المناهج المطبقة في العلوم القانونية

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: منهجية إعداد مذكرة
Livre: المناهج المطبقة في العلوم القانونية
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Saturday 23 November 2024, 09:36

Description

يتناول هذا الدرس أهم المناهج التي تعتمد العلوم القانونية عليها في عملية البحث العلمي.

1. تمهيد

  تعتبر العلوم القانونية أحد فروع الإنسانية و الاجتماعية و بذلك فهي تخضع من حيث الدراسة المنهجية إلى كل الأسس و الركائز المعتمدة في مجال الدراسات الاجتماعية بصفة عامة .

  و تتميز العلوم الاجتماعية و من بينها العلوم القانونية بأنها تستخدم مجموعة من المناهج في البحث الواحد و هذا ما يسمى بالتعددية المنهجية،و هذا ما تقضيه الدراسات الاجتماعية و منها القانونية

  من خلال ذلك سنتناول:

أولا: التعددية المنهجية و أسبابها

ثانيا: المنهج الاستنباطي

ثالثا: المنهج الاستقرائي

رابعا: المنهج التاريخي

خامسا: المنهج الوصفي

سادسا: المنهج المقارن

سابعا:دراسة حالة

 ثامنا: منهج تحليل محتوى

تاسعا:المنهج الاحصائي


2. التعددية المنهجية وأسبابها

 

  يهدف البحث الاجتماعي من العهد الإغريقي حتى وقتنا الحالي إلى محاولة الوصول إلى المعرفة اليقينية بشأن الظاهرة الاجتماعية المدروسة.

  و لا تتميز البحوث الاجتماعية و منها القانونية بأحادية المنهج و إنما بالتعددية المنهجية و هذا يدخل في إطار التكامل المنهجي و يمكن أن يرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل نذكر منها:

-         كون الظاهرة الإنسانية و الاجتماعية تشكل جزء من الباحث في حد ذاته و هو جزء لا يتجزأ منها و ليس مستقلا عنها مثلما هو الحال في مجال العلوم التطبيقية و الطبيعية

-         إن كل منهم هو وليد عصر معين و نتاج مفكر معين،و هذا معناه أن المنهج المعمول به في العهد اليوناني لم يعمل به العهد الروماني و هكذا  

-علاقة العلوم القانونية بغيرها من العلوم الاجتماعية يؤدي بالضرورة إلى استخدام مناهج أخرى،فمثلا للقانون علاقة كبيرة بعلم التاريخ فتستخدم بذلك العلوم القانونية في بحوثها المنهج التاريخي،و كذلك نظرا للعلاقة الوطيدة بين العلوم القانونية و العلوم الاقتصادية تستخدم المنهج الإحصائي...

  و في هذا المجال يقول"أرسطو" في كتابه

"إن بعض العلوم لا يقبل إلا لغة الرياضية،و البعض الآخر لا يريد إلا أمثلة،و البعض يريد الاستشهاد بالشعر،و البعض يحتم في كل بحث برهانا محكما،بينما غيره يعتبر هذه الأحكام إسرافا...ولكن يجب أن يبدي بتعريف مقتضيات كل نوع من العلوم فلا وجوب لدقة الرياضية في كل موضوع و إنما فقط في الكلام عن المجردات،و لذلك فالمنهج الرياضي لا يصلح للعلم الطبيعي لأن الطبيعة تحتوي المادة".

-تعدد الظاهرة القانونية في حد ذاتها،و هذا يحتم عدم إمكانية استخدام منهج وحيد في دراستها،و في هذه الحالة يستخدم الباحث في مجال العلوم القانونية مزيج من مجموعة من المناهج في إطار التكامل المنهجي و كمثال على ذلك:

  لدراسة ظاهرة الانتخابات يتوجب على الباحث أن يعتمد على المنهج الاستقرائي بالنسبة للمترشحين للعملية الانتخابية،و المنهج التاريخي لمعرفة نتائج العملية الانتخابية السابقة،و نعتمد على المنهج المقارن للمقارنة بين ماضي العملية الانتخابية و حاضرها كما نعتمد على المنهج الإحصائي عند قيامنا بقياس اتجاهات الرأي العام و كذا نسبة المشاركة على العملية الانتخابية و نسبة الأصوات المقبولة و الملفات.

  وفي الحالة نكون أمام تعددية منهجية في بحث قانوني، و هذا في إطار التكامل المنهجي. 

3. المنهج الاستنباطي

1- تعريف الاستنباط :

يعرف الاستنباط بأنه ذلك الاستدلال التنازلي الذي ينتقل فيه الباحث من الكل إلى الجزء ،  أي الدراسة الكلية الظاهرة معينة وصولا إلى جزئياتها .

  و كمثال على ذلك يبدأ الباحث في دراسة السلطات الرئيسية في الدولة و هي السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية و السلطة القضائية ، و انطلاقا من دراسة النظام السياسي للدولة و هي الظاهرة الكلية وصولا إلى دراسة كل سلطة على حدا أي وصولا إلى الظاهرة الجزئية المتفرعة عن الظاهرة الكلية و هي نظام الحكم السياسي المتبع في الدولة و في هذا المثال نلاحظ أن دراسة السلطات المختلفة للدولة تفرض علينا انطلاقا من دراسة نظام الحكم المتبع فيها ، و في هذه الحالة نكون أمام استدلال تنازلي تنتقل فيه من دراسة الظاهرة الكلية إلى دراسة الظاهرة الجزئية.

  و يعرف عبد الناصر جندلي المنهج الاستنباطي بأنه تلك الطريقة الاستدلالية التي تعتمد على قاعدة تحليل كل جزء من أجل الوصول إلى معرفة يقينة بشأن الظاهرة محل الدراسة و التحليل

  و من خلال ذلك يمكن القول أن الاستنباط هو كل استدلال لا تكبر نتيجة المقدمات التي تكون منها ذلك الاستدلال ، ففي كل دليل استنباطي تكون النتيجة دائما مساوية أو أصغر من مقدماتها ، و كمثال على ذلك :

          أحــمـد إنــســان¬ المقدمة الصغرى

          كل إنسان يموت¬ المقدمة الكبرى

          أحــمـد يــمـوت ¬النتيجة

  ففي هذا المثال نلاحظ أن النتيجة أصغر من المقدمات السابقة عليها ، حيث أنها تتعلق بإنسان مجرد أي تخص فردا من الانسان و هو "أحمد" في حين أن المقدمة القائلة بأن كل انسان يموت فهي تتعلق بجميع الأفراد .

ففي هذا المثال نلاحظ أن التفكير أخذ طريقةه من العام إلى الخاص أي من الكل إلى الجزء أي من المبدأ العام إلى التطبيقات الخاصة.

ففي المثال السابق كانت النتيجة أصغر من المقدمات نحاول أن نأخذ مثال تكون فيه النتيجة مساوية للمقدمات:

                        الحيوان إما صامت إما ناطق

                       و الصامت يموت و الناطق يموت                      

                       فالحيوان يموت

  ففي هذا المثال استنتجنا أن " الحيوان يموت" بطريقة استنباطية ، و لكن نلاحظ أن النتيجة مساوية للمقدمة التي ساهمت في تكوين الدليل عليها القائلة " الصامت يموت و الناطق يموت" لأن الصامت و الناطق هما كل الحيوان بموجب المقدمة الأخرى القائلة "الحيوان إما صامت إما ناطق"

  و يرجع استخدام المنهج الاستنباطي إلى الفيلسوف " أفلاطون" من خلال أبحاثه السياسية و الاجتماعية ، و يظهر ذلك من خلال مؤلفه "الجمهورية " كما يرجع استخدامه المنهج الاستنباطي إلى ثقافته الرياضية الواسعة()  

 

3.1. الاستدلال

- مفهوم الاستدلال :

  مادام أن المنهج الاستنباطي هو استدلال تنازلي فلا بد أن نفهم معنى الاستدلال ، لذلك نحاول أن نتطرق إلى تعريف الاستدلال ، و مبادئه

 

أ- تعريف الاستدلال :

  يعرف الاستدلال بأنه ذلك البرهان الذي يبدأ من قضايا مسلم بها و يسير إلى قضايا تنتج عنها بالضرورة دون الالتجاء إلى التجربة.

  و قد يكون هذا السير استنادا إلى الحساب أو بواسطة القول.

و يعرف الاستدلال كذلك بأنه "عملية عقلية يبدأ بها العقل من قضايا يسلم بها ، و يسير رفقها إلى قضايا أخرى تنتج عنها بالضرورة .

  و الحقيقة يستخدم الاستدلال في مجال الرياضيات لكن تطبيقه انتقل إلى بقية العلوم ،ففي مجال العلوم القانونية يعتمد القاضي على الاستدلال في البحث عن الحل القانوني للمسألة المعروضة عليه، فهو يطبق الاستدلال بناء على ما لديه من قضايا.

3- مبادئ الاستدلال :

  يعتمد المنهج الاستنباطي على مجموعة من المبادئ الاستدلالية هي :

1- البديهية :

  يمكن تعريف البديهية بأنها أي افتراض يكون مقدمة لاستنتاج تصريحات أخرى منطقيا.

و تعرف كذلك بأنها قضية بينة بذاتها ، و ليس من الممكن أن يبرهن عليها ، و تعد صادقة بلا برهان عند كل من يفهم معناها.

إذن من خلال ذلك يمكن القول أن البديهية تأخذ بشكل أساسي على أنها صحيحة و لا تحتاج إلى أي إثبات ، ومن ثم جاءت تسمية "بديهية".

من خلال كل ذلك تمتاز البديهية بالمميزات التالية():

1- هي بينة نفسية بحيث تتبين للعقل تلقائيا دون الحاجة إلى برهان.

2- هي أولية منطقية بحيث أنها قضية أولية غير مستنتجة من قضية أخرى .

3- هي قضية صورية عامة أو قضية مشتركة بحيث تقبل من كافة العقول و لا تعني فرعا واحدا من العلوم

فالبديهية تستعمل في الرياضيات ، و تستعمل كذلك في مجال العلوم الاجتماعية و من أمثلة البديهيات :

- إذا أضيفت أشياء متساوية إلى أشياء متساوية كانت النتائج متساوية

- الكل أكبر من كل جزء من أجزائه

- إذا طرحت أشياء متساوية كانت النتائج متساوية

 2- المسلمة :

المسلمات هي القضايا التركيبية التي و إن كانت غير بينة بنفسها إلا أنها يصادر عليها و نتقبلها نظريا و نسلم بها لأنها لا تؤدي إلى تناقص و مثال ذلك قولنا الإنسان يفعل دائما ما ينفعه ، و أن كل إنسان يطلب السعادة.

3- التعريفات :

  التعريف هو عبارة تصف معنى مصطلح معين ، و هذا هو المفهوم  العام للتعريف.

  أما المفهوم الدقيق فالتعريف هو تعبير عن ماهية الشيء المعرف بمصطلحات مضبوطة بحيث يصبح التعريف جامعا مانعا يجمع كل صفات الشيء و يمنع دخول صفات أو خصائص خارجة عنه.

  و إن الجمع و المنع هي الصفتان اللتان تمنحان للشيء المعرف هويته الحقيقية و من خصائص التعريف إذن أنه يكون جامعا مانعا و مباشرا أو غير مباشر و يستعمل التجريد و التعميم.

  و التعريف قد يكون رياضيا و هو التعريف الثابت غير المتغير ، و قد يكون دينيا بحيث يتطور بتطور الشيء ذاته و هذا ما يحصل أحيانا في مجال العلوم الإنسانية و الاجتماعية نظرا لخصوصية هذه الدراسات و حركيتها و ديناميكيتها.

 

3.2. دور الاستدلال في العلوم القانونية

يعتبر المنهج الاستنباطي من أهم المناهج المستعملة في مجال البحث القانوني ، و يعتبر الاستدلال بصفة خاصة أحد ركائز الدراسات القانونية نظرا لاستخدامه من طرف القضاة و المحاميين و الباحثين في مجال العلوم القانونية.

  و في المسائل القانونية التي تطرح على القاضي يستخدم القاضي أداة القياس() لتكييف النزاع المعروض عليه ، حيث يكيف القاضي المسألة ما إذا كانت مسألة واقع أم مسألة القانون ، و الفرق واضح بين مسألة الواقع و مسألة القانون ففي الحالة الأولى لا رقابة للمحكمة العليا عليها ، في حين أن الحالة الثانية تخضع لرقابة المحكمة العليا حيث أن دور المحكمة العليا هو مراقبة تطبيق القانون

 مــثـال:

 قام عمر ببيع عقاره إلى أحمد بتاريخ 01/01/1994،و هذا الأخير لم يقم بتسجيل العقد و شهره،و بعد مرور سنة ، قام عمر ببيع العقار نفسه بتاريخ 01/01/1995 إلى المدعو علي الذي قام بتسجيله و شهره .

السـؤال : أي المشتريين الأسبق تاريخيا في شراء العقار؟

الجواب :

  - تاريخ 01/01/1994 أسبق من تاريخ 01/01/1995 ( مقدمة كبرى)

  - عقد البيع الخاص بأحمد مؤرخ في 01/01/1994 و عقد البيع الخاص بعلي مؤرخ في 01/01/1995 (مقدمة صغرى)

  - عقد أحمد أسبق تاريخيا من عقد علي ( النتيجة)

من خلال هذا المثال نلاحظ أن المقدمة الكبرى و المقدمة الصغرى تتكون من وقائع مادية ، وهذه الحالة تكون المسألة مسألة واقع.

  لكن إذا طرح السؤال بالطريقة التالية : إلى أي من المشتريين تنتقل الملكية؟

الجواب:

  - تنتقل ملكية العقار في عقد البيع بعد الشهر العقاري (مقدمة كبرى)

  -عقد البيع الخاص بأحمد لم يتم شهره،و عقد البيع الخاص بعلي تم شهره(مقدمة صغرى)

  - تنتقل الملكية إلى علي (نتيجة)

ففي هذا المجال نلاحظ أن المقدمة الكبرى هي مبدأ قانوني و في هذه الحالة فالمسألة هي مسألة قانون تخضع لرقابة المحكمة العليا.

  من خلال ذلك يمكن القول أن التمييز بين مسألة الواقع و بين مسألة القانون يقدم على الربط بين وقائع مادية و وقائع مادية أخرى في حالة مسألة الواقع تقوم على الربط بين وقائع مادية و مبادئ قانونية في حالة مسألة القانون.

إذن من خلال ذلك يعتمد القاضي على الاستدلال في الوصول إلى الحكم و حل النزاع بحيث يتم الربط بين الوقائع المادية و المبدأ القانوني و يؤدي ذلك إلى الوصول إلى النتيجة المتمثلة في الحكم .

  من خلال كل ذلك ،فإن الاستدلال ارتكزت عليه الدراسات القانونية في مجال فلسفة القانون و علم الاجتماع القانوني ، و البحث عن أصل الدولة و السلطة و الأمة و الديمقراطية.....إلخ

  بالإضافة إلى ذلك فإن المنهج الاستنباطي الاستدلالي له أهمية كبيرة في العمل القانوني من خلال تدقيق كلام الشهود و الوثائق لمعرفة صحتها ، و في إعداد الأبحاث و المذكرات القانونية بحيث تلتزم بالقواعد المنطقية و عملية تكييف المسائل القانونية.

4. المنهج الاستقرائي

أولا: تعريف المنهج الاستقرائي

الاستقراء هو عبارة عن استدلال تصاعدي حيث ينطلق الباحث من الجزء إلى الكل ، أي من الظاهرة الجزئية إلى الظاهرة الكلية ()

إذن يتمثل المنهج الاستقرائي في السير من الخاص إلى العام و معنى كلمة "استقراء" بحسب الترجمة للكلمة اليونانية enaywyn يقود حيث تدل على حركة العقل للقيام بعمليات هدفها التوصل إلى قانون أو قاعدة كلية تحكم الفرعيات أو التفاصيل التي تم إدراكها من قبل الأفراد()

  و الفرد بين الاستنباط و الاستقراء يتمثل في أننا ننتقل في الاستقراء من الجزئيات إلى القانون الكلي الذي يحكمها ،في حين أننا في عملية الاستنباط ننتقل من القانون الكلي إلى الجزئيات التي تقع تحته. إذن هناك تداخل بين عملية الاستقراء و عملية الاستنباط و الخلاف بينهما لا يكون إلا في الاتجاه العكسي من أسفل إلى أعلى بالنسبة للاستقراء و من أعلى إلى أسفل بالنسبة إلى الاستنباط()

و كمثال على عملية الاستقراء :

  أن يقوم الباحث بدراسة علاقة جهاز القضاء بجهاز التنفيذ ، ثم علاقة القضاء بالجهاز التشريعي ثم علاقة القضاء بالجهاز التشريعي ثم علاقة الجهاز التشريعي بالجهاز التنفيذي ، من خلال كل ذلك نصل إلى تقرير مبدأ الفصل بين السلطات كمبدأ السلطات كمبدأ ضروري لنظام الحكم في الدولة .

  و في هذا المثال تكون قد انتقلنا من دراسة الجزئيات المتمثلة في السلطات المختلفة إلى دراسة الكليات المتمثلة في مبدأ الفصل بين السلطات ، و بالتالي نكون قد استخدمنا المنهج الاستقرائي في الدراسة.  

من الناحية التاريخية ، يعتبر الفيلسوف "أرسطو" أول من استعمل المنهج الاستقرائي في أبحاثه و تحليلات السياسية حول الدولة و الحكومة و قد انتقد الفيلسوف "أرسطو" المنهج الاستقرائي الاستنباطي الذي استعمله الفيلسوف "أفلاطون" و نتيجة هذه الانتقادات جاء المنهج الاستقرائي

ثـانـيا: خطوات المنهج الاستقرائي :

يتبع المنهج الاستقرائي الخطوات التالية :

1- تحديد الظاهرة المراد دراستها

2- جمع المعلومات المتعلقة بالظاهرة

3- الوصول إلى نتائج و الكشف عنها

  و قد قام الفيلسوف "أرسطو" باستعمال المنهج الاستقرائي في دراسته للدولة و الحكومة حيث ينتقل من الجزء إلى الكل، و يتمثل الجزء في الأسرة و القرية أما الكل فيتمثل في الدولة ، و التي يعتبرها "أرسطو" بأنها نتاج تطور تاريخي مر بمراحل اجتماعية للوصول إلى مرحلة الدولة و هي : الأسرة القرية ، الدولة.

فالأسرة هي الخلية الأولى للمجتمع و هي تتكون من الزوج و الزوجة و الأبناء و كذلك الأهل و الأقارب و العبيد. و هذه الأسرة لا يمكنها أن تعيش بمعزل عن بقية الأسر، كذلك وجدت القرية التي تشمل مجموعة من الأسر.

أما الدولة فهي تتكون من مجموعة من القرى و هي تمثل الظاهرة الكلية عند "أرسطو"، أما الأسرة و القرية فتمثل الظاهرة الجزئية.

و من خلال ذلك، فإن المنهج الاستقرائي أصبح مطبقا بشكل واسع من طرف مفكري العصر الحديث في مجال القانون الدستوري خصوصا و العلوم الاجتماعية عموما.

5. المنهج التاريخي

يعنى علم التاريخ بدراسة الحوادث الماضية من أجل فهم الحاضر و من ثم التنبؤ بالمستقبل و من خلال ذلك فإن الباحث في مجال علم التاريخ يقوم بتحليل الأحداث الماضية و تفسيرها بهدف الوقوف على مضامينها و تفسيرها بصورة علمية تحدد تأثيرها على الواقع الحالي للمجتمعات()

  يقول عبد الرحمن بن خلدون في أهمية الاستعانة بالتاريخ :

"إن فن التاريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على الأحوال الماضيين من الأمم في أخلاقهم و الأنبياء في سيرهم و الملوك في دولتهم و سياستهم حتى تعم فائدة الاقتداء في ذلك لما يرونه في أحوال الدين و الدنيا، فهو (أي المؤرخ) محتاج إلى معارف متنوعة و حسن نظر و تثبت يفضيان إلى الحق و ينكبان عن المزلات و المغالط .

لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل لم يؤمن مزلة القدم ، و التاريخ في ظاهرة لا يزيد عن أخبار الأيام و الدول و السوابق من القرون الأولى و في باطنه (أي التاريخ) نظر و تحقيق و تحليل و علم بكيفيات الوقائع و أسبابها()

  و الجدير بالذكر أن بعض الباحثين يرون أن التاريخ لا يعتبر علما باعتبار أن من يقومون باسترجاع الأحداث الماضية لتحليلها لا يقومون بملاحظة الظواهر التي حثت فعلا حتى يمكن لهم دراستها بطريقة موضوعية و أن المؤرخين يعتمدون على الاستماع أو النقل عن الآخرين أو القيام بتجميع بعض المقالات المنشورة هنا و هناك و في كل هذه الحالات ،فإن الأمر يتطلب الحيطة و الحذر لتفادي الوقوع في الخطأ أو التأويل غير الدقيق للظواهر التي وقعت في الماضي()

إلا أن كل ذلك لا يقلل من امكانية استخدام المنهج التاريخي في البحوث ، لأن علم التاريخ عبارة عن قواعد ذات دلالات هدفها تحليل و تحقيق للكائنات من خلال سرد أو إيراد علمي منطقي للوقائع و أسبابها من لحظة تحققها في الماضي إلى غاية الوقت الحالي .

من خلال كل ذلك عرف بعض الباحثين التاريخ بأنه"التدوين للأحداث الماضية" و عرفه البعض الآخر "وصف الحقائق التي حدثت في الماضي بطريقة تحليلية ناقدة"

  من خلال ذلك ، نلاحظ أن علم التاريخ لا يمكن فصله عن المنهج التاريخي ،و ذلك باعتبار البحث أو التقصي العلمي وسيلة موضوعية هدفها الوصول إلى نتائج أو قوانين أو قواعد يمكن تعميمها و استخدامها للتنبيء بما قد يحدث في المستقبل ضمن السياق التاريخي.

  بعدما تطرقنا إلى تعريف التاريخ ، من الضروري أن نعرف الآن المنهج التاريخي ، فما هو المنهج التاريخي ؟و ماهي خصائصه؟

تعريف المنهج التاريخي:

  تعرف الدكتورة ليلى الصباغ المنهج التاريخي بأنه"مجموعة الطرائق و التقنيات التي يتبعها الباحث التاريخي ، و المؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية و إعادة بناء الماضي ، بكل دقائقه و زواياه ، و كما كان عليه في زمانه ،و مكانه و بجميع تفاعلات الحياة فيه، و هذه الطرائق قابلة دوما للتطور ، و التكامل مع تطور مجموع المعرفة الإنسانية و تكاملها و نهج اكتسابها"

  إذن يمكن القول أن المنهج التاريخي هو ذلك المنهج الذي يقوم على طريقة علمية يتبعها الباحث من أجل الوصول إلى المعرفة و الحقيقة ، و يتبع في ذلك الدراسة التحليلية للظاهرة المدروسة من خلال الإطار الزماني و الإطار المكاني ، و يكون ذلك وفق خطوات معينة تعتمد على المصادر التاريخية من أجل فهم الظاهرة كما هي في الوقت الحالي.

خصائص المنهج التاريخي:

  يتميز المنهج التاريخي بأنه يسعى إلى سد فجوات الوقائع و الأحداث الاجتماعية و السياسية ، كما يزودنا بإحساس تاريخي لأن الأحداث التاريخية ليست منعزلة أو المستقلة عن بعضها البعض،و إنما هي مترابطة في سياق زمن محدد.

خطوات المنهج التاريخي:

من أجل دراسة الظاهرة التاريخية يتطلب من الباحث أن يتبع الخطوات التالية :

1- تحديد الظاهرة محل الدراسة و البحث

2- جمع المعلومات و المصادر التاريخية بشأن الظاهرة المدروسة

3- نقد المصادر التاريخية

4- عملية التركيب و التفسير التاريخي

5- الوصول إلى نتائج

1- تحديد الظاهرة التاريخية ( المشكلة التاريخية)

  إن تحديد الظاهرة التاريخية يتعلق بتحديد المشكلة التي يريد الباحث التصدي لها في بحثه.

و يستعين الباحث في مجال العلوم القانونية بالمنهج التاريخي حيث يقوم بتحديد الظاهرة التاريخية المتعلقة بموضوع بحثه و مثال ذلك : أصل الدولة و نشأتها في مجال القانون الدستوري – التطور التاريخي للعقوبات في النظم القانونية المختلفة ....إلخ

2- جمع المعلومات و المصادر التاريخية :

  تعتبر مرحلة جمع المعلومات و الوثائق و المصادر التاريخية من أهم مراحل المنهج التاريخي، و يكن تقسيم المصادر التاريخية إلى قسمين: مصادر أولية ، و مصادر ثانوية

   * المصادر الأولية : تتمثل في الآثار و الوثائق الرسمية مثل المعاهدات و الاتفاقيات و الخطب ، و المؤتمرات الصحفية ..... و تسمى هذه المصادر كذلك بالمصادر الأصلية أو المباشرة

   * المصادر الثانوية : و تتمثل في كل ما نقل و كتب بالاستناد إلى المصادر الأولية و يمكن القول أن المصادر الثانوية هي الأعمال العلمية و الأدبية التي تكتب تحليلا للمصادر الأولية.

3- نقد المصادر التاريخية:

  تعتبر هذه المرحلة بالنسبة للباحث من أصعب مراحل البحث التاريخي لأنها تتعلق بنقد الوثائق التاريخية التي تشكل الركيزة الأساسية للدراسة التاريخية.

  و تتعلق هذه المرحلة بالبحث عن صحة الوثيقة المعتمد عليها في البحث التاريخي و التأكد من شخصية أصحابها و مدى نسبتها لهم، بمعنى أن الباحث يتطرق إلى مدى صحة أو خطأ أو تزييف المصادر التاريخية.

  و النقد الذي يقوم به الباحث إما أن يكون نقدا خارجيا أو نقدا داخليا.

 * النقد الخارجي : و يتعلق بالتأكد من صحة الوثيقة من خلال مظهرها الخارجي و علاقتهما فعلا بعصر من العصور التي صدرت فيها من خلال الدراسة الزمانية و المكانية انطلاقا من نوع الخط و اللغة المستعملة في الكتابة و شخصية مؤلفها و ربط زمن صدور الوثيقة بحياة شخصية هذا المؤلف.

  * النقد الداخلي : و يسمى بالنقد الباطني ، و يتعلق النقد الداخلي بالتفاصيل الموضوعية التي تتضمنها الوثيقة و هو نوعان :

  - نقد باطني إيجابي ( نقد داخلي إيجابي) و يتعلق بتفسير النص التاريخي و هدف المؤلف منه.

  - نقد باطني سلبي ( نقد داخلي سلبي) و يتعلق بتحليل شخصية المؤلف و ظروفه ، مدى صة ما ورد من حوادث .

من خلال ذلك فإن النقد الداخلي يفرض على الباحث أن يقارن الوثيقة التاريخية المعتمدة في البحث مع وثائق أخرى صادرة عن نفس الشخص لمعرفة مدى تطابق الآراء الواردة فيها أو تناقضها أو تقاربها ، لأن التضارب قد يدلنا على أن الوثيقة منسوبة إلى شخص آخر.

كما يقوم الباحث بدراسة الفترة الزمنية التي كتبت فيها تلك الوثيقة و هل تتوافق مع ما ورد فيها و ذلك من خلال وثائق أخرى.

كما يقوم الباحث بدراسة كل الوثائق التي تتعلق بنفس الظاهرة المدروسة و معرفة مدى انسجامها مع بعضها البعض من حيث مضمونها.

4- عملية التركيب و التفسير التاريخي:

بعد الانتهاء من عملية نقد المصادر التاريخية يقوم الباحث بالانتقال إلى عملية التركيب و التنظيم و كذلك التفسير استنادا إلى التفسير السببي للظاهرة التاريخية.

 و يتتبع الباحث في هذه العملية خطوات معينة هي :

-تكوين محصلة واضحة للباحث حول كل حقيقة من الحقائق التي جمعها و اكتشفها.

- يقوم الباحث بتنظيم الحقائق المتوصل إليها عن طريق تصنيفها إلى حقائق جزئية استنادا إلى التسلسل التاريخي للأحداث.

- ملء الفراغات التي تحدث أثناء تصنيف الحقائق ، و يؤدي ذلك إلى اسقاط حوادث لم ترد في الوثائق أو استنتاج حوادث لم يتم ذكرها في الوثائق و لكنها وقعت.

- استعمال عملية ربط العلاقات بين الحقائق التاريخية ربطا حتميا و سببيا بمعنى الخضوع إلى عملية التسبيب و التعليل التاريخي.

5- الوصول إلى استخلاص النتائج :

  و هذه المرحلة الأخيرة حيث يتوصل المؤرخ أو الباحث إلى مجموعة من النتائج.

هذه هي خطوات المنهج التاريخي الذي يستخدمه المؤرخ في دراسته التاريخية العلمية ، كما يمكن تطبيق المنهج التاريخي في الدراسات القانونية و السياسية ،و هذا ما سنحاول التطرق له فيما يلي

  المنهج التاريخي في العلوم القانونية

تستعين العلوم القانونية بمختلف فروعها بالمنهج التاريخي ،فإذا درسنا أصل القانون أو تطور حركة التشريع ، فلا بد أن نرجع إلى الحضارات القديمة ، و كمثال على ذلك الحضارة البابلية ، فقد عرفت هذه الأخيرة ما يسمى بــ"قانون حمورابي"،و في الحضارة الرومانية هناك"الألواح الأثني عشر لجوستنيان" و بذلك فعند دراستنا للنظم القانونية السابقة لا بد علينا استخدام المنهج التاريخي .

  و عند دراستنا للعقوبة و تطورها التاريخي عبر النظم القانونية المختلفة لابد علينا التقيد بظوابط المنهج التاريخي في هذه الدراسة العلمية.

6. المنهج المقارن

تحل المقارنة في مجال العلوم القانونية خصوصا في العلوم الاجتماعية و الإنسانية عموما محل التجربة ،فإذا كانت العلوم الطبيعية تستخدم التجربة و تعتمد عليها في أبحاثها فإن المقارنة هي البديل في مجال العلوم الاجتماعية و الإنسانية ، و يصنف العالم الاجتماعي "إميلدور كايم" المنهج المقارن بأنه " نوع من التجريب غير المباشر"

إن المنهج المقارن يدفعنا إلى توضيح معنى المقارنة ، فهذه الأخيرة تعني تلك العملية التي يتم من خلالها إبراز أوجه الشبه و أوجه الإختلاف بين شيئين متماثلين أو أكثر ، و هذا يعني أنه لا يمكنأن تجرى المقارنة بين شيئين متناقضين.

  و بذلك فإن المنهج المقارن هو تجريب غير مباشر و يقصد إميل دور كايم هنا بالمقارنة و التي هي المعوض الأساسي و الرئيسي للتجريب المباشر ،و هذا ما يعتبر من خصائص العلوم الإنسانية و الإجتماعية.

و يعرف جون ستيوارت مل المنهج المقارن بقوله "إن المنهج المقارن الحقيقي يعني مقارنة نظامين سياسيين متماثلين في كل الظروف و لكنهما يختلفان في عنصر واحد ، حتى يمكن تتبع نتائج هذا الاختلاف .

و عموما ، فإن المنهج المقارن هو ذلك المنهج الذي يعتمد على المقارنة في دراسة الظواهر حيث يبرز أوجه الشبه و أوجه الإختلاف فيما بين ظاهرتين أو أكثر ، و يعتمد الباحث من خلال ذلك على مجموعة من الخطوات من أجل الوصول إلى الحقيقة العلمية المتعلقة بالظواهر المدروسة.

تطبيق المنهج المقارن في الدراسات القانونية :

  تجرى على مستوى العلوم القانونية الكثير من الأبحاث التي تستعمل المنهج المقارن ، من خلال مقارنة مؤسسات قانونية (مؤسسة الرقابة على دستورية القوانين – مؤسسة وظيفة السلطة التنفيذية...) المؤسسات قانونية في نظم قانونية أخرى . و كثيرا ما تؤدي هذه الدراسات المقارنة إلى تعديل و تغيير المنظومة القانونية بما يتوافق مع التطورات الجديدة

خطوات المنهج المقارن( بحيث أن تكتب قبل تطبيق المنهج المقارن في الدراسات               )

  يتبع الباحث في مجال الدراسات المقارنة في مجال العلوم القانونية الخطوات التالية :

- تحديد الظواهر المتجانسة(المتماثلة) و ليس الظواهر المتناقضة.

- القيام بجمع المعلومات بواسطة استخدام بعض أدوات البحث العلمي.

- القيام بعملية التحليل و التصنيف للمعلومات و مقارنتها.

7. المنهج الوصفي

  يعتمد هذا المنهج على التركيز الدقيق على الوصف، حيث يصف ظاهرة معينة استنادا إلى وضع حالي، و من خلال ذلك يطرح الباحث مجموعة من الأسئلة:

               - ما هو الوضع الحالي لهذه الظاهرة؟

               - ما هي العلاقات بين الظاهرة المحددة و الظواهر الأخرى؟

               - ما هي النتائج المتوقعة لدراسة هذه الظاهرة؟

و قد تكون الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال القيام بعملية جمع الحقائق و البيانات الكمية أو الكيفية عن الظاهرة المدروسة مع محاولة تفسير هذه الحقائق تفسيرا كافيا

  و يهدف المنهج الوصفي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف نذكر منها :

- القيام بجمع المعلومات ذات العلاقة بموضوع الظاهرة المدروسة بطريقة مفصلة

- القيام بتوضيح الظواهر الأخرى و علاقاتها بالظاهرة المدروسة.

- مقارنة الظاهرة محل الدراسة بالظواهر الأخرى المحيطة بها.

  إذن يمكن القول أن المنهج الوصفي هو ذلك الطريقة العلمية التي يعتمدها الباحث في دراسته لظاهرة معينة وفق خطوات معينة،و يقوم خلالها بتحليل المعطيات و البيانات التي بحوزته المتعلقة بالظاهرة المدروسة و ذلك من أجل الوصول إلى الحقيقة العلمية المتعلقة بالظاهرة.

  إذن من خلال ذلك نلاحظ أن هناك خطوات للمنهج الوصفي هي :

- تحديد الظاهرة محل الدراسة و البحث.

- القيام بجمع المعلومات المتعلقة بالظاهرة المراد دراستها.

- و ضع الفرضيات

- اختيار عينة الدراسة

- القيام باختيار أدوات البحث التي سيستعملها الباحث في دراسته

- الوصول إلى نتائج

- القيام بتحليل النتائج و تفسيرها و الوصول إلى تعميمات.

أنواع المنهج الوصفي :

  تتقسم المناهج الوصفية إلى أنواع هي :

- منهج الدراسات المسحية

- منهج دراسة الحالة

- منهج دراسات النمو و التطور

أنواع الدراسات الوصفية:

  يتدرج تحت المناهج الوصفية مجموعة من المناهج الفرعية مثل:

- منهج الدراسة المسحية

- منهج دراسة الحالة

1- منهج الدراسة المسحية :

يعتبر منهج المسح من أكثر المناهج استعمالا في البحوث الوصفية، و استنادا إلى هذا المنهج فإن الباحث يقوم بعملية دراسة شاملة لموضوع دراسته و جمع البيانات و المعلومات المتعلقة بهذه الظاهرة، و تحليل الوضع الراهن لها في بيئة محددة و وقت محدد.

من خلال ذلك يمكن القول أن المنهج المسحي يهدف إلى:

1- وصف الظاهرة المدروسة و تشخيصها و تحليلها و جمع بيانات حولها و تقرير حالتها كما هي في الوقت الراهن، و في هذا المجال فإن الدراسة المسحية تتعلق بالوقت الذي يجرى فيه البحث و لا تتعلق بالظاهرة و لا بمستقبلها.

2- يقوم الباحث بتقديم المعايير المحددة التي يجب أن تكون الظاهرة وفقها.

3- من خلال دراسة الواقع يقوم الباحث بإسقاط ما هو موجود فعلا في المجتمع مع ما ينبغي أن يكون عليه الحال وفق معايير محددة، و في هذا الإطار فإنه يقوم بمقارنة بين الواقع و بين المعايير المحددة.

4- يقوم الباحث بتقديم اقتراحات و أساليب من أجل الوصول إلى ما ينبغي أن تكون عليه الظاهرة استنادا إلى المعايير المحددة.

5- يصل الباحث في الأخير إلى استخلاص النتائج التي يمكن تطبيقها على مجتمع الدراسة كله

  إن الدراسات المسحية تعتمد كثيرا على أدوات البحث العلمي التي، و لا يمكنها أن تغفل ذلك، بل أن هذه الأدوات هي محور هذه الدراسة و مثال ذلك المقابلات التي يجريها الباحث مع العينة التي يخارها من مجتمع الدراسات و كذلك قيامه بعملية الاستبيان.....الخ

  و الحقيقة أن للدراسات المسحية أنواع كثيرة منها: المسح المدرسي – الدراسة المسحية للرأي العام – المسح الاجتماعي .

* المسح المدرسي:

و يتعلق هذا المسح بدراسة قطاع مهنة التعليم، حيث يقوم الباحث بتسليط الضوء على العملية التربوية و مدى فعاليتها. و مثال ذلك أن يقوم الباحث بدراسة مسحية للجهاز القائم بالتدريس ( المدرسون) و ذلك من خلال مجموعة من العناصر يمكن أن تتمثل في نسبة المدرسين إلى التلاميذ في المدرسة، الصفات الشخصية التي ينبغي أن تتوافر  في المدرس و علاقتهما بفاعلية التدريس، الحجم الساعي لساعات التدريس، مستوى أجور المدرسين، أعمار المدرسين و علاقتها بفاعلية التدريس...الخ

  و قد يقوم الباحث بإجراء دراسة مسحية تتعلق بالطلبة أو التلاميذ من خلال مجموعة من العناصر يمكن أن تتمثل في رغبة الطلبة أو التلاميذ في دراسة مادة معينة و مدى استعدادهم لتلقي المعلومات  فيها، المستوى الاجتماعي للطلبة أو التلاميذ و مدى تأثير ذلك على عملية التعلم، المستوى الاقتصادي للطلبة أو التلاميذ و مدى تأثير ذلك على عملية التعلم...الخ.

و قد يقوم الباحث بدراسة المناهج الدراسية المطبقة و مدى تأثيرها وفعاليتها في مجال التعليم، وذلك من خلال أهداف هذه المناهج و محتواها، و طرق و أساليب تدريسها، و في هذا الإطار تكون الدراسة المسحية المدرسية دراسة تربوية.

* الدراسات المسحية للرأي العام:

  يعتبر هذا النوع من الدراسة أحد أنواع الدراسات المسحية، و هي تتعلق بالرأي العام، و الرأي العام هو مجموع الآراء و الأحكام السائدة في المجتمع،و التي تكتسب بصفة الاستقرار، و التي قد تختلف في وضوحها و دلالتها، و لكنها تكون صادرة عن اتفاق متبادل بين غالبيتهم، رغم اختلافهم في مدى إدراكهم لمفهومها، و مبلغ تحقيقها لينفعهم العام،و مصلحتهم المشتركة.   

  من خلال ذلك فإن الرأي العام هو اتجاه جماعي يعبر عن رأي الغالبية العظمى بين أفراد مجتمع معين نحو أمر من أمور التي تتعلق بهم و تؤثر فيهم.

  و إذا كان الأمر كذلك، فإن عملية مسح الرأي العام تعتبر طريقة للتعرف على آراء الناس بشأن مسألة معينة في وقت معين، و يتعلق الأمر هنا بمسألة مفتوحة للجدل و النقاش().

  و هذه الدراسة المسحية للرأي العام تستخدم بالضرورة أدوات البحث العلمي و خاصة المقابلات و الاستفتاءات، كما أنها تختار عينة  كبيرة العدد عل أن تمثل وجهات نظر قطاعات مختلفة و متنوعة معتمدة في ذلك على تنوع السن و الديانة، و الدرجة العلمية و الحالة العائلية و المستوى الاجتماعي و الاقتصاد و غيرها من المعايير المختلفة و ذلك من أجل أن تكون عملية قياس الرأي العام عملية موضوعية و تقترب من الواقع.

  و مثال ذلك: نطرح سؤالك ما رأيك في إلغاء عقوبة الإعدام من التشريع الجزائري، نحاول من خلال هذا السؤال أن نعرف توجه الرأي العام الجزائري من خلال عملية سبر الآراء.

* المسح الاجتماعي:

و هو نوع من الدراسات المسحية يرتكز على الدراسة العلمية لظروف المجتمع و حاجاته يقصد الحصول على بيانات و معلومات تتعلق بالظاهرة المدروسة و القيام بتحليلها و تفسيرها للوصول إلى تعميمات بشأنها.

  من خلال ذلك نلاحظ أن الدراسة المسحية الاجتماعية تستهدف دراسة ظاهرة أو مشكلة اجتماعية معينة في منطقة معينة من أجل الوصول إلى حلول بشأن الظاهرة المدروسة.

و مثال ذلك دراسة ظاهرة الفقر في المجتمع معين، أو ظاهرة استهلاك المخدرات و ترويجها...الخ.

  إذن من خلال ذلك فالمسح الاجتماعي قد يعالج مشكلة مرضية في المجتمع، و يحاول الباحث أن يعالجها معالجة إصلاح بمعنى محاولة النهوض بالأوضاع القائمة، و وضع خطة أو برنامج للإصلاح.

  و قد يكون هذا المنهج شاملا لجميع أفراد المجتمع و تكون هذه الحالة أمام المسح الاجتماعي الشامل، و قد يكون لعدد محدود و نكون في هذه الحالة أمام المسح بطريقة العينة()  

من خلال ذلك، فإن المسح الاجتماعي يحقق فوائد كبيرة في مجال عمليات التخطيط الذي ترتكز عليه السياسة العامة للدولة التي تستهدف تطوير الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و تنميتها في فترة زمنية معينة بالإضافة إلى ذلك فإن المسح الاجتماعي يستفاد به في دراسة الخصائص السكانية و الجوانب الاجتماعية و الاقتصادية لجماعة من الجماعات للتعرف على القدرة الشرائية لأفراد المجتمع و مدى تأثيرها و تأثرها بالوضع الاقتصادي و الاجتماعي...الخ()  

2- منهج دراسة الحالة :

  يعتبر منهج دراسة الحالة أحد المناهج الوصفية التي تعنى بدراسة وحدة من وحدات المجتمع دراسة تفصيلية من مختلف جوانبها، و ذلك من أجل الوصول إلى تعميمات تنطبق على غيرها من الوحدات() و من خلال ذلك فإن هذا المنهج يتميز بالتعمق في دراسة وحدة معينة سواء كانت هذه الوحدة فردا أو قبيلة أو قرية أو مؤسسة اجتماعية أو مجتمعا محليا أو مجتمعا عاما، يهدف إلى جمع البيانات و المعطيات و المعلومات المفصلة عن الوضع القائم المتعلق بالوحدة المدروسة و تاريخها و علاقاتها بالبيئة و تحليل نتائجها بهدف الوصول إلى تعميمات يمكن تطبيقها على غيرها من الوحدات المتشابهة في المجتمع الذي تنتمي إليه هذه الوحدة أو الحالة، غير أنه يشترط أن تكون الحالة ممثلة للمجتمع الذي يراد الحكم عليه()

من خلال التعريف الذي تطرقنا له يمكن أن نستنتج:

مميزات منهج دراسة الحالة:

1- يهدف هذا المنهج إلى الحصول على معلومات شاملة و مفصلة عن الحالة المدروسة.

2- القيام بدراسة متعمقة للحالة المدروسة.

3- القيام بدراسة الحالة المدروسة من حيث متابعة تطورها تاريخيا و حاليا، و هذا ما يميز منهج دراسة الحالة عن منهج الدراسات المسحية.

خطوات منهج دراسة الحالة:

  يمكن أجمال خطوات منهج دراسة الحالة فيما يلي :

1- القيام بتحديد المشكلة و اختيار الحالة موضوع الدراسة.

2- القيام بجمع البيانات و المعلومات الضرورية لفهم الحالة المدروسة، و ذلك عن طريق الاستعانة بأدوات البحث العلمي كالاستبيان و المقابلة.

3- تحديد الفرضيات

4- القيام بمسايرة الحالة من أجل الوصول إلى مختلف التطورات المتعلقة بها.

5- الوصول إلى استخلاص النتائج المتعلقة بالحالة المدروسة و وضع التعميمات على بقية الحالات الأخرى.

استخدام منهج دراسة الحالة في مجال العلوم القانونية:

  يستخدم منهج دراسة الحالة في مجال العلوم القانونية، و يظهر ذلك بصفة خاصة في مجال العلوم الجنائية فمثلا من أجل معرفة الدوافع الإجرامية، فإنه يتوجب على الباحث التعمق في دراسة الحالة من أجل تفسير السلوك الإجرامي خاصة مع التطور المذهل للظاهرة الإجرامية و ظهور أنماط لم تكن معروفة في السابق.

  و هذا يتطلب دراسات قانونية متخصصة و معمقة و كل ذلك من أجل الوصول إلى وضع تشريعات و قواعد تواجه هذه الظواهر الجديدة، و هذا بطبيعة الحالة بالاشتراك مع الباحثين من مختلف التخصصات

8. المنهج الاحصائي

ســابعا : المنهج الإحصائي

  قد يتساءل البعض عن علاقة الإحصاء بمجال العلوم القانونية خصوصا و العلوم الاجتماعية عموما، إلا أن الجواب هو أهمية استخدام الإحصاء في هذه المجالات، فقد بدأ يتسع مجال استخدامه بل أصبح المنهج الإحصائي أحد المناهج المهمة في مجال العلوم الاجتماعية.

  إن استخدام المنهج الإحصائي في مجال العلوم الاجتماعية أضفى الصبغة العلمية على الدراسات و الأبحاث الاجتماعية و أكسبها الدقة و المصداقية و الموضوعية و الحقيقة أن العلاقة بين العلوم الاجتماعية و بين العلوم الرياضية عموما و الإحصاء خصوصا يرجع إلى العهد الإغريقي، حيث كان الفيثاغوريين يستخدمون الإحصاء في بحوثهم، وقد استخدمه عالم الاجتماع " إميل دوركايم" في دراساته على ظاهرة الانتحار، كما استخدمه "روسو" في أبحاثه الاجتماعية.

تعريف المنهج الإحصائي:

  يتكون المنهج الإحصائي من كلمتين: المنهج و الإحصاء أما المنهج فقد تطرقنا له في الأول، و أما الإحصاء فله تعريف لغوي و تعريف اصطلاحي.

أما التعريف اللغوي، فإن كلمة إحصاء مشتقة من كلمة "أحصى"، فنقول أحصى الشيء أي عده و ضبطه()

  أما التعريف الاصطلاحي، فهو علم يتركز على تجميع الظواهر و الوقائع و الأشياء و تنسيقها على نحو يؤدي إلى علاقات عددية ثابتة تمكن الباحث من التكهن بالمستقبل()

  إذن، من خلال ذلك، فإن علم الإحصاء هو علم و فرع من فروع الرياضيات، وهو يعتمد على الجداول و البيانات و عرضها و تحليلها رياضيا، و إذا كان هذا هو علم الإحصاء، فإن المنهج الاحصائي هو تلك الطريقة العلمية التي تعتمد على الكم، و التي يتبعها الباحث معتمدا في ذلك على خطوات معينة تقوم على جمع المعلومات و البيانات تتعلق بظاهرة معينة و تحليل رياضي من أجل الوصول إلى نتائج دقيقة و علمية بشأن الظاهرة المدروسة.

  من خلال ذلك فإن المنهج الإحصائي يتميز بأنه

- يعتمد على الكم في تفسير الظواهر الإجتماعية.

- يعتمد على لغة الأرقام

- يعتمد على الإستقراء في تحليل الظاهرة الاجتماعية حيث ينطلق من الجزء نحو الكل، و يظهر ذلك على طريقة سبر الآراء

خطوات المنهج الإحصائي:

  تتمثل خطوات المنهج الإحصائي فيما يلي:

1- تحليل الظاهرة الاجتماعية محل الدراسة

2- القيام بجمع البيانات و المعلومات المتعلقة بالظاهرة

3- ترجمة هذه البيانات و المعلومات في شكل جدول أو منحنيات بيانية.

4- تصنيف البيانات

5- القيام بتحليل هذه البيانات و المعلومات انطلاقا من الجداول أو المنحنيات البيانية

6- الوصول إلى نتائج قابلة للتعميم.

1)- تحديد الظاهرة الاجتماعية محل الدراسة:

و هذه هي الخطوة الأولى التي يبدأ بها الباحث دراسته و تعتبر الخطوة الأولى في جميع مناهج البحث العلمي.

2)- القيام بجمع البيانات و المعلومات المتعلقة بالظاهرة:

  بعد أن يقوم الباحث بتحديد الظاهرة الاجتماعية، يشرع في جمع البيانات المتعلقة بموضوع البحث و الدراسة و يعتمد في ذلك على بعض أدوات البحث العلمي كالمقابلات و سبر الآراء و الاستبيان.

3)- ترجمة هذه البيانات و المعلومات في شكل جداول أو منحنيات بيانية:

حيث يقوم الباحث في هذه الحالة بوضع رسوم بيانية انطلاقا من المعلومات و البيانات التي بحوزته و قد تكون هذه الرسوم في شكل جداول أو منحنيات أو مدرجات تكرارية أو دوائر نسبية....الخ

4)- تصنيف البيانات:

حيث يقوم الباحث بتنظيمها و تبويبها

5)- الوصول إلى نتائج قابلة للتعميم:

  و هذه هي الخطوة الأخيرة التي تشكل هدفا منشودا للباحث، و هدف الباحث من استعماله للمنهج الإحصائي هو الوصول إلى نتائج دقيقة حول الظاهرة المدروسة.

استخدام المنهج الإحصائي في مجال العلوم القانونية:

  يمكن أن تستخدم كل فروع العلوم القانونية المنهج الإحصائي في البحوث القانونية، و هذا انطلاقا من أن هذه العلوم جزء لا يتجزأ من العلوم الاجتماعية التي أصبحت تعتبر المنهج الإحصائي وسيلة لإضفاء الدقة على البحوث و الدراسات ففي مجال القانون الدستوري و بالضبط في مجال عمليات الانتخابات، فإن عملية الإحصاء تعتبر هي الوسيلة الأولى التي لا يمكن التخلي عليها في إضفاء طابع الدقة على عملية الانتخابات و ذلك بوضع  جداول و أعمدة بيانية و دوائر نسبية من أجل معرفة عدد المشاركين و عدد الأصوات المقبولة و عدد الأصوات الملغاة و من أجل معرفة المترشح الفائز في العملية الانتخابية

مثال: