المبحث الثاني: تكوين عقد الصفقة العمومية

1. المطلب الأول: ابرام عقد الصفقة العمومية

1.2. الفرع الثاني: اساليب ابرام عقد الصفقة العمومية

حدد المشرع الجزائري أساليب ابرام عقود الصفقات العمومية في أسلوبين يمثل الاول المبدأ العام في الابرام والوارد باسم طلب العروض، ويمثل الاسلوب الثاني الاستثناء، والمتمثل في إجراء التراضي.

أولا/ طلب العروض المبدأ العام في إبرام عقد الصفقة العمومية: يعرف المشرع الجزائري طلب العروض في الفقرة الأولى من المادة 40، من المرسوم الرئاسي 15-247، بأنه: " إجراء يستهدف الحصول على عروض من عدة متعهدين متنافسين مع تخصيص الصفقة دون مفاوضات للمتعهد الذي يقدم أحسن عرض من حيث  المزايا الاقتصادية استنادا إلى معايير اختيار موضوعية تعد قبل اطلاق الاجراء".

أما الفقرة الثانية من المادة 40، فقد حددت حالات عدم جدوى طلب العروض، والملخص في الحالات التالي: عندما لا يتم استلام أي عرض، عندما لا يتم الاعلان عن مطابقة أي عرض لموضوع الصفقة ولمحتوى دفتر الشروط بعد تقييم العروض، وعندما لا يمكن ضمان تمويل الحاجات.

وهنا نشير إلى أن النص المقابل للمادة 40 في تنظيم الصفقات العمومية الملغى رقم10-236،  والواردة تحت رقم 26 كان يسمي اجراء طلب العروض بالمناقصة، رغم أن النص الفرنسي للمادة المذكورة يسميها بمعبارة "l’appel d’offres" وهي نفس التسمية الواردة في النص الفرنسي للمادة 40 من التنظيم الحالي المنظم لعقد الصفقة العمومية، وهي الترجمة الأكثر دقة للنص من الفرنسية إلى العربية. 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن مصطلح طلب العروض يعتبر أكثر دقة لا سيما مع التعريف التشريعي الوارد لهذا الاجراء والذي يفيد بمنح عقد الصفقة العمومية للمتعهد الذي يقدم أحسن عرض، بدل مصطلح المناقصة، الذي يشير معناه اللغوي إلى اتجاه التعاقد مع المتعهد الذي يقدم أقل سعر، وهو أيضا ما يؤكده على نحو صريح تعريف إجراء المناقصة في أولى التشريعات المنظمة لعقد الصفقة العمومية الملغية، كالمرسوم الرئاسي رقم 82- 145، و الأمر رقم 67-90[1]، رغم أن ما صدر لاحقا من تشريعات تنظم عقد الصفقة العمومية، وإن أبقت على مصطلح المناقصة فإنها أكدت عند تعريفها على ارساء معيار النوعية المعبر عنه بعبارة "أحسن أو أفضل عرض"، بدل معيار السعر المنخفض المستدل عنه بعبارة "أقل ثمن"، كما في المادة 24 من المرسوم التنفيذي 91- 434، والمادة 21 من المرسوم الرئاسي رقم 02- 250، والمادة 26 من المرسوم الرئاسي 10- 236. 

أما عن أشكال هذا الاجراء فقد حددها نص المادة 42، في الأشكال التالية:

1- طلب العروض المفتوح: تعرفه المادة 43 بأنه: إجراء يمكن من خلاله أي مترشح مؤهل أن يقدم تعهدا".

2- طلب العروض المفتوح مع اشتراط قدرات دنيا: تعرفه المادة 44، بأنه: "إجراء يسمح فيه لكل المترشحين الذين تتوفر فيهم بعض الشروط الدنيا المؤهلة التي تحددها المصلحة المتعاقدة مسبقا قبل إطلاق الاجراء بتقديم تعهد، ولا يتم انتقاء قبلي للمترشحين من طرف المصلحة المتعاقدة، وتخص الشروط المؤهلة القدرات التقنية والمالية والمهنية الضرورية لتنفيذ الصفقة وتكون متناسبة مع طبيعة وتعقيد وأهمية المشروع".

3- طلب العروض المحدود: تعرفه المادة 45 بأنه: "إجراء لاستشارة انتقائية يكون المترشحون الذين تم انتقاؤهم الأولي من قبل مدعوين وحدهم لتقديم تعهد، يمكن للمصلحة المتعاقدة أن تحدد في دفتر الشروط العدد الأقصى للمترشحين الذين ستتم لتقديم تعهد بعد انتقاء أولي بخمسة منهم".

 تنفذ المصلحة المتعاقدة الانتقاء الاولي لاختيار المترشحين لاجراء المنافسة عندما يتعلق الامر بالدراسات أو بالعمليات المعقدة أو ذات الاهمية الخاصة، ويجري اللجوء إلى طلب العروض المحدود عند تسلم العروض التقنية إما على مرحلتين طبقا لاحكام المادة 46، وإما على مرحلة واحدة حسب الحالات التي بينتها المادة 45، كما يمكن للمصلحة المتعاقدة القيام باستشارة مباشرة للمتعاملين الاقتصاديين المؤهلين المسجلين في قائمة مفتوحة تعدها المصلحة المتعاقدة على أساس انتقاء أولي بمناسبة انجاز عمليات دراسات أو هندسة مركبة أو ذات أهمية خاصة أو عمليات انتقاء لوازم خاصة ذات طابع تكراري، وفي هذه الحالة يجب تجديد الانتقاء الاولي كل ثلاث سنوات، ويجب أن يتم النص على كيفيات الامتقاء الاولي والاستشارة في إطار طلب العروض المحدود في دفتر الشروط، كما تحدد قائمة المشاريع التي تكون موضوع لطلب العروض المحدود بموجب مقرر من مسؤول الهيئة العمومية أو الوزير المعني، بعد أخذ رأي لجنة الصفقات للهيئة العمومية أو اللجنة القطاعية للصفقات حسب الحالة.

كما حددت المادة 46 بعض الاحكام الخاصة الاضافية، لتنفيذ إجراء طلب العروض المحدود والمتعلقة أساسا بكيفيات أو وسائل دعوة المترشحين ومحتوى العروض المقدمة من طرفهم، وكيفيات تنظيم وسير الاجتماعات التوضيحية مع المترشحين[2]

4- المسابقة: حددت المادة 47 تعريف هذا الاجراء بأنه: "إجراء يضع رجال الفن في منافسة لأختيار بعد أخذ رأي لجنة التحكيم المذكورة في المادة 48 أدناه، مخطط أو مشروع مصمم استجابة لبرنامج أعده صاحب المشروع قصد إنجاز عملية تشتمل على جوانب تقنية أو اقتصادية أو جمالية أو فنية خاصة، قبل منح الصفقة لأحد الفائزين بالمسابقة وتمنح الصفقة بعد المفاوضات للفائز بالمسابقة الذي قدم أحسن عرض من الناحية الاقتصادية، وتلجأ المصلحة المتعاقدة لاعمال هذا الاجراء لاسيما في مجال تهيئة الاقليم والتعمير والهندسة المعمارية والهندسة أو معالجة المعلومات "، والمسابقة حسب نص المادة  48، قد تكون مفتوحة أو محدودة، إلا أن مسابقة الاشراف على الانجاز تكون دائما محدودة وجوبا[3].

نشير هنا إلى أن تنظيم الصفقات الحالي الساري المفعول الصادر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 15-247، قد حذف إجراء "المزايدة" الذي كان مدرجا في ظل التشريعات السابقة المنظمة للصفقات العمومية في الجزائر باعتباره أحد أشكال أو صور "المناقصة" التي تمثل المبدأ العام في ابرام الصفقة العمومية[4].

ثانيا/ أسلوب التراضي: يمثل أسلوب التراضي الاسلوب الاستثنائي في ابرام عقد الصفقة العمومية:  وقد عرفته المادة 41، وحددت أشكاله في نصها التالي: "التراضي هم إجراء تخصيص صفقة لمتعامل متعاقد واحد دون الدعوى الشكلية إلى المنافسة، ويمكن أن يكتسي شكل التراضي البسيط أو التراضي بعد الاستشارة، وتنظم هذه الاستشارة بكل الوسائل المكتوبة الملائمة".

وباعتبار أن أسلوب التراضي أسلوب خاص واستثنائي للابرام ، يتم اللجوء إليه دون الدعوى الشكلية للمنافسة، على عكس إجراء طلب العروض، القائم أساسا على الدعوى الشكلية للمنافسة[5]، وذلك بكل ما يحتويه تنفيذ هذا الاجراء من مراحل وما تتضمنه تلك المراحل من شكليات للتعاقد.

 يشكل التراضي البسيط القاعدة لاستثنائية لابرام عقود الصفقات العمومية ولا يمكن إعتماده إلا في الحالات الستة (6 حالات)، التي حددتها المادة 49 من هذا المرسوم على سبيل الحصر، ووفقا للشروط والضوابط التي تضمنتها المادة 50، والتي وجب على المصلحة المتعاقدة الالتزام بها واحترامها.

أما التراضي بعد الاستشارة فقد حددت حالاته المادة 51 في خمس (5 حالات) حصرا، في حين حددت المادة 52 التالية لها شروط وضوابط إعمال هذا الاجراء.    



[1]   - تنص المادة 33 من المرسوم الرئاسي 82- 145، المصدر السابق، على أن المناقصة هي: "إجراء يستهدف منح الصفقة للعارض الذي يطلب أقل الأثمان".

- تنص المادة 32 من الأمر 67-90، المصدر السابق، على أن المناقصة هي: "إجراء يسمح مبنح الصفقة للعارض الذي يقدم أقل ثمن".

[2]   - أنظر: نص المادة 46 من المرسوم الرئاسي 15-247، المصدر السابق.

[3]   - للتوسع حول الأحكام المنظمة لاجراء المسابقة أنظر: نص المادة 48 من نفس المصدر.

[4]   - على سبيل المثال أنظر: المواد: 25، 29، 41 من المرسوم التنفيذي 91- 434، المصدر السابق.

- أنظر : المواد:  23، 27، 39 من المرسوم الرئاسي 02- 250، المصدر السابق.

[5] – مبدأ المنافسة من المبادئ الاساسية الذي يحكم ابرام العقود الادارية المسماة في الجزائر 'عقد الصفقة العمومية وعقود تفويض المرفق العام'، وهو ما أقره المشرع الجزائري في التنظيم المتعلق بالصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام الساري المفعول، بالتوافق مع التشريعات السابقة المنظمة لعقد الصفقة العمومية، في المادة الخامسة منه، أنظر: المادة 5، من المرسوم الرئاسي رقم 15-247، المصدر السابق.

 أنظر: سوهيلة فوناس، (عقود تفويض المرفق العام دراسة مقارنة بين التشريع الجزائري والفرنسي)، المجلة الأكاديمية للبحث القانوني، عدد 02، 2014، كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة عبد الرحمان ميرة، بجاية، ص:246.

-    Alain SERGE, Mescheriakoff, op.cit , p: 304.