب وغيرها جعلت من الصعب التوصل إلى تعريف شامل وموحد للعلاقات الدولية. ونظرا لهذا الاختلاف سيتم التعرض لمجموعة من هذه التعريفات.

     عرف جيمس برايس العلاقات الدولية عام 1922 بأنها: تلك التي تعنى بالعلاقات بين الدول والشعوب المختلفة. عند التدقيق في هذا التعريف يلاحظ أنه بسيط وشامل غير دقيق. فهو لا يعكس طبيعة ظواهر العلاقات الدولية المتشابكة والمعقدة، كما أنه يفتقد للأسس العلمية والمنهجية التي تشترط التدقيق والوضوح عند البحث في أي مفهوم. بينما يذهب كل من غريسون كيبر ووالتر شارب عام 1940، إلى أن العلاقات الدولية هي: بحث وتشخيص العوامل الرئيسة المحركة للسياسة الخارجية على أن تدرس بشكل منظم. ما يلاحظ على هذا التعريف، أنه على رغم تلميحه على الجوانب العلمية التي تشخص العلاقات الدولية، إلا أنه حاول تقزيم العلاقات الدولية في السلوك الخارجي للدول المتمثل في سياساتها الخارجية.

     وفي نفس الاتجاه يرى كل من هانس مورغنثو وكينث تومسون عام 1950 بأن جوهر العلاقات الدولية يتمثل في: السياسة الدولية التي مادتها الأساسية الصراع من أجل القوة بين الدول ذات السيادة.

     فكلاهما يعتبران بأن العلاقات الدولية تتمحور في السلوك العدواني الذي تنتهجه الدولة باستعمال قوتها على غيرها من الدول الأضعف منها لتحقيق مصالحها وتزيد من نفوذها وقوتها وبالتالي السمة الطبيعية للعلاقات الدولية تكون علاقات صراعية. ولو نرجع إلى أسباب تقديمهم لهذه التعاريف، نلاحظ بأنه حاولوا تعريفها بناء على الأوضاع الدولية التي كانت سائدة في تلك الفترة، أي فترة الحربين العالمية الأولى والثانية، حيث مزال المنطق الواستفالي الذي يركز على الدولة ذات السيادة المطلقة بأنها الفاعل الوحيد في العلاقات الدولية.

فالعلاقات الدولية حسب التعريفات السابقة يمكن توضيحها في الشكل التالي:

    ومع تطور العلاقات الدولية وظهور الحركات التحررية وبروز المنظمات الدولية وتزايد فواعل المجتمع الدولي بشكل مطرد وظهور ظاهرة العولمة التي قلصت من مبدأ سيادة المطلق، ظهرت تعريفات جديدة تواكب هذا التطور. من بينها ما جاء به رينولدز. حيث يعرف العلاقات الدولية بأنها: تهتم بدراسة طبيعة وإدارة والتأثير على العلاقات بين الأفراد والجماعات العاملة في ميدان تنافس خاص ضمن إطار من الفوضى وتهتم بطبيعة التفاعلات بينهم والعوامل المتغيرة المؤثرة في هذا التفاعل. أما كانتمان يعرفها بأنها: جملة من العلاقات السياسية، الاقتصادية، الأيديولوجية، الدبلوماسية والعسكرية فيما بين الدول، وكذلك العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين القوى السياسية في المجتمع، والقوى السياسية والمنظمات والحركات التي تتفاعل في المجتمع الدولي. بناء على هذين التعريفين، يمكن تبسيطه في الشكل التالي:

    ومن خلال هذه التعريفات يمكن تقديم تعريفا إجرائيا للعلاقات الدولية، بالقول أنها تلك التفاعلات والسلوكيات خارج الحدود الوطنية، التي تصدر من طرف الدول على شكل سياسات خارجية، بالإضافة إلى غيرها من الفواعل (المنظمات الدولية، الحركات التحررية، المنظمات الدولية غير الحكومية، الشركات متعددة الجنسيات، الشبكات وكذا الأفراد). فظواهر العلاقات الدولية معقدة ومتشابكة تتداخل فيها سلوكيات مختلف الفواعل وتتميز بالتغير المستمر واللامتناهي.

    من خلال ما سبق، يمكن القول بأن سبب اختلاف التعريفات المقدمة لمصطلح العلاقات الدولية، يمكن إرجاعها إلى سببين أساسيين. فمن جهة، واقع العلاقات الدولية الذي يغير استمرار نظرا لبروز للعديد من المتغيرات التي تطرأ على ظاهرا. ومن جهة أخر، اختلاف الانتماءات والمشارب الفكرية التي ينتمي إليها كل مفكر في حقل العلاقات الدولية، وبالتالي يعرفها انطلاقا من المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها الاتجاه أو المدرسة التي ينتمي إليها. فكل من هذين السببين لم يؤثرا فقط في تحديد تعريف موحد لمصطلح العلاقات الدولية، بل تجاوز ذلك ليشمل حتى استخدامات النظرية بحد ذاتها في العلاقات الدولية، وهذا ما نستشفه في العنصر الموالي.

2. استخدامات النظرية في العلاقات الدولية

    استخدمت كلمة (نظرية Theory) في حقل العلاقات الدولية بطرق مختلفة ومتنوعة. فهي تطبق على مقترحات وحجج على مختلف مستويات التجريد، إلا أنه لم يكن هناك إجماع حول استخدام موحد يعكس فهم أفضل لهذه الكلمة. إلا أن هناك إجماع حول الطرائق التي تم فيها استخدام هذه الكلمة، والتي تحددت بثلاث اتجاهات بارزة:

- الاتجاه الأول: أن أغلب الباحثين يعتبرون النظرية مجرد تفسير لحدث أو نمط من السلوك في العالم الحقيقي. وهذا ما يعرف بالنظرية التجريبية، إذ تقوم هذه الأخيرة باستحضار سلوك معين أو ظاهرة في العلاقات الدولية وتقوم بالتجريب عليها حتى تستخلص وتشرح القوانين التي تحكم هذا السلوك.

- الاتجاه الثاني: يرتكز هذا الاتجاه في استخدامه لكلمة النظرية في حقل العلاقات الدولية بوضع معايير أخلاقية تستخدم للحكم على السلوك الدولي، وهذا ما يسمى والاتجاه المعياري أو النظرية المعيارية. فهي بقدر ما تسعى إلى إضفاء المعايير الأخلاقية في تفسير سلوك الدول بقدر ما تسعى إلى إعادة صياغة وبلورة نظام عالمي يحتكم للمعايير الأخلاقية. ومن هذا المنطلق فهي تختلف عن الاتجاه الأول التي يقتصر فقط على محاولة محاكاة الواقع العالمي وفهمه قصد استخراج القوانين التي تحكمه دون التغيير فيه.

- الاتجاه الثالث: يستخدم هذا الاتجاه مصطلح النظرية بطريقة تأسيسية. على عكس النظرية التجريبية والنظرية المعيارية، ويستند هذا الاتجاه في توظيف كلمة النظرية باستخدام تعبيرات أخرى، مثل النموذج، نظرة عالمية أو إطار تحليلي.

    من خلال هذه الثلاث اتجاهات، يتضح أن هناك استخدامات متعددة للنظرية في العلاقات الدولية. فهناك من يعتبر أن النظرية في العلاقات الدولية تصف الواقع كما هو عليه في الواقع، وهناك من يعتبر أن تعمل على تغيير الواقع من خلال إضفاء المعايير القيمية في العلاقات الدولية حتى تكون أكثر سلما وأمننا. أما التصور الثالث يحاول حصر النظرية في العلاقات الدولية من خلال اختزالها من واقعها الحقيقي وتصورها في نماذج تحليلية تسهل فهمها وتفسيرها وتبسيطها. فالنظرية ليست مجرد نموذج شكلي واسع الإطار يضم في حناياه الفرضيات والافتراضات، بل هي بالأحرى نوع من وسائل التبسيط التي تتيح لنا أن نحدد الحقائق ذات العلاقة والحقائق التي لا تمت للموضوع بصلة.

    وعليه فإن نظرية العلاقات الدولية ليست رهينة حاضرها وماضيها فحسب، وإنما تتنبأ للمستقبل أيضا. فهي نظرية بعدية تدرس الظاهرة الدولية في تعقباتها وتنقلاتها الزمكانية في سياق زمني متناسق ومترابط، من خلال تأديتها لوظائفها المتمثلة في: الوصف، التفسير والتنبؤ. فمهمة نظرية العلاقات الدولية لا تكمن في وصف وتفسير العالم فقط، وإنما تبحث عن كيفية تغييره كذلك.

    إن الدراسة العلمية للعلاقات الدولية تنطوي على دراسة الظواهر الدولية بشكل موضوعي وشامل وإلقاء الضوء على الأسباب والعوامل المحددة لتطويرها والعمل على تطوير نظرية منها. إنها تعنى بإيجاد انتظام أو ثوابت أو قوانين بالمعنى الذي ذهب إليه مونتسكيو، أي إيجاد روابط ضرورية تشتق من طبيعة الأشياء.

3. خصائص نظرية العلاقات الدولية

أ- تنطلق من دراسة وتحليل ظواهر العلاقات الدولية:

ب- تتميز بالبساطة: فالنظرية هي أحدى الوسائل التبسيطية. فالباحث قد لا يعي نظريته، فقد تكون مجرد فكرة عن نظرته إلى العالم من موروثات أسرته أو مجموعة أقرانه أو وسائل الإعلام من حوله.

- أن نظريات العلاقات الدولية لها تاريخ، على الرغم من أن ذلك التاريخ ليس دائما ضمن تخصص العلاقات الدولية. ووجود تاريخ لكل منها يعني أن مقارنة النظريات ليس بالأمر السهل، حيث تنبثق من نظم فكرية كثيرة الاختلاف.

ج- الواقعية في الطرح أو ما يسمى بالصدق الواقعي

د- الاتساق المنطقي بين أفكارها

ه- تتميز بالنسبية وعدم الشمولية

و- قابلة للاختبار

- تتميز بالتعدد والتنوع والاختلاف: إذ أن جميع الكتب التي تتعلق بنظرية العلاقات الدولية تشتمل على مجموعة متنوعة من المواقف النظرية المختلفة، ولاسيما تلك النظم الفكرية المسيطرة تاريخيا وهي الواقعية (Realism) والليبرالية (Libralism) والماركسية (Marxism).

4. وظائف نظريات العلاقات الدولية

    أن نظريات العلاقات الدولية تزود الباحث في هذا المجال بالأدوات التحليلية المناسبة لدراسة الظواهر الدولية، فهي تعتبر بمثابة صندوق العدّة، الذي يمكن الباحث من خلاله بتطبيقها على العالم وبذلك يمكنه أن يفهم العالم بطريقة أفضل.

    إذ تزودنا النظريات بتفسيرات لأسباب حصول ظواهر العلاقات الدولية، وحقيقة النظريات تزودنا بطائفة واسعة من الأسباب تعكس حقيقة أن للنظريات كثيرا من الافتراضات المختلفة.

    ما يمكن أن نستشفه من خلال تحديدنا للنظرية في إطارها الخاص والعام وفي عرضنا لتلك التعاريف، هو أن معظمها يحتوي في طياته وظائف النظرية من وصف للظاهرة وتفسيرا لها والتنبؤ بها. مما يعني ذلك بدوره أن النظرية في العلاقات الدولية والعلوم السياسية بصفة خاصة وفي العلوم الاجتماعية والإنسانية بصفة عامة، ترتبط ارتباطا وثيقا بوظائفها. فلا يمكن القول بوجود نظرية في أي ميدان ما لم تقم بوظائفها المثمثلة في: (الوصف، التفسير، التنبؤ).

1- وظيفة الوصف:

أما وظيفة الوصف في نظرية العلاقات الدولية، فتتعلق بتحديد طبيعة الظاهرة الدولية موضوع الدراسة والتحليل بغرض معرفة ماهيتها وكينونتها. وبعبارة أخرى فإن وظيفة الوصف هي إجابة واضحة عن السؤال: ماذا نبحث؟. فعادة ما تكون هذه الظاهرة مجهولة، فيقوم الوصف بالكشف عن ملامحها، مستخدما في ذلك مفاهيم تتماشي مع تلك الملامح التي يصفها الباحث للوصول إلى وضع فروض أو فرضيات بشأن الظاهرة المدروسة.

2- وظيفة التفسير:

بينما تتعلق وظيفة التفسير بتحليل البعد الزمكاني للظاهرة الدولية، اعتبارا أن هذه الظاهرة تؤثر وتتأثر بالعوامل والمتغيرات البيئية الداخلية والخارجية التي أوجدتها، فيلجأ الباحث إلى التعرف عليها وعلى كل الظروف المتصلة بكينونة الظاهرة المدروسة والعلاقات التي ترتبط بينها وبين غيرها من الظواهر. أي أن وظيفة التفسير هي الإجابة عن السؤال: لماذا نبحث؟.

غير أن التفسير في ميدان العلاقات الدولية بصفة خاصة، وميدان العلوم السياسية، بصفة عامة يواجه العديد من الصعوبات التي تعترض سبيل الباحث للوصول إلى الحقيقة العلمية بشأن الظاهرة محل الدراسة والتحليل. وهي صعوبات يختصرها الأستاذ محمد شلبي في كتابه "المنهجية في التحليل السياسي" في صعوبة التحكم ي الظاهرة السياسية وضبط أطوارها وسلوكها، بالإضافة إلى صعوبة تكرار الأنماط السلوكية للناس على نحو متماثل ومنتظم. ورغم هذه الصعوبات فإن الدراسات السياسية حققت تقدما وتطورا هائلين في دراسة السلوك السياسي من خلال دراسة الظاهرة الدولية في تعقباتها وتنقلاتها الزمكانية، بالاعتماد على منهج التحليل المقارن الذي بفضله ازدهرت الدراسات المقارنة منذ السبعينيات من القرن العشرين.

وهناك نوعان للتفسير في ميدان العلاقات الدولية والعلوم السياسية: تفسير وظيفي، يتعلق بالوظيفة التي يؤديها كل جزء من أجزاء الظاهرة الدولية. وهو التفسير الذي تركز عليه الوظيفية في العلاقات الدولية. وتفسير عليّ، أي سببي يتصل بالعلاقة السببية بين الظاهرة وغيرها من الظواهر المدروسة. وهو التفسير الذي تركز عليه النظريات التفسيرية للعلاقات الدولية كالاتجاه الأخلاقي بشقيه المثالي والأخلاقي، والاتجاه السلوكي بشقيه السلوكية وما بعد السلوكية.

3- وظيفة التنبؤ: إن وظيفة التنبؤ تهتم بدراسة ما يجب أن يكون مستقبلا، كما تقوم بتوجيه ومتابعة الظاهرة بما يتماشى والهدف الذي تصبو إلى تحقيقه. لكن ما يمكن أن نسجله هنا هو أن التنبؤ على غرار التفسير، يواجه بدوره صعوبات جمة ناجمة عن تعقد الظاهرة الدولية وتشابكها وصعوبة ضبطها بسبب مرونة الظاهرة الدولية من جهة، وتغيرها الزمكاني المستمر من جهة أخرى. وهو الأمر الذي يجعل قدرة الباحث على التنبؤ محدودة إلى حد كبير.

   كل هذه الوظائف ينبغي أن تقوم بها نظرية من نظريات العلاقات الدولية، بحكم أن الظاهرة الدولية مرتبطة بمجال العلاقات بين الدول. والعيب ليس فيها بل ما هو في طبيعة الظاهرة الدولية والتي هي ظاهرة إنسانية معقدة ومتشابكة بتعقد وتشابك السلوك الإنساني الذي هو محورها وجوهرها.