العقوبات التاديبية في قانون الوظيفة العمومية

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: نظام التأديب في الوظيفة العمومية
Livre: العقوبات التاديبية في قانون الوظيفة العمومية
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Thursday 2 May 2024, 15:09

1. تمهيد

فإذا كان الهدف من نظام التأديب في الوظيفة العمومية هو المحافظة على سير المرفق العمومي بانتظام واطراد، عن طريق معاقبة كل موظّف تخوّل له نفسه مخالفة القوانين بإخلاله بواجباته الوظيفية، وإن كان المشرّع الجزائري على غرار بقيّة التشريعات قد بيّن الإطار العام للأفعال الشخصية التي تمثّل أخطاء مهنية، فإنّه في الوقت ذاته قد حدّد العقوبات المقرّرة لها ضمانا لعدم تعسّف السلطة موقّعة الجزاء، وبذلك " : يتوقف تحديد العقوبة التأديبية المطبقة على الموظف على درجة جسامة الخطأ، والظروف التي ارتكب فيها، ومسؤولية الموظف المعني، والنتائج المترتبة على سير المصلحة وكذا الضرر الذي لحق بالمصلحة أو بالمستفيدين من المرفق العام"، ذلك ما أقرّته المادة 161، ولمزيد من التفصيل سيتّم بيان المقصود بالعقوبات التأديبية (المبحث الأوّل)، وتصنيفات هذه العقوبات (المبحث الثاني)، والمبادئ التي يقوم عليها توقيع العقوبات ضمانا لتحقيق التوازن بين سلطة الإدارة في توقيع العقوبة التأديبية، وعدم تعسفها في توقيعها ضمانا لحقوق الموظّف العمومي (المبحث الثالث)، وتّم تفصيل كل ذلك فيما يلي.

2. المبحث الأوّل: تعريف العقوبة التأديبية وبيان طبيعتها القانونية

تمهيدا لدراسة إجراءات توقيع العقوبات التأديبية، والضمانات المقرّرة لصالح الموظّف العمومي في مواجهة سلطة التأديب من الضروري بيان المقصود بالعقوبة التأديبية (المطلب الأوّل)، وطبيعتها القانونية (المطلب الثاني)، وذلك فيما يلي.

2.1. المطلب الأول: تعريف العقوبة التأديبية

خلافا للأخطاء التأديبية لم يعرّف المشرّع الجزائري العقوبات التأديبية ولم يحاول ذلك ولذلك كانت عملية البحث  عن تعريف فقهي لها ضرورية فمنهم من عرّفها على أنّها "جزاء أدبي ومادي في آن  واحد ينطوي على عنصر الإيلام المقصود بسبب ارتكاب مخالفة تأديبية تلحق الموظّف في وضعه الوظيفي فقط، فيؤدي إلى الحرمان من بعض أو كل الحقوق التي يتمتّع بها الموظّف، أو من التي يشغلها سواء كان ذلك بصفة مؤّقتة أو دائمة"

ومنهم من عرّفها بأنّها "جزاء من نوع خاص يصيب الموظّف في مركزه الوظيفي دون المساس بحرّيته أو ملكيته الخاصّة بسبب مخالفات ذات طبيعة خاصّة بحيث يترتّب عليها الحرمان أو الإنقاص من امتيازات الوظيفة."[i] 

وعرفت بأنّها "جزاء وظيفي يصيب الموظّف الذي تثبت مسؤوليته في ارتكاب خطأ تأديبي معيّن توقّع باسم ولمصلحة الطائفة المنتمي إليها تنفيذا لأهدافها المحدّدة سلفا".[ii]

وعرفت بأنّها "جزاء يوقّع على الموظّف متى ثبت مسؤوليته عن مخالفة تأديبية".[iii]



[i] - إسماعيل أحفيظة إبراهيم، (أحكام العقوبة التأديبية في الوظيفة العامّة).  مجلّة العلوم القانونية والشرعية، ع 6، يونيو 2015، ص.254.

[ii] - نواف كنعان، النظام التأديبي في الوظيفة العامة. مكتبة الجامعة الشارقة، 2008، ص.94.

[iii] - حسين حمودة المهدوي يشرخ، أحكام الوظيفة العامة. المنشأة العامّة للنشر والتوزيع والإعلان، طرابلس، - ط1، 1986، ص.441.

2.2. المطلب الثاني: طبيعة العقوبة التأديبية

كما ورد في تحديد مفهوم العقوبة التأديبية وما اصطلح عليها بصفة عامة على أنّها الجزاء ذو النوعية الخاصة الذي يلحق بالموظف العام دون غيره فيؤدي إلى حرمانه من بعض أو كل المزايا الوظيفية المقررة له بموجب اكتسابه لصفة الموظّف العمومي، وبهذا تكون العقوبة جزاء رادعاً شرع من أجل المحافظة على سير العمل في الدولة، ولا يتحقق هذا إذا ما تخلى الموظف العام عن واجباته أو تهاون في بذل الجهد والعناية المطلوبة منه، وهو ما يستوجب معه الإصلاح بفرض وإيقاع العقاب المناسب الذي يستهدف  تقويم الموظف المخالف وزجره فيكون عبرة له بعدم ارتكاب الذنب مرة أخرى ولغيره بحثهم على الالتزام بواجباتهم الوظيفية ومقتضياتها.

و مما سبق يتضح أن: العقوبة التأديبية تقوم أساسا على عنصرين هما :الوقاية والردع، أمّا الوقاية فهي إقرار الجزاء التأديبي بموجب التشريعات التي تحكم النظام الوظيفي ومعرفته من قبل الموظف العام، والهدف منه توقيع الجزاء في حالة الإخلال بالنظام، وأما الردع فهو القيام بتوقيع الجزاء التأديبي على الموظف المخالف.

ومن هنا يعد الجزاء التأديبي من الوسائل التي تلجأ إليها الإدارة لتقويم الموظف المخطئ وردع من تسول له نفسه من الموظفين على سلوك نفس النهج المخالف للقانون وذلك بهدف إصلاح الجهاز الإداري[i].



[i] - إسماعيل أحفيظة إبراهيم، المرجع السابق، ص.255.

3. المبحث الثاني: تصنيف العقوبات التأديبية

تبعا لجسامة الخطأ المهني المرتكب من طرف الموظّف العمومي والذي صنّفه إلى أربع درجات من الأقّل جسامة إلى أشدّها، صنّف المشرّع الجزائري العقوبات التأديبية المقرّرة لتلك الأخطاء إلى أربع دراجات كذلك، تزداد شدّتها بازدياد جسامة الخطأ، وتضّم كل منها جملة من العقوبات، وذلك بنص قانوني صريح تضمنته المادة 163 من الأمر 06/03 ، وللتعمّق في دراسة هذا الموضوع تتطلّب دراسته بيان درجات العقوبات التأديبية في المطلب الأوّل، ومضمونها في المطلب الثاني فيما يلي.

3.1. المطلب الأوّل: درجات العقوبات التأديبية

بالرجوع إلى المادّة 163 من الأمر 06/03 المشار إليها أعلاه والتي جاء فيها"تصنف العقوبات التأديبية حسب جسامة الأخطاء المرتكبة إلى أربع (4) درجات

المادة 163تصنف العقوبات التأديبية حسب جسامة الأخطاء المرتكبة إلى أربع (4) درجات :

 - الدرجة الأولى: التنبيه، - الإنذار الكتابي،- التوبيخ.

 - الدرجة الثانية : - التوقيف عن العمل من يوم (1) إلى ثلاثة (3) أيام، - الشطب من قائمة التأهيل.

 - الدرجة الثالثة: التوقيف عن العمل من أربعة (4) إلى ثمانية (8) أيام،- التنزيل من درجة إلى درجتين، - النقل الإجباري.

- الدرجـة الرابعة:-  التنزيل إلى الرتبة السفلى مباشرة، - التسريح.

وجدير بالذكر أنّ المشرّع الجزائري لم ينّص على جميع العقوبات الإدارية الممكن توقيعها الموظّف العمومي في صلب المادّة 163 محّل الدراسة وان كانت تمثّل الشريعة العامّة بل أقّر بإمكانية توقيع عقوبات

المادة 164يمكن أن تنّص القوانين الأساسية الخاصة، نظــرا لخصوصـيات بعـض الأسـلاك، علـى عقوبات أخـرى في إطار الدرجات الأربع المنصوص عليها في المادة 163 أعلاه.

3.2. المطلب الثاني: مضمون العقوبات التأديبية

للتعمّق في مفهوم العقوبات التأديبية تقتضي الدراسة بيان مضمون كل منها أي معناها، وذلك لتسهيل تطبيقها من خلال الفروع التالية (الفرع الأوّل) بيان مضمون عقوبات الدرجة الأولى، مضمون العقوبات من الدرجة الثانية (الفرع الثاني)، مضمون العقوبات من الدرجة الثالثة (الفرع الثالث)، عقوبات الدرجة الرابعة (الفرع الرابع)، وكل ذلك فيما يلي.

الفرع الأوّل: مضمون العقوبات من الدرجة الأولى

تتضمّن الدرجة الأولى من العقوبات كل من عقوبة التنبيه، والإنذار الكتابي، والتوبيخ.

1- التنبيه: يقصد به لفت انتباه الموظّف العمومي بأنّه قد ارتكب خطأ مهنيا من الدرجة الأولى، والسلطة الرئاسية قد تنبهت له، ولم يبيّن المشرّع أن كان التنبيه كتابيا أو شفويا، ممّا يخوّل سلطة التأديب سلطة تقديرية. 

2- الإنذار الكتابي: هو إجراء لتحذير الموظّف ويتخّذ في المخالفات البسيطة التي يرتكبها هذا الأخير، والهدف من هذا الإجراء هو دفع الموظّف إلى عدم القيام بمثل هذه الأفعال مجدّدا وإلّا سيتعرّض لعقوبات أكثر شدّة وصرامة، وخلافا للتنبيه فقد اشترط أن يكون الإنذار كتابيا، وبالتالي لا يعتد بالإنذار الشفوي.

3-     التوبيخ: هو إجراء أشّد من الإنذار ويأتي في درجة ثانية في سلم العقوبات وقد تكون له انعكاسات سلبية على وضعية الموظّف إذا أخذ بعين الاعتبار من طرف الإدارة في منح النقطة الخاصّة بالترقية...الخ، وتصدر الإدارة عقوبة التوبيخ بنفس الكيفية والشروط التي تصدر بها عقوبة الإنذار.

الفرع الثاني: مضمون العقوبات من الدرجة الثانية

- تتضمّن الدرجة الثانية من العقوبات كل من عقوبتي، التوقيف عن العمل من يوم (1) إلى ثلاثة (3) أيام، -  الشطب من قائمة التأهيل.

1- التوقيف عن العمل من يوم (1) إلى ثلاثة (3) أيام، مفهوم هذه العقوبة لا يثير أيّ إشكال، لكن الإشكال المثار هنا هو أنّ المشرّع لم يبيّن متى يتّم توقيف الموظّف العمومي المعني يوما واحدا ومتى يتّم توقيفه ثلاث أيام، ما يعني أنّ لسلطة توقيع الجزاء السلطة التقديرية في اختيار إحدى العقوبتين، وبالتالي قد يحدث أن يرتكب موظفّين نفس الخطأ المهني، أحدهما يوقّف يوما واحدا، والآخر يوقّف ثلاث أيام.

2- الشطب من قائمة التأهيل، يعتبر التسجيل في قائمة التأهيل حسب نص المادة 107 من الأمر 06/03 من بين الآليات القانونية للترقية في الرتب، والتي تتمثّل في تقدم المـوظّف في مساره المهني وذلك بالانتقال من رتبة إلى الرتبة الأعلى مباشرة في نفس السلك أو في السلك الأعلى مباشرة، حسب عدّة كيفيات منها على سبيل الاختيار عن طريق التسجيل في قائمة التأهيل، وذلك بعد أخذ رأي اللجنة لمتساوية الأعضاء، من بين الموظفين الذين يثبتون الأقدمية المطلوبة، والشطب من قائمة التأهيل، هي عقوبة تؤدي إلى حرمان الموظّف من الترقية في الرتبة، أي أن يتّم التشطيب على اسم الموظّف من لائحة الترقية في الرتبة برسم السنة التي اتخذ فيها القرار التأديبي، ويختص باقتراح هذه العقوبة المجلس التأديبي، ولا تقترح هذه العقوبة إلّا في حالة ثبوت أنّ الموظّف مقيّد في جدول الترقية برسم السنة التي اتخذ فيها قرار العقوبة.

الفرع الثالث: مضمون العقوبات من الدرجة الثالثة :

- تتضمّن الدرجة الثالثة من العقوبات كل من عقوبات، التوقيف عن العمل من أربعـة (4) إلى ثمانية (8) أيام، التنزيل من درجة إلى درجتين، النقل الإجباري.

1- التوقيف عن العمل من أربعـة (4) إلى ثمانية (8) أيام: مفهوم هذه العقوبة وكما قيل عن عقوبة التوقيف عن العمل السابقة لا يثير أيّ إشكال، لكن الإشكال المثار هنا هو أنّ المشرّع سلك نفس المسلك ولم يبيّن متى يتّم توقيف الموظّف العمومي المعني أربعة أيام ومتى يتّم توقيفه ثمانية أيام، ما يعني أنّ لسلطة توقيع الجزاء السلطة التقديرية في اختيار إحدى هاتين العقوبتين كذلك، وبالتالي قد يحدث أن يرتكب موظفّين نفس الخطأ المهني، أحدهما يوقّف أربعة أيام، والآخر يوقّف ثمانية، وما لذلك من آثار مالية.

الفرع الرابع: مضمون العقوبات من الدرجـة الرابعة

تتضمّن الدرجة الرابعة من العقوبات كل من عقوبتي، التنزيل إلى الرتبة السفلى مباشرة، والتسريح.

1- التنزيل إلى الرتبة السفلى مباشرة، المادة 107 تتمثل الترقية في الرتب في تقدم المـوظّف في مسـاره المهني وذلك بالانتقال من رتبة إلى الرتبة الأعلى مباشرة في نفس السلك أو في السلك الأعلى مباشرة، حسب عدّة كيفيات التنزيل في الرتبة السفلى مباشرة ويقصد بها تخفيض رتبة الموظّف إلى الرتبة الأدنى مباشرة وتقترح من طرف المجلس التأديبي لا تقترح هذه العقوبة في الحالة التي يمكن أن يترتب عن الانحدار تغيير وضعية الموظّف من رسمي إلى متربّص كانحداره من الرتبة الثانية إلى الرتبة الأولى.

4. المبحث الثالث: المبادئ التي تحكم العقوبات التأديبية

يتضمّن هذا المبحث جملة المبادئ التي استنتجها الفقه اعتمادا هلى النصوص القانونية نبيّنها من خلال المطالب التالية.

4.1. المطلب الأوّل: مبدأ شرعية العقوبة التأديبية

يعني لا يجوز للسلطة التأديبية أن توقّع على مرتكب المخالفة التأديبية جزاء لم يتقرّر تشريعيا. ومن ثمّ فهي لا تستطيع توقيع عقوبة لم ينص عليها القانون حتى وإن كانت أخّف وأبسط من العقوبات المقرّرة قانونا. كأن يتّم ولو برضا الموظّف استبدال عقوبة الخصم من الراتب بعقوبة الحرمان من العطلة السنوية، وهي عقوبة لم تكن مقرّرة ضمن العقوبات المحدّدة على سبيل الحصر، وتقرير من قبل الهيئة المختصة في إصدار قرار التأديب يعّد مخالفة للقانون تجيز إلغاء قرارها التأديبي على أساس عيب المحّل.

4.2. المطلب الثاني: مبدأ وحدة الجزاء التأديبي

لا يجوز محاكمة الموظّف على مخالفة واحدة أكثر من مرّة، كما لا يجوز توقيع أكثر من عقوبة للمخالفة الواحدة، أي أنّه لا يجوز توقيع عقوبتين أصليتين نهائيتين تابعتين لنظام قانوني واحد على نفس الخطأ المنسوب للموظّف ذاته وفي نفس الفترة الزمنية المرتكب فيها الخطأ.

وجدير بالذكر بأنّ مجال تطبيق هذا المبدأ لا يطال توقيع العقوبات التبعية أو التكميلية، أو الجزائية أو المدنية عن نفس الخطأ التأديبي، والعلّة في ذلك أنّهم لا يتبعون نظام قانوني واحد.

وبجد هذا المبدأ مبرره في تطبيق مبادئ العدالة المتعلقة بالمصلحة الاجتماعية والوظيفية التي تأبى معاقبة الشخص أكثر من عقوبة واحدة وهو ما يحقّق للموظّف الاطمئنان والاستقرار بحيث لن يلحق به في المستقبل أيّ عقاب عن خطأ سبق وان عوقب على ارتكابه.

ولتطبيق هذا المبدأ لابد من توافر جملة من الشروط منها، وحدة المخالفة التأديبية، ووحدة النظام القانوني الذي يخضع له المخالف، ووحدة الجهة التأديبية المختصّة بتوقيع الجزاء، واستنفاذ الجزاء التأديبي للإجراءات القانونية بحيث الجزاء التأديبي نهائيا.