الاطار المفاهيمي العام للمرفق العام

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: مدخل للقانون الإداري
Livre: الاطار المفاهيمي العام للمرفق العام
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Friday 3 May 2024, 06:14

Description

يشتمل هذا الكتاب على محور المرفق العام

1. ماهية المرفق العام

كانت و لازالت فكرة المرفق العام من بين أهم المواضيع و المحاور في مجال القانون الإداري حيث نجدها حينا مؤسِسة له، و حينا أحد إطاري تدخل الإدارة - كموضوع للقانون الإداري- لإشباع الحاجات العامة، و حينا آخر معيار لتحديد معيار تطبيقه لفض المنازعات القضائية.

           و اعتبارا  لهذه الأهمية كان اختيارنا لهذا الموضوع، بالإضافة لرغبتنا في استقصاء عناصره و مدى تأثرها بالتحولات الجديدة . فكان تركيزنا في هذه الورقة البحثية على محاولة مسح التطور المفاهيمي الذي عبرته فكرة المرفق العام مرورا بأزمتها و ما نتج عنها . زيادة على البحث عن مدى استمرار الدور الذي تلعبه في تحديد اختصاص القاضي الإداري.

1.1. تعريف المرفق العام

فرع : التعريف اللغوي

      - المرفق ج مرافق : ما انتفعت به ، ومنه " مرافق الدار " أي منافعها كمصاب المياه والبئر ونحوها، ومرافق البلاد ، أي ما ينفع السكان عموماً

- العَام : من كلمة عَمَّ: شمل الجماعة، والعام : خلاف الخاص  فجمع الكلمتين " المَرْفِقُ" و " العَام" هو تخصيص للمعنى في " ما تنتفع به الجماعة".

الفرع الثاني : التعريف الاصطلاحي

         يعرف الأستاذ عبد الرزاق السنهوري المرفق العام في وسيطه بأنه:" مشروع تديره جهة الإدارة أو تنظمه وتشرف على إدارته ، ويقصد به أداء خدمات أو سد حاجات ذات نفع عام "

كما نجد للأستاذ سليمان محمد الطماوي قوله :" يستعمل اصطلاح مرفق عام Service Public للدلالة على معنيين : فقد يستعمل للدلالة على نشاط Activité من نوع معين تقوم به الإدارة لصالح الأفراد، وهذا هو المعنى الذي يجب أن يخصص له هذا الاصطلاح منعا للبس، وقد يقصد به المنظمة Organisme أو الهيئة التي تقوم بالنشاط السالف، واستعمال اصطلاح " المرفق العام" للدلالة على هذا المعنى الثاني يؤدي إلى اللبس.

        ورغم هذا التفصيل يعود الأستاذ الطماوي بعد تحليله لفكرة المرفق العام لتعريف المرفق العام بتعريف موحد بقوله " يمكننا بعد هذا التمهيد السريع أن نعرف المرفق العام بأنه مشروع Entreprise يعمل بإطراد وانتظام تحت إشراف رجال الحكومة بفصل أداء خدمة عامة للجهود مع خضوعه لنظام قانوني معين" .

 

         أما الأستاذ أحمد محيو فبعد أن عرف المرفق العام بالرجوع إلى المعيارين العضوي والمادي على نحو ما كان من الأستاذ الطماوي أعلاه طرح إشكالية الإرتباط والتطابق بين البعدين العضوي والمادي للمرفق العام، حيث أنه خلال القرن 19 وبداية ق 20 كانت مفاهيم المرفق العام متطابقة ومرتبطة بشكل وثيق " حيث كان كل نشاط يهدف المصلحة العامة يقع على عاتق الإدارة تمنح بنظام قانوني خاص يحكمه القانون العام، أما كل النشاطات الأخرى ذات الطبيعة الخاصة فتدخل ضمن نطاق المبادرة الخاصة ويحكمها القانون الخاص".

            وفي ظل هذا الوضع لم تكن هناك صعوبة في التعرف على المرفق العام، إذ أن الفكر الليبرالي التقليدي يقصر المرفق العام على نشاطات معينة مثل الدفاع ، العدل والشرطة، دون النشاطات الصناعية والتجارية المربحة تحت طائلة منافسة غير متكافئة مع القطاع الخاص، وبذلك كانت النظرية القانونية تعطي للمرفق العام مفهوما ضيقا جدا بغية تضييق دور الدولة، وإبقائها خارج المجال الاقتصادي ،وهو ما يصبح بالتعدي مفهوما سياسي له، وبذلك فلابد أن يطور هذا المفهوم تبعا للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والإيديولوجية.

        وهو ما حدث فعلا جراء الأزمة الاقتصادية العالمية في سنة 1929، والحربين العالميتين الأولى والثانية، وبروز الإيديولوجية الاشتراكية، تتغير الصورة التقليدية للمرفق العام في اتجاهين:

-      الأول أن الإدارة بدأت ترتاد بكثرة المجال الذي كان محجوزا للنشاط الفردي فوجت المرافق الحديثة ذات الطابع الاقتصادي.

-      الثاني أن الإدارة وقد تعددت واجباتها وتنوعت أوجه نشاطها سمحت للأفراد بأن يعاونوها في تحقيق النفع العام

       وبذلك لم يعد هناك تلازم مطلق وحتمي بين الجانب العضوي للمرفق العام وجانبه الموضوعي  إذ هل تمارس الإدارة التي أصبحت كصناعي أو تاجر نشاط مرفق عام وهل يمارس الأشخاص الخاضعين المكلفين بإشباع مصلحة عامة نشاطا خاصا؟

         ونظرا لعدم وجود جواب دقيق وكافي على هذا السؤال المزدوج استنتج القانونيون بأن هناك " أزمة" في المرفق العام 

         وعلى ضوء ما سبق نستنتج صعوبة وضع تعريف شامل ومانع لمعاني المرفق العام، ,في هذا الصدد كتب الأستاذ أحمد محيو أن "مفهوم المرفق العام ليس، ولا يمكن أن يكون مفهوما قانونيا مجردا وحياديا، وليس له من معنى إلا في ضوء محتواه والغايات الإقتصادية والإجتماعية التي اسندت له والتي يجب تحديدها مسبقا قبل إعداد النظام القانوني للمرفق العام ويعين الجهة المؤهلة لإحداث هذا المرفق أو ذاك" 

1.2. عناصر المرفق العام

لو أردنا تحليل فكرة المرفق العام وفقا للتعاريف السابقة لوجدناها تتكون من العناصر التالية :

1- صفة المشروع : فيقتضي وجود أي مرفق عام إقامة تنسيق وتنظيم بين مكوناته المختلفة (البشرية والمادية) بالشكل الذي يسمح له  بأداء دوره في تلبية الحاجات العامة ، ,ذلك من خلال إحداث أجهزة دائمة به، مدير، مجلس إدارة ، لجان ... 

2- الارتباط بالإدارة العامة : بالإضافة إلى صفة المشروع لابد لتتمتع منظمة إدارية ما بصفة المرفق العام أن يرتبط هذا المشروع عضويا ووظيفيا بالإدارة العامة، وهذا أمر منطقي إذ هو أداة الدولة لتحقيق المصلحة العامة(7) وتظهر أبعاد هذا الارتباط من خلال تمتع الإدارة العامة بسلطات الإنشاء والتسيير والإدارة والإلغاء، ,هذا بالرغم من مساهمة الأشخاص الخاصة أحيانا في إدارة المرفق العام إلا أن ذلك يبقى تحت إشراف ومراقبة الإدارة العامة .

       وهنا نود إثارة نقطة تتعلق بعقود "البوت" BOOT : والتي يعرفها الأستاذ عصام أحمد البهجي أنها:" تلك المشروعات التي تعهد بها الحكومة إلى أحد الشركات وطنية كانت أو أجنبية وسواء أكانت من شركات القطاع العام أم القطاع الخاص، وتسمى شركة المشروع لإنشاء مرفق عام وتشغيله لحسابها مدة من الزمن ثم نقل ملكيته إلى الدولة أو الجهة الإدارية واصطلاح البوت BOT هو اختصار لكلمات إنجليزية ثلاث البناء BUILD والتشغيل OPERATE ونقل الملكيتين TRANSFER " وللمزيد من الإيضاح يضاف حرف رابع هو حرف (O) مأخوذ من كلمة OWN بمعنى تمليك المشروع للذي قام بإنشائه فيصبح المصطلح BOOT اختصارا للكلمات BUILD-OWN-OPERATE-TRANSFER ويقابلها بالعربية البناء و التشغيل، التملك، نقل الملكية".

        بعد هذا التعريف الموجز لعقود البوت نتساءل عن حول العلاقة التي تربط في ظلها المرافق العامة مع الإدارة ، حيث أن المتعاقد مع الإدارة لا يتولى " تأمين تشغيل مرفق عام"  بل إنه فضلا عن ذلك ينشأه ويبنيه، يتملكه، يشغله، ثم يقوم بعد ذلك وبعد تحقيقه لأرباحه بتحويل ملكيته إلى الدولة.

        فماذا يبقى خلال فترة العقد من أوجه الإرتباط بين المرفق والإدارة؟

3- تلبية الحاجات العامة : إن مبرر وجود أي مرفق عام هو تلبية الحاجات العامة للجمهور ، والتي يعرفها ليون ديجي على أنها النشاطات والخدمات التي يقدر الرأي العام في وقت من الأوقات وفي دولة معينة أن على الحكام القيام بها نظرا لأهمية هذه الخدمات للجماعة، ولعدم إمكان تأديتها على الوجه الأكمل بدون تدخل الحكام " 

4- خضوع المرفق العام لنظام قانوني وإنشائي

         لما كانت فكرة المرفق العام هي وسيلة وأداة السلطة العامة في الدولة لتحقيق أغراض المصلحة العامة بالمفهوم الإداري، فلابد أن يخضع المرفق العام لنظام قانوني إستثنائي يتلاءم وطبيعة المصلحة والإحتياجات العامة للجمهور من حيث الإستمرار والإنتظام والمساواة والتكيف، وهي مجموعة المبادئ التي سنتعرض لها في بحث لاحق وهو ما يختلف جذريا عن قواعد القانون الخاص 

2. دور المرفق العام في تحديد الاختصاص النوعي للقضاء الإداري

يتمثل هذا الدور فيما يلي: 

2.1. في القانون المقارن

         تحت وطأة الإنتقادات الموجهة لمعيار " السلطة العامة" وبتحول الدولة من حارسة إلى متدخلة طبق القضاء معيار المرفق العام وفقا لهذا المعيار نميز بين ما يعتبر مرفقا عاما وبين ما يعتبر نشاطا خاصا بحيث لا يخضع لاختصاص القضاء الإداري سوى النشاطات الأولى دون الثانية .

         فبتاريخ 08/02/1872 قررت محكمة التنازع الفرنسية في قضية بلانكو ضد محافظ مقاطعة جيروند أن " المسؤولية التي يمكن أن تنسب للدولة بالنسبة للأضرار اللاحقة بالخواص بفعل الأشخاص الذين تستخدمهم في المرفق العام، لا يمكن أن تنظمها المبادئ المسطورة في القانون المدني في العلاقات بين الخواص ..."

         وبذلك فقد كان لما أوجده قرار بلانكو مبدأ " عدم اختصاص المحاكم العادية للفصل في الدعاوى الموجهة ضد الإدارة بسبب المرفق العام مهما كان موضوعها سواء كانت دعاوى إبطال أو قضاء كامل

         إن المقصود بالمرفق العام هنا هو كل من الجانبين العضوي والوظيفي في آن أي النشاط الذي تقوم به الإدارة أو هيئة عامة يهدف إشباع حاجة عامة 

         إلا أن أزمة المرفق العام كما سلف تحليلها ، أوجدت استثناءين لهذا المعيار :

- الأول : يقوم على التمييز بين التسيير العمومي والتسيير الخاص، داخل المرفق العام نفسه، فاستعمال أساليب القانون الخاص في تسيير المرفق العام يحول منازعاتها لاختصاص القضاء العادي .

- أما الثاني:فيتمثل في نوع المرافق العامة ذات الصبغة التجارية والصناعية التي يخضع منازعاتها للقضاء العادي 

2.2. في القانون الجزائري

         كتب الأستاذ محمد الصغير باعلي أنه يقوم الاختصاص القضائي لهيئات القضاء الإداري أساسا على معيار عضوي يستند إلى وجود أحد أشخاص القانون العام طرفا في النزاع

         وبالتالي يكفي لكي يكون القاضي الفاصل في المسائل الإدارية مختصا : وجود شخص معنوي إداري في الخصومة مهما كانت طبيعة القضية  

         ولكن بالرجوع إلى الأطراف العامة المذكورة في المواد المحددة للاختصاص النوعي للقضاء الإداري نجد الهيئات الآتية :

-في المادة 800 ق إ م د : الدولة ، الولاية ، البلدية ، المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية).

- في المادة 801 : الولاية المصالح غير الممركزة للدولة على مستوى الولاية ، البلدية، المصالح الإدارية للبلدية.

- في المادة 09 من القانون العضوي المتعلق بمجلس الدولة، السلطات الإدارية المركزية، الهيئات العمومية الوطنية، المنظمات المهنية الوطنية.

         وهنا بالرغم من قيام المعيار العضوي على وجود طرف متمتع بالشخصية المعنوية طرفا غير أن المواد أعلاه تضمنت هيئات لا تتمتع بالشخصية المعنوية والمتمثلة في :

-      الهيئات غير الممركزة للدولة على مستوى الولاية وهي عبارة عن مرفق عام

-      المصالح الإدارية للبلدية وهي عبارة عن مرفق عام

-      المنظمات المهنية(*) الوطنية والمساهمة في تنفيذ مرفق عام 

-      وبالتالي نقف هنا للتساؤل عن إطلاقية القول بعضوية المعيار المعتمد؟

ملاحظة عن طبيعة المنظمات المهنية كانت المحكمة الإدارية العليا المصرية قد قررت في حكمها الصادر بتاريخ 02/04/1958 أن " تنظيم المهن الحرة كالطب والمحاماة والهندسة ، ,هي مرافق عامة مما يدخل في في صميم اختصاص الدولة بوصفها قوامة على المصالح والمرافق العامة ، فإذا رأت الدولة أن تتخلى عن هذا الأخر لأعضاء المهنة أنفسهم لأنهم أقدر عليه ، مع تحوليهم نصيبا من السلطة العامة يستعينون به على تأدية رسالتهم مع الاحتفاظ بحقها في الإشراف والرقابة تحقيقا للصالح العام ، فإن ذلك لا يغير من التكييف القانوني لهذه المهن بوصفها مرافق عامة.

3. أ نـواع المرافق العامة

لا تأخذ المرافق العامة صورة واحدة بل تتعدد أنواعها تباعاً للزاوية التي ينظر منها إليها ، فمن حيث طبيعة النشاط الذي تمارسه تنقسم إلى مرافق إدارية ومرافق اقتصادية، ومرافق مهنية، ومن حيث استقلالها تنقسم إلى مرافق ذات شخصية معنوية مستقلة ومرافق لا تتمتع بالشخصية المعنوية، ومن حيث نطاق نشاطها إلى مرافق قومية وأخرى محلية .
ومن حيث مدى الالتزام بإنشائها إلى مرافق اختيارية ومرافق إجبارية.

3.1. المرافق العامة من حيث طبيعة نشاطها .

تنقسم المرافق العامة من حيث موضوع نشاطها أو طبيعة هذا النشاط ‘لى ثلاثة أنـواع :
1. المرافق العامة الإدارية :-
يقصد بالمرافق العامة الإدارية تلك المرافق التي تتناول نشاطاً لا يزاوله الأفراد عادة أما بسبب عجزهم عن ذلك أو لقلة أو انعدام مصلحتهم فيه، ومثالها مرافق الدفاع والأمن والقضاء .( )
وتخضع المرافق الإدارية من حيث الأصل لأحكام القانون الإداري، فعمالها يعتبرون موظفين عموميين وأموالها أموالاً عامة، وتصرفاتها أعمالاً إدارية، وقراراتها تعد قرارات إدارية وعقودها عقوداً إدارية، وبمعنى أخر تتمتع المرافق العامة الإدارية باستخدام امتيازات السلطة العامة لتحقيق أهدافها . إلا أنها قد تخضع في بعض الأحيان استثناء لأحكام القانون الخاص، وذلك عندما يجد القائمون على إدارتها أن هذا الأسلوب يكفي لتحقيق أهداف المرفق وتحقيق المصلحة العامة

2. المرافق الاقتصادية :-
بفعل الأزمات الاقتصادية وتطور وظيفة الدولة ظهر نوع أخر من المرافق العامة يزاول نشاطاً تجارياً أو صناعياً مماثلاً لنشاط الأفراد و تعمل في ظروف مماثلة لظروف عمل المشروعات الخاصة، وبسبب طبيعة النشاط الذي تؤديه هذه المرافق دعا الفقه والقضاء إلى ضرورة تحرير هذه المرافق من الخضوع لقواعد القانون العام.
والأمثلة على هذه المرافق كثيرة ومنها مرفق النقل والمواصلات ومرفق توليد المياه والغاز ومرفق البريد.
وقد اختلف الفقه حول معيار تمييز المرافق العامة الاقتصادية عن المرافق العامة الإدارية وعلى النحو التالي:-
أ- المعيار الشكلي
يعتمد هذا المعيار على أساس شكل المشروع أو مظهره الخارجي فإذا اتخذ المشروع شكل المشروعات الخاصة كما لو تمت إدارته بواسطة شركة فأنه مرفق اقتصادي , وبعكس ذلك لو تمت إدارته بواسطة الإدارة أو تحت رقابتها وإشرافها وباستخدام أساليب السلطة العامة فهو مرفق عام إداري.

ب- معيار الهدف .
اتجه هذا المعيار إلى التمييز بين المرافق الإدارية والمرافق الاقتصادية على أساس الغرض الذي يستهدفه المرفق، فالمرافق الاقتصادية تقوم بنشاط صناعي أو تجاري يهدف إلى تحقيق الربح مثلما هو الحال في المشروعات الخاصة.
في حين لا تسعى المرافق الإدارية إلى تحقيق الربح بل تحقيق المنفعة العامة وإشباع حاجات الأفراد .
غير أن هذا المعيار يتسم بالقصور من حيث أن الربح الذي تحققه المرافق الاقتصادية ليس الغرض الأساسي من إنشائها بل هو أثر من آثار الطبيعة الصناعية أو التجارية التي تمارسها فهي تستهدف أساساً تحقيق المنفعة العامة .( )
كما أن المرافق الإدارية يمكن أن تحقق ربحاً من جراء ما تتقاضاه من رسوم تقوم بتحصيلها مقابل الخدمات التي تقدمها.
ج- معيار القانون المطبق
ذهب جانب من الفقه إلى التمييز بين المرافق العامة الاقتصادية والمرافق العامة الإدارية على أساس النظام القانوني الذي يخضع له المرفق .
فإذا كان يخضع لأحكام القانون الخاص اعتبر المرفق اقتصادياً وعلى العكس من ذلك إذا كان يخضع لأحكام القانون العام فهو مرفق عام إداري .
غير أن هذا المعيار غير سليم ولا يتفق مع المنطق لأن المطلوب هو تحديد نوع المرفق العام قبل إخضاعه لنظام قانوني معين، وليس العكس أي أن خضوع المرفق الاقتصادي لقواعد القانون الخاص هو نتيجة لثبوت الصفة الاقتصادية للمرفق.
كما أن خضوع المرفق العام للقانون الخاص مجرد قرينة على أن هذا المرفق ذو صفة اقتصادية ولكن لا يمكن الاعتماد عليها بثبوت هذه الصفة قطعاً .( )
د – معيار طبيعة النشاط :-
ذهب رأي أخر من الفقه وهو الرأي الراجح إلى أن المرفق يكون اقتصادياً إذا كان النشاط الذي يقوم به يعد نشاطاً تجارياً بطبيعته طبقاً لموضوعات القانون التجاري، ويعتبر المرفق مرفقاً عاماً إدارياً إذا كان النشاط الذي يمارسه نشاطاً إدارياً ومما يدخل في نطاق القانون الإداري.
وقد أخذ بهذا الرأي جانب كبير من الفقهاء، ومع أن القضاء الإداري في فرنسا لم يعتمد معياراً واحداً منها وإنما أخذ بمعيار يقوم على فكرتين أو عنصرين :-
العنصر الأول : ويعتمد على موضوع وطبيعة النشاط الذي يمارسه المرفق الاقتصادي الذي يتماثل مع النشاط الخاص.
العنصر الثاني : يتعلق بالأساليب وطرق تنظيم وتسيير المرفق في ظل ظروف مماثلة لظروف عمل المشروعات الصناعية .( )
أما بخصوص القانون الذي تخضع له المرافق الاقتصادية فقد استقر القضاء الإداري على أن تخضع لقواعد القانون الخاص في نشاطها ووسائل إدارتها، مع خضوعها لبعض قواعد القانون العام من قبيل انتظام سير المرافق العامة والمساواة بين المنتفعين بخدماتها وقابليتها للتغيير بما يتلائم مع المستجدات وتمتعها ببعض امتيازات السلطة العامة اللازمة لحسن أدائها لنشاطها مثل نزع الملكية للمنفعة العامة، والاستيلاء المؤقت، وينعقد الاختصاص في هذا الجانب من نشاطها لاختصاص القضاء الإداري .
وبهذا المعنى فهي تخضع لنظام قانوني مختلط يجمع بين أحكام القانون الخاص والقانون العام معاً، إلا أن العمل قد جرى في القضاء الليبي على استثناء المرافق العامة الاقتصادية التي تدار من قبل الشركات والمنشآت العامة من تطبيق أحكام القانون الإداري فلم يعتبر العاملين فيها موظفين عامين كما أن الأعمال الصادرة منها لا ترقى إلى مرتبة القرارات الإدارية ويخضع نظامها المالي لحكام القانون الخاصة، وتعتبر العقود التي تبرمها عقوداً خاصة . ( )
3- المرافق المهنية :-
وهي المرافق التي تنشأ بقصد توجيه النشاط المهني ورعاية المصالح الخاصة بمهنة معينة، وتتم إدارة هذه المرافق بواسطة هيئات أعضائها ممن يمارسون هذه المهنة ويخولهم القانون بعض امتيازات السلطة العامة .مثل نقابات المهندسين والمحامين والأطباء وغيرها من النقابات المهنية الأخرى.
وقد ظهر هذا النوع من المرافق عقب الحرب العالمية الثانية لمواجهة المشاكل التي كان يتعرض لها أصحاب هذه المهن والدفاع عنهم وحماية مصالحهم، لا سيما في فرنسا التي ظهرت فيها لجان تنظيم الإنتاج الصناعي عام1940 .
وتخضع هذه المرافق لنظام قانوني مختلط فهي تخضع لنظام القانون العام واختصاص القضاء الإداري في بعض المنازعات المتعلقة بنشاطها غير أن الجانب الرئيس من نشاطها يخضع لأحكام القانون الخاص.
فالمنازعات المتعلقة بنظامها الداخلي وعلاقة أعضائها بعضهم ببعض وشؤونها المالية تخضع للقانون الخاص ولاختصاص المحاكم العادية، أما المنازعات المتصلة بمظاهر نشاطها كمرفق عام وممارستها لامتيازات السلطة العامة فتخضع لأحكام القانون العام واختصاص القضاء الإداري .( )
ومن ثم فإن المرافق المهنية تتفق مع المرافق العامة الاقتصادية من حيث خضوعها لنظام قانوني مختلط، غير أن نظام القانون العام يطبق بشكل أوسع في نطاق المرافق المهنية ويظهر ذلك في امتيازات القانون العام التي يمارسها المرفق، في حين ينحصر تطبيقه في مجال تنظيم المرفق في المرافق الاقتصادية

3.2. المرافق من حيث استقلالها

تنقسم المرافق العامة من حيث استقلالها إلى مرافق تتمتع بالشخصية المعنوية أو الاعتبارية ومرافق لا تتمتع بالشخصية المعنوية.
1- المرافق العامة التي تتمتع بالشخصية المعنوية : وهي المرافق التي يعترف لها قرار إنشائها بالشخصية المعنوية ويكون لها كيان مستقل كمؤسسة عامة مع خضوعها لقدر من الرقابة أو الوصاية الإدارية.
2- المرافق العامة التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية : وهي المرافق التي لا يعترف لها قرار إنشائها بالشخصية المعنوية ويتم إلحاقها بأحد أشخاص القانون العام وتكون تابعة لها، كالدولة أو الوزارات أو المحافظات، وهي الغالبية العظمى من المرافق العامة .
وتبدو أهمية هذا التقسيم في مجال الاستقلال المالي والإداري وفي مجال المسؤولية ، إذ تملك المرافق العامة المتمتعة بالشخصية المعنوية قدراً كبيراً من الاستقلال الإداري والمالي والفني في علاقتها بالسلطة المركزية مع وجود قدر من الرقابة كما أوضحنا ، غير أن هذه الرقابة لا يمكن مقارنتها بما تخضع له المرافق غير المتمتعة بالشخصية المعنوية من توجيه وإشراف مباشرين من السلطات المركزية ،أما من حيث المسؤولية فيكون المرفق المتمتع بالشخصية المعنوية مستقلاً ومسؤولاً عن الأخطاء التي يتسبب في إحداثها للغير في حين تقع هذه المسؤولية على الشخص الإداري الذي يتبعه المرفق العام في حالة عدم تمتعه بالشخصية المعنوية.

3.3. المرافق العامة من حيث نطاق نشاطها

تنقسم المرافق العامة من حيث نطاق أو مجال عملها إلى مرافق قومية ومرافق محلية.

1- المرافق القومية
يقصد بالمرافق القومية تلك المرافق التي يتسع نشاطها ليشمل كل أقليم الدولة. كمرفق الدفاع ومرفق القضاء ومرفق الصحة، ونظراً لعمومية وأهمية النشاط الذي تقدمه هذه المرافق فأنها تخضع لإشراف الإدارة المركزية في الدولة من خلال الوزارات أو ممثليها أو فروعها في المدن، ضماناً لحسن أداء هذه المرافق لنشاطها وتحقيقاً للمساواة في توزيع خدماتها.
وتتحمل الدولة المسؤولية الناتجة عن الأضرار التي تتسبب فيها المرافق القومية بحكم إدارتها لها والإشراف على شؤونها.
2- المرافق المحلية :-
ويقصد بها المرافق التي يتعلق نشاطها بتقديم خدمات لمنطقة محددة أو إقليم معين من أقاليم الدولة ،ويعهد بإدارتها إلى الوحدات المحلية، كمرفق النقل،أو مرفق توزيع المياه أو الكهرباء وغيرها من المرافق التي تشبع حاجات محلية.
وتتميز المرافق المحلية بالاختلاف والتنوع في أساليب إدارتها بحكم اختلاف وتنوع حاجات كل وحدة محلية أو إقليم تمارس نشاطها فيه كما أن المسؤولية الناتجة عن الأضرار التي تتسبب بإحداثها المرافق المحلية أو موظفيها ويتحملها الشخص المعنوي المحلي أو الإقليمي

3.4. المرافق العامة من حيث مدى الالتزام بإنشائها

تنقسم المرافق العامة من حيث حرية الإدارة في إنشائها إلى مرافق اختيارية وأخرى إجبارية :-
1- المرافق الاختيارية .
الأصل في المرافق العامة أن يتم إنشائها بشكل اختياري من جانب الدولة . وتملك الإدارة سلطة تقديرية واسعة في اختيار وقت ومكان إنشاء المرفق ونوع الخدمة أو النشاط الذي يمارسه وطريقة إدارته.
ومن ثم لا يملك الأفراد إجبار الإدارة على إنشاء مرفق عام معين ولا يملكون الوسائل القانونية التي يمكنهم حملها على إنشاء هذا المرفق أو مقاضاتها لعدم إنشائها له. ويطلق الفقه على المرافق العامة التي تنشئها الإدارة بسلطتها التقديرية اسم المرافق العامة لاختيارية( ).
2- المرافق العامة الإجبارية :
إذا كان الأصل أن يتم إنشاء المرافق العامة اختيارياً فأن الإدارة استثناء تكون ملزمة بإنشاء بعض المرافق العامة عندما يلزمها القانون أو جهة إدارية أعلى بإنشائها ومثال ذلك إنشاء الإدارة لمرفق الأمن والصحة فهي مرافق إجبارية بطبيعتها وتهدف لحماية الأمن والصحة العامة وغالباً ما تصدر القوانين بإنشائها.