الفرع الأول: التطور التاريخي للقانون

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: (مدخل للعلوم القانونية (نظرية القانون
Livre: الفرع الأول: التطور التاريخي للقانون
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Saturday 18 May 2024, 19:40

1. الفرع الأول: التطور التاريخي للقانون

نتعرض في هذا المحور إلى خلفية نشأة القانون وتطوره في الأنظمة القديمة والمعاصرة إلى أن بلغ هذا الدرجة من الأهمية والمكانة المهمة بين مختلف العلوم الأخرى.

1.1. أولا: التطور التاريخي للقانون في الأنظمة المقارنة

عرفت البشرية منذ اكتشافها لمفهوم الجماعة فكرة القانون كأداة لتنظيم سلوك أفردها وتوقيع الجزاء عند مخالفتها وذلك على عدة مراحل، كان أولها في العصور القديمة أو ما يعرف بالمجتمعات البدائية حيث ساد الاعتقاد بأن القانون ظاهرة فوق بشرية يحتكم عليها رئيس العشيرة أو القبيلة كما كان عليه الحال في الحضارة المصرية القديمة في عهد فرعون أين كانت أوامر فرعون بمثابة القوانين في الدولة.

ومع تطور المجتمع البشري عرفت بعض التجمعات فكرة صياغة القوانين في شكل نصوص مكتوبة ومن بينها:

قانون حمو رابي في بلاد الرافدين والذي تشكل من عدة نصوص قانونية تنظم العقد ومسائل الزواج والعبيد والعقوبات المتصلة ببعض الجرائم كجريمة القتل، ويقوم هذا القانون على فكرة عم المساواة في العقاب بين طبقة الأحرار وطبقة المساكين وطبقة العبيد.

قانون الألواح الاثنا عشر في روما حين طالب العامة بتدوين القوانين رغبة منهم في الحد من تحكم الأشراف فأرسل مجلس الشيوخ بعثة إلى بلاد اليونان لدراسة القوانين اليونانية وخاصة قانون صولون الذي وضعته أثينا في عام 600 قبل الميلاد ثم عادت البعثة ومعها نتائج أبحاثها فشكلت لجنة عام 154 ق.م من عشرة رجال لوضع التقنين المطلوب والذي احتوى على قواعد قانونية خاصة بالعقود والمسؤولية وقمع الجرائم المختلفة التي يعرفها المجتمع الروماني.

قانون الشعوب وهو مجموعة من القواعد التي شكلت نتيجة تعامل الرومان مع غيرهم من الشعوب، خاصة فيما يتعلق بالمعاملات التجارية، وصدر هذا القانون في القرن الثالث قبل الميلاد ونظم أربعة عقود رضائية وهي البيع، الإيجار، الوكالة والشركة ويطبق هذا القانون على الأجانب دون الرومان.

توالى تطور فكرة القانون مرورا بالعصور الوسطى أين ظهرت عدة أنظمة قانونية متباينة هيمن عليها نظامين أساسين هما: من نظام قانوني مستمد من القانون الكنيسي جهة، ونظام قانوني مستمد من الشريعة الإسلامية من جهة أخرى.

هذا الأخير الذي تميز بأن مصدره هو القرآن الكريم المنزل من الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والسنة النبوية التي جاءت لتفصيل نا أجمله القرآن الكريم ن أحكام وينتمي النظام القانوني للشريعة الاسلامية أى صنف الشرائع السموية، أي القانون الإلاهي وقد أزدهر هذا القانون بعد احتكاك المسلمين بالنظم القانونية للأقاليم التي تم فتخها وخاصة المجموعة القانونية للبلاد ما بين النهرين والمجموعة القانونية بلاد فارس والمجموعة القانونية الرومانية والبزنطية ونتيجة لهذا الاحتكاك تطور الفقه الإسلامي والذي انقسم إلى مجموعتين أساسيتين: مجموعة المذاهب الفقهية السنية وعددها أربعة تتمثل في المذهب المالكي والمذهب الشافعي والمذهب الحنفي والمذهب الحنبلي، ومجموعة شيعية وانشطرت إلى أكثر من أثني عشر مذهب.

وكان لهذا التنوع المذهبي آثاره في إثراء أحكام الشريعة الإسلامية والتي بلغت حدا جعلها أحد أهم روافد الفكر القانوني العالمي.

وصولا إلى الأنظمة المعاصرة والتي تعلقت أساسا بالقانون الوضعي المعمول به في الدول الأوربية والذي استمد مرجعتيه من القانون الروماني الذي يعود أصلها إلى الرومان لكنها عرفت تغيرات جدرية على يد الفقهاء الفرنسيين وتعرف هذه المجموعة باعتمادها على مبدأ تقسيم القانون إلى قانون عام وقانون خاص مبدأ ازدواجية القضاء إلى قضاء عادي وقضاء إداري، هذا إلى جانب مجموعة القانون العام الانجليزي Common Law وانتشر تطبيقها في دول أمريكا وبريطانيا وافريقيا وحتى الدول الأسيوية.

1.2. ثانيا: التطور التاريخي للقانون في الجزائر

مرت فكرة القانون في الجزائر هي الأخرى على عدة مراحل كان أول ظهور لها قبل الفتوحات الاسلامية وبداية تطبيق الشريعة الاسلامية وكان هذا في العهد الأمازيغي، الذي برز فيه القانون كغرائر نحو الميل في جماعة والزام أفرادها إلى وضع قواعد عرفية للمعاملات التي تتم بينهم والتي اتخذت عدة أشكال كعادات وتقاليد مثلا في الميدان الجزائي تطبيق مبدأ القصاص كانتقام فردي يتولاه المعتدي عليه أو عشيرته على الجاني وعشيرته.

بعدها جاءت الفتوحات الاسلامية أين أصبحت المصدر الأساسي لتنظيم سلوك الأفراد في المجتمع إلى جانب الأعراف المحلية الي لا تتعارض مع قيم الدين الاسلامي وتعزيز دور الشريعة الاسلامية كقانون أساسي  متخذ من القرآن والسنة والإجماع كمصادر لوضع قواعده.

واستمر الأمر على حاله إلى حين بزوغ فجر العصر الحديث الذي تميز بدخول الجزائر تحت لواء الدولة العثمانية وأصبحت اقليما تابعا لها إلى غاية قدوم الاستعمار الفرنسي وما جلبه من قوانين خاصة تلك التي تحكم المعاملات المدنية بين الأفراد والأعراف المهنية وحتى المالية.

أما بعد الاعلان عن الاستقلال في 07/05/1962 أين كان المتوقع من الدولة الجزائرية بإصدار قوانينها الخاصة قامت بتمديد سريان التشريعات الفرنسية إلى ما بعد الاستقلال باستثناء ما يتعارض مع السيادة الوطنية وفقا للقانون رقم 157-62 المؤرخ في 31-07-1962، وذلك راجع إلى نقص الامكانيات فضلا عن التوجه الذي اتبعته في تلك الفترة لمتشبع بالأفكار الاشتراكية.

ومع حلول الثمانينات وبورز قيادة جديدة للدولة التي تعتبر المرحلة الأساسية في تطور القانون بدولة الجزائر، إذ بدأ التفكير في ضرورة العودة إلى النظام الرأسمالي السائد قبل الاستقلال بحجة الاشتراكية في تحقيق النمية المنشودة، وبدأت السلطة في إصدار ترسانة قانونية مستلهمة من النظم القانونية الليبيرالية واستبدالها بعد أزمة النفط في 1986 حيث قررت الدولة الدخول في إصلاح القوانين السارية أنداك بقوانين جديدة تمثل أولها في القانون 01-88 المتعلق بالقانون التوجيهي للمؤسسات العمومية الاقتصادية، اتبعه القانون 02-88 المتعلق بالتخطيط الليبرالي، كم أصدر المشرع الجزائري القانون 29-88 المتعلق بإلغاء احتكار الدولة للتجارة الخارجية، واعتمدت السلطة دستور جديد سنة 1989 الذي تخلى بصفة صريحة عن النظام الاشتراكي وتبني بدله النظام الليبيرالي، هذا النظام الذي بدأ يؤسس لنفسه مشروعية جديدة قائمة على أفكار الحرية والمساواة والديمقراطية والتعددية السياسية والنقابية.