محتوى المحاضرة

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: التنظيم الإداري
Livre: محتوى المحاضرة
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Thursday 25 April 2024, 20:36

المبحث الأول الإيقــاف كتجميد مؤقت لعضوية المنتخب

 يعتبر الإيقاف أحد مظاهر الرقابة الإدارية التي تمارسها السلطة الوصائية على العضو المنتخب بالمجلس الشعبي البلدي، وذلك في حالات حدّدها القانون وبيّن كيفياتها وفق إجراءات و أشكال معينة.

المطلب الأول/ مفهومه

طبقا لنص المادة (43) من قانون البلدية (11/10) والتي جاء فيها: «يُوقف بقرار من الوالي كل منتخب تعرّض لمتابعة قضائية بسبب جناية أو جنحة لها صلة بالمال العام،   أو لأسباب مخلّة بالشرف أو إكمال تدابير قضائية لا تُمكنه من الإستمرار في ممارسة عهدته الإنتخابية بصفة صحيحة، إلى غاية صدور حكم نهائي من الجهة القضائية المختصة، في حالة صدور حكم نهائي بالبراءة يستأنف المنتخب تلقائيا وفوريا ممارسة مهامه الإنتخابية».

ومن خلال إستقراءنا لنص المادة المذكورة أعلاه، يتبين أن الإيقاف يعني تجميد عضوية النائب بالمجلس الشعبي البلدي، ويترتب على ذلك عدم حضوره لإجتماعات المجلس بصفته عضواً به، ولا المشاركة في المداولات ولا العمل مع اللجان، وذلك إلى غاية أن تفصل الجهة القضائية المختصة بحكم يُثبت براءة هذا العضو بما كان متابعا من أجله، وعليه فإن تعرض العضو المنتخب إلى متابعة قضائية يستمر توقيفه حتى تُصدر الجهة القضائية المختصة قرارها النهائي بشأنه.

 

المطلب الثاني/ سبب الإيقاف

إذاً فتجميد عضوية المنتخب وتوقيفه عن ممارسة نشاطه الإنتخابي تعود في الأساس إلى المتابعة الجزائية، وذلك حسب نص المادة (43) من قانون البلدية (11/10)، تكون هذه المتابعة بسبب جناية أو جنحة متصلة بالمال العام كجريمة إختلاس المال العام، أو لأسباب مخلّة بالشرف، أو أنه اتخذت ضده مجموعة تدابير قضائية تجعل من إستمرارية ممارسته للعهدة الإنتخابية غير ممكنة.

فإنتخاب الشخص وإكتسابه للعضوية بالمجلس الشعبي البلدي يعود أولا وأخيرا، إلى الثقة التي وضعها فيه منتخبيه، ومن ثمة لا يمكن أن يستمر العضو في ممارسة عهدته الإنتخابية إذا ما ثبت ما يمسّ هذه الثقة، خاصة وأن المجلس الشعبي البلدي يعمل على حماية المال العام، كذلك ما يدفع الجمهور إلى إختيار عضو معين لتمثيلهم هو حسن السلوك والسمعة، كما أن إتخاذ تدابير قضائية ضد الشخص تمنعه من حضور الجلسات.

أما عن مدة توقيف عضو المجلس الشعبي البلدي فإنها تطول أو تقصر، وهذا متوقف على الجهة القضائية التي ستفصل في هذه المتابعة، ويبدأ سريان تجميد عضوية المنتخب من لحظة صدو قرار من الوالي إلى غاية صدور قرار نهائي من الجهة القضائية المختصة.

 

المطلب الثالث/ جهة الإختصاص بإصدار القرار

 ويعود إصدار قرار التوقيف إلى الوالي الذي يعتبر جهة الوصاية على المجلس الشعبي البلدي، أي أنه متى وصل إلى علم الوالي بأن عضواً من أعضاء المجلس محل متابعة جزائية طبقا للحالات المذكورة في نص المادة (43) من قانون البلدية (11/10) فإنه يُصدر قراراً بتوقيف هذا العضو، وبالرجوع إلى نص المادة (43) من قانون البلدية (11/10) نجد أن المشرّع قد وضع فرضية على أساسها يتم توقيف العضو المنتخب، وهو أن تحول هذه المتابعة أو التدابير القضائية بين العضو وبين ممارسة مهامه الإنتخابية، ومنه نستنتج أن فحوى هذه الفرضية هو وضع المنتخب رهن الحبس المؤقت، إذ لا يُتصور أن يمارس العضو مهامه وهو داخل المؤسسة العقابية ولو بعنوان الحبس المؤقت، وفي حالة ما إذا تم صدور حكم أو قرار عن الجهة القضائية، يقضي ببراءة المنتخب عمّا كان متابعا من أجله، فإنه يستأنف ممارسة نشاطه فورا وبقوة القانون ودون الحاجة إلى إثبات ذلك بمداولة من المجلس الشعبي البلدي ولا حتى بقرار من الوالي.

أما عن كيفية إتصال الجهة الوصية الممثلة في الوالي بموضوع المتابعة للعضو، فإنها تعود إلى مهام النيابة العامة، التي قد تتصل أو تخطر إما المجلس الشعبي البلدي والذي بدوره يقوم بإخطار الوالي، أو يتم إخطار الوالي مباشرة.

 ويهدف إجراء توقيف العضو المنتخب المتابع قضائيا إلى المحافظة على نزاهة ومصداقية التمثيل الشعبي، كما يُحافظ المجلس على شفافيته وحسن سمعته ولا أدلّ من ذلك على قوله عز وجل: «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَويُّ الأَمِينُ».

أما إذا كان حق التوقيف الذي إتُخذ في حق العضو المنتخب، الغاية منه هو من أجل أغراض سياسية وحزبية، أو بغرض الإنتقام أو تصفية حسابات، فإنه يكون معيب بعيب الإنحراف بالسلطة ممّا يجعله قابلاً للإبطال.

وعليه نستنتج أن التوقيف وإن كان مظهرا من مظاهر الرقابة الإدارية، التي تمارسها الجهة الوصية على عضو المجلس الشعبي البلدي و الذي يكون سببه المتابعة الجزائية لهذا العضو المنتخب، والتي تحول دون ممارسته لمهامه الإنتخابية، أما جهة الإختصاص في إصدار قرار التوقيف فإنها تتمثل في الوالي على اعتباره سلطة وصاية، أما محل قرار التوقيف هو عدم تمكن المنتخب البلدي من ممارسة مهامه الإنتخابية على الأقل لفترة مؤقتة، إلى حين صدور قرار من الجهة القضائية المختصة يقضي ببراءة المتهم مما نُسب إليه، أمّا عن الهدف وإلغاية من هذا الإجراء  هو المحافظة على نزاهة ومصداقية وحسن سير المجلس الشعبي البلدي.

إلا أنه وبالرجوع إلى نص المادة (32) من قانون البلدية (90/08) ومقارنتها بنص المادة (43) من قانون البلدية (11/10)، نجد أن المادة (32) قد جاءت أكثر تفصيلا وتدقيقا من حيث إجراءات التوقيف التي تمارسها سلطة الوصاية، فمن حيث جوازية اتخاذ إجراءات التوقيف، جاء في نص المادة (32) من قانون البلدية (90/08): «عندما يتعرّض منتخب إلى متابعة جزائية تحول دون مواصلة مهامه يمكن توقيفه...»، وعبارة يمكن هنا جاءت على سبيل الجواز أي يمكن للوالي أن يتّخذ قراراً بتوقيفه كما يمكن أن لا يتّخذ هذا القرار، أي حسب السلطة التقديرية له، في حين نجد أن قانون البلدية (11/10).

ومن خلال نص المادة (43) منه جاء بغير هذه العبارة، حيث جاء فيها: «يوقف بقرار من الوالي...» وكأن بالنص يقيّد الوالي في إصدار قرار التوقيف، خاصة وأنه حصر حالات التوقيف ومن ثمة لا يمكن له أن يوقف عضواً خارج هذه الحالات، إلا أنه إذا نظرنا لهذا النص من زاوية أخرى نجده قد وسّع من صلاحية الوالي في مواجهة أعضاء المجلس الشعبي البلدي، بإعتباره يمثّل جهة وصاية، حيث يقوم الوالي بإصدار قرار التوقيف متى ثبتت له المتابعة القضائية مباشرة.

أما من حيث الشكل والإجراءات فإن نص المادة (32) من قانون البلدية (90/08) جاءت أكثر تفصيلا من حيث إجراءات التوقيف، على غرار نص المادة (43) من قانون البلدية (11/10)، الذي شابه بعض الغموض، بالإضافة إلى أنه خلى من أكبر ضمانة للمنتخب البلدي في مواجهة السلطة الوصائية، وتتمثل في تعليل أو تسبيب القرار، فمن حيث الإجراءات مثلا، نجد أن الوالي لا يتّخذ قرار توقيف عضو المجلس الشعبي البلدي إلا بعد إستطلاع رأي المجلس الشعبي البلدي، وإن كان رأي المجلس غير ملزم إلا أنه يعكس مدى التنسيق بين المجلس وسلطة الوصاية، كما لم يُلزم قانون البلدية (11/10) الوالي بتسبيب قرار التوقيف على عكس قانون البلدية (90/08)، الذي كان يُلزم الوالي بتسبيب قرار التوقيف، وهذا حتى لا يتعسّف الوالي في ممارسة مثل هذا الإجراء لأن التسبيب يُعتبر أهم ضمانة قانونية، حيث يسمح سواء لجهة الإدارة أو للجهة القضائية أو حتى للمجلس الشعبي البلدي من معرفة السبب الذي من أجله تم توقيف العضو، وهذا ما يؤخذ على المشرّع الجزائري في عدم إلزام الوالي بتسبيب القرار، لأن التسبيب أنجع الضمانات ضد التعسف لأن عدم التسبيب سوف يضع المنتخبين أمام نوع من الغموض والحيرة، بالإضافة إلى أن المشرّع في نص المادة (43)، سكت عن لجوء من إتخذ قرار التوقيف ضده إلى الطعن فيه سواء بالطرق الإدارية كالتظلم أكان تدريجيا أو رئاسيا أو باللجوء إلى جهات القضاء الإداري المختصة بواسطة دعوى الإلغاء، ولا يُفهم من سكوت المشرّع عن أحقيّة الطعن أنه غير جائز، فالسكوت في معرض البيان بيان، طالما أنه لا يوجد نص يمنع اللجوء إلى الطعن.

 

 

المبحث الثاني الإقصــاء كإسقـاط كلي ونهائي للعضوية

يُعتبر الإقصاء ثاني مظاهر الرقابة الإدارية التي تُمارس على أعضاء المجلس الشعبي البلدي وفق القانون، وتمارسه جهة الوصاية حسب الكيفيات والإجراءات المنصوص عليها.

المطلب الأول/ مفهومه

يختلف إجراء الإقصاء عن إجراء الإيقاف من حيث أن الإيقاف هو تجميد مؤقت لعضوية المنتخب الذي طاله هذا الإجراء، بينما الإقصاء هو إسقاط كلّي ونهائي للعضوية وفقا للأسباب والحالات التي حدّدها القانون، فلا يُتّخذ ولا يُلجأ إلى الإقصاء إلا إذا كان نتيجة فعل خطير يبرّر اللجوء إليه، لأنه يعتبر إجراء تأديبي وعقابي مقرون بعقوبة جزائية، الأمر الذي يتعارض مع بقاء العضو محتفظا بعضويته بالمجلس الشعبي البلدي.

ويرى الدكتور/ "نوّاف كنعان" «أن إقصاء عضو المجلس الشعبي البلدي هو إسقاط العضوية، ويتم إسقاطها بسبب فقدان العضو شرطا من شروط العضوية»، كما يرى أيضا «أن إسقاط العضوية تعود إلى إخلال هذا العضو بواجباته».

فالإقصاء كإجراء يُتّخذ ضد عضو المجلس الشعبي البلدي يعني أن تزول عن هذا العضو كامل صفة العضوية بالمجلس مما يؤدي إلى عدم حضور إجتماعات وجلسات المجلس الشعبي البلدي كعضو أو أن يكون ضمن تشكيلة إحدى اللجان، أو أن يقوم بأي ممارسة إنتخابية بصفته عضوا بالمجلس الشعبي البلدي، وهذا نظرا لوضعية المنتخب وسقوط صفة العضوية عنه المحدّدة طبقا للقانون، وهذا ما نصّت عليه المادة (44) في قانون البلدية (11/10) والتي جاء فيها «يُقصى بقوة القانون من المجلس، كل عضو مجلس شعبي بلدي كان محلّ إدانة جزائية نهائية للأسباب المذكورة في المادة (43) أعلاه، يثبت الوالي هذا الإقصاء بموجب قرار...»

المطلب الثاني/ سبب الإقصـاء

يعود سبب إقصاء العضو من المجلس الشعبي البلدي، حسب نص المادة (44) من قانون البلدية (11/10) إلى أن هذا العضو يكون قد كان محل متابعة قضائية بسبب جناية      أو جنحة لها صلة بالمال العام أو لأسباب مخلّة بالشرف أو محل تدابير قضائية وكانت نتيجة هذه المتابعة أنه حُكم عليه نهائيا بالإدانة.

وعليه فمن أسباب إقصاء العضو هو حكم نهائي بالإدانة مترتّب عن متابعة جزائية.

 كما يُمكن اعتبار إجراء الإقصاء والذي يمثّل أحد مظاهر الرقابة الإدارية على المنتخبين رقابة سابقة ولاحقة ويعني ذلك أن الشخص وعند تقدمه للترشح لعضوية المجلس الشعبي البلدي، يشترط فيه القانون العضوي للإنتخابات (12/01) أن لا يكون محكوما عليه في الجنايات والجنح بحكم نهائي يهدد النظام العام وهذا طبقا لنص المادة الخامسة (05) منه. ولذلك فالمترشح لعضوية المجلس لابد أن لا يكون مسبوقا قضائيا وإلا حُرم من الترشح، ويتم استبيان ذلك من خلال التحقيق، الذي تقوم به الجهة الإدارية المختصة حول المترشح طبقا للملف المقدم، وطبقا لصحيفة السوابق القضائية والتي تحمل رقم –(02)–.

وعليه فإن الترشح لإكتساب العضوية بالمجلس الشعبي البلدي يسبقه تحقيق إداري، للتأكد من عدم صدور أحكام ضد المترشح، وإن ثبت وجود أحكام فإنه يتم إسقاط عضوية هذا المترشح، فمن باب أولى أنه إذا ثبت صدور أحكام نهائية بالإدانة ضد عضو المجلس الشعبي البلدي أن يتمّ إسقاط عضويته.

وليس بمعنى أن كل عضو تم متابعته قضائيا وانجر عن هذه المتابعة توقيفه، أنه بالضرورة سوف ينجر عن هذا التوقيف إقصاء، إذا فليس للتوقيف حجية على الإقصاء أي العبرة بصدور قرار نهائي ومشمول بالإدانة.

ويرد إجراء الإقصاء في بعض قوانين المشرق العربي ودول الخليج بعنوان الإقالة الحكمية، وعليه فوجود عضو المجلس الشعبي البلدي في إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة (43) من قانون البلدية (11/10) وتمّت الإدانة بموجب قرار نهائي فإن العضو يكون مُقصى بقوة القانون.

المطلب الثالث/ جهة الاختصاص بإصدار قرار الإقصاء

 يثبت هذا الإقصاء بموجب قرار من الوالي، ويتم تطبيق أحكام الإستخلاف بالمترشح الذي يليه مباشرة في الترتيب من نفس القائمة، ويتم الإستخلاف كذلك بموجب قرار من الوالي.

إلا أنه وبالرجوع إلى نص المادة (33) من قانون البلدية (90/08) نجد أن الإقصاء يُعلن عنه من طرف المجلس الشعبي البلدي، في حين أن نص المادة (44) من قانون البلدية (11/10) منح إختصاص إصدار قرار الإقصاء للوالي، ونحن نرى أنه لا طائل من إجراء مداولة بخصوص من سوف يتم إقصائه، طالما أنه سيُقصى بقوة القانون وما قرار الوالي إلا لإثبات هذا الإقصاء.

إلا أن المشرّع الجزائري أخذ منحًى آخر في قانون الولاية (12/07) المؤرخ في 21 فبراير 2012 حيث نصّ في المادة (46) منه، والتي جاء فيها صراحة أن المجلس الشعبي الولائي يُقرّر إقصاء المنتخب بموجب مداولة، وبذلك بقي المشرّع محافظا على فحوى نص المادة (33) من قانون البلدية (90/08).

وبالرغم من أن إجراء إقصاء عضو منتخب بلدي يعتبر من ضمن الإجراءات الخطيرة لأنه يتعلّق بإسقاط هذه العضوية عن أحد من تمّ انتخابهم من أجل التمثيل الشعبي على المستوى المحلي، إلا أن الغاية المرجوة من اللجوء إلى مثل هذا الإجراء تعود بالأساس إلى المحافظة على مصداقية ونزاهة المجلس، ويضمن الشفافية في التمثيل طالما أن المنتخب البلدي عندما ترشح كان الهدف تمثيل فئة معينة من المنتخبين لهذا كان لزاما أن يكون هذا التمثيل في أحسن صورة.

إلا أنه وعند استقرائنا لنص المادة (44) من قانون البلدية (11/10)، نجدها لم تحدّد وتُبين كيفية إقصاء رئيس المجلس الشعبي البلدي، عندما يكون ضمن إحدى حالات الإقصاء وهذا على غرار ما جاء به قانون البلدية (90/08) في نص مادته (51) ، حيث جاء فيها «يُعوّض المجلس الشعبي البلدي الرئيس المتوفى، أو المستقيل، أو المقصي، أو المقال بمنتخب من بين أعضاء قائمته وفقا لكيفيات محدّدة في المادة (48) من هذا القانون» حيث وضحّت هذه المادة كيفية إستخلاف منصب رئيس المجلس الشعبي البلدي في حالة الإقصاء، وبالرجوع إلى نص المادة (71) من قانون البلدية (11/10) والتي حمل فحواها بعض اللبس حيث حدّدت كيفية إستخلاف منصب رئيس المجلس في حالة الوفاة أو الإستقالة أو التخلي عن المنصب أو حدوث مانع قانوني ولم تنص صراحة على حالة الإقصاء وإذا كانت حالة الوفاة والإستقالة قد نص عليها المشرّع صراحة فإن حالة التخلي عن المنصب فصلت فيها أحكام المواد (74) و(75) من قانون البلدية (11/10)، وهي لا تشمل على حالة الإقصاء ومن ثمة يُطرح التساؤل هل تدخل حالة الإقصاء ضمن حالة حدوث مانع قانوني، أم تطبّق بشأنه أحكام المادة (41) على إعتبار أنه أحد أعضاء المجلس الشعبي البلدي.

ومن خلال ما سبق ذكره يتبيّن أن الإقصاء كإجراء رقابي تُمارسه سلطة الوصاية والمتمثلة في الوالي، يُعتبر إجراءً خطيرا لأنه يُزيل صفة العضوية عن عضو المجلس الشعبي البلدي، ويمنعه من مواصلة عهدته الإنتخابية و يؤدي إلى تجريده من كل صفة العضوية بالمجلس البلدي بسبب الإدانة الجزائية.

المبحث الثالث الاستقالـة التلقائيـة بصفتها مفروضة بقوة القانون

تُعتبر الاستقالة التلقائية من مظاهر الرقابة الإدارية على المنتخبين، وهي تختلف عن كل من الإيقاف والإقصاء في بعض النواحي من حيث الإجراءات المتخذة بشأنها.

المطلب الأول/ مفهومها

يُقصد بها أن يُصبح العضو في حالة إستقالة مفروضة وذلك عند توافر الحالات التي حدّدها قانون البلديـة (11/10) طبقا لنص المادة (45) منه، ففي الغيابات المتكرّرة لعضو المجلس الشعبي البلدي أي عند غياب هذا العضو لثلاث غيابات من دون عذر مقبول أو سبب مشروع ففي هذه الحالة للوالي إعلان هذه الاستقالة المفروضة.

وطبقا لنص المادة (45) من قانون البلدية (11/10) والتي جاء فيها «يُعتبر مستقيلا تلقائيا من المجلس الشعبي البلدي كل عضو منتخب تغيّب بدون عذر مقبول لأكثر من(03) ثلاث دورات عادية خلال نفس السنة.

في حالة تخلّف المنتخب عن حضور جلسة الإستماع رغم صحة التبليغ يُعتبر قرار المجلس حضوري.

يُعلن الغياب من طرف المجلس الشعبي البلدي بعد سماع المنتخب المعني، ويُخطر الوالي بذلك».

المطلب الثاني/ سبب الإستقالة التلقائية

من خلال ما جاء في نص المادة (45) يتبيّن أن سبب الإستقالة التلقائية هو تغيّب العضو المنتخب لأكثر من ثلاث مرات عن حضور دورات المجلس خلال نفس السنة، ومن دون أن يكون لغيابه عن هذه الدورات مبرر شرعي ومقبول، وبتوفر هذه الحالة تزول عنه صفة العضوية مع العلم أن المجلس الشعبي البلدي يعقد كل (02) شهرين دورة عادية وتكون مدة هذه الدورة 05 أيام.

وما يُفهم من نص المادة (45) من قانون البلدية (11/10) أن غياب العضو يكون غيابا عن الدورة ككل وليس غياباً يتعقب جلسات الدورة أي بمعنى إن غاب العضو عن جلسة من جلسات الدورة فإنه لا يُعتبر غياب عن الدورة، فالغياب الذي يعتبر سبباً للإاستقالة التلقائية هو أن يغيب طيلة الدورة، أي خلال (05) الخمسة أيام كاملة، ويكون ذلك خلال(03) ثلاث دورات في نفس السنة ومن دون تقديم أي عذر شرعي ومقبول، ومن ثمة يُعلن الوالي عن إستقالته تلقائيا، ويعتبر مثل هذا الإجراء جد معقول، إذ لا يُتصور ولا يُعقل بأي حال من الأحوال، أن يعقد المجلس الشعبي البلدي دوراته دون حضور الأعضاء.

وبذلك يكون المشرّع الجزائري قد شدّد من الرقابة على أعضاء المجلس الشعبي البلدي وذلك من خلال حرصه على الانضباط وحضور الأعضاء دورات واجتماعات المجلس التي يعقدها، وإعتبار أن عدم حضور هذه الدورات والجلسات إعتراف ضمني من العضو المنتخب بتخليه عن القيام بواجباته المسندة إليه، وإنصرافه عن ممارسة العهدة الإنتخابية وعدم تمثيل من انتخبوه لأجل تسيير ورعاية مصالحهم.

إلا أنّ المشرّع لم يُبين لنا من خلال نص المادة (45)، آثار تغيّب عضو المجلس الشعبي البلدي عن الدورات الإستثنائية، ولعلّ سكوت المشرّع عن هذا الأمر هو أن المجلس الشعبي البلدي قلّما يعقد دورات إستثنائية، بالمقارنة مع الدورات العادية التي تصل إلى معدل (06) دورات في السنة، لذا اكتفى المشرّع بالحرص على الدورات العادية.

 

المطلب الثالث/ جهة الإختصاص بإصدار قرار الإستقالة التلقائية

ويعود إختصاص إصدار قرار الإستقالة التلقائية إلى المجلس الشعبي البلدي، الذي يُعلن عن إستقالة العضو تلقائيا لتغيبه عن حضور دورات المجلس طبقا لنص المادة (45) من قانون البلدية (11/10)، ويقوم بعد ذلك بإخطار الوالي بالقرار.

ومن خلال قراءتنا لنص المادة (45) نجدها جاءت مغايرة لنصوص المادتين (43) و(44) إذ أن هاتين المادتين، جعلتا من الوالي هو صاحب الإختصاص في إصدار قرار التوقيف أو الإقصاء أي يُثبت هده الحالات عن طريق قرار، إلا أنه في المادة (45) وفي فقرتها الأخيرة جعل إصدار القرار المتعلّق بالاستقالة التلقائية، من إختصاص المجلس الشعبي البلدي ويكون الوالي في هذه الحالة جهة إخطار، أي بعد إتخاذ المجلس الشعبي البلدي للقرار فإنه يُعلم به الوالي.

ويتمثّل محل قرار الإستقالة التلقائية في وضع حد نهائي ودائم للعضو البلدي المنتخب وذلك بإلغاء عضويته من المجلس، ويترتّب على ذلك إستخلاف العضو المقال بعضو إحتياطي من نفس القائمة التي كان ينتمي إليها.

ولعلّ من أهم الضمانات التي منحها المشرّع الجزائري للعضو المنتخب والذي تمّ إعلان استقالته، هو أنه لا يتم إعلان غيابه من طرف المجلس إلا بعد أن يتم إستدعائه وسماعه لتبرير هذا الغياب.

إلا أنه وبالرجوع لقانون البلدية (67/24) المؤرخ في 18 جانفي 1967 ووقوفا عند نص المادة (90) التي تنص على ما يلي:«كل من تخلّف من أعضاء المجلس الشعبي البلدي عن تلبية (03) ثلاث دعوات حضور متتالية بدون سبب يعتبره المجلس مشروعا وصحيحا، فإنه يجوز بعد تكليفه بتقديم إيضاحاته التصريح بإستقالته من قبل الوالي إلا إذا طعن في ذلك في خلال 10 أيام من التبليغ أمام المحكمة المختصة».

ومن خلال نص هذه المادة ومقارنتها بنص المادة (45) من قانون البلدية (11/10) نجد أن المشرّع قد أعاد صياغة هذه المادة ولو بشكل أقل تفصيلا، وفيه نوع من الإقتضاب إلى حد ما، حيث أن المادة (90) من قانون (67/24) جاءت أكثر تفصيلا من حيث الصياغة خاصة من حيث تبيان جهة الإختصاص بالفصل في قرار الإستقالة، ومن حيث الإجراءات خاصة فيما يخص حق المنتخب في الطعن في قرار الوالي.

غير أن المشرّع تراجع عن التطرق إلى غيابات الأعضاء عن حضور الدورات في قانون البلدية (90/08) حيث جعل الإقالة الحكمية، مرتبطة بوجود العضو في حالة من حالات التنافي، أو وجوده في حالة من حالات عدم القابلية للإنتخاب، ولم يتطرق المشرّع أصلا لغيابات الأعضاء عن حضور الدورات، ليعود في قانون البلدية (11/10) ويجعل من الغيابات أحد الأسباب التي تضع العضو في خانة الاستقالة التلقائية.

 إلا أنه ما يؤخذ على المشرّع الجزائري من خلال صياغته لنص المادة (45) من قانون البلدية (11/10) أنه لم يتعرّض أصلا لا تصريحا ولا تلميحا ويجعل وجود المنتخب في حالة من حالات التنافي أو وجوده في حالة من حالات عدم القابلية للإانتخاب كأحد أسباب الإستقالة التلقائية ؟! وهذا ما يستدعي وضع نقطة إستفهام أمام هذا السكوت خاصة أن هاتين الحالتين وهما حالة التنافي وعدم القابلية للإنتخاب يُعتبران سببان معقولان جدا لأن يكون الشخص في حالة من حالات الإستقالة التلقائية.

 بالإضافة إلى أن المشرّع لم يتطرّق إلى هاتين الحالتين حتى في حالة التوقيف والإقصاء، وإن كان قد تدارك مثل هذا الوضع في قانون الولاية (12/07) من خلال نص المادة (44) حيث إعتبر وجود العضو في حالة من هذه الحالات يُعرّضه إلى الإقصاء مباشرة وبقوة القانون.

 إلا أنه وبالرجوع إلى قانون البلدية (11/10) وإعادة قراءة ثانية للمادة (41) نجد أن المشرّع يكون قد لمّح إلى مثل هذه الحالات حيث نص في المادة (41) منه «في حالة الوفاة أو الإستقالة أو الإقصاء أو حصول مانع قانوني لمنتخب المجلس الشعبي البلدي يتم إستخلافه في أجل لا يتجاوز (01) شهرا واحدا بالمرشح الذي يلي مباشرة آخر منتخب من نفس القائمة بقرار من الوالي» فلربما يقصد المشرّع الجزائري بحدوث مانع قانوني للمنتخب هو وجوده في حالة من حالات التنافي أو عدم القابلية للإنتخاب.

ولعل الهدف الذي يرمي إليه المشرّع من خلال إقراره لحالة الإستقالة التلقائية،  هو الحرص على جعل المنتخب أكثر إنضباطا وأكثر تحمّلا للمسؤولية وعدم التهرّب منها خاصة وأن المجلس الشعبي البلدي نصب لتلبية حاجات الجمهور، والسهر على حسن سير المرافق العامة، فلا يُتصور بأي حال من الأحوال أن الثقة التي وضعها الشعب في ممثليهم تكون نتيجتها هو عدم الإكتراث لإنشغالات ومصالح السكان إلا أنه يجب توضيح نقطة مهمة، وهو أنه لما صيغت المادة (45) من قانون البلدية (11/10) في إطار المشروع المتعلق بالبلدية، كانت صياغتها كالتالي «تنتهي بقوة القانون العهدة الإنتخابية لكل عضو بالمجلس الشعبي البلدي الذي يكون حزبه السياسي قد تمّ حله قضائيا ويثبت إنهاء العهدة بقرار من الوالي».

 إلا أن لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات بالمجلس الشعبي الوطني، عملت على إسقاط هذه الصياغة من مشروع القانون المتعلّق بالبلدية والذي يتمثل أنه في حالة ما إذا تم حل حزب سياسي من طرف جهة قضائية، فإن عضوية الأعضاء بالمجالس الشعبية البلدية والتي تنطوي تحت جناح هذا الحزب تنتهي بقوة القانون، ولعلّ الحكمة في إسقاط هذه المادة هو أن مجالها هو قانون الأحزاب السياسية وليس قانون البلدية، كذلك ما ذنب العضو الذي تم انتخابه ليكون ممثلا للسكان عن أخطاء يرتكبها الحزب، كما أن المبدأ المتعارف عليه في الفقه الدستوري هو أن النائب بمجرد أن يتم إنتخابه يُصبح ممثلا للمجتمع، ويسعى وراء المصلحة العامة وليس لخدمة الحزب أو الأغراض الحزبية، والقول بخلاف هذا يؤدي إلى معنى واحد هو أن الهدف من الترشح للحصول على مقاعد بالمجالس المحلية هو خدمة المصالح الضيقة للأحزاب السياسية وليس خدمة المصلحة العامة للبلاد وهذا ما يتنافى وقانون البلدية.