كتاب حول ماهية الرقابة الادارية

المبحث الأول : تحديد مفهوم الرقابة الإدارية وخصائصها

المطلب الثاني/ خصائص الوصاية الإدارية وجهات الرقابة

الفرع الإول :الخصائص

 تتميز الوصاية الإدارية بعدة خصائص يمكن إجمالها فيما يلي:

أولا/ الوصاية الإدارية رقابة إدارية

و هذا نظرا لصدورها عن جهة إدارية طبقا للمعيار الشكلي، ثم إن هذه الرقابة تتم ممارستها بموجب قرارات إدارية تصدر عن جهات الرقابة المتمثلة في السلطة التنفيذية للدولة( وخاصة الوزير) ، وهي بهذه الخاصية تخضع لكل أحكام القرارات الإدارية من حيث الأركان و طرق الطعن و غيرها.

ثانيا/ إرتباط الوصايا الإدارية بوجود أشخاص لامركزية

تعتبر الوصاية الإدارية ركنا من أركان اللامركزية الإدارية فهي ترتبط بالنظام الإداري اللامركزي وجودا وعدما، فمتى وجد شخص معنوي يتمتع بكيان ذاتي مستقل فإن القرارات الرقابية التي تمارس في مواجهته تعتبر قرارات وصائية،بخلاف وحدات الجهاز الإداري غير المستقلة والتي لا تتمتع بالشخصية المعنوية، إذ أن الرقابة التي تمارس من تجاهها هي رقابة رئاسية، وارتباط الوصاية باللامركزية الإدارية هو ما يميزهاعن اللامركزية الفدرالية (اللامركزية السياسية) من جهة، وعن عدم التركيز الإداري من جهة أخرى. 

ثالثا/ الرقابة الإدارية رقابة إستثنائية

فهي لا تفترض ولا تمارس إلا إذا نص المشرع عليها صراحة، وهذه الممارسة لا تتم إلا في الحدود وبالوسائل التي يقررها القانون، خلافا للسلطة الرئاسية التي تفترض ولا تحتاج إلى نص قانوني يقرها، فالأساس في نظام المركزية الإدارية هو خضوع أعمال المرؤوسين للسلطة الرئاسية، بينما الأساس في اللامركزية هو إستقلال وعدم خضوع أعمال هذه الهيئات للرقابة إلا إذا نص القانون على ذلك صراحة وفي الحدود المبينة فيه.

 الفرع الثاني/ جهات الوصاية

تمارس الوصاية الإدارية على المجالس المحلية ومن بينها المجلس الشعبي البلدي سواء من طرف جهات مركزية أو جهات غير ممركزة.

أولا/ ممارسة الرقابة الإدارية من قبل الجهات المركزية

  • ·       الوزير

يعين الوزير من قبل رئيس الجمهورية وذلك بإقتراح من الوزير الأول، بموجب مرسوم رئاسي وتنهى مهامه بنفس الأشكال، ويتمتع الوزير بخاصيتين أساسيتين حيث يعتبر رجل سياسة من خلال إسهامه في التخطيط ورسم السياسة العامة للدولة، وأثناء أدائه لهذه المهمة يكون مرؤوسا سياسيا من قبل رئيس الجمهورية أو الوزير الأول، ومن جهة أخرى يعتبر الرئيس الإداري بالنسبة لوزارته، وبهذه الصفة يكون في قمة الجهاز الإداري.

وكون أن الوزير يتمتع بهاته الخاصية، فلا ينبغي أن يفهم منه إستقلاله المطلق بشؤون وزارته، فهو في جميع الحالات لابد أن يراعي مبدأ المشروعية وإحترام القوانين والتنظيمات المعمول بهما، إضافة إلى خضوعه للقرارات التي يصدرها كل من رئيس الجمهورية والوزير الأول، لكنه لا يخضع لسلطتهما الرئاسية أو الوصائية بالمعنى المتعارف عليه في فقه القانون الإداري، فالعلاقة أقرب هنا إلى سلطة الإشراف والتنسيق منه إلى الرئاسة الإدارية.

وبالإضافة إلى السلطة التنظيمية التي يمارسها الوزير من خلال الصلاحيات الممنوحة له بموجب القوانين والتنظيمات، فإنه يمارس سلطة الوصاية على مختلف المؤسسات العمومية التي تتمتع بالشخصية المعنوية وعلى الجماعات المحلية بصفة عامة.

ويظهر ذلك من خلال نصوص قانون البلدية (11/10) خاصة ما جاء في نص المادة (47) منه «يتم حل المجلس الشعبي البلدي وتجديده بموجب مرسوم رئاسي بناء على تقرير من الوزير المكلف بالداخلية».

فمن خلال إستقرائنا لنص هذه المادة يتبين مدى سلطة الوصاية للوزير على المجلس الشعبي البلدي، إذ إشترط المشرع لأجل إعمال إجراء الحل والذي يصدر بموجب مرسوم رئاسي، أن يسبقه تقرير صادر عن الوزير المكلف بالداخلية، ضف إلى ذلك إشتراط المشرع في حالة ثبوت إعدام المجلس الشعبي البلدي وحله بتوافر ظروف معينة تحول دون إجراء الانتخابات المحلية، بأن يُعِدَّ الوزير المكلف بالداخلية تقريرا عن هذه الوضعية ليتم عرضه فيما بعد على مجلس الوزراء، وبناء عليه يعين الوالي متصرفا لتسيير شؤون البلدية.

كما نستشف أيضا وصاية الوزير المكلف بالداخلية على المجلس الشعبي البلدي من خلال سلطة الوصاية التي يمارسها الوالي على أعضاء وأعمال المجلس الشعبي البلدي وفق أحكام قانون البلدية على إعتبار أن الوالي يمثل الوزير على مستوى الولاية.

 

ثانيا/ ممارسة الرقابة الإدارية من قبل الجهات غير المركزية

1-  الوالــي

للوالي مكانة هامة في الدولة، إذ يعتبر من الموظفين السامين في الدولة، كما له مكانة بارزة على الصعيد الولائي، نظرا للمهام الموكلة له على اعتبار أنه الرجل الأول المسؤول عن شؤون الولاية، لذا نص الدستور صراحة على اختصاص رئيس الجمهورية بتعيينه، وهو المختص أيضا بعزله طبقا لقاعدة توازي الأشكال.

وطبقا لنص المادة(13) من المرسوم (90/230) المؤرخ في 25 جويلية 1990 والذي يحدد أحكام القانون الأساسي بالمناصب والوظائف العليا بالإدارة المحلية، فإن تعيين الولاة يكون من بين:

-       الكتاب العامين للولايات.

-       رؤساء الدوائر.

ومن بين صلاحيات الوالي أنه يمثل الدولة ومندوب الحكومة في الولاية، فهو جهة ربط بين المصالح والهيئات اللامركزية على مستوى الولاية، ويمثل الولاية حيث يعمل على حفظ النظام العام والسلامة والسكينة العامة وفقا لما حددته القوانين والتنظيمات، على سبيل المثال ما ورد في المرسوم (83/373) المؤرخ في 23 ماي 1983 والذي يحدد سلطات الوالي في ميدان الأمن والمحافظة على النظام العام ووجوب إتخاذ كل الإجراءات ذات الطابع التنظيمي أو الفردي وفقا للقوانين والتنظيمات سارية المفعول، كما يعتبر هيئة تنفيذية للمجلس الشعبي الولائي، فيتكفل بإشهار مداولات المجلس الشعبي الولائي وتنفيذ ما تضمنته من قرارات، كما يعمل على تقديم التقارير للمجلس الشعبي الولائي، وتقديم بيان سنوي عن نشاط الولاية للمجلس الشعبي الولائي.

ونظرا لهذه السلطات التي أنيطت به فهو يمارس سلطة الوصاية على البلديات، وهذا ما يتجسد من خلال قانون البلدية رقم(90/08) من خلال نصوص المواد(79) و(80) و(81) و(82) منه، كما تم تكريس وصاية الوالي على المجالس الشعبية البلدية في قانون البلدية الحالي رقم(11/10) لاسيما المواد(98) و(99) و(100) منه، حيث يراقب أعمال المجلس الشعبي البلدي فله المصادقة عليها كما يمكنه إبطالها، بالإضافة إلى أنه يراقب أعضاء المجلس الشعبي الولائي، فله سلطة إيقافهم أو إقصائهم، كما له سلطة حل المجلس أو الحلول محل الهيئة ككل.

2-  رئيس الدائــرة

كأصل عام يمارس الوالي بنفسه المهام المرتبطة باختصاصه وفق القوانين والتنظيمات لأن هذه الاختصاصات أو السلطات الممنوحة له ليست حقوقا أو امتيازات شخصية، بل هي وظائف تقرّرت وعهد بها إليه، لارتباطه بالمنصب السامي الذي يمثله داخل الولاية، فمن بين هذه الاختصاصات ممارسة الرقابة الإدارية على المجلس الشعبي البلدي حيث يعتبر مثل هذا الاختصاص من بين الاختصاصات الأصيلة للوالي، إلا أنه يمكن له أن يفوّض هذا الاختصاص لرئيس الدائرة، والذي يمارس هذه السلطة تحت غطاء السلطة الرئاسية للوالي، إذ يمارس رئيس الدائرة الرقابة الوصائية على المجلس الشعبي البلدي، وخاصة المصادقة على بعض مداولات المجالس الشعبية البلدية والتي لا يتعدى عدد سكانها 50 ألف نسمة، كما يقوم رئيس الدائرة باعتباره ممثلا للوالي بأعمال التنسيق فيما بين البلديات التابعة له ويقدم لها الاستشارة، حيث يكون رئيس الدائرة على اتصال دائم برئيس البلدية وذلك لأجل معرفة أوضاع البلدية ومشاكلها، كما يعمل على تلقي مقترحات المجلس والحلول المناسبة لها، حيث يقوم رئيس الدائرة بتبليغ كل مقترحات وانشغالات المجلس الشعبي البلدي للوالي ليتخذ بشأنها ما يراه مناسبا.

ويمارس رئيس الدائرة هذه الوصاية على المجلس الشعبي البلدي وفق القانون والأشكال والإجراءات المحددة مستندا في ذلك إلى الصلاحيات الممنوحة له بموجب المادة (10) من المرسوم التنفيذي رقم (94/215) المؤرخ في 02 جويلية 1994 المتعلق بضبط أجهزة الإدارة العامة في الولاية، وما يلاحظ على المادة (10) أعلاه أنها لا تتماشى مع أحكام المادة (42) من القانون رقم (90/08) لأنها تضمنت تعديلا في القائمة، وهذا ما دفع بالبعض إلى القول إلى أن نص المادة (10) من هذا المرسوم يشكل اعتداءًا صارخا على مبدأ تدرج القواعد القانونية، فمن المعلوم أن القانون لا يعدل إلا بقانون يساويه في الدرجة أو بقاعدة أسمى منه.

غير أنه وبالرجوع إلى أحكام المواد (41) و(42) من قانون البلدية (90/08) والمواد (56) و(57) من قانون البلدية الحالي (11/10) نجد أنها أشارت وبصريح العبارة أن الجهة صاحبة الاختصاص في المصادقة على المداولات هو الوالي.

كما لم يشر المشرع في قانون البلدية إلى أن الوالي يمكن أن يمارس هذا الاختصاص عن طريق رئيس الدائرة، وهذا ما يشكل فراغا قانونيا من هذه الناحية.

إلا أنه يمكن القول أن رئيس الدائرة يستمد سلطته في ممارسة سلطة التصديق على مداولات المجلس الشعبي البلدي مستندا في ذلك إلى المرسوم التنفيذي (94/215) المذكور آنفا.

وكان حليا بالمشرع أن يسند لرئيس الدائرة مثل هذه المهام بناء على القانون أفضل من أن يسندها له بواسطة التنظيم.