الفصل الخامس: المنازعة المتعلقة بمرحلة تأسيس الحزب السياسي

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: المنازعات الدستورية
Livre: الفصل الخامس: المنازعة المتعلقة بمرحلة تأسيس الحزب السياسي
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Monday 29 April 2024, 03:28

Description

   إضافة إلى شروط تأسيس الحزب السياسي في الجزائر، والتي عالجها المشرع في المادتين 16 و17 من القانون العضوي رقم 12-04 المتعلق بالأحزاب السياسية، من خلال شروط عامة خاصة بالحزب وشروط متعلقة بالأعضاء المؤسسين، فإن المشرع وضع مجموعة من الإجراءات التي يجب على الأعضاء المؤسسين اتباعها ومنها مرحلة التصريح التأسيسي.

1. المبحث الأول: خطوات مرحلة تأسيس الحزب السياسي ودراسة الملف

هناك عدة خطوات في مرحلة تأسيس الحزب السياسي، هي:

1.1. المطلب الأول: طلب التصريح بتأسيس الحزب

يتطلب التصريح بتأسيس حزب سياسي إيداع طلب يودع لدى وزارة الداخلية لدراسته والتأكد من شروطه القانونية، ليكون الرد بالقبول أو الرفض.

    عند إيداع ملف طلب التأسيس لدى وزارة الداخلية يكون هذا الايداع مقابل وصل يثبت وضع التصريح حال التحقق من استيفاء الملف لكافة الوثائق[1]، وهذا ما نصت عليه المادة 18 من القانون العضوي 12-04 التي جاء فيها: «يتم التصريح بتأسيس حزب سياسي بإيداع ملف لدى وزارة الداخلية، ويترتب على هذا الإيداع وجوب تسليم وصل إيداع التصريح بعد التحقق الحضوري من وثائق الملف». ثم أضافت المادة 19 من ذات القانون العضوي مكونات هذا الملف وهي أن يكون هناك طلب تأسيس حزب سياسي يوقعه ثلاثة أعضاء مؤسسين، وتعهد مكتوب يوقعه عضوان مؤسسان على الأقل عن كل ولاية، منبثقة عن ربع (1/4) ولايات الوطن على الأقل يتضمن احترام أحكام الدستور والقوانين السارية، ثم مشروع القانون الأساسي للحزب ومشروع تمهيدي للبرنامج السياسي ووثائق إدارية أخرى خاصة بالأعضاء والمؤسسين.

   ويظهر أن التعهد الذي يمضيه عضوان مؤسسان عن كل ولاية على الأقل، منبثقة عن ربع (1/4) ولايات الوطن، أي أن العدد لا يقل عن 24 عضوا مؤسسا. وكان هذا العدد خلافا للعدد الذي كان يشترطه الأمر 97-09 المتعلق بالأحزاب السياسية في المادة 14 التي كانت تشترط 25 عضوا موزعين على 16 ولاية دون تحديد عدد الموقعين عن كل ولاية.



[1] بن أحميدة أسماء، النظام القانوني للأحزاب السياسية في الجزائر، دراسة تحليلية للقانون العضوي 12-04 المتعلق بالأحزاب السياسية، مذكرة ماستر أكاديمي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، 2014، ص. 22

1.2. المطلب الثاني: إيداع الملف لدى وزارة الداخلية

   بعد أن يقدم الملف وفق شروط المادتين 18 و19 من القانون العضوي 12-04، تقوم وزارة الداخلية بتسليم وصل مقابل الاستلام، ويكون هذا التسليم فوريا ومباشرا بعد التحقق من الملف بحضور الأعضاء المؤسسين المفوضين بوضع الملف. ويبدو أن تسليم وصل الإيداع فورا وبحضور واضعي الملف كان حلا لإشكال وارد في المادة 12 من القانــــــــــــــــــــون القديم (أمر 97-09)، حينما كانت تنص عن أنه: «يتم التصريح بتأسيس حزب سياسي بإيداع الأعضاء المؤسسين ملفا لدى الوزير المكلف بالداخلية مقابل وصل». فهذه المادة لم تحدد تاريخ تسليم الوصل بالرغم من أهمية هذا التاريخ لأن كل المواعيد اللاحقة، الإدارية والقضائية، مرتبطة به. كما أن عدم تحديد تاريخ لتسليم الوصل قد يؤدي إلى تهاون الإدارة وجعله وسيلة تحكم ومساومة للأحزاب وتقييد لحرية إنشائها[1]. فتحديد تاريخ لتسليم الوصل في القانون الجديد يعد ضمانة وتقدم نوعي في التشريع الجزائري مقارنة بالقانون القديم.



[1] زنيبع رابح، النظام القانوني للأحزاب السياسية في الجزائر، رسالة ماجستير في القانون العام، فرع الإدارة والمالية العامة، كلية الحقوق، جامعة الجزائر،2003-2002، ص. 76

2. المبحث الثاني: نتائج دراسة الملف من طرف وزارة الداخلية

    تتولى وزارة الداخلية دراسة ملف طلب تأسيس الحزب السياسي وذلك في مدة أقصاها 60 (ستون) يوما تبدأ من تاريخ تسليم وصل الإيداع، وهذا ما نصت عليه المادة 20 من القانون العضوي 12-04 " للوزير المكلف بالداخلية أجل اقصاه ستون (60) يوما للتأكد من مطابقة التصريح بتأسيس الحزب السياسي. ويقوم خلال هذا الأجل بالتحقق من محتوى التصريحات ويمكنه طلب تقديم أي وثيقة ناقصة وكذا استبدال أو سحب أي عضو لا يستوفي الشروط كما هي محددة في المادة 17 من هذا القانون العضوي". فوزارة الداخلية تدرس الملف وتطلب أي وثيقة تراها ناقصة أو إجراء لم يكتمل، وإن كان هذا النقص كان يمكن تداركه أثناء وضع الملف وقبل تسليم الوصل، لأن هذا التسليم يكون حضوريـــا، أي أن الطرفين، الوزارة والأعضاء المؤسسين، درسا الملف سويا، لذلك فإن طلب إكمال أي نقص قد يكون سلاحا أو عقبة بيد الإدارة كان يمكن تفاديه[1].

  بعد أن يتم دراسته الملف المتضمن طلب التأسيس، يمكن تصور ثلاث نتائج مترتبة عن هذه الدراسة:



[1] بليل مونة، التعددية الحزبية في الدساتير العربية ومعوقاتها، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة باتنة، 2006، ص. 34

2.1. المطلب الأول: قبول التصريح بتأسيس الحزب

عندما تتأكد وزارة الداخلية من مطابقة الملف المودع لديها للشروط القانونية فإنها تصدر قرارا إداريا يسلم للأعضاء المؤسسين يسمح لهم بعقد مؤتمرهم التأسيسي مع ضرورة قيام هؤلاء الأعضاء المؤسسين بنشر هذا القرار في جريدتين يوميتين ذات توزيع وطني، وهذا ما اشترطه المادة 21 من القانون العضوي 12-04 بنصها " يرخص الوزير المكلف بالداخلية للحزب السياسي بعقد مؤتمره التأسيسي بعد مراقبة مطابقة وثائق الملف مع أحكام هذا القانون العضوي، ويبلغه إلى الأعضاء المؤسسين. ولا يعتد بهذا القرار أمام الغير إلا بعد إشهاره من الأعضاء المؤسسين في يوميتين إعلاميتين وطنيتين على الأقل ويذكر في هذا الإشهار اسم ومقر الحزب السياسي وألقاب وأسماء ووظائف الأعضاء المؤسسين في الحزب السياسي الموقعين على التعهد المذكور في المادة 19 أعلاه...".

    ويظهر أن محتوى هذه المادة جاء مخالفا لمحتوى المادة 15 من الأمر 97-09 التي كانت تنص على أن نشر وصل التصريح يكون من الوزير المكلف بالداخلية شخصيا وفي الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية. ولا يمكن تفسير هذا التحول إلا بمحاولة وزارة الداخلية التخفيف من أعبائها من جهة، ومن جهة ثانية كمحاولة لمعرفة مدى جدية الأعضاء المؤسسين ومكانتهم في المجتمع من حيث الدعم الشعبي لهم، خصوصا في بداية الطريق نحو تأسيس الحزب واعتماده. كما أن اطلاع عامة الناس على الجرائد اليومية يكون أكبر من الاطلاع على محتوى الجريدة الرسمية الذي يكون مقتصرا على فئة معينة.

2.2. المطلب الثاني: رفض التصريح بتأسيس الحزب

إذا ما تم رفض الملف من طرف وزارة الداخلية بحجة عدم مطابقته للقانون العضوي أو لأي سبب رأته الوزارة بأنه سبب جدي للرفض، تقوم بإصدار قرار معلل بالرفض يبلغ إلى الأعضاء المؤسسين وهذا خلال مدة الستين (60) يوما المعطاة لها لدراسة الملف، وهذا الرفض يكون طبقا للمادة 22 من القانون العضـــــوي 12-04 التي نصت على أنـــــــــــــــه: « عندما يتأكد الوزير المكلف بالداخلية من أن شروط التأسيس المطلوبة بموجب أحكام هذا القانون العضوي غير متوفرة، يبلغ قرار رفض التصريح بالتأسيس معللا قبل انقضاء الأجل المذكور في المــــــــادة 20 أعلاه... ».

   ويعتبر هذا القرار بالرفض قرارا إداريا قابلا للطعن أمام مجلس الدولة خلال مدة 30 (ثلاثين) يوما تبدأ من تاريخ تبليغ قرار الرفض. وهذا الطعن الذي يكون أمام مجلس الدولة كأول وآخر درجة، يعد تراجعا عن طريقة الطعن الذي كان في الأمر 97-09 الذي كان يتم على درجتين كما ورد في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 17 من هذا الأمر، حيث كانت هذه المادة القديمة تنص على أنه «يجب على الوزير المكلف بالداخلية، إذا رأى أن شروط التأسيس المطلوبة في المادتين 13 و14 من هذا القانون لم تستوف، أن يبلغ رفض التصريح التأسيسي بقرار معلل قبل انقضاء الأجل المنصوص عليه في المادة 15 من هذا القانون.

       يمكن مؤسسي الحزب الطعن في قرار الرفض المذكور أعلاه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة خلال أجل شهر ابتداء من تاريخ تبليغ قرار الرفض. يكون القرار القضائي الصادر في هذا الشأن قابلا للاستئناف أمام مجلس الدولة».

    وقد يعود سبب تراجع المشرع الجزائري عن التقاضي على درجتين في المادة 22 من القانون العضوي 12-04 إلى درجة واحدة بقوله: «... ويكون قرار الرفض قابلا للطعن أمام مجلس الدولة، ويمارس هذا الطعن الأعضاء المؤسسون» هو محاولة منه لتسهيل إجراءات التقاضي واختصارا لها للسرعة في تأسيس الحزب السياسي. بينما رأى البعض أنه تقليص من فرص تأسيس الأحزاب السياسية[1]. كما أنه قد يعد تراجعا عن مبدأ التقاضي على درجتين الذي يعد من المبادئ المستقر عليها قضائيا.



[1] بن أحميده أسماء، المرجع السابق، ص. 25

2.3. المطلب الثالث: سكوت الإدارة وعدم الرد خلال المدة المحددة قانونا

إذا سكتت الإدارة ولم ترد على طلب مؤسسي الحزب خلال المدة المحددة قانونا، وهي ستين يوما من إيداع طلب التصريح بتأسيس الحزب، سواء إيجابا أو سلبا، فإن هذا السكوت يجعل من الحزب السياسي ومشروعه حزبا مصرحا به وبمثابة ترخيص لتحضير المؤتمر التأسيسي، وهو ما نصت عليه المادة 23 من القانون العضوي 12-04 التي جـــــــــــاء فيها: « يعد سكوت الإدارة بعد انقضاء أجل الستين (60) يوما المتاح لها، بمثابة ترخيص للأعضاء المؤسسين من أجل العمل على عقد المؤتمر التأسيسي للحزب السياسي في الأجل المنصوص عليه في هذا القانون العضوي».

   لكن هل الواقع يسمح للأعضاء المؤسسين باللجوء إلى المرحلة الثانية من مراحل تأسيس الحزب السياسي إذا سكتت الإدارة؟ وهل اعتبار المشرع السكوت في هذه الحالة قبولا ضمنيا يعد قفزة نوعية نحو تسهيل تأسيس الأحزاب السياسية أم تراجعا؟