الفصل الأول :ماهية القانون الدستوري و مصادره

1. المبحث الأول : ماهية القانون الدستوري

المبحث الأول:ماهية القانون الدستوري : نتعرض في هذا المبحث الى مختلف المفاهيم العامة المتعلقة بالقانون الدستوري، و ذلك بالتطرق أولا الى التعرف على مصطلح القانون بوجه عام ثم التوصل بعد ذلك الى تعريف القانون الدستوري.

المطلب الأول: مفهوم القانون : من خلال هذا المطلب نعرج  على المفهوم العام للقانون أولا و منه نتوصل الى تعريف القانون.

الفرع الأول: تعـريف القانـون

 للقانون مدلولات عديدة ومتنوعة فقد يقصد بالقانون كل قاعدة مطردة مستقرة، يفهم منها نتائج معينة وهذا هو المقصود العام للقانون، وهو لفظ يستعمل في المجالات المختلفة، العلمية والرياضية، والاقتصادية، والاجتماعية كأن يقال قانون (الطفو) أو قانون (الجاذبية) أو قانون (العرض والطلب) …إلخ. وقد يقصد بالقانون بمجموعة القواعد القانونية التي تصدرها السلطة التشريعية، يقصد تنظيم مسألة معينة مثالها، قانون الوظيفة العامة، الذي يبين كيفية تعيين الموظف وترقيته، وعزله وإحالته إلى التقاعد، أو قانون تنظيم الجامعات أو المحاماة. وقد يقصد بالقانون كذلك لتدليل على فرع معين من فروع القانون، فيقال على سبيل المثال القانون المدني، أو القانون التجاري، أو قانون تنظيم الجامعات، أو المحاماة. قد يقصد بالقانون أخيرا، بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع، والتي يتعين عليهم الخضوع لها ولو جبرا إذا اقتضى لأمر ذلك. في الواقع أننا لا يمكن اعتماد المدلول الأول للقانون، على أساس أن هذا المدلول لا ينطبق إلا على الظواهر الطبيعية كما رأينا عند وضعه، والأمر كذلك، بالنسبة للمدلول الثاني على أساس أن التشريع الذي تضعه السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة ليس إلا مصدر من مصادر القانون، مع أن للقانون مصادر عديدة كما وألا يعرف بمصادره التي يستقي منها قواعده.

الفرع الثاني: تعريف القانون الدستوري

 وهو مجموعة القواعد التي تحدد طبيعة نظام الحكم في الدولة، وتبين السلطات العامة فيها واختصاص كل منها وعلاقاتها مع بعضها البعض، كما تبين حقوق الأفراد السياسية وما يجب لحرياتهم من ضمانات. ويعتبر القانون الدستوري في طليعة فروع القانون العام الداخلي فهو أساس كل تنظيم في الدولة، حيث يضع الأسس التي تقوم عليها الدولة، وعلى هذا فإنه لا يجوز مخالفة هذا القانون بقانون آخر يصدر داخل الدولة، لأن كل القوانين الأخرى أقل منه في المرتبة

الفرع الثالث: أهمية القانون الدستوري

إذا كانت الدولة تهتم بالتوفيق بين الحرية والمصلحة العامة فإن مهمة القانون الدستوري هي تنظم التعايش السلمي بين السلطة والحرية في إطار الدولة وهذا لن يأتي إلا بالتوفيق بين فردية الإنسان وأنانيته التي تبين حقوق الفرد وحرياته وواجبات الدولة اتجاه الجماعة حتى أن الأستاذ (بريلو) يقول بأن القانون الدستوري أداة السلطة أو تقنية السلطة. فالقانون الدستوري حسب وجهة نظره هو ظاهرة السلطة العامة في مظاهرها القانونية.

الفرع الرابع: المسائل التي ينظمها القانون الدستوري

من التعريف السابق للقانون الدستوري، يتبين أن المسائل التي ينظمها ويعتني في تحديد أحكامها هي:

أولا: - يبين نظام الدولة السياسي، ملكية أم جمهورية، ديمقراطية أم دكتاتورية نيابية أم غير نيابية، بسيطة أم اتحادية إلخ

ثانيا : - يبين السلطات العامة في الدولة السلطة القضائية السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية و يبين الهيئات التي تباشرها فالسلطة القضائية تقوم بها المحاكم و المجالس القضائية على نطاق الولايات في الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ، و المجلس الأعلى الذي يقوم مقام محكمة النقض و مركزه الجزائر العاصمة أمالا السلطة التشريعية فيقوم بها المجلس الوطني الشعبي أما السلطة التنفيذية فيقوم بها رئيس الجمهورية و يعاونه في ذلك الوزراء كما يبين القانون الدستوري في هذا الخصوص علاقات السلطة العامة بعضها مع بعض ، و يبين ما إذا كانت هذه السلطات منفصلة عن بعضها أم أن لكل سلطة منها الحق بالتدخل في نشاط السلطتين الأخيرتين و ما حدود هذا التدخل

ثالثا: - و يحدد القانون الدستوري حقوق الأفراد في الدولة و كما يقرر الحريات التي يتمتع بها كل فرد، و ترجع هذه الحقوق و هذه الحريات إلى حقين جوهريين الحرية و المساواة فالحرية تشمل الحرية في التملك ، الدين و العقيدة ، السكن، و الحرية الشخصية، و التعليم ، أما المساواة فهي تتضمن المساواة في الحقوق و الواجبات ، أي المساواة في ما تخوله الدولة من مزايا و تكاليف كالمساواة في تولي الوظائف العامة وواجب أداء الخدمة الوطنية أو أداء الضرائب

 

المطلب الثاني: المعاني المختلفة للدستور

يتفق أغلب الفقه على أن القانون هو ذلك الموضوع الذي ينظم العلاقات الاجتماعية بين الأفراد من أجل ضمان العدالة بينهم ، ومن المعروف أن القانون ينقسم إلى قسمين : القانون الخاص privé والقانون العام أو العمومي public .فالقانون الخاص ينظم العلاقات الخاصة بين الأفراد كعلاقات البائع مع المشتري والمؤجر مع المستأجر ، أما القانون العام فهو الذي ينظم العلاقات التي يمكن أن تقوم بين أحد الأشخاص المعنوية العمومية Personnes morales publiques وأحد الأشخاص الخاصة الطبيعيين أو الأشخاص المعنوية العمومية (شخص واحد أو أكثر) ومن الأمثلة على هذه التصرفات قيام الدولة بنزع ملكية شخص من أجل تحقيق منفعة عامة أو تعاقدها مع مقاول للقيام بأشغال لصالحها، أو توريد أشياء لها مقابل مبلغ معين، أو نقل ملكية من شخص إلى آخر كما هو الشأن بالنسبة لنقل طريق مملوك للولاية أو البلدية إلى الدولة أو العكس. ومن بين فروع القانون العام الدستوري الذي يحدد شكل النظام السياسي للدولة والذي يجد أهم قواعده في الدستور الذي يحمل معاني مختلفة لغوية وسياسية وقانونية

الفرع الأول: المعنى اللغوي للدستور

نعتقد مع جميع الفقهاء العرب أن عبارة " دستور" ليست عربية وأن معناها هو القانون الأساسي، غير أن هذا الاصطلاح العربي اختلف بشأنه، فنجد بعض الدول قد استعملته للدلالة على معنى الدستور كالعراق مثلا في دستور 1925 وإيران في دستور 1979 في حين أن البعض الآخر يستعمله للدلالة على قوانين لا تصل إلى مرتبة الدستور، ولكنها تعد أساسية باعتبارها تتضمن مبادئ عامة تتناولها بالشرح أو التفسير قوانين أخرى ومثل ذلك القوانين الأساسية في الجزائر (القانون الأساسي العام للعامل مثلا)

والحقيقة أن مصطلح الدستور الآن في معظم الدول العربية يقابله بالفرنسي والإنجليزي مصطلح Constitution الذي يعني التأسيس أي النظام أو القانون الأساسي ونتيجة لهذا الاختلاف يفضل استعمال اصطلاح الدستور لما يحمله من معاني السمو ومظاهر الاحترام

فالدستور لغة هو اذن مجموعة القواعد الأساسية التي تبين كيفية تكوين وتنظيم الجماعة، ولا يشترط فيه أن يكون مكتوبا أو عرفيا، لذلك فان الدستور بهذا المعنى يوجد في كل جماعة، من الأسرة حتى الدولة، وأن هذا المعنى الواسع غير محدد وغير دقيق لكونه يحتوي على معاني يمكن أن تنصرف إلى كل تنظيم يمس أية مجموعة بشرية، في حين أن المعنى الحقيقي للدستور هو الوثيقة المنظمة للدولة وشؤون الحكم.

-الفرع الثاني :المعنى السياسي والمذهب الدستوري 

لقد تضمن إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789 شروطا معينة يجب توافرها في الدستور وتتمثل في تضمينه لحقوق الإنسان وحرياته وضمانات ممارستها إلى جانب ضرورة الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات حتى لا تتداخل اختصاصاتها وتقتضي على السلطة المطلقة وذلك تأثرا بالمذهب الدستوري Constitutionalisme الداعي إلى قرار التوفيق ين السلطة والحرية.

ويقصد بالمذهب الدستوري تلك الحركة التي ظهرت في عصر النهضة الأوربية وحلت محل الأعراف السائدة آنذاك غير الواضحة والتي تركت مجالا واسعا للملك لممارسة السلطة التقديرية، فظهرت الدساتير المكتوبة للحد من إطلاق السلطة واستبدادية الملوك، ولذلك طالب الأحرار بتحديد أنماط إسناد ممارسة السلطة السياسية بموجب نص واضح دفعا لأي إطلاقا للسلطة، ومن ثمة فالدستور في مفهومه الشكلي يتعارض مع التعسف، لأنه يحدد دولة القانون التي يمكن أن يكون فيها سواء ما هو مطابق للقواعد التي يضعها ذلك الدستور. و المعلوم أن المذهب الدستوري يجد مصدره في فكرة العقد المعارضة لإطلاق السلطة و التي ظهرت بوادر لها في القرن 16 و سيطرت في القرن 18 والتي دفعت إلى إنشاء المجتمع المدني في قالب عقد بين مختلف الأطراف بعيدا عن تأثير العوامل الدينية، وأعتبر الدستور شكلا قيدا على السلطة المطلقة للملوك، وبالتطور أصبح لأغلب الدول دستور في مفهومه الشكلي إلا أن الممارسة السياسية لم تكن في كل الأحوال متماشية مع الدستور وهو ما تسبب في اختلال بين النصوص الدستورية والممارسات السياسية، وإن كان هذا الاختلال ليس من ذات الطبيعة الواحدة والدرجة والأثر في كل الأنظمة .ومن هنا فإن أي نظام لاسيما إذا كان رسميا، مثلما هو في الدستور، كان دائما له معنى اجتماعي لكونه تعبيرا عن علاقات قوى موجودة ضمن نظام سياسي في مرحلة معينة، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كانت كل قاعدة دستورية تحمل في طياتها فكرتها المضادة بالمفهوم الهيغلي أو الماركسي، ذلك أنه وإن كانت الحرية مقررة دستوريا إلا أنها عمليا صعبة التحقيق وسهلة التقييد وحتى الإلغاء الوقتي لا سيما من حيث تنظيمها قانونا، وعليه فإن التفسير التناقضي السالف الذكر يعني رفض النظرة المنسجمة للمذهب الدستوري . والمؤكد أن الطبقة البورجوازية استعملت المذهب الدستوري لتقييد السلطة المطلقة واعتبرت نفسها المعبر عن رأي واردة الشعب في مواجهة تلك السلطة، وهي الفكرة التي تبنتها طبقات مختلفة كالمجاهدين، والجيش والبورجوازية في الدول النامية حيث اعتبرت نفسها هي الشعب والمعبر الحقيقي الوحيد عن الشعب ودفع بها ذلك الموقف إلى اعتبار أن كل ما يخالف وجهة نظرها ومصلحتها، ولو كان ذلك واردا من الشعب يعتبر مرفوضا يجب محاربته ورفضه، وهو ما يطرح تساؤلا في هذه الأنظمة حول ما إذا الدستور في النهاية هو أداة للدعاية داخليا وخارجيا للنظام عما هو قائم، الأمر الذي قد يؤدي إلى أن يصبح الدستور يحمل معنى شعاريا أكثر من كونه ذو معنى اجتماعي سياسي، ومهما يكن من رأي حول المذهب الدستوري ونتائج الأخذ به فإن المعنى السياسي للدستور رسميا ونظريا يقصد به تلك الوثيقة التي تتناول كيفية تنظيم السلطة السياسية في الدولة على أساس الفصل بين السلطات، وتتضمن حقوق وحريات الأفراد وضمانات ممارستها باعتبارها قيودا على سلطة الحكام عليهم احترامها وعدم الاعتداء عليها .

الفرع الثالث: المعنى القانوني للدستور

من المعروف أن الأفراد في حاجة إلى قواعد قانونية تنظم العلاقات فيما بينهم، وكذلك الحال بالنسبة للدولة، فهي في حاجة إلى قواعد قانونية تنظم شؤونها وعلاقتها، وأن الحكام عندما يمارسون وظائفهم واختصاصاتهم لا يفعلون ذلك باعتبارهم يمارسون حقوقا أو امتيازات شخصية، وإنما اختصاصات أو وظائف منظمة ومحددة بقواعد دستورية تستمد منها القواعد القانونية الأخرى وجودها وشرعيتها. ومن المعلوم أن للدستور مفهومين أحدهما شكلي والأخر موضوعي:

أولا: المفهوم الشكلي ويقصد بالمفهوم الشكلي مجموعة القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة الدستورية، وعليه فإن المفهوم الشكلي ينحصر فيما هو وارد من أحكام في الوثيقة الدستورية، الموضوعة من طرف جهة مختصة دون أن يمد إلى غير ذلك من القواعد. والذي لاشك فيه أن الاعتماد على هذا المفهوم لا يتماشى والواقع لأن في ذلك إنكار لوجود دساتير عرفية كدستور انجلترا فضلا عن الدساتير تتضمن بعض القواعد التي لا صلة لها بالتنظيم السياسي مثل النص في الدستور الجزائري على أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية، ونص الدستور الفرنسي لسنة 1848 على إلغاء عقوبة الإعدام في الجرائم السياسية، والغرض من ذلك هو كفالة ثباتها واستقرارها أكثر بالمقارنة مع القوانين العادية فتصبح بعيدة عن التأثيرات السياسية. وبالمقابل فإن هناك قواعد دستورية بطبيعتها لا تتضمنها الوثيقة الدستورية مثل قوانين الانتخابات وقوانين تشكيل وتنظيم البرلمان ونظمها الداخلية، والأخذ بالمفهوم الشكلي يعني إبعادها من الدستور خلافا للواقع.

ثانيا: المفهوم الموضوعي أما المفهوم الموضوعي فيقصد به مجموعة القواعد التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم وطبيعة العلاقة بين السلطات واختصاصاتها، وكذلك القواعد التي تبين حقوق الأفراد وحرياتهم وضماناتها دون نظر إلى ما إذا كانت مدرجة ضمن الوثيقة الدستورية أو وثيقة قانونية أخرى مهما كان مصدرها وتدريجها في الهرم القانوني أو كانت عرفية. ونتيجة لاختلاف المفهومين فإن الفقهاء اختلفوا حول المعيار الذي يمكن الاعتماد عليه بشأن تعريف الدستور. فمنهم من اعتمد المعيار الشكلي بحيث يسند على الوثيقة الدستورية، أي النصوص المدونة فيها والهيئة والإجراءات التي اتبعت في وضعها والمصادق عليها، ومنهم من استند على المعيار الموضوعي الذي يعتمد على جوهر نظام الحكم ومضمون الدستور وعليه يعرف أنصار المعيار الشكلي الدستور بأنه مجموعة القواعد التي تضعها هيئة خاصة وتتبع في ذلك إجراءات خاصة تختلف عادة عن إجراءات وضع القوانين العادية، أما أنصار المعيار الموضوعي فيعرفون الدستور بأنه مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وتبين سلطتها العامة وعلاقتها ببعضها وعلاقة الأفراد بها، كما تقرر حقوق الفرد وحرياته المختلفة وضمانتها أما المدرسة الاشتراكية فتعرفه بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تثبت وفقا لمصالح الشغيلة النظام الاجتماعي والسياسي في الدولة وكذلك مبادئ تنظيم هيئات السلطة ونشاطها وأسس الوضع القانوني للأفراد في الدولة الاشتراكية ويرى الدكتور نوري لطيف بأن القانون الدستوري هو مجموعة القواعد القانونية التي تثبت نظام الحكم في دولة موافقا لمصالح الطبقات والفئات الاجتماعية السائدة في ضوء فكرة قانونية معينة وقد رجح معظم الفقهاء التعريف الموضوعي عن التعريف الشكلي لما له من احاطة أكبر بالموضوع نظرا لأن المعيار الشكلي يعاب عليه كونه لا يشمل بعض الموضوعات ذات الصفة الدستورية، وغير المدونة مثلما ذكرنا آنفا. فضلا عن أن استناده على الدستور ونصوصه يجعلنا عاجزين على إيراد تعريف الدستور في الدول التي ليس لها دساتير مكتوبة، وأخيرا فإن التعريف الذي يستند على المعيار الشكلي لا يمكن الأخذ به في جميع الدول نظرا لاختلاف دساتيرها، وبالتالي فإن التعريف لا يكون واحد بل متعددا .

 المطلب الثالث : التفرقة بين القانون الدستوري وبعض الاصطلاحات الأخرى

بجانب اصطلاح القانون الدستوري مصطلحات أخرى تشبهه، وهي قريبة منه لكنها ليس لها ذات المعنى، ونقصد بذلك الدستور والنظام الدستوري، ونظرا للتشابه اللغوي والاختلاف في المعنى بين هذه الاصطلاحات والقانون الدستوري، يتوجب علينا التميز بين مفاهيم هذه التسميات

-الفرع الأول : فالدستور بمفهومه الموضوعي موجود في كل الدول ولو أنه شكلا غير موجود في بعضها، لأنه لا يتصور قيام مجتمع سياسي دون دستور. وفضلا عن ذلك فإن المفهوم الشكلي للدستور يجعل منه مصدرا من بين مصادر القانون الدستوري، وأن كان هو الذي يحتل المرتبة الأولى

 الفرع الثاني : -أما النظام الدستوري فيقصد به ذلك النظام الحر أي الحكومة الدستورية في الدولة، ولكي تكون كذلك يشترط الفقه الفرنسي لإضفاء صفة النظام السياسي على دولة معينة واعتباره نظاما دستوريا أن تكون الحكومة خاضعة لقواعد قانونية دستورية أعلى منها، لا يجوز لها التحلل منها والخروج عنها، وإنما عليها التقيد والالتزام بما هو وارد فيها من قيود وفصل بين السلطات تكون الغلبة في هذا النظام للبرلمان المنتخب من طرف الشعب. ومن هنا فإن الحكومة الاستبدادية والمطلقة والحكومة الفعلية تتنافى وفقا لهذا الرأي مع قيام النظام السياسي لانتقاء الشروط السابق ذكرها فيها، والحقيقة أن هذا الرأي لم يعد مقبولا في عصرنا الحاضر لكونه يتنافى مع المفهوم الحديث للدستور الذي يقصد به الوثيقة المتضمنة نظام الحكم في الدولة دون نظر إلى أساس هذا النظام وشكله كما أن التعريف الشائع للقانون الدستوري باعتباره القواعد الخاصة بنظام الحكم لم يعد يهتم بشكل النظام ولا أساسه أيضا .نخلص مما سبق إلى أن القانون الدستوري أوسع من النظام الدستوري وبالتالي فإن انعدام هذا الأخير في الدولة إذا أخذناه بمفهومه السابق لا يحول دون وجود القانون الدستوري، فالمرحلة الممتدة من 19 جوان 1965 إلى سنة 1976 تاريخ وضع الدستور الثاني (الدستور الأول كان في سنة 1963) لا تعني أنها مرحلة انعدم فيها وجود القانون الدستوري أنها مرحلة تميزت بأسلوب حكم ونظام خاص معتمد على المشروعية الثورية واحترام النصوص القانونية التي وضعها النظام سواء كانت بالمواضيع التي تدخل ضمن القانون الدستوري أو غيره.

 المطلب الرابع : علاقة القانون الدستوري بالقوانين الأخرى

يمكن القول باختصار شديد أن العلاقة بين القانون الدستوري وفروع القانون العام الأخرى تتمثل في الآتي : لعل أهم القوانين اتصالا بالقانون الدستوري هو القانون الإداري لما لهما من علاقة وطيدة، ومع ذلك فالقانون الدستوري أسمى من القانون الإداري من جهة، حيث يقرر القواعد والمبادئ الأساسية لكل فروع القانون العام بما فيها القانون الإداري الذي يقتصر دوره على وضع هذه المبادئ والقواعد موضوع التنفيذ، ومن جهة ثانية فالقانون الدستوري يتناول نشاط الدولة السياسي، في حين أن القانون الإداري يهتم بتحديد النشاط الإداري في الدولة .وإذا كان القانون الدستوري ينظم السلطات العامة في الدولة ويحدد الحقوق والحريات العامة للأفراد وضمانات حمايتها، فان القانون الإداري لا يهتم إلا بالوظيفة الإدارية للسلطة التنفيذية، معتمدا في ذلك على مبادئ وقواعد الدستور . وفيما يخص علاقة الدستور بعلم المالية، فإنها أيضا متينة بين الاثنين، ولذلك فإن علم المالية يهتم بالتشريع المالي بقصد تنظيم وإدارة أملاك الدولة، وأن كان البعض لا يسلم باستقلالية هذا العلم والقانون لاحتوائه على مجالين الأول خاص بوضع التشريع المالي أي الميزانية وهو مجال يدخل في ميدان التشريع، أما المجال الثاني فهو صرف هذه الأموال أو تحصيل الضرائب والرسوم وهو عمل إداري، وبالتالي فلا وجود لقانون مالي منفصل عن التشريع أو القانون الإداري .وللقانون الدستوري علاقة بالقانون الجنائي، الذي هو الآخر يستمد ويستلهم أحكامه من القواعد والمبادئ الدستورية، وغايته هي حماية نظام الحكم ككل من الاعتداء عليه من قبل الأفراد أو الحكام، فيحدد الجرائم والعقوبات المقابلة لها، ولا أدل على ذلك من نص الدساتير على العديد من القواعد العامة التي يتناولها القانون الجنائي بالتفاصيل مثل قاعدة عدم جواز القبض على الأشخاص إلا طبقا لأحكام القوانين وحق الدفاع وهناك أيضا علاقة بين القانون الدستوري والقانون الدولي العام، نظرا لأن الأول هو الذي ينظم كيفية إبرام المعاهدات وإجراءات التمثيل في الخارج، كما يبين مدى أخذه بمبادئ أحكام القانون الدولي كميثاق الأمم المتحدة، ولا أدل على تلك العلاقة من ضمين الدساتير الحديثة أحكاما تتعلق بمدى القوة القانونية للمعاهدات الدولية التي تبرمها الدول فيما بينها، واحترام الدول وسيادتها وعدم التدخل في شؤونها واحترام حقوق الإنسان

 المطلب الخامس : طبيعة قواعد القانون الدستوري :اختلف الفقه بشأن مدى إلزامية القواعد الدستورية، وانقسم إلى اتجاهين الأول إنجليزي بزعامة أستن Austin والثاني فرنسي بزعامة ديجي Duguit .

-الفرع الأول :المدرسة الإنجليزية

تعتمد هذه المدرسة في تحديد مدى طبيعة القواعد القانونية والزاميتها على مدى توافر عنصر الجزاء المتبدي في الإكراه الماديcontrainte matérielle الذي تضمن السلطة العامة توقيعه بما لها من وسائل .ومن هنا يقول زعيم هذه النظرية الفقيه أستن أن قواعد القانون الدستوري لا تعدون أن تكون مجرد قواعد آداب مرعية تحميها جزاءات أدبية بحتة ذلك أن الحاكم لدى مخالفته لقاعدة دستورية يوصف عمله بأنه غير دستوري لكنه لا يكون مخالفا لقاعدة بالمعنى الصحيح، مما يستتبع عدم وصفه بأنه غير قانوني.

تقدير الرأي : إذا كانت هذه المدرسة قد اعتمدت في التمييز بين قواعد القانون الدستوري والقانون الدولي من جهة القانون العادي من جهة أخرى على المحاكم الذي يضفي على الأخير الصفة الإلزامية بتوقيع الجزاء على مخالفيه لما يملك من وسائل وهي المنعدمة في القانون الدستوري والقانون الدولي، فإن الذي غاب على أنصار هذه المدرسة هو أن بعض القواعد القانونية العادية لا نجد لها جزاءا ماديا يترتب على عدم احترامها، لكونها مفسرة أو أنها مجيزة لتصرف أو تصرفات معينة، مثل حق المالك في الايصاء بأمواله، كما أن هذه المدرسة لا تعير أي اهتمام للقواعد الدينية باعتبارها أساسا أو جزءا لا يتجزأ من القواعد القانونية لبعض الدول كالدول الإسلامية

الفرع الثاني  المدرسة الفرنسية :

ترى هذه المدرسة بأنه ينبغي الاعتداد بالجزء المعنوي، لأن كل قاعدة تحتوي على جزاء يتمثل في رد الفعل الاجتماعي contrecoup social على حد قول زعيم المدرسة ديجي، وبهذا فإن كل قاعدة لها جزاءها وان كان الاختلاف بين القواعد القانونية يبدو واضحا من حيث ذلك الجزاء الذي يبدأ من المعنوي المتمثل في رد الفعل الاجتماعي إلى العقاب الجسماني الذي توقعه السلطة العامة في الدولة، وعليه فإن أص :;njbfgfحاب وأنصار هذه المدرسة يقرون بأن قواعد القانون الدستوري هي قواعد قانونية بالمعنى الصحيح .تقدير هذا الرأي : بالنظر إلى ما وصلت إليه الأنظمة القانونية الحديثة وتطور الحكم الديمقراطي يمكن القول بأن القواعد القانونية الدستورية ينبغي ان تحترم من قبل ممارسي السلطة إذا أريد لهم أن يحترموا من قبل الشعب صاحب السيادة، فهذه القواعد تحدد كيفيات ممارسة السلطة من قبل مؤسسات الدولة والتي يحق لكل منها ، اعتمادا على ما ورد في الدستور ، أن توقف غيرها عند حدود اختصاصاتها و سلطاتها مما يعد جزاءا يترتب على كل تجاوز للاختصاص و السلطات ، بل و قد يمتد عدم احترامها إلى حد تدخل الشعب لإجبار مؤسسة أو مؤسسات على احترام أحكام الدستور ، و ذلك أما ردعها بالوسائل المختلفة كالضغوط و المظاهرات أو التجمهر وإجبارها على القيام بتصرف معين أو الامتناع عنه بما يثبت تراجعها والاعتراف بخطئها، بل وقد يصل ذلك إلى حد الإطاحة بها مثلما لاحظنا في مصر سنة 1952 وليبيا سنة 1969 وإيران سنة 1979 وما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية للرئيس السابق نكسون لدليل على دور الشعب في فرض احترام أحكام الدستور، فقد استقال في 9 أوت 1974 نتيجة قيامة بأفعال مخالفة لأحكام الدستور، وعرفت باسم فضيحة واترقايت Watergate .