طرق وضع الدستور، تعديله، وإنهائه

الموقع: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
المقرر: النظرية العامة للدستور
كتاب: طرق وضع الدستور، تعديله، وإنهائه
طبع بواسطة: Visiteur anonyme
التاريخ: Thursday، 2 May 2024، 2:42 PM

الوصف

إن الدستور (المقصود في هذا الفصل الدستور المكتوب ذو الطبيعة الجامدة) كغيره من القوانين يعرف ثلاث مراحل مختلفة في وجوده وتطبيقه، تبدأ بوضعه، وتنقضي بإنهائه، وبينهما يأتي تعديله كمرحلة وسط بين الوضع والإنهاء. وإن تعددت هذه المراحل إلا أن المخول بممارستها تبقى نفسها وهي السلطة التأسيسية، والتي تعد ملكا للشعب بعد أن أصبحت معظم نظم الحكم الحديثة تعترف له بأنه صاحب السيادة ومصدرها، وهذا بعد أن كان ينظر إليها على أنها ملك للحاكم لأنه ذو طبيعة إلهية، أو لأنه مفوض من قبل الإله. وعلى كل، فإن السلطة التأسيسية نوعان:

1- السلطة التأسيسية الأصلية: وسميت كذلك لأنها لا تستمد أصلها من سلطة أخرى، وهي التي تضع الدستور لأول مرة، ومن ثم فهي مصدر وأصل السلطات التي يؤسس لها الدستور الموضوع من قبلها. وهذا القول يترتب عليه آثار قانونية غاية في الأهمية، وهي أن السلطة التأسيسية الأصلية:

- سلطة أولية، وذلك لأنها أسبق في الوجود من باقي السلطات التي ينظمها الدستور. ويظهر ذلك بالأخص عندما تكون الدولة جديدة كما كان عليه الحال مثلا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية عند وضعها للدستور الفيدرالي لسنة 1787، كما تظهر كذلك في حالة نيل الدولة استقلالها عن الدولة المستعمرة مثلما حدث بالنسبة للجزائر عند وضع دستور 1963.

- سلطة عليا، وذلك لأنها بوضعها للدستور تنشئ باقي السلطات في الدولة وتبين لها كيفية تنظيمها وتحدد لها صلاحياتها واختصاصاتها التي يتعين أن تتقيد بها ولا تتعداها.ولما كانت بذلك السلطة التأسيسية الأصلية (والفرعية) سلطة مُؤسِسَة لتلك السلطات، فإنها تكون أعلى منها سلطة وأسمى منها مكانة في الدولة، وهذا لأن لتلك السلطات تعتبر بالنسبة إليها مجرد سلطات مُؤسَسَة.  

- سلطة غير مقيدة، وذلك لأنها كما قلنا تجد أصلها ومصدرها من ذاتها وليست متفرعة أو مشتقة من سلطة أخرى تعلوها، ولذلك فهي من حيث المبدأ لها مطلق الحرية في وضع الدستور الذي تراه ملائما للدولة دون أن تكون خاضعة في ذلك لقيد أو شرط مسبق.   

2- السلطة التأسيسية الفرعية: وهي السلطة التي ينص عليها الدستور ويوكل لها مهمة محددة وهي مبدئيا تعديل الدستور فقط ضمن شروط وضوابط ينبغي أن تلتزم بها وتحترمها عند القيام بذلك. وعليه فهذه السلطة التأسيسية لا تجد أصلها في ذاتها، وإنما تستمده من السلطة التأسيسية الأصلية واضعة الدستور،ولذا فهي تعرف بالسلطة التأسيسية الفرعية و/أو المشتقة لأنها تتفرع و/أو تشتق من الأصلية، ودورها مقصور من حيث الأصل على تعديل الدستور القائم دون أن تتعداه إلى إنهائه ووضع دستور آخر بدله

1. طرق وضع الدستور

يمر وضع أي دستور بمرحلتين، هما: مرحلة الإعداد، ومرحلة الإقرار والمصادقة. ومن خلال مدى مشاركة الشعب في هذين المرحلتين من عدمها، فإن الفقه الدستوري يقسم طرق وضع الدستور إلى نوعين: طرق غير ديمقراطية وطرق ديمقراطية

1.1. الطرق غير الديمقراطية

وتتمثل هذه الطرق في طريقتين قديمتين، هما: طريقة المنحة، وطريقة التعاقد

أولا: طريقة المنحة 

       تمثل المنحة الأسلوب غير الديمقراطي الخالص في وضع الدساتير، وهذا لأن نشأة الدستور في هذه الحالة تعود إلى الإرادة المنفردة للحاكم الذي يقرر بمحض إرادته منح شعبه دستورا يتنازل فيه عن بعض سلطاته أو يلتزم فيه بأن يمارس سلطاته وفقا لبعض الضوابط والإجراءات، ولا يهم في ذلك أن يكون تم عن قناعة شخصية منه أو تم نتيجة الضغط الذي مورس عليه من رعاياه. وفي الواقع يعتبر أسلوب المنحة الأداة التي استعملت في تحويل النظام الملكي من مطلق إلى مقيد. وأبرز الأمثلة على الدساتير التي وضعت في فرنسا وفق هذا الأسلوب نجد دستور 1814 الذي بين في ديباجته الملك لويس الثامن عشر (18) بصريح العبارة بأنه قد منحه للشعب بمقتضى إرادته الملكية الحرة. وللإشارة فإن الشعب لا يعتبر هذا النوع من الوثائق سوى تعهد من قبل الحاكم، وهذا لأنه لم يشارك في وضعها لا في مرحلة الإعداد ولا في مرحلة الإقرار من جهة، ولأن الحاكم يستطيع التراجع عنها في أي وقت مدامت قد وضعت بإرادته المنفردة فقط من جهة أخرى، وذلك إذا كان في مركز أقوى مما كان عليه وقت وضعها، أي يستطيع إجبار الشعب مجددا على قبول حكمه المطلق

ثانيا: طريقة التعاقد

       يوضع الدستور هنا على إثر ثورة أو انقلاب أو ضغط الشعب أو ممثليه على الحاكم لإجباره وإكراهه على توقيع وثيقة دستورية يفرضون فيها مطالبهم. وعليه فهذا الدستور يظهر في شكل اتفاق أو عقد يجبر فيه الحاكم على الإذعان لإرادة الشعب أو ممثليه من خلال جمعية أو مجلس منتخب، وإلا تعرض للإطاحة من عرشه ومنصبه فيفقد بذلك سلطاته بالكامل عوض أن يفقد بعضها من خلال السماح للشعب أو نوابه بمشاركته في ممارستها. ومن أمثلة دساتير التعاقد: الدستور الفرنسي لسنة 1830، الدستور الكويتي لسنة 1962، والدستور البحريني لسنة 1973. ويعتبر هذا النوع من الطرق غير ديمقراطي لأن الدستور لا يعبر بصفة خالصة عن إرادة الشعب باعتباره صاحب السيادة في الدولة

1.2. الطرق غير الديمقراطية

نظرا للدور التشاركي الذي يلعبه الشعب من خلال هذه الطرق في وضع الدستور، فإن الفقه الدستوري يعتبرها طرقا ديمقراطية، وهي تتمثل في كل من: أسلوب الجمعية التأسيسية، وأسلوب الاستفتاء الدستوري (التأسيسي)  

أولا: أسلوب الجمعية التأسيسية

        في هذا الأسلوب يقوم الشعب بانتخاب مجموعة من الأشخاص ليكونوا هيئة تأسيسية تعرف عادة بالجمعية أو المجلس التأسيسي مهمتها وضع الدستور بمفردها، وذلك من خلال إعداده وإقرارها له ومصادقتها عليه بصفة نهائية؛ أي يكون واجب النفاذ دون الحاجة إلى إجراء آخر أو موافقة الحاكم عليه. وهذا الأسلوب ديمقراطي سواء من حيث الإعداد أو من حيث الإقرار والمصادقة، وهذا على الرغم من عدم تدخل الشعب بصفة مباشرة في عملية المصادقة. ومن بين الدساتير التي وضعت عن طريق الجمعية التأسيسية، دستور الولايات المتحدة الأمريكية الاتحادي لسنة 1787، والدساتير الفرنسية لسنوات 1791، 1848، و1875، والدستور السوري لسنة 1950، والدستور التونسي لسنة 1959.

       وتجدر الإشارة إلى أن صلاحيات الجمعيات التأسيسية قد تكون محصورة في وضع الدستور فقط كما كان عليه الحال في الو.م.أ، وقد تكون لها بالإضافة إلى تأسيس الدستور صلاحيات أخرى، كانتخاب رئيس الجمهورية، أو تعيين الحكومة، والقيام بالتشريع ومراقبة الحكومة، ويحدث هذا عادة بنية ربح الوقت وتجنب تنظيم عدة عمليات انتخابية في آن واحد أو في وقت متقارب مما قد يثقل كاهل الخزينة العمومية ويرهق مؤسسات الدولة، وقد وقع ذلك في فرنسا أين أضفيت الصفة التأسيسية على البرلمان بالنسبة لدساتير: 1848، 1875، 1945، و1946. وبالنسبة للجزائر فإنها لم تطبق ذلك إلا مرة واحدة منذ استقلالها، وهذا  بموجب القانون المؤرخ في 02/09/1962 الذي حدد للمجلس الوطني التأسيسي ثلاث مهام رئيسية، وهي: وضع دستور للبلاد، تعيين حكومة مؤقتة، والتشريع باسم الشعب الجزائري.

ثانيا: أسلوب الاستفتاء الدستوري

       في هذا الأسلوب لا يمكن اعتبار الدستور ساري النفاذ، وبالتالي قابلا للتطبيق، إلا إذا وافق عليه الشعب؛ ذلك لأن للشعب وحده سلطة إقرار النص النهائي لوثيقة الدستور الذي يكون قد تكفلت بإعداده والمصادقة عليه مبدئيا:

1. جمعية أو مجلس تأسيسي، وقد وقع العمل بهذا الأسلوب عند وضع الدستور الفرنسي لسنة 1946، والدستور الجزائري لسنة 1963.

2. لجنة حكومية أو لجنة برلمانية أو لجنة من الخبراء التي يتم تعيينها من قبل رئيس الدولة، وقد أتبع هذا الأسلوب في وضع عدة دساتير، من بينها: الدستور الفرنسي لسنة 1958، والدساتير الجزائرية لسنوات 1976، 1989، و1996.

3. مجموعة محددة من الناخبين، ويحدث هذا بالنسبة للدول التي تتبنى ما يسمى بالاقتراح الشعبي كسويسرا مثلا أين اقترحت طائفة من الشعب تعديل الدستور بشكل كلي.

       وللإشارة، فإن دور الشعب يقتصر في هذا الأسلوب على الموافقة على كامل النص المعروض عليه أو رفضه دون إمكانية مناقشته أو التعديل فيه أو المشاركة في صياغته. هذا وتبقى أفضل طريقة لوضع الدستور هي تلك التي تجمع بين أسلوب الجمعية التأسيسية في مرحلة الإعداد خاصة ما إذا توافرت في أعضائها الكفاءة والخبرة، وكانوا يتمتعون بالاستقلال في أداء مهمتهم، وأسلوب الاستفتاء الدستوري في مرحلة الإقرار الذي وحتى يحقق الغاية المرجوة منه يستحسن أن يكون في إطار نظام سياسي قائم على وجود فعلي لتعددية سياسية وإعلامية قادرة على توعية الشعب وتنويره بمدى ضرورة المصادقة أو عدم المصادقة على مشروع الدستور المعروض عليه

2. طرق تعديل الدستور (في الجزائر)

يقصد بتعديل الدستور أو مراجعته إدخال تغيير جزئي على ما تضمنته وثيقته الأصلية من نصوص ومواد، وذلك بتغيير مضمون بعضها و/أو إلغاء بعضها الآخر، مع إمكانية إضافة لها أحكام جديدة لم تكن موجودة من قبل.

       ولكن إذا كان هناك إجماع على أن الإلغاء الكلي للدستور لا يشكل تعديلا بل إنهاء له، كما حدث مثلا بالنسبة للدستور الجزائري لسنة 1976 عند الاستفتاء على دستور 1989، إلا أننا نعتقد وأن العبرة في التمييز بين الدستور الجديد ومجرد التعديل الدستوري ليست بعدم المساس بديباجة الدستور ومعظم مواده، وإنما هي بمدى إدخال تغييرات جوهرية على نواة الدستور الصلبة ألا وهي المواد المتعلقة بالسلطة من حيث تنظيمها وممارستها، ثم تليها المواد المكرسة للمبادئ العامة التي يؤمن بها المجتمع ويرى فيها أنها تعبر عن هويته وقيمه التي تربى عليها ويريد المحافظة عليها ونقلها للأجيال اللاحقة، ثم تليها وإن كان بدرجة أقل المواد المتعلقة بالحقوق والحريات التي أصبحت تشكل إرثا مشتركا لجميع المواطنين، وقلنا بدرجة أقل لأن هذه الحقوق والحريات، ما عدا الأساسية منها، لا تزال تعرف تطورات متلاحقة في المفاهيم والاستعمالات وحتى الإيديولوجيات. وما يؤكد هذا القول هو أن دستورا 1989 و1996 قد تفطنا لذلك باشتراطهما أن كل تعديل دستوري فيه مساس بهذه المسائل الثلاث كلها أو بعضها يجب عرضه على الشعب باعتبار السيادة والسلطة التأسيسية ملك له وحده. ولذا نجد مثلا بأن معظم الفقه الدستوري الجزائري، إن لم نقل كله، يرى بأن استفتاء 28 نوفمبر 1996 قد أسس لدستور جديد ولم يكن مجرد تعديل دستوري.

       والتعديل الدستوري يعتبر في الواقع ضروريا لأنه يسمح للدستور بأن يواكب ما يستجد في المجتمع من تطورات وظروف من جهة، ويسمح من جهة أخرى بالحفاظ على قدسية الدستور وسموه من خلال عدم إعطاء الفرصة للهيئات الحاكمة بتجاوزه في التطبيق بحجة عدم ملائمة قواعده، بالإضافة إلى تجنيب الدستور أي محاولة لتغييره عن طريق العنف. ولهذا نجد بأن معظم الدساتير تتضمن كيفية وإجراءات تعديلها، وإن كانت هناك فئة قليلة من الدساتير قد غفلت عن تنظيم والإشارة إلى مسألة تعديلها، إلا أن الرأي الراجح هو أنها تعدل من ذات الجهة التي وضعتها وبنفس الإجراءات التي اتبعت في ذلك. وأما ما ذهب إليه رجال الثورة الفرنسية من أن دساتيرها لا تقبل التعديل مطلقا لأنها تعكس حقائق عالمية خالدة قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، فإن التاريخ لم يؤيد ذلك أين خضعت الدساتير الفرنسية للتعديل، كما أن الفقهاء الفرنسيين لم يقروا بذلك لأنهم اعتبروا بأن الأمة هي صاحبة السيادة وطالمها هي كذلك فإنه يحق لها تغيير الدستور كلما شاءت.

       وقبل التطرق إلى طرق تعديل الدستور في الجزائر، فإننا نشير بأن ثمة قيود وضعها الدستور نفسه لضبط هذه العملية، وهي عبارة عن قيدين، هما:

- القيد الزمني: والمتمثل في عدم إمكانية الشروع في إجراء التعديل الدستوري و/أو مواصلته في أوقات معينة. وهي بحسب المادة 194 من دستور 1976 الأوقات التي يكون فيها هناك مساس بسلامة التراب الوطني، وأما بحسب المادة 104 من دستور 1996 فإنهما الفترتين المنصوص عليهما في المادتين 102 و103. 

- القيد الموضوعي: والمتمثل في عدم جواز مساس أي تعديل دستوري ببعض أحكام الدستور. وهي بالتحديد تلك الواردة بالمادتين 195 من دستور 1976 و212 من دستور 1996. 

وفيما يلي نتناول طرق تعديل الدستور التي اتبعت في الجزائر

2.1. الطريقة الوجوبية لتعديل الدستور

بادئ ذي بدء يجب الإشارة إلى أن المقصود بالطريقة الوجوبية ليس وجوب إجراء التعديل الدستوري في حد ذاته، وذلك لأن الدستور يمنح من حيث المبدأ للجهة التي خولها حق المبادرة بالتعديل الدستوري سلطة تقديرية واسعة في ممارسة هذا الحق من عدمها، وإنما المقصود هو أن الطريقة التي حددها الدستور للإقرار النهائي لمشروع التعديل هي التي واجبة الاتباع في هذه الحالة.

       بالرجوع إلى الدساتير الجزائرية المتعاقبة نجد بأن هناك مراحل تسبق عملية الإقرار النهائي لتعديل الدستور، والتي يمكن إيجازها فيما يلي:

1. مرحلة المبادرة بالتعديل الدستوري: وهي أولى مراحل التعديل الدستور في الجزائر. وقد أعطي حق المبادرة بالتعديل الدستوري في دستور 1963 إلى كل من رئيس الجمهورية والأغلبية المطلقة لنواب المجلس الوطني (المادة 71)، وأعطي في دستوري 1976 و1989 إلى رئيس الجمهورية وحده (المادتين 191 و163 على الترتيب)، في حين قد أعطي في دستور 1996 إلى كل من رئيس الجمهورية وثلاثة أرباع (4/3) أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعتين معا (المادتين 208 و211)

2. مرحلة تصويت البرلمان على مشروع القانون المتضمن التعديل الدستوري: باعتبار أن الدستور (وتعديله) يعد في المقام الأخير قانونا فإنه يجب أن تطبق بشأنه على الأقل نفس الشروط التي تطبق على النصوص التشريعية، ما لم ينص الدستور على خلاف ذلك. وهذا مثل المادة 72 من دستور 1963 التي نصت على أنه:( يتضمن إجراء تعديل الدستور، تلاوتين وتصويتين بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني يفصل بينهما شهرين ) أما دستورا 1989 (المادة 165) و1996 (المادة 208) فقد نصا على أن البرلمان يصوت عليه حسب الشروط نفسها التي تطبق النص التشريعي. بينما دستور 1976 لم ينص إطلاقا على هذه المرحلة من التعديل الدستوري.

3. مرحلة عرض مشروع التعديل الدستوري على المجلس الدستوري لإبداء رأيه فيه: بالنسبة إلى دستوري 1989 (المادة 164) و1996 (المادة 210) تعد هذه المرحلة حاسمة لتحديد الطريقة التي يمكن بواسطتها إقرار نص التعديل نهائيا بعد إقراره أوليا من البرلمان. أما بالنسبة إلى دستور 1963 فإنه لم ينص على وجوب عرض مشروع التعديل الدستوري على المجلس الدستوري رغم أنه قد نص على إنشائه. بينما عدم نص دستور 1976 على هذه المرحلة فهو منطقي وله ما يبرره، وهو أنه لم يتضمن النص أصلا على إنشاء مجلس دستوري.

4. مرحلة الإقرار النهائي لنص التعديل الدستوري: سنكتفي هنا بتحديد الطريقة الوجوبية التي يتعين احترامها والامتثال لها في إقرار وثيقة التعديل الدستوري نهائيا. وهذه الطريقة تتمثل في وجوب عرض نص التعديل الدستوري على:

- مصادقة الشعب عن طريق الاستفتاء الشعبي، وهذا في كل الأحوال بالنسبة إلى دستور 1963 (المادة 73)  

- مصادقة المجلس الشعبي الوطني، في كل الأحوال، لكي يوافق عليه بأغلبية ثلثي (3/2) أعضائه، وإذا تعلق التعديل بالأحكام الخاصة بتعديل الدستور في ذاتها فإن المجلس الشعبي الوطني لا يقره إلا بأغلبية ثلاثة أرباع (4/3) أعضائه، وهذا بالنسبة لدستور 1976 (المادتين 192 و193 على الترتيب) وتجدر الإشارة هنا إلى أنه إلى وبالرغم من أن دستور 1976 لم يتضمن نصا صريحا على إمكانية عرض مشاريع التعديل الدستوري على الاستفتاء الشعبي، إلا أنه في الواقع قد تم اعتماده في مناسبتين، الأولى كانت في استفتاء 03 نوفمبر 1988، والثانية كانت في استفتاء 23 فبراير 1989، وهما ما طرح آنذاك شكوكا حول مدى دستورية هذا الإجراء، وإن كان قد تم الاستناد إلى 111 من الدستور (1976) التي تخول لرئيس الجمهورية أن يعمد لاستفتاء الشعب في كل القضايا ذات الأهمية الوطنية، وذلك للقول بدستورية القيام بهذين الاستفتائين.       

- مصادقة الشعب في استفتاء شعبي، وهذا متى ارتأى المجلس الدستوري في رأي معلل بأن نص التعديل يمس بأي كيفية بأحد أو بكل ما أوردته المادة 164 من دستور 1989 والمادة 210 من دستور 1996، وهي: المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، والتوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية. وعليه فرئيس الجمهورية أو البرلمان، بحسب الحالة، ليسا مخيرين في هذه الفرضية بخصوص  اللجوء إلى الاستفتاء من عدمه، وإنما يجب عرض نص التعديل على الاستفتاء الشعبي في ظرف خمس وأربعين (المادة 165 من دستور 1989) أو في ظرف خمسين يوما (المادة 208 من دستور 1996) من إقرار البرلمان له من أجل إقراره نهائيا لأن المجلس الدستوري رأى فيه مساسا بأحد تلك المسائل الثلاث أو كلها. وللإشارة، فإن التعديل الذي يرفضه الشعب يعتبر لاغيا، ولا يمكن عرضه من جديد على الشعب خلال نفس الفترة التشريعية (المادتين 166 من دستور 1989 و209 من دستور 1996)  

5- مرحلة إصدار نص التعديل الدستوري بعد إقراره نهائيا: وهي آخر مرحلة حتى يصبح نص التعديل الدستوري ساري النفاذ وصالحا للتطبيق في الميدان؛ بحيث يتدخل رئيس الجمهورية لإصداره:

- خلال مدة ثمانية (08) أيام الموالية لتاريخ الاستفتاء (المادة 74 من دستور 1963)

- بحسب المواد: 196 من دستور 1976، 163 و167 من دستور 1989، و208 من دستور 1996

2.2. الطريقة التقديرية لتعديل الدستور

نصت كل من المادتين 164 من دستور 1989 و210 من دستور 1996 على أنه يمكن لرئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي متى أحرز على ثلاثة أرباع (4/3) أصوات أعضاء البرلمان، وهذا إذا جاء رأي المجلس الدستوري يصب في اتجاه عدم مساس هذا التعديل  البتة بالمبادئ العامة للمجتمع الجزائري وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، وعدم مساسه كذلك  بأي كيفية كانت التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد نصت المادة 211 من دستور 1996 على أنه يمكن لثلاثة أرباع (4/3) أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعتين معا أن يبادروا باقتراح تعديل الدستور على رئيس الجمهورية الذي يمكنه عرضه على الاستفتاء الشعبي.

 وعليه، فرئيس الجمهورية في هذين الفرضيتين ليس مجبرا على اللجوء ولا على عدم اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي، بل إن له كامل السلطة التقديرية والاختيار في اللجوء إليه أو اللجوء بدلا عنه إلى البرلمان، بل ويمكنه اللجوء إلى البرلمان في المقام الأول، فإذا لم يحصل على الأغلبية المطلوبة فلا مانع من الناحية الدستورية ليعيد طرح نفس التعديل على استفتاء الشعب، وهذا في الفرضية الأولى، أما في الفرضية الثانية المتعلقة بمبادرة البرلمان فرئيس الجمهورية مخير كذلك بين عرضها على الاستفتاء الشعبي وبين إصداره لها مباشرة لأن الأغلبية المطلوبة متوافرة هنا، وهي ثلاث أرباع (4/3) أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعتين مع

3. طرق إنهاء الدستور

يقصد بإنهاء الدستور وضع حد لآثاره نهائيا مما لا يسمح بإمكانية العمل مجددا بجميع ما تضمنه من أحكام في المستقبل؛ أي بمعنى إلغائه وإخراجه من حيز النفاذ.

       وبذلك فإنهاء الدستور أو إلغاؤه يختلف عن ما يسمى وقف أو تعليق العمل بالدستور الذي يلجأ إليه بشكل مؤقت في ظروف يكون فيها من العسير جدا الإبقاء على الدستور ساري النفاذ نظرا لأن الدولة تكون مهددة في كيانها ووجودها مما يضطر الدستور نفسه إلى تجميع كل السلطات بيد رئيس الدولة لتمكينه من مجابهة ما قد يواجه البلاد من مخاطر وتجاوزها، وإلى تعليق العمل به، ولكن عند انتهاء الأزمة يتعين استئناف العمل بأحكام الدستور. ونظرا لخطورة هذا الإجراء على الدولة من جميع النواحي، فإن الدساتير الجزائرية لم تبح اللجوء إليه إلا في أخطر حالة يمكن أن تعرفها الدولة وهي حالة الحرب؛ بحيث أكدت المواد 123 من دستور 1976، 90 من دستور 1989، و110 من دستور 1996 على أنه يوقف العمل بالدستور مدة حالة الحرب، ويتولى رئيس الجمهورية جميع السلطات في الدولة. 

       وهناك أيضا ما يسمى بتعطيل الدستور، والذي يعني عدم العمل بأحكام ونصوص الدستور نظرا لأنها لم تعد صالحة للتطبيق إذا تجاوزها الزمن ولم يتدخل المؤسس الدستوري لتعديلها، أو نظرا لأن الدولة تعرف أزمة خطيرة يعجز خلالها الدستور عن تقديم ما يعالجها أو يسمح بتجازوها فيتم تعطيل العمل بأحكامه كمرحلة انتقالية لتحديد الموقف منه بالنسبة للمستقبل؛ بمعنى تحديد: هل يكتفى بإدخال تعديلات عليه أم أن ذلك لا يكفي لوجوب إلغائه واستبداله بدستور جديد. وعليه، فهذا التعطيل الفعلي للدستور عادة ما يكون في ذاته ضرورة ملحة أكثر منه انتهاكا للدستور أو مخالفة له. وفي الواقع لقد عرفت الجزائر هذا التعطيل الفعلي لأحكام الدستور (دستور1989) فيما أصبح يعرف بأزمة التسعينات؛ أين دخلت البلاد بعد استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد في 11 يناير 1991 في فراغ مؤسساتي خطير نتيجة لحل الرئيس للمجلس الشعبي الوطني من قبل استقالته. ونظرا لأن دستور 1989 لم يكن يتضمن حلولا لهكذا أزمة فقد تم تعطيل العمل به فعليا، أين استحدثت مؤسسات حكم أخرى بعيدا عن أحكامه ونصوصه تولت هي تسيير البلاد خلال مرحلة انتقالية استمرت إلى غاية تبني دستور 1996 الذي وضع حدا لها، لتعود بذلك الدولة إلى العمل بالأحكام الدستورية من جديد. 

       وعلى كل، فإن الطرق التي يتم بواسطتها إنهاء الدستور تنقسم من حيث طبيعة الظروف التي يتم فيها إلى نوعين، هما: الطريقة العادية والطريقة غير العادية

3.1. الطريقة العادية

وهي الطريقة التي يكون فيها إلغاء الدستور وإنهاء العمل بأحكامه قد تما في هدوء ومن غير عنف ولا إكراه نتيجة استعمال القوة أو التلويح باستعمالها. وإنما قد يكون كل ما في الأمر أن السلطات تبادر عن طواعية إما من تلقاء نفسها أو بناء على دعوات توجه إليها لإنهاء الدستور القائم واستبداله بدستور جديد يؤمل فيه يكون أقرب من الآخر إلى مسايرة طموحات الشعب وآماله في الرقي والتطور.

       وإنهاء الدستور بشكل عادي يختلف بحسب ما إذا كان الدستور عرفيا أو مكتوبا. وذلك لأن إنهاء الدستور العرفي لا يطرح من حيث المبدأ صعوبات على أرض الواقع، وهذا لأنه يكون في حكم الملغى إذا ما حل عرف جديد محل العرف القديم، أو إذا وضع دستور جديد مكتوب، أو إذا أصدر البرلمان قوانين عادية تلغي العرف الدستوري. وكما نلاحظ فالدستور العرفي عادة ما يلغى وينهى العمل به في ظروف عادية وبطريقة قانونية. وأما بالنسبة للدستور المكتوب فالأمر يختلف بالنسبة للدستور المرن عنه بالنسبة للدستور الجامد. فالدستور المرن لا يطرح إشكالات عملية في إنهائه لأنه عادة ما يكون ذلك بشكل عادي وبطريقة قانونية من طرف البرلمان الذي يتدخل لوضع حد نهائي للدستور من خلال إلغائه له بشكل صريح أو ضمني بموجب قوانين عادية. والذي طرح إشكالات فقهية وعملية في إنهائه هو الدستور الجامد، وذلك لأن المبدأ في هذا النوع من الدساتير هو أنه لا يشير إلى إمكانية إلغائه إلا في حالات نادرة كالدستور السويسري والدستور الفرنسي لسنة 1875 مثلا. وإذا كانت غالبية الفقه ترى بعدم جواز إلغاء السلطة التأسيسية الفرعية للدستور في هذه الحالة، وذلك لكون مهمتها محصورة في إلغاء بعض مواده فقط، وهذا عند مباشرتها لسلطتها في التعديل، فإن الواقع يثبت عدم تقيد السلطة التأسيسية الفرعية بذلك، وهو ما يظهر جليا مثلا بالنسبة إلى إلغاء دستور 1976 عن طريق دستور 1989 الذي كان يرى فيه البعض مجرد تعديل دستوري، لكن الفقه الدستوري الجزائري يرى فيه بالإجماع دستورا جديدا قائما بذاته وليس مجرد تعديل كما ذهبت بعض وجهات النظر السياسية. وللحفاظ على سمو الدستور وشرعية أعمال السلطات العمومية في الدولة، فإن هناك من الفقه من يرى بأنه يتعين أن يتم إنهاء الدستور الجامد عن طريق وضع دستور جديد يحل محل الدستور القديم بأحد طرق وضع الدساتير السابق ذكرها

3.2. الطرق غير العادية لإنهاء الدستور

هي الطريقة التي يمارس فيها لإلغاء الدستور وإنهائه الضغط والإكراه غير السلميين،  بل وقد يصل الأمر إلى حد استعمال القوة والعنف أو التهديد باستعمالهما. وعليه، فعملية إنهاء الدستور في هذه الحالة تتم في ظروف غير عادية ونتيجة لأساليب غير قانونية.

ومن بين أهم الطرق غير العادية لإنهاء الدستور، نجــد:

1. الثـورة: يمكن تعريفها بأنها حدث جلل يتولى عادة التخطيط له والإشراف عليه قيادة مهيأة لاستلام زمام الحكم في البلاد في حالة نجاحها، ولأجل تحقيق ذلك تلجأ بما لها من وسائل إلى إثارة الشعب (أو معظمه) ضد النظام القائم لإسقاطه وتغييره تغييرا جذريا، وهذا كله بهدف إقامة نظام جديد في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وعليه، فالهدف من الثورة ليس تعديل أو إصلاح النظام القائم وإنما القضاء عليه وإحلال نظام آخر كبديل له. ولذلك فمن الطبيعي جدا أن يؤدي نجاح الثورة إلى إنهاء الدستور القائم وإسقاطه في التطبيق بشكل آلي دونما الحاجة إلى وجود نص يدل على ذلك. ومن أمثلة الثورات في العالم: الثورة الروسية 1917، الثورة المصرية 1952، والثورة الإيرانية 1979.

هذا وتجدر الإشارة إلى أنه يوجد إلى جانب الثورة ما يعرف بالانتفاضة أو التمرد الشعبي، والذي يتميز في الغالب بكونه فجائي وغير متوقع، وبكونه غير مؤطر أو مهيكل على الأقل في بداياته التي تكون عادة في شكل احتجاج على مشاكل محددة ثم يتطور الاحتجاج إلى تمرد وقد يتحول إلى ثورة مما قد يؤدي إلى الرفع في سقف المطالب الشعبية التي يمكن أن تصل إلى الدعوة بتعديل النظام القائم كليا أو جزئيا. أبرز أمثلتها في الجزائر هي أحداث أكتوبر 1988. كما ويمكن اعتبار ما عرفته مؤخرا بعض الدول العربية كتونس ومصر من هذا القبيل. 

2. الانقلاب: وهو عبارة عن عمل يقوم به ذوو النفوذ في السلطة، مدنية كانت أم عسكرية، لإجبار متولي الحكم (والجناح المحسوب عليه) على التنحي بشكل أو بآخر. وفي الواقع إن الانقلاب عادة ما يرتبط بالخيانة واستعمال الإكراه المستند إلى القوة بكل معانيها (قوة السلاح، قوة الحزب، قوة المال، قوة الإعلام، قوة التاريخ، قوة الدعم الخارجي...) وبالتالي، فالانقلاب لا يعتمد في بدايته ومضمونه على الشعب، وإن كان يعمل فيما بعد إلى محاولة كسب وده حتى يحظى بالشرعية، ومن ثم يتمكن القائمون به من البقاء في السلطة والاستمرار في ممارستها. وفيما يخص أثر الانقلاب في إنهاء الدستور القائم، فإن نجاح الانقلاب وعلى خلاف الثورة لا يؤدي بالضرورة إلى إسقاط الدستور وإنهاء العمل به، وإنما يتوقف الأمر على موقف الحكام الجدد منه، وإن كان في الغالب هذا الدستور يعد ملغا بقوة الواقع.

وللإشارة، فإن الأصل في إنهاء الدستور أنه يؤثر في طبيعة النظام السياسي ومؤسساته، وليس في وجود الدولة وبقائها إلا في حالات نادرة أين يكون له تأثير، وهذا إذا تعلق الأمر مثلا بإنهاء الدساتير الاتحادية التي هي من مقومات الدول الفيدرالية ولازمة لاستمرارها