المدرسة الألمانية: الحتمية الجغرافية لراتزل و هاوشوفر و نظريات القوة البرية

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: د.عيدون الحامدي /الجغرافيا السياسية ، السنة 2 علوم سياسية لموسم الجامعي 2023-2024
Livre: المدرسة الألمانية: الحتمية الجغرافية لراتزل و هاوشوفر و نظريات القوة البرية
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Tuesday 23 July 2024, 02:28

Description

1. توطئة لرواد المدرسة الألمانية في الجغرافيا السياسية:

كان أول من استخدم الجيوبولتيك في الماضي المفكر السويدي رودولف كيلين مطلع القرن الميلادي الماضي وعرّفه بأنّه “ البيئة الطبيعية للدولة والسلوك السياسي “ بينما عرّفه مفكر آخر جاء بعده يدعى كارل هوسهوفر بأنّه : "دراسة علاقات الأرض ذات المغزى السياسي، بحيث ترسم المظاهر الطبيعية لسطح الأرض الإطار للجيوبوليتيكا الذي تتحرك فيه الأحداث السياسية “. ومن أراى المهمة لمصطلح الجيوسياسية نجد فريدريخ راتزل بأنها عبارة عن “ الاحتياجات السياسية التي تتطلبها الدولة لتنمو حتى ولو كان نموها يمتد إلى ما وراء حدودها “.

بناء على ماسبق ماهي الاسهامات النظرية لكل من راتزال ، كيلين ، كارل هاوسهوفر في مجال التفكير الجيوسياسي؟

1.1. الرجل الاول لعلم الجغرافيا السياسية : فريدريخ راتزل " Friedrich Ratzel "

مثلت نهاية القرن التاسع عشر، بداية تزايد إهتمام الألمان بالقوة البرية ، ففي ظل هذه الاجواء التي طبعت هذه الحقبة جاء'فريدريخ راتزل' أستاذ الجغرافيا بأول صياغة للجغرافيا السياسية.فريدريك راتزل (1844 - 1904م) عالم أحيائي، وجغرافي، وعالم حيواني، وعالم سياسة، وأستاذ جامعي ألماني في جامعة لايبزيغ Leipzig Friedrich Ratzel صاحب كتاب الجغرافيا السياسية ويعتبر المؤسس الأول لعلم الجغرافيا الحديثة، درس راتزل في هايدلبرغ سنة 1868م علم الحيوان والجيولوجيا والتشريح، له كتابه جغرافية الإنسان، كتب عن العوامل التي تتحكم في توزيع الإنسان في الكرة الأرضية.

وقدم جملة من الافكر نذكر اهما:

دينامكية الدولة كالكائن الحي

في اصل الفكرة

ان في منتصف القرن السابع عشر كتب وليام بني وهو طبيب بريطاني كتابا أوضح في كثير من البراعة العلاقة بين الدول ونظمها ونموها وبين ظروف البيئة الجغرافية، فقد تكلم عن المساحة المثالية للدولة التي تستطيع أن تسيطر عليها وتبسط نفوذها في أرجاء هذه المساحة، ويمكن للسكان استغلالها على الوجه الأكمل، وفطن إلى أهمية المدن الكبرى في ربط وتوجيه السكان نحو مراكز القوة والجذب في الدولة، وذكر أهمية كثافة السكان وغنى الدولة وانتشار العمران حتى تصبح الدولة وحدة سياسية متماسكة في الداخل وقوة لها اعتبارها في الخارج.

وبعد وليام بني بقرنين صدر كتاب الجغرافيا السياسية Politische Geographie)1897) الذي ألفه العالم الجغرافي الألماني فريدريك راتزل F. Ratzel استاذ الجغرافيا في جامعة ليبزيج، ويعد هذا أول كتاب منهجي في الجغرافيا الحديثة يتناول الموضوع السياسي من الجغرافيا؛ إذ إن راتزل قد اعتبر الجغرافيا السياسية جزءا لا يتجزأ من ميدان البحث الجغرافي، وقد نشر راتزل مقالا بعنوان (القوانين السبعة للنمو الارضي للدولة)

تبرز كتابات الجغرافي الألماني فردريك راتزل مدى تاثره بافكار و تنبيهات عالم الاحياء تشارلز دارون( تأثر راتزل في كتابه الجغرافيا السياسية بنظرية التطور الطبيعي التي طرحها دارون وتقوم هذه النظرية على افتراض ان استمرار وبقاء الكائن الحي يتوقف على مدى قدرته على التكيف وان التكاثر هو دليل التكيف ومن هنا فان الكائنات الحية تكافح من اجل البقاء وهذه العملية وصفها داروين بالانتقاء الطبيعي أو بقاء الأصلح وقد زاد تاثر داروين بعد أن طرح عالم الاجتماع هربرت سبنسر تفسيره لهذه النظرية أو ما سُمي بالدروانية الاجتماعية ويقوم التفسير على افتراض ان هناك تشابها كبيرا بين المجتمعات الإنسانية والكائنات العضوية وان قوانين الانتقاء الطبيعي تحكم حياة هذه المجتمعات،ويقول أن فكرة داروين عن الصراع من اجل البقاء يمكن مساواتها بالصراع من اجل المكان، فكل اشكال الحياة على كوكب كانت تشارك في السعي للمجال الحيوي ،و كان تطبيق هذه الفكرة على الجيوبولتيك الأوروبي يتطلب نظرية حيوية لتكوين و تطور الدولة و هذا المفهوم الذي قدمه راتزل ثم طوره كيلين بعد ذلك.

ب.جوهر فكرة الدولة ككائن حي

في كتابه الجغرافيا السياسية والذي ظهر عام 1897 قدّم راتزل فكرته الكبرى، بأن الدولة كائن عضوي يكبر وتزداد احتياجاته باستمرار، وأن الحدود هي أشبه بجلد و اطراف الكائن العضوي، والذي يجب أن يتمدد باستمرار مع نموه.

ولم يكن راتزل يتحدث من فراغ، فقد كانت ألمانيا حينها تموج بالنشاط الصناعي، وهي بحاجة للمواد الخام والأسواق، وبالتالي قدم راتزل نظريته لتكون في خدمة ألمانيا، فالحدود هنا ليست نهايات الدول، ولكنها محطة من محطات نمو الدولة، فكلما كبرت احتياجات الدولة حق لها أن تلتهم جيرانها لتواصل نموها.

والنظرية أعطت مبرراً للحراك النازي الكبير لاجتياح أوروبا، ورغم أن العالم استقر بعد الحرب العالمية الثانية نظرياً على ثبات الحدود وضرورة احترامها، ولكن علمياً بقيت الحدود سيالة، ولا زالت التغييرات الحدودية جارية في العالم، واستعيض عن فكرة الحدود المادية بفكرة الحدود الشفافة. ( والحدود الشفافة تعني أن الدول تتدخل حيث توجد مصالحها، وأن سيادة الدول القانونية لا تعني سيادتها الفعلية، وبهذه الذريعة توجد القوى العظمة في كل العالم، بحجة حماية مصالحها، وتستطيع أن تتدخل في نزاع حدوجي، أو داخلي للدول الأقل حظاً على الرغم أن القانون الدولي يتحدث عن الحدود الثابتة والمرسومة، ولكن الفعل السياسي على الأرض يختزن مفهومين نقيضين، وهما الحدود البيولوجية والحدود الشفافة)

1.2. النزعة الحيوية للدولة و ضرورة التميز بين امتلاك المكان و الرغبة في المجال

التميز بين امتلاك المكان و الرغبة في المجال حسب راتزل

يري رتزال انه يجب التميز بين امتلاك المكان و الرغبة في المكان و المجال، مثلا وجود دولة كبيرة مهددة مثل الإمبراطورية العثمانية او الروسية - ، يظهر ان القوة لا تتحقق بالضرورة من مجرد امتلاك المكان فلو كان الامر كذلك لكانت الدول الكبيرة تنمو دائما عل حساب الصغيرة بفضل ميزتها الأولية – يمعني امتلاك المكان لا يعيني دائما امتلاك القوة و الدافعية الجيوسياسية وانما الرغبة في امتلاك المكان هي القوة الحقيقة.

و لهذا يدعي راتزل ان الدولة القوية هي التي تتمتع بقدرات سكانية و اق و ثقافية تتخطي حدودها الإقليمية القائمة، و هاته المميزات لابد ان تولد لها ميول توسعية و تدفعها لزيادة مجالها الحيوي حيث تتحدد قوة الدولة بطموحاتها الإقليمية و ليس بمساحتها الأرضية.

مثال :مثال مقارن بين دولة المانيا و روسيا

دولة مثل كالمانيا بمساحة 357الف كلم 2مع دولة كروسيا ب 17مليون كلم2 ،برغم من ان روسيا ذات قوة مبدئية اكبر من الماني،الا انها لم ترغب في توسع نحو المانيا،لان حجمها مقارنة مع مميزاتها السكانية و الاقتصادية و الثقافية لا يدفعا للرغبة في التوسع الإقليمي بل يجعلها عرضة للأطماع الدول المنافسة الأصغر منها ،و اكبر دليل عزو المانيا بقيادة فهرر هتلر للاتحاد السوفياتي USSR في عملية بارباروسا كما هو موضح في كتاب أدولف هتلر "كفاحي" الذي كتبه في سنه 1926- 1925أظهر بوضوح اطماعه في غزو الاتحاد السوفيتي وبنائها على معتقداته ان الألمان يحتاجون "مجال حيوي" بعبارة أخرى أرض ومواد خام و موارد طاقوية .

إنفوجرافيك: مرحلة الهجوم وتحرير الأراضي السوفييتية والأوروبية خلال الحرب الوطنية العظمى

1.3. قوانين راتزال السبعة في الجغرافيا السياسية المرتبطة بتطور الدولة

قوانين راتزال السبعة المرتبطة بتطور الدولة

 

تتأسس الرؤية الراتزالية على صياغة ما سماه بالقوانين السبعة المرتبطة بتطور الدولة والمتمثلة في:

  1. يرافق نمو المساحة الأرضية للدولة نموا في ثقافتها والحضارتها، فكلما أنتشر السكان وحملوا طابع خاص للثقافة فأن الأرض الجديدة التي يمثلها هؤلاء تزيد في مساحة الدولة. ( مثال الدولة العثمانية و انتشار الإسلام ،دول استعمارية فرنسا بريطانيا ،برتغال و اسبان

  2. المساحة الأرضية  للدول territoire تنمو في نفس الوقت بنمو إديولجتها أو إقتصادها،، ذلك النمو الذي يجب أن يتم قبل أن تبدأ الدولة في التوسع وبذلك يسلم بأنه راية الدولة تتبع التوسع التجاري.( مثال الاتحاد السوفياتي و توسع الايديولوجايا الشيوعية ،او الوايات المتحدة مشروع مرسال الاقتصادي

  3. الدول تتوسع بضم مجموعات سياسية أكثر صغرا، أن نمو الدولة يستمر حتى يصل الى مرحلة الضم بإضافة وحدات صغرى إليها والأرض ومن عليها من السكان يجب أن تميزها عن بعضها البعض إذا أراد إتمام عملية الضم.

  4. الحدود هي عضو حيوي  وعنصر بارز في قوة الدولة ( لا يؤمن الحدود الثابتة و انما بالحدود الشفافة او المرنة)

  5. يعد التوسع في المساحات الارضية territorial أمر منطقيا ، والذي يهدف إلى إمتصاص المناطق الحيوية بالنسبة له؛ أن الدولة في نموها تسعى لامتصاص وضم الأجزاء ذات القيمة السياسية كالسهول الأنهار أو المناطق الساحلية أو الغنية بالثروات المعدنيةو الموارد الطاقوية.

  6. الدولة محكوم عليها بالتوسع إذا ما كان جيرانها أقل تحضرا منها؛أن الدافع الأول للتوسع في الأراضي يأتي من الدول الكبرى ذات الثقافة حيث تحمل أفكارها الى الجماعات البدائية.

  7. ضم الأطراف الأكثر ضعفا  من اجل زيادة قوة الدول ، له أثر تجميعي cumulatif، فعملية الضم تؤدي إلى عمليات ضم أخرى،.أن الميل العام للتوسع والضم ينتقل من دولة الى أخرى ثم يتزايد ويشتد على أن الشهية تزداد نتيجة تناولها الطعام.

حوصلة النظرية الراتزلية

و عليه نظرية الجيوبولوتيكية لراتزل تقوم على عملية المتواصلة من المد و الجز أي التوسع و الانكماش لحجم الدول المتنافسة التي هي حتمية حيوية ،كما لم تستبعد النظرية احتمال التوازن في القوي و الحيوية في الرغبة العامة و المستمرة في المزيد من المجال الحيوي،

و عليه حسب هاته النظرية فان الصراع الدائم على المجال الحيوي يعد قانون جيوبولتكي أساسي لا يمكن التخلص منه.

2. رودولف كيلين مبلور كينونة الدولة ككائن حي وحيز المجال الحيوي

أ.تطوير كينونة الدولة كائن حي

لقد طور 'رودلف كيلين'، فكرته التي يعتبر فيها "الدولة كائن حي" عن راتزل ، بالقول، " أن الدولة ليست كائن حي وحسب، بل هي أيضا كائنا ذا شعور مزدوج، بقدرات فكرية وأخلاقية عظيمة ( تطوير النموذج المادي للكائن الحي و تركيز على متغيرات غير مادية أي الروح مقابل الجسد ). حيث تمثل الأرض التي يعيش عليها هذا الكائن بالجسد، وتكون العاصمة القلب والرئتين، وتمثل الطرق والأنهار الأوردة والشرايين، ومناطق التعدين والإنتاج الزراعي هي بمثابة الأطراف . وبالرغم أنَّه حاول تقديم تعريف موسع على ما قدمه "راتزل"، إلا أنه يتفق معه بأن الهدف النهائي الذي تسعى الدولة لتحقيقه هو أن تكون دولة قوية يهابها الجميع.

ب- نظرية الدولة حسب رودولف كيلين

وقد طور كيلين أبحاثه إلى ما عرف فيما بعد باسم نظرية الدولة، وقد قسم الدراسات المرتبطة بالدولة إلى الموضوعات التالية:

  • (أ) السياسة الأرضية : الجيوبوليتيكا Geopolitik.

(بالسياسة الشعوبية: إتنوبوليتيكا Ethnopolitik . دراسة السكان والدولة.

  • (جالسياسة الاجتماعية : Sozialpolitik. دراسة التركيب الاجتماعي للدولة

  • (دالسياسة الاقتصادية : Oekopolitik. دراسة الموارد الاقتصادية للدولة.

  • (عالسياسة الإدارية : Kratopolitik. دراسة حكومة الدولة (النظام السياسي و الادراي)

وقد كتب 'بيار سليرييه' في شأن هذه النظرية يقول:"شبه كيليين الدولة بالإنسان، وأجرى مقارنة بين أعضائهما، وشبه سلوك الدول في علاقاتها مع بعضها البعض، بسلوك البشر إزاء بعضهم البعض". وأضاف :"شدد كيليين على الطرح القائم على مبدأ تفوق العرق الجرماني وأمتلاكه لخاصية إدراك كنه المجال الحيوي".

3. مدرسة ميونخ و كارل هاوسهوفر : المرتكزات الفكرية ومصطلحات الجيبولتيكا

ولد كارل إرنيست هاوسهوفر 'haushofer_karl في 1869 بميونيخ عاصمة 'بافاريا' مع اندلاع الحرب البفارية الفرنسية وتوفي سنة 1946 عن عمر يناهز 76 سنة ، بدأ هاوسهوفر حياته ضابطا في الجيش القيصري الألماني، وذهب إلى اليابان معلما 1909، وكان لهذه الرحلة أثر كبير على تكوينه السياسي والعسكري وفي الفترة 1908 والعسكري — ذهب بحرًا عبر قناة السويس، وعاد برٍا بطريق سيبيريا في صيف 1910 – بعد عودته وفي فترة السنتين أصدر كتابان عن اليابان، الكتاب الأول جاء بعنوان' اليابان العظيمة' Dai Nihon أي اليابان في اتساعها وامتداد أرضها، وقدم الكتاب الثاني كدراسة عرضت في جامعة ميونيخ لنيل درجة الدكتوراه، وقد منحت له درجة الدكتوراه في الجغرافيا والجيبولتيكا والتاريخ. ، وكتب 'ديروت وتليسي' يقول:' كان العنوان الذي وسم به الكتاب يعتبر وصفا لموضوعه أيضا، وقد جاء بعنوان: نصيب ألمانيا في الفتح الجغرافي لليابان والأرض نصف اليابانية، وتقدمها في ضوء تأثير سياسات الحرب والدفاع. فهو جنرال، وعالم جغرافي، وجيو-سياسي ألماني. وقد أسهمت فكرة المناطق الشاملة في الجيوسياسةأو النظريات الألمانية للسياسة الخارجية خلال الفترة ما بين الحربين العالميتين (1918–1939) أو الفترة من نهاية الحرب العالمية الأولى وبداية الحرب العالمية الثانية.

ويعتبر 'ردولف كيليين' مخترع مصطلح الجيبولتيكا الأب الروحي لــــ 'هاوسهوفر'، و'فريدريك راتزل' الذي وظف مصطلح المجال الحيوي.

كما من العوامل الأخرى المساعدة على توفير جو فكري ثقافي وعلمي مناسب للجيبولتيكا راتزل الصغير كما سمي انه كان '- اي هاوسهوفر-' يعمل أستاذا للجغرافيا بمعهد ميونخ والتاريخ الحربي في جامعة ميونخ سنة 1920 . وفي عام 1924 أسس مجلة"السياسة و الجيوبوليتيكا" وجذب معه مجموعة من كبار أساتذة الجغرافيا الألمانية مثل 'إيريخ أوبست' و 'جوستاف فوشلر هاوكه' O. Jessen و'أوتو يسن' G. F. Hauke وغيرهم كثير.

أفكار هاوسهوفر الجيبولتيكية لما بعد راتزل و كيلين

يعد هاوسهوفر من المفكرين الألمان الذين ساهموا في قيام الجيوبولتيك كمنهج، فبعد نهاية الحرب العالمية الأولى رفض نظام اتفاقية فارساي، ومن هنا أطلق مجلة الجيوبولتيك نشرت في ،1923أين فرق بين الجغرافيا السياسية التي كانت حسبه وراء انهزام ألمانيا خاصة مع أفكار راتزل في بداية مشواره. حيث درس توزيع السلطة الحكومية على مساحات القارات والشروط )الأرض، المناخ، الموارد( التي من خلالها يتم ممارسة هذه السلطة من جهة، والجيوبولتيكا الذي يقدم لأجل نشاط سياسي في مجال طبيعي من جهة أخرى.

من أكثر المصطلحات الجديدة التي عبرت عن آراء مدرسة ميونخ — التي تصادف أنها أيضا كانت مهد ومكانة ولادة النازية الهتلرية— هي مصطلحات توسيعية أو ذات » صبغة استراتيجية حربية « ، ومن أكثر المصطلحات شيوعًا تلك التي تعبر عن فكرة المجال الحيوي Lebensraum التي تدعوا لأن يكون لألمانيا – وغيرها من القوى التي أهلها هاوسهوفر للنمو - مجال تمد فيه جذورها الاقتصادية والسياسية، كذلك كان مصطلح الكفاية الذاتية الإقتصادية من المصطلحات الشائعة في كتابات هذه المدرسة في فترة بناء ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى. لكن هاوسهوفر لم يحدد الكيفية التي تتوسع بها ألمانيا في مجالها الحيوي.

 

3.1. هاوسهوفر و الأسس العامة للجيبولتيكا الألمانية

هاوسهوفر و الأسس العامة للجيبولتيكا الألمانية


يمكن تلخيص المبادئ العامة للجيبولتيكا المدرسة الالمانية بناء على ماطوره هاوسهوفر من المفاكر الاساسين السابيقين في النقاط الاساسية الاتية :

  1. الدولة كائن حي: فبعد راتزل جاء تشخيص 'هوسهوفر' للأمراض التي تشكو منها الدولة مبينا مشكلة الارض التي تحتلها. ولهذا ظهر مبدأ 'المجال الحيوي' للدولة التي يدعوها للتوسع الأرضي من اجل إيجاد حلول لأمراضها السكانية والإقتصادية والعسكرية، ويحسن موقعها وعلاقاتها المكانية الأرضية. لم يبتعد هاوسهوفر عن أفكار راتزل وكيلن، فالدولة حسبه كالكائن الحي وفي مقدمة الوظائف البيولوجية
    لهذا الأخير هي وظيفة النمو، فالدولة ذه الخاصية الوظيفية تنمو وتتوسع نحو مناطق جديدة غنية بمواردها
    الطبيعية وثروا ا المعدنية، والتي يمكن تسخيرها في الأخير لبناء وزيادة قوة الدولة

  2. مبدأ الكفاية الإقتصادية للدولة: تضمنت النظرية التي صاغها 'هاوسهوفر' أربعة مقاييس أساسية اعتبرها من مقومات الدولة القوية وهي: عدد السكان يكون كبيرا، إرتفاع نسبة الولادات،السكان من سلالة واحدة أو متجانسة، توازن بين سكان الريف والمدن.

  3. العاصمة رمز قوة الدولة: ترى مدرسة ميونيخ بانه ولدواعي استرتجية ضروري نقل العاصمة إلى المناطق الأكثر أمنا (نقل العاصمة الروسية من سانت بترسبرغ إلى لننغراد إلى موسكو. ففي أي نزاع يسعى المتحاربون للسيطرة على العاصمة فما إن يتم لهم ذلك تصبح الدولة كلها في قبضتهم، فعلى سبيل المثال حينما احتل الألمان العاصمة باريس في الحرب العالمية الثانية عجل ذلك بسقوط فرنسا. بل حتى في النزاعات الداخلية والإنقلابات يسعى المعارضون للسيطرة على العاصمة لتأكيد سيطرتهم على البلاد شاملة.

  4. الموقع واليابسة الأولى استراتجيا: يرى 'هاوسهوفر' أن القوات البحرية والجوية مكملة للقوة البرية الأساسية والحاسمة. فالممار والمضائق البحرية لم تعد تحظى بالأهمية التي كانت تحتلها في السابق. فقناتي "بنما" أو "السويس" لا تعني الشيئ الكثير إذا لم يتم التحكم في البلدان التي تقع فيها، أي مصر وبنما.

4. في نقد المدرسة الالمانية و نظريات القوة البرية

في الاخير يمكن الوصول الي جملة من الانتقادات للمدرسة الالمانية في علم الجيوبولتيكاو انعكاسات النظرية و التطبيقية وفق النقد الاتي:

  • نقد ابستمي للنظرية: ان أفكار المجال الحيوي عند راتزل و المفكرين الثلاثة الالمان تمثل مفهوم نظريا برغماتيا و ليس حقيقة جغرافيا ستاتكيا بالتحديد حيث تم تطبيق هاته الفكرة لإضفاء الشرعية على طموحات الإقليمية الألمانية خاصة في الشرق، القائمة حول الأسطورة الألمانية القديمة حول الزحف نحو الشرق و تسخيرها في اطار اللغة العلمية لجيوبوليتكس راتزال.

ان مناقشة النظرية العضوية التي قامت عليها أفكار الجيوبولتيكيين الألمان قبل و بعد الحرب العالمية الثانية،تدعمت بنقد المفهوم الضمني لنظرية الدولة ككائن حي، فتم إقرار مبدأ أن الدولة ليست كائنا واعيا ذو سلوك هادف، فكتب باوندز Poundsفي ذات الموضوع يقول: » إن الدولة بذا ا لا يمكن أن تكون لها سياسة إلا بتطبيقها بواسطة صانعي القرارات، ولا تستطيع الدولة أن تنمو أو تموت أو تولد أو تتدهور إلا من خلال القرارات التي يمليها صناع القرار فيها«

  • نقد في انعكاسات النظرية على الواقع : تعتبر اراء و افكار النظرية للمدرسة الالمانية أحد سبب تأجيج الحرب العالمية الثانية خصوصا افكار هاوهوفر اساسا المطورة من اراء راتزل اججت وقود للقائد الالماني ادولف هتلر في اطار سياسية المجال الحيوي و الرغبة في السيطرة على العالم، فالمدرسة الألمانية بررت توسعات هتلر وتعظيم قدرات ألمانيا العسكرية البرية، على أساس فكرة النمو الواجب للدول كما للكائن الحي، وأن المجال الحيوي هو حتمية التوسع، ولو كان ذلك بالقوة وضد الدول الأخرى .

  • نقد في نتائج و الاثار المترتبة : اسفرت افكار النظرية ذو الصبغة المتطرفة -النازية- الي أكثر الصراعات العسكرية دموية على مر التاريخ - الحرب العالمية الثانية - والذي قُدّر إجمالي عدد ضحاياها بأكثر من 60 مليون قتيل مثلوا في ذلك الوقت أكثر من 2.5% من إجمالي تعداد السكان العالمي، المانيا النازية سابقا فقط وصل عدد الاجمالي للقتلي ب 7 ملايين الي 9 ملايين قتيلا بنسبة 64 بالمئة من ضحايا دول العالم.

  • بناء على ماسبق من انتقادات ، انعكس الامر كله على علم الجيوبولتيكس في تلك الفترة حيث اعتبر انه يشكل مصدر قلل و تهديد نظري يمكن يشعل فتيل حروب أخرى مستقبلية لو تتم إعادة بعث و تبني نفس أفكار المدرسة من طرف شخصيات او أنظمة متطرفة و هذا ما بفسر تضيق الخناق عل هذا الحقل و التوجه نحو نشر القيم الليبرالية الديمقراطية في تلك الفترة.