النظرية النقدية عند ايمانويل كانت وتأسيسه للقيم

الموقع: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
المقرر: فلسفة القيم ،مصادر القيم
كتاب: النظرية النقدية عند ايمانويل كانت وتأسيسه للقيم
طبع بواسطة: Visiteur anonyme
التاريخ: Sunday، 5 May 2024، 8:04 AM

الوصف

هذه المحاضرة توضح كيف يؤسس كانت للقيم الانسانية جاعلا من العقل البشري المصدر الاساسي في بناء نظام القيم ، و مبرارت رفضه للمنفعة للتأسيس للقيم الانسانية العالمية .

1. تأسيس كانت للقيم

النظرية النقدية : عند كانت ايمانويلEmanuel Kant 

مقدمة : حاول فلاسفة العصر الحديث تقديم أطروحة فلسفية متماسكة للفصل في تحديد طبيعة الفاعل الذي يحدد القيم والقواعد الأساسية التي تقوم عليها ومنها تحديد مكانة  ودور الإنسان في نظام القيم وطبيعة هذه الأخيرة من حيث مطلقتيها أو نسبتيها . ولقد جاءت مختلف الرؤى الفلسفية تحاول نحت مكانة للإنسان في عالم القيم بحيث جعلت منه الصانع الأساسي للقيم ، وهي قيم مرتبطة بشكل أساسي بحياة الإنسان كونها تجسد الحياة وبذلك رفضت الرؤى التي تؤسس للقيم على المطلق المتعالي المفارق للإنسان .

1-: النظرية النقدية عند ايمانويل كانت

                             ((الفكر يصنع العالم ))

1-1: الظروف فكرية التي ولد فيها الفكر الكانتي : يعرف كانت انه من فلاسفة الأنوار ، جاء بفلسفة تعرف نزعتها  النقدية ،وهي فلسفة أراد من خلالها الخروج من المذهبية الفلسفية التي جعلت من العقل إله عند العقلانيين وكذلك من الحواس والتجربة المصدر والمقياس الأساسي للمعرفة والقيم لم يكن ذي نزعة عقلانية خالصة ولا ذي توجه تجريبي محض ، لقد أراد كانت أن يقدم فلسفة تجعل من الإنسان جريئا في اعتماد العقل لكن وفق مبادئ ثابتة وحرية مسؤولة  دون الخروج من الحيز ألزماني والمكاني الذي يعيش في هذا الكائن الأخلاقي الحر والمسؤول في آن واحد  .

لقد اشتهر كانت بفلسفته النقدية ، وهي فلسفة بين فيها أن النقد موقف ضروري للإنسان من خلاله سيجيب على أسئلة ثلاثة  تتمثل في :

-  (1): ماذا يمكنني أن اعرف ؟ : وهو سؤل يندرج ضمن نظرية المعرفة من خلاله يحدد ويدرك الإنسان إمكاناته المعرفية والحدود التي يمكن له أن يمارس تلك الإمكانات ، وبذلك يحدد المواضيع التي سيبحث فيها والمنهج المعرفي الذي سيعتمده في بحثه عن الحقيقة وطبيعة المبادئ التي سيؤسس عليها البحث المعرفي  . هذا السؤال الكانتي ينطلق من فناعتين كانتيتين : الأولى يرى فيها أن المعرفة إمكانية بشرية ممكنه كون الإنسان يمتلك القدرات أو الأدوات المعرفية التي تؤهله للبحث المعرفي . أمّا القناعة الثانية فهي تتمثل في نظرة كانت للقدرة البشرية التي يرى أنها رغم قوتها تبقى محدودة وبحاجة إلى سند متعالي يعتمد الإنسان لبناء الحقيقة ، ولقد ترجم لنا هذا الانشغال في مؤلفه (( نقد العقل المحض ))

 (2): ماذا يجب علي فعله ؟: وهو سؤال في القيم ، الأخلاق بالأساس ومن خلاله أراد أن يؤكد  أن للحياة الإنسانية يجب أن ترتقي نحوى أنموذج أرقى يليق بمقام الكائن البشري ، أنموذج الإنسان الإرادي والمسؤول  يؤمن بالواجب لذاته  . يعد هذا السؤال مفتاح نظرية القيمة عند كانت وقد حاول أن يجيب عليه في مؤلفه الموسوم بعنوان (( نقد العقل العملي المحض –الخالص -)) في هذا الكتاب بين العلاقة بين العقل والعمل في التأسيس للقيم الأخلاقية ، محاولا تبيان القيم الأخلاقية الخالصة

  (3):  ماذا يمكنني أن آمل ؟ : وهو سؤال فيه يبين القصدية والقصد حيث يعتبرهما مقولتين مكونتين لواقع موضوعي من خلالهما يدرك الإنسان الجمال الذي يتذوقه هذا الشعور الداخلي الذي يتشكل في الذات البشرية هو منبع الحكم الجمالي وتجلى لنا اهتمام كانت بهذا الموضوع في كتابه نقد ملكة الحكم ، هذا العمل الذي كان له تأثير كبير في ظهور النزعة المثالية في الفلسفة الألمانية وخاصة عند فسخته (فيشته )بحيث لم يتوقفوا عند حد اعتبار ان الإنسان يدرك العالم من خلال ذاته بل هذه الذات تقوم بخلق العالم بصورة ما

1.1. الوظيفة الثنائية للنقد

2 ) الوظيفة الثنائية للنقد الكانتي : إذا كان النقد عند كانت ضرورة بنائية من خلالها يؤسس لعالم الأنوار عالم الإنسان المتعالي ، فلقد عرف النقد الكنتي بوظيفته الثنائية ،

1 -الوظيفة الأولى معرفية : التي حدد فيها الحود المعرفية للعقل والمرجعية التي يجب أن يرجع اليها في تأسيسه للمعرفة وهنا بين ان الأمر مرتبط بشكل أساسي بطبيعة موضوع المعرفة ، فإذا كانت الطبيعة هي موضع البحث فالعقل هنا ملزم بالالتزام بالمعطيات التي تقدمها له التجربة باعتماده للحواس وفق منهج تجريبي صارم مؤطر بمبادئ عقلية قبلية تكون بمثابة إطار منظم للعمل المعرفي وهذا يجعل العلاقة التي تربط العقل بالطبيعة تكاملية ، كون المقولات القبلية التي يمتلكها العقل مثل مقولة السببية ومقولتي المكان والزمان تساعد العقل على استنطاق الطبيعة وفهمها .، أما إذا كان موضع البحث نظريا فهنا يستقل أو ينفرد العقل لوحده بقيادة العمل المعرفي لكن دائما داخل إطار الإمكان ومقولات العقل

2 الوظيفة الثانية للنقد الكانتي فهي ترتكز على النقد العملي وذلك في مجال الأخلاق ومن خلال هذا النقد بيّن ضرورة وجود مرجعية أخلاقية للسلوك البشري ، لقد سعى كانت إلى تحديد طبيعة القواعد التي تنظم نظام القيم والمصدر الذي تنبثق منه ، ثم علاقة تلك القواعد بمختلف المطالب النفعية للإنسان وكذلك مدى إمكانية وجود  التقاء الإنسانية على مبادئ قيمية ثابتة ومطلقة لا تتأثر بمختلف المتغيرات والمستجدات التي يعرفها تاريخ الإنسانية ، كانت وهو ينظّر للنظام ألقيمي بيّن كذلك المحرك الأساسي في الذات الإنسانية الذي يجعله يلتزم بالقواعد الأخلاقية  كغاية في حدّ ذاتها .يعتبر هذا العمل الكانتي في مجال القيم بمثابة ثورة كوبيرنيكية في عالم الأخلاق من خلالها أراد أن يبيّن مكانة الإنسان في إدراك القيم ( الخير والشر ، الواجب وغيره من القيم التي تحكم عالم البشرية )ومنه يؤكد استقلالية الإنسان وقدرته على بناء نظام القيم دون الوقوع في تعارض مع الطبيعة الخارجية أو الطبيعة الداخلية المتعلقة به أو الدخول في صراعات بين بني البشر ، دون شك كانت وهو ينظر بهذا الطريقة لعال القيم كان يهدف إلى أبعاد معينة سنحاول التطرق إليها في المحطة الأخيرة من هذه المحاضرة .

يقول كانت في كتابه نقد العقل العملي المحض : (( القانون الأخلاقي هو ما نعيه مباشرة حالما نرسم نحن لأنفسنا مسلمات الإرادة والذي يقدّم نفسه لنا أولاً ، ثم إن العقل يقدمه مبدأً للتعيين مستقل تمام الاستقلال عن أي شروط حسيّة وهو يقودنا مباشرة إلى مفهوم الحرية ))

1.2. كيف يؤسّس كانت للقيم

 3  كيف يؤسس كانت للأخلاق :

1يرى كانت أن القواعد الأخلاقية أو القانون الأخلاقي – العملي – يتميز بالموضوعية المطلقية في آن واحد بحيث لا تتحكم في الظروف الخارجية المتغيرة ، لكن هذا لا يعني مفارقة القيم للحياة البشرية بل هي مرتبطة ارتباطاً أساسيا بحياة الإنسان وظروفه كونها ليست قواعد غير قابلة للتحقق في عالم الواقع بل فهي إمكانية بشرية يجب أن تجسد في الحياة والواقع .

القيم أو القانون الأخلاقي عند كانت لا تمارس عليه مختلف المتغيرات أي تأثير فهو ثابت مطلق في كل الأحوال ، حتّى و إن كانت الإرادة الإنسانية يمكن أن تتأثر بتلك المتغيرات ، تأثر الإرادة البشرية بالواقع الخارجي موجود ويبرز ذلك في مسلمات الإرادة التي تتشكل عند الفرد  عند اتخاذه قرار الفعل أو الترك ، هذه المسلمات التي تختلف من فرد إلى آخر حسب لظروف الخارجية ومختلف المتطلبات النفعية التي يسعى الأفراد إلى تحقيقها من خلال قراراتها وأفعالهم وهذا حسب كانت يؤثر سلبا على إنسانية القيم وتعاليها لذلك رفض بشكل صريح صلاحية هذه الظروف ومختلف المتطلبات العملية في بناء قانون الأخلاق وفي هذا الصدد يقول : (( كل المبادئ العملية التي تفترض موضوعاً (مادة) لملكة الرغبة كونها سبباً لتعيّين الإرادة هي بمجملها تجريبية و لا يمكن أن تصلح لأن تكون قوانين عملية )) (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)- ايمانويل كانت ،نقد العقل العملي المحض ،ص70.

1.3. مصدر القيم ( القانون الاخلاقي)

(2 ) :مصدر القيم ( القانون الأخلاقي ) :إذا كان كانت يرفض إطلاقا أن تكون الرغبات العملية النفعية مصدرا للقيم فهو بذلك يؤكد أن مسلمات الإرادة ليست فواعدا أخلاقية خالصة بالضرورة ، هذا ما يستوجب إخضاعها لميزان مستقل عنها وثابت يفصل فيها ويميز فيها ما هو أخلاقي من ما هو غير أخلاقي ، ذلك المرجع عند هو منبع ومصدر القانون الأخلاقي في كل الأحوال ، انه يتمثل في العقل ، هذه الملكة التي تتوزع على الناس بشكل عادل وهذا يضمن حسب كانت التساوي في إدراك القانون الأخلاقي والوعي بضرورة الالتزام به لهذا يعتبر كانت العقل المصدر والمرجع الذي يجب الرجوع إليه لتحديد قيم الخير و الحكم على السلوك البشري وكذلك تقييم وتقويم مسلمات الإرادة .

العقل عند كانت يحمل المبادئ التي من خلالها ينبني القانون الأخلاقي وتوزن الأفعال والأشياء ودور هذه القواعد لا يتوقف عند حد الحكم على السلوك بل يتعدى إلى تحديد ما يجب أن يكون عليه الإنسان والمجتمع الإنساني ، انه مصدر ذي أفق واسع لا نهائي لا يتأثر بالظروف العابرة الذاتية المختلفة والمتغيرة .

أصل هذه المبادئ:  لكن قد  يقول قائل حتّى العقل نسبي وتختلف قوته من فرد إلى آخر ، لكن كانت يؤكد أنّ المبادئ التي يتحدث عنها والتي تنظم نظام القيم لا علاقة لها بالتعلم أو التربية أو التجربة والخبرة في الحياة إنها كامنة فيه ثابتة بالفطرة موجودة عند كل ذي عقل دون استثناء ويمكن إدراكها والرجوع إليها بل كل إنسان يعرفها ويجدها توجهه نحى اتجاه أخلاقي محدد ، فهي بمثابة المحكمة الداخلية التي يعلو سوطها فوق كل الاعتبارات القيمية الأخرى مثل تقديم المصلحة الذاتية أو الالتزام بفعل الخير لهدف نفعي آخر، مثل أن أقدم العون لشخص حتى يقال عني  أنني شخص كريم فمثل هذه الأفعال ترفضها هذه المبادئ الأخلاقية الخالصة الكامنة فيه بالفطرة ، بل تجد الفرد في ذاته يحتقر مثل هذه النية ويعتبرها تتنافى والأخلاق الراقية ولهذا نجد كانت يقول : ((إنّ العقل هو الذي يعين الإرادة مباشرة في قانون أخلاقي ، ليس بواسطة شعور باللذة أو الألم يدخل بينهما ولا حتّى في هذا القانون و أنّ هذا العقل ، كونه عقلاً محضاً يمكن أن يكون عملياً فهذا وحده ما يمكنه من أن يكون مشرّعاً ))(1)

نتيجة :إذن العقل عند كانت هو مصدر القيم الأخلاقية ، والأمر الذي يؤهله كي يكون كذلك هو المبادئ الفطرية الكامنة فيه ، وهي موجودة في كل العقول ومنه ستكون القيم الأخلاقية مطلقة عند البشرية ، ولا علاقة للقيم النفعية بتلك المبادئ ، كما أن الإرادة الحقة هي الإرادة التي تخضع لهذه المبادئ بحيث تعطي العقل الأولوية في مراجعة كل مسلمتها والحكم عليها ومنه يجب أن تلتزم بقرار المحكمة الداخلية التي لا تتأثر بمختلف المؤثرات الداخلية أو الخارجية فالخير يبقى خيراً في كل الأحوال ولا يمكن أن يصبح شراً والأمر سيان بالنسبة لكل القيم الأخلاقية الأخرى.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)   كانت ، نقد العقل العملي المحض ، ص 74.

1.4. كيف يصل العقل إلى بناء القيم

 كيف يصل العقل إلى المبادئ التي تحكم القانون الأخلاقي ؟

بالنسبة للفيلسوف كانت رغم وجود هذه المبادئ في العقل إلاّ الاهتداء بها يقتضي القيام بحركة تأملية واعية مباشرة وهي بمثابة حدس داخلي ، كانت يسمي هذه اللحظة الواعية بواقعة العقل من خلالها يدرك العقل ما يجب فعله وما يجب أن يكون عليه الفعل الأخلاقي هذه اللحظة تتحول إلى إلزام أخلاقي يعين الإرادة على تقييم مسلماتها ومنه الترفع عن الرغبات النفعية المحدودة الأفق ، فالإرادة لحدها دون هذه العملية التأملية الواعية لا تستطيع توجيه الفعل نحو الفعل الأخلاقي الخالص لأنها عبارة عن قوة التنفيذ وهي تحتاج إلى توجيه داخلي عقلي وعندما يضع كانت الإرادة هذا الموضع لا يعني أنه يقلل من قيمتها في عالم الأخلاق ، لقد حدّد لنا هنا كانت حقيقة الإرادة كقدرة كامنة في الذات البشرية وهي ليست مجرد متفرج أو منفذ بل هي طاقة قوية تعزز الفعل الأخلاقي ، حيث تجعل من الإنسان متحرراً من رغباته وقادرا على القيام بالفعل وفق ما يجب أن يكون عليه أخلاقيا بحيث تكون تلك الأفعال قطعية خالصة وهنا تبرز مكانة الإرادة في عالم الأخلاق بالنسبة ل كانت إنها الحرية التي تعد الركيزة الأساسية في النظام الأخلاقي الكانتي وفي هذا الصدد يقول : (( القانون الأخلاقي هو ما نعيه مباشرةً " حالما  نرسم نحن لأنفسنا مسلمات الإرادة " والذي يقدم نف سه لنا أولاً ، ثم إن هذا  العقل يقدمه مبدأً للتعيين مستقل تمام الاستقلال عن أي شروط حسية ،و هو يقودنا مباشرة إلى مفهوم الحرية )) - ص 83 كتاب نقد العقل العملي المحض-

1)  مكانة الحرية في القانون الأخلاقي : الحرية عند كانت تأكيد على أن القانون العملي غير مشروط فهي التي تجعل من الإنسان الأخلاقي يقوم بالفعل الأخلاقي -الذي هو بمثابة واجب بالضرورة – كغاية في حد ذاته وهنا تبرز لنا فكرة الواجب لأجل الواجب . فالحرية التي يتمتع بها الكائن الأخلاقي هي التي تجعله يلتزم أو لا يلتزم بالفعل الأخلاقي ومن هذا يصبح مسؤولاً عن كل أفعالًه أما تلك المحكمة الداخلية أولاً ثم أمام القانون الذي سينزل عليه العقاب اللازم ، والعقاب عند كانت لا يهدف إلى إصلاح الفرد أو حماية المجتمع أو أن  نجعل من المخطئ عبرة للآخرين ، العقاب عنده هو ضرورة أخلاقية تفرضها حرية الإنسان ومسؤوليته ، فلأنه مسؤول يجب أن ينال عقابه وفقط .

1.5. اقسام الأفعال الأخلاقية

): أقسام الأفعال الأخلاقية : يقسما كانت إلى نوعان

-        النوع  الأول : أفعال أخلاقية مشروطة : وهي تلك الالتزامات-الأفعال- الأخلاقية التي ترمي إلى تحقيق غايات أخرى وهي أقل قيمة أو أدنى ، لأنا من حيث النية ليست نقية ، وهنا تبرز قيمة النية في الفعل الأخلاقي عند كانت وهي معلومة عند كل فرد وكفيلة بأن تجعل الفرد راضياً عن أفعاله أم لا أو مدركاً لمكانته الأخلاقية ، يبدو أن كانت يعوّل على هذه الملكة الداخلية كي تساهم في أخلقة مسلمات الإرادة ،وحتى إن وجه لهذا المبدأ الداخلي الذي بنا عليه كانت الأخلاق بعض الانتقادات أهمها أنها تبقى مجهولة عند الغير و لا يمكن التعويل عليها لأنها لا تملك قوة التوجيه  نشاهد اليوم رجوع إلى هذا المبدأ بل والتركيز عليه كمنطلق إنساني داخلي يمكن أن يحسن من السلوك الإنساني ويجعل الإنسان يشعر بنوع من الارتياح الداخلي في هذا العالم الذي سيطرة عليه المطالب المادية .

 

-         النوع الثاني:الأخلاق القطعية وهي الأفعال الأخلاقية الخالصة التي لا ترمي لأي غاية سوى الالتزام بالقانون الأخلاقي لأنه يجب الالتزام به أخلاقيا وهو النوع الذي يرقى إلى مرتبة الأخلاق المطلقة الثابتة الضرورية التي تستحق التقديس .

(4) : القانون الأساسي للعقل المحض: القواعد التي تنظم الفعل الأخلاقي حسب كانت وهي موجودة في العقل تتمثل في :

-         أولاً : هكذا افعل بحيث تكون لمسلمة إرادتك أن تصّح دائما وفي الوقت نفسه مبدأ تشريع عام . وهي قاعد تجعل الفرد يعرف أهمية وخطورة أي فعل أو قرار إرادي يتخذه أنها مسؤولية التشريع للبشرية جمعاء ومنه يصبح ذلك الفعل هو القاعدة العامة بين الناس ومنه يقطف المرء ما صنع بالضرورة .

-         ثانياً: وأنت تعامل الناس عاملهم كغايات وليس كوسائل لتحقيق غايات أخرى . بهذا يجعل القانون الأخلاقي الإنسان في مرتبة عالية دون النظر إلى أصوله العرقية أو الحضارية ، بحيث يجب ان يعامل الإنسان ويحترم لذاته .

-         ثالثاً: عامل الناس مثلما تحب أن يعاملوك. وهنا نجد كانت يطلب من الإنسان ان يجعل من ما يريد قاعدة يعممها على الغير .

هذه القواعد الثلاثة ثابتة في العقل إذا التزم بها كل كائن إنساني سيكون بالضرورة ذي أخلاق راقية وخالصة تجعل منه كائناً متميزاً وكذلك تكتسي القيم الأخلاقية صبغة العالمية والتقديس وتصلح للبشرية جمعاء وبذلك يتحقق السلم العالمي الذي ناد به كانت .

1.6. علاقة القيم بالمنفعة والدين

(5): علاقة القيم بالمنفعة واللذة

يقول كانت : (( ... لأن قاعدة لا تكون صالحة موضوعياً وبششكل شامل إلاّ حينما تكون قائمة من دون شروط مصادفة وذاتية تميز الكائن العاقل عن غيره فليس للقوانين الأخلاقية مرجعية سوى الإرادة وحدها )) ص 89.

لقد اتخذ كانت موقفا صارماً من ربط أو تعيق القيم بالرغبة واللذة وهو موقف الرفض حتى وان كان لهذه الملكة دوراً في خلق الرغبة والإرادة وهو يقول :(( كل المبادئ العملية  التي تفترض موضوعاً لملكة الرغبة كونها سبباً لتعيين الإرادة ن هي بمجملها تجريبية ولا يمكن أن تصلح لأن تكون هي بمجملها تجريبية و لا يمكن أن تصلح لأن تكون قوانين أخلاقية –عملية- ))ص، 70 فهو يرفض إدراج المنفعة واللذة والرغبة الذاتية مادية كانت أو روحية في التأسيس للفعل الإرادي الأخلاقي ، كون الرغبة في تشكلها المادي والروحي تعد بمثابة شرط للفعل الأخلاقي وهذا يجعل  الأخلاق مرهونة بشروط مادية تجريبية مسبقة دافعة وغائية الأمر الذي قد يحط من قيمة الفعل الأخلاقي وكذلك الإرادة الإنسانية بل ويجعل منت الالتزام الأخلاقي متذبذب ومتناقض داخليا كما أن عدم تحقق الرغبة او اللذة يؤدي إلى النفور من الالتزامات الأخلاقية ويشبه كانت ادراج أو اقحام الرغبة في عالم اليقيم مثل تلك المحاولات التي كانت ترمي إلى ربط الكائنات الرياضية بعالم التجربة الأمر الذي يمكن أن ينقص من كرامة وصرامة البرهان الرياضي .

الرفض الكانتي هنا ليس وليد الرغبة في الوفاء للنسقية الفلسفية التي أسس علها نظام القيم بل الأمر في حقيقته مرتبط بالقيم في حد ذاتها .

-         فالمبادئ العملية مرتبطة بالتجربة ومنه تكون اللذة والألم بعديين وليس قبليين وهذا يعني أن الأسنان يقوم بالأفعال ناولا ثم يدرس ويختبر النتائج وبعدها يتخذ القرار ومعنى هذا أن بناء نظام القيم يبقى في حلقة المحاولة والخطأ مما يدخل الإنسان فيما يسمى في التيه الأخلاقي وهذا فعلا ما حدث للإنسان المعاصر حينما اتبع المطالب النفعية الضيقة فأصبح يعيش فراغاً أخلاقيا رهيباً جعله يفقد حتى طعم ولذة الحياة .

-          فالمنفعة والرغبة مؤقتة وظرفية متغيرة أمّا الأخلاق فهي ثابتة ومطلقة(( فالعقل وحده – العقل المحض- هو وحده عملي من تلقاء نفسه ويعطي الإنسان قانوناً عاماً نسميه القانون الأخلاقي ))ص84

 

(6):  علاقة القيم بالدين : إذا كان الإيمان يحمل قيماً أخلاقية حسب كانت فإنها تخضع للعقل ،كون هذه الأخيرة هو وحده قادر عل تحقيق الفهم الراقي لركائز الدين والإيمان ، فهم حقيقة الله والإيمان بالحياة البعدية ، وهذا يبين لنا موقف كانت من الدين ودوره في عالم القيم ، فهو لا يلغي أهمية الدين والإيمان في نظام القيم ، فالدين يمكن أن سيساهم بشكل كبير في تحضير الإرادة البشرية للالتزام بالقيم التي تأتي على شكل واجبات أخلاقية خالصة ، فدور الدين تعزيزي يقوي الإرادة على تجاوز المطالب النفعية لكن هذا الدور الذي يجب أن يقوم به الدين مرهون بتدخل العقل في فهم الدين ، يبدو هنا أن كانت يجعل تأثير الدين من الناحية الإيجابية على علم القيم مرهون بالرقابة العقلية الحامل للقانون الأخلاقي الخالص .وكأنه يشير بشكل أو بآخر إلى أن الإيمان والدين لوحده غير كاف لتوجيه السلوك البشري بشكل أخلاقي سليم وهو بهذا ينطلق من واقع المجتمع الغربي في عصره الذي غلبت عليه بعض الفهوم الخاصة بالدين والإيمان  ، فهوم كانت تهمش العقل وتكرس لثقافة أخلاقية نفعية تقلل حتى من قيمة الدين .

بالنسبة لفيلسوف الأنوار هناك وساطة تربط بين الدين والطبيعة والتي تتمثل في الغايات ،فمن نظام المعرفة الذي يستمده الإنسان من الطبيعة  ونظام التخلق والدين وهذا يبين وجود التقاء بين المعرفة والدين رغم اختلاف عالميهما بحيث يكون هذا الالتقاء في نقطة تتمثل في القيم الأخلاقية التي تحدد نظام الغائية الإنساني وفي هذا تأكيد من كانت على أن العقل يبقى هو المصدر الأساسي للقانون الأخلاقي .فمن العقل تنبع القيم واليه نرجع لتقييم الأفعال .

1.7. الموقف الكانتي تحت مجهر النقد

(7) :الموقف الكانتي تحت مجهر النقد :

ماكس شيلر: انتقد صورية كانت واعتبر القيم التي دعا إليها نظرية تهمل مضمون القيم المادي لغرض  التأكيد على أن القيم وليدة الإرادة ولا تتحكم فيها أية دوافع خارجية أخرى ، لكن شيلر يرى عكس ذلك فالقيم ليست صادرة عن إدراك عقلي ولا غايات ترمي وتحددها الإرادة عن طريق مسلماتها الخاصة للمبادئ الأخلاقية الموضوعية الثابتة ، إنما الإخلاق هي محل ادراك فكري أساسي – نشاط فكري – يحتوي الانفعالات والعواطف والرغبات والميول والسعي وراء اللذة ومن خلال كل هذا يعرف الشخص القيم ويلتزم بها (1) ومنه لا يمكن إنكار دور العواطف والدوافع المادية والروحية الكامنة في الذات البشرية التي تجعل منه الفاعل الأساسي في صناعة القيم وليس العقل المحض الذي جاء به كانت ولكون العاطفة الإنسانية مشتركة بين الناس فهذا يجعل منه مصدرا للقيم المشتركة الي بدورها تنصهر في واقع مادي تجريب يساهم هو كذلك في تطويرها وتنظيمها .

هابرماس : يرفض الادعاء الكانتي بالقدرة على امتلاك المطلق كون هذا الطرح يتعارض مع تطور اللوم وإثباتها على أنها قادرة على خدمة الإنسان معرفياً وماديا وكذلك أخلاقياً ، فالمعرفة تقد له حلولا تقنية تطبيقية تعالج مشكلاته وكذلك تقدم له ضوابط قيمية بفضل تطوراتها وعلاقاتها بكل مستويات الحياة ، فدور الفلسفة الحقيقي  هو التوقف عن أدهائها على امتلاك المطلق والعمل على الانفتاح على العلوم والاستفادة منها ومسايرة تقدمها الذي يقدم دائما ً حلولاً أداتيه لا علاقة لها بالحلول النهائية المطلقة .

شوبنهاور : رفض هذه الأخلاق المتعالية الثابتة كونها تنفي إرادة الحياة وتقصي دورها في تمكين الإنسان من التأسيس للأخلاق التي يتحقق له البقاء هذه الغاية التي لا يمكن إلغائها في توجيه السلوك البشري  وتحديد القيم ،هذه الأخيرة ستكون متغيرة ونسبية وفق متغيرات الواقع البشري حتى تقوي روابط الحياة وتغذي ذاتية الإنسان المتعددة الأبعاد

1.8. قيمة الطرح الكانتي

ماذا بعد هذه الانتقادات ؟

نقد الأطروحة الكانتية لا يعني بالضرورة إلغائها من عالم التنظير والتأسيس للقيم  البشري فقد:

-         فتح كانت حقل الأخلاق النظرية المعاصرة التي بينت أن العقل يقدم مقياسه الكامل في دائرة الأخلاق ويرسم ما ينبغي فعله بصرف النظر عن كال ممارسة وكل معرفة علمية أو نظرية ( أسس مستقلة لا مشروطة )تؤثر لكنها لا تتأثر وبهذا وضع حداً للعق النظري الخالص وابرز در العقل في مجال الأخلاق ، يبقى كانت مرجعية في مجال الأخلاق النظرية في عصرنا هذا التي تسعى للتأسيس لأخلاق الإنسان المعاصر وتقد له توجيهات قادرة على قيادته في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والمهنية والعلمية وكذلك البيئية  والطبية . لقد أصبحت الأخلاق النظرية والقانون الأخلاقي الكانتي مرجعية  أساسية لإخراج البشرية من التيه الأخلاقي  بسبب إهمال ما فوق الحسي وهذا ما قد أكده زرادشت بقوله : عندما يتلاشى الكون المتعالي الميتافيزيقي يأتي الثاني المرتبط بما فوق الحسي تنهار القيم القديمة وهنا يتضح ميدان جديد وتولد هكذا قيما جديد .

-         اثبت كانت أن العقل البشري يحتوي على مبدأ الأخلاق فهي تنبع من الإنسان وتتوجه إليه وغايتها هي الإنسان ذاته، إنسان حر ومنه أراد غلق الباب أمام التلاعب الديني والإيديولوجي الضيق لا تسعى إلى رفع البشرية لمستوى أنبل وأرقى، فالقانون الأخلاقي   الذي أسس له كانت قبلي وفردي وكوني في آن واحد ، قبلي لأنه شامل وضروري لدى جميع الكائنات العاقلة وفردي باعتبار أنه من الفرد ذاته و لا يستقبله من مصدر خارجي أو حتى من الرغبات والأهواء الداخلية ن بحيث يكون السلوك الإرادي للفرد نابع من الوعي الأخلاقي الداخلي بضرورة الالتزام بالقيم كواجب من أجل الواجب .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عادل العوا ، العمدة في القيم ، ص