الفروق بين اكتساب اللغة الأم واللغة الثانية
Site: | Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2 |
Cours: | علم اللغة النفسي |
Livre: | الفروق بين اكتساب اللغة الأم واللغة الثانية |
Imprimé par: | Visiteur anonyme |
Date: | Sunday 22 December 2024, 21:39 |
1. الجوانب التي تظهر فيها الفروق
يرى نصر الدين إدريس جوهر أن الفروق بين اكتساب اللغة الأم واللغة الثانية أو تعلم اللغة تظهر في عدة جوانب، وهي[1]:
1- الدوافع: اللغة الأم تكتسب لأجل الحياة أما اللغة الثانية لأجل حاجات أخرى.
البيئة اللغوية: بيئة اكتساب اللغة الأم طبيعية وواقعية أما اللغة الثانية اصطناعية.
2- كمية التعرض اللغوي: كمية التعرض في اكتساب اللغة الأم أكثر بدرجات من اللغة الثانية.
3- التعزيز: التعزيز في اكتساب اللغة الأم أكثر وأقوى تأثيرا لأنه يأتي من الأبوين، أما في اللغة الثانية نادرا.
4- الاسترخاء: في اكتساب اللغة الأم نوع من الراحة النفسية لأنه يتحد مع نشاطاتهم اليومية، أما في اللغة الثانية فقد يكون هناك نوع من الخوف والتوتر.
5- السن: سن اكتساب اللغة الأم يكون في المرحلة الحرجة لأن الأطفال لم يتعاملوا مع المعلومات الأخرى. أما اللغة الثانية رغم أن الفرض أكثر نضجا ولكن اللغة ليست المعلومات الوحيدة أمامه.
6- التدخل: اللغة الأم مكتسبة وحده بدون تدخل من لغات أخرى، أما اللغة الثانية فقد تتعرض لتدخل اللغة الأم.
2. المجالات التي تنقسم عليها الفروق السابقة
- وقال أيضا الأستاذ نصر الدين إدريس أن الفروق بين اكتساب اللغة الأولى وتعلم اللغة الثانية تنقسم على المجالات، كما يظهر في الآتي:
2.1. المجال العصبي ـ الفيزيولوجي
عندما يكتسب الطفل لغته الأولى فإنه يستفيد من مراحل وراثية حيوية متميزة والتي ترتبط بمراحل النمو العصبي ـ الفيزيولوجي حيث تتزامن و أطوار النمو العقلي مثل (مرحلة الصراخ،المناغاة العشوائية ـ مرحلة الكلمة الأولى ـ مرحلة الكلمة الجملة الناقصة ثم مرحلة الجملة التامة أو المركبة..الخ).
ويمتلك آليات معدة سلفا كجهاز النطق و الاستعدادات الوراثية للكلام .حيث ينشط جهاز النطق بشكل آلي وعفوي بحكم عدم نضج العضلات الصغرى وفي نفس الوقت عدم التآزر الحسي الحركي ليتطور الطفل تدريجيا إلى القدرة على التحكم في عضلاته وجهازه النطقي وبالتالي التحدث بشكل إرادي وعفوي. بينما بالنسبة لتعلم اللغة الثانية فإن العملية تبدأ وجوبا من الإرادية إلى الآلية من خلال إرادة الفرد على تدريب وتشكيل جهازه النطقي وفق أصوات ومفردات وأسلوب اللغة الجديدة.
2.2. الجانــب العــقلي
نجد أن الطفل عندما يكتسب اللغة الأولى تنطلق من الخبرة المباشرة إلى اللغة، يعني أن الطفل يحتك بالأشياء والمواقف ويتعرف على وظائفها ومعناها مباشرة ثم يكتسب ترميزها اللغوي المعبرة عنها أو دلالتها. كما أن الملفوظات اللغوية المكتسبة تعيد تنظيم الخبرة الأولية للفرد وتتسامى بها على شكل "حكمة " التي يتقاسمها مع أفراد مجتمعه حيث لا يفرق بينها وبين اللغة. بل أكثر من ذلك تترجم الخبرة لتكون لها معنى عام معاش والتي تٌشكل و تٌندمج بسلوك الفرد لتصبح جزء منه.كأن يتعرف على حيوان مثل " القط" من خلال صوته قائلا هذا(مياعو) بعد مروز الزمن يسميه باسمه الحقيقي"قط" أو أمشيش بالنسبة للطفل القبائلي.
بينما عند تعلم اللغة الثانية فإن العملية عكسية حيث تبدأ من اللغة أولا ثم تأتي الخبرة التي يعاد تنظيمها باللغة الأولى. بمعنى أن الطفل يتعلم اللغة أولا ثم ينتقل إلى الخبرة التي تحويها بعاكس اللغة الأولى. كأن يتعلم الطفل القبائلي كملة (حصان) عن طريق ترجمة المفردة إلى اللغة الأولى "أسردون".
2.3. المجال النفســي
حتى يتمكن الطفل من السيطرة والتحكم على لغة الأم ، فإنه يخضع لدوافع نفسية عميقة. ذلك أنها تعتبر بالنسبة إليه اللغة الأكثر اقتصادا والأكثر فعالية لإشباع توتراته الحيوية مثل:الحاجة إلى التحرك في محيطه ـ الحاجة إلى الاندماج ـ الحاجة إلى إثبات الذات كفرد.كما أن الطفل يجد نفسه أمام واقع يحفزه و يدعم رغبته ويشحن دافعيته لاكتساب لغة محيطه الاجتماعي لأنها تشكل بالنسبة إليه مفتاح الاندماج والتكيف.
بينما بالنسبة لتعلم اللغة الثانية نجد الدوافع سطحية وثانوية مثل : الدافع العقلي كالفضولية ـ والدافع العاطفي كحب التفوق الدراسي، وحب اللعب أو لسبب بسيط أنها لغة إجبارية تفرضها المناهج الدراسية.
2.4. الجانب اللــغوي
نجد أن الانجازات الخطابية المشكلة حسب قواعد التواصل هي التي كونت الخبرة التعبيرية الأولية للطفل. والتي فرضت عليه بصفة عـامة دون أن يتدخل المتحدثون المكونون لمحيطه الخارجي لتقليصها أو تهذيبها وفق أبعادها النظامية أو وفق قواعد اللغة المستعملة.
لكن بعد النضج وتحت تأثير المحيط والمدرسة شيئا فشيئا سيكتشف الطفل نظام اللغة الأولى، وسيتعرف على مجالات استعمال مختلف الصيغ اللغوية والعبيرية وكيفية بناء الجمل الصحيحة في مختلف المواقف والوضعيات الحياتية.
بينما بالنسبة للغة الثانية نجد العملية عكسية تماما في كل أبعادها، حيث أن الطفل يتعلم النظام اللغوي أولا ليصل فيما بعد عند فهمها و استيعابها بمرور الزمن بعد مراحل معينة من الدراسة إلى استعمالها في الخطاب والاتصالات الرسمية والتعليمية المختلفة حيث ينتقل من مرحلة بناء الجمل القصيرة والطويلة وفق الشروط النظامية للغة المدرسية تدريجيا ليتنقل إلى التعبير بها بشكل عفوي وآلي.
3. خلاصة
نستخلص من كل ما سبق أن آلية اكتساب اللغة الأولى تختلف كلية عن آلية تعلم اللغة الثانية أو المدرسية ذلك أن العملية الأولى طبيعية لأنها تمارس في مواقف حياتية والثانية اصطناعية حيث لا تمارس إلا داخل المحيط المدرسي وفي المواقف الرسمية و تمارس كتابيا أكثر منها شفويا.
وبالرغم من ذلك هناك من ينادي إلى ضرورة تعلم اللغة الثانية بنفس الكيفية التي اكتسب بها الطفل اللغة الأولى فذكر شتيرن (1970) نقلا عن دوجلاس براون الإجراءات الآتية[1]:
- في تعلم اللغة يجب على الطفل أن يمارس اللغة مرات عديدة وفي كل الوقت، مثلما يمارسها ويكررها عندما كان صغيرا في اكتسابه اللغة الأولى.
- إن تعلم اللغة محاكاة في الأساس لذلك على المتعلم أن يحاكي كالطفل الصغير كل شيء.
- يجب أن نمارس الأصوات المفردة ثم الكلمات وبعدها الجمل وهو الترتيب الطبيعي لاكتساب اللغة الأولى و عليه يجب تطبيق ذلك على تعلم اللغة الثانية.
- عندما يكتسب الطفل مهارة الكلام في مراحل حياته الأولى نجده يستمع ليفهم جيدا وبعدها يتكلم وهو النظام الصحيح لتعلم اللغة الثانية ثم تليها القراءة والكتابة في مراحل متقدمة.
- عندما يكتسب الطفل لغته الأولى لا يستعمل الترجمة لذلك يجب تفاديها أيضا في تعلم اللغة الثانية.
- إذا كان الطفل في مرحلة اكتسابه للغة لا يتعلم شيئا من النحو ولا يوجد من يخبره بتفاصيل مكونات الجمل وبالرغم من ذلك يكتسبها ويستعملها بإتقان وهو ما يجب العمل به عند تعلم لغة ثانية.
[1] دوجلاس براون: أسس تعلم اللغة وتعليمها، ترجمة عبده الراجحي وعلي علي أحمد شعبان، دار النهضة العربية الطبعة الأولى، 1994 لبنان، ص 58، 59.