الفصل الأول: النظام الانتخابي

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: المنازعات الدستورية
Livre: الفصل الأول: النظام الانتخابي
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Saturday 20 April 2024, 10:24

Description

   يحتاج النظام الانتخابي إلى معرفة مفهوم الانتخاب ومضمونه وتكييفه القانوني وأساليبه مع مختلف تطوراته التاريخية.

1. المبحث الأول: تعريف الانتخاب ومضمونه وتطوره التاريخي وتكييفه القانوني.

المبحث الأول: تعريف الانتخاب ومضمونه وتطوره التاريخي وتكييفه القانوني.

1.1. المطلب الأول: تعريف الانتخاب ومضمونه

  الانتخاب هو طريقة أو أسلوب يستعمل لعرض المترشحين على الناخبين وفرز النتائج وتحديدها، وهي كثيرة يمكن إدراجها ضمن أساليب ممارسة الحق أو الوظيفة، فهو حق أو وظيفة[1].

   وعرفت نظم الحكم القديمة والحديثة، وخاصة الديمقراطية الليبرالية منها، نظام الانتخاب. إلا أن هذه الوسيلة اشتهرت في النظم القانونية الغربية نتيجة استحالة تطبيق الديمقراطية المباشرة بعد انتقادها من الدولة اليونانية القديمة، باعتبارها لا تحقق المساواة بين المواطنين في تولي السلطة، فاعتمدوا القرعة في تولي الوظائف العامة.[2]



[1] الأمين شريط، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة 4، 2005، ص.225

[2] سعيد بوالشعير، القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة، ديوان المطبوعات الجامعية، ج2، 1999، ص.102

1.2. المطلب الثاني: التطور التاريخي للانتخاب.

     ساد في العصر القديم نظام كان يسمى بالديمقراطية المباشرة، والذي كان يعني تسيير شؤون الدولة مباشرة دون إنابة. وكانت بدايته في اليونان حينما كان يجتمع المواطنون الأحرار في جمعيات لاتخاذ القرارات الضرورية لتسيير شؤونهم. ثم انهار هذا النظام، وساد الحكم الفردي باستثناء فترات معينة في روما والدولة الإسلامية، إلى ان جاءت الثورة الفكرية التي اعتمدت على الديمقراطية كأساس لحكم الشعب وارتبط مفهومها بالانتخاب حتى أصبح الفقه يربط بين النظام الديمقراطي والانتخاب الشعبي[1].



[1] نعمان الخطيب، المرجع السابق، ص. 101

1.3. المطلب الثالث: التكييف القانوني للانتخاب

كان هناك جدل واسع بين فقهاء القانون الدستوري الفرنسي، بعد الثورة الفرنسية، حول تكييف الانتخاب. وارتبط هذا الجدل بنظرية السيادة ومفهومها ومن له الحق بممارستها. فحين ساد مبدأ "سيادة الأمة" اعتبر الانتخاب وظيفة، وحين ساد مبدأ "سيادة الشعب" اعتبر الانتخاب حقا شخصيا[1]. لكن هناك نظريات أخرى لتكييف الانتخاب ظهرت فيما بعد. وسنتطرق تباعا إلى هذه النظريات بالتفصيل.

الفرع الأول: الانتخاب وظيفة

   اعتبر الانتخاب وظيفة عندما سادت نظرية مبدأ "سيادة الأمة" وعدم جواز تجزئة السيادة بين الأفراد الذين عليهم واجب اختيار ممثليهم ضمن مجموع واحد يعبر عن إرادتهم. لذلك يعد الانتخاب، وفق هذه الرؤية، وظيفة وواجبا دستوريا. وتبنى هذا المفهوم قادة الثورة الفرنسية وأعضاء الجمعية التأسيسية الذين نادوا بمبدأ سيادة الأمة وقننوه في إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي، مؤكدين أنه لا يجوز لأي فرد الادعاء بوجود أي حق له في ممارسة السيادة بالانتخاب، وإنما الانتخاب هو تكليف وواجب على الأفراد لاختيار ممثليهم والتعبير عن الإرادة العامة للجميع[2].

      ونتج عن هذه النظرية إجازة إجبار وإلزام الناخبين على الانتخاب وجعل التصويت إجباريا وتقرير العقوبات المناسبة على من يتخلف عن آدائها. كما يجيز الأخذ بنظام الاقتراع المقيد في الانتخاب بوضع شروط مالية أو علمية أو اجتماعية في الناخب تمهيدا لحصر من يجوز له الترشح وتمثيل الأمة. فصفة الناخب لا تعدو أن تكون وظيفة عامة لا يجوز لأي فرد الادعاء بحق فيها بمنحها المجتمع على النحو الذي تمليه مصلحته، وإن شاءت الأمة أن تجعل ممارسة هذا العمل إجبارية، فليس ما يمنعها من ذلك[3].

     وكانت هناك جملة من الانتقادات التي وجهت لهذه النظرية، منها أنه يوجد نوعين أو طبقتين من المواطنين، طبقة سلبية تتمتع بحقوق مدنية دون حقوق سياسية، وطبقة من المواطنين إيجابية، تتمتع بحقوق مدنية وسياسية[4].

 

 

 

الفرع الثاني: الانتخاب حق شخصي

   اتجه جانب آخر من الفقه الدستوري لاعتبار الانتخاب حقا شخصيا يملكه كل مواطن باعتباره من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز نزعها أو التنازل عنها. وكان جون جاك روسو أول من صرح بذلك صراحة بقوله إن التصويت حق لا يمكن انتزاعه من المواطنين[5].

     وكان أنصار هذا الاتجاه هم من أنصار نظرية مبدأ "سيادة الشعب"، أي أن كل فرد من الشعب يملك جزءا من السيادة، وأن الانتخاب هو أحد طرق ممارسة هذه السيادة، وينتج عن ذلك حق الناخب في ممارسة هذا الحق أو عدم ممارسته دون أن يتعرض لأي مسؤولية، لأنه اختياري وليس إجباري. كما أنه يقرر طريقة الاقتراع العام الذي لا يمنع أي مواطن من الانتخاب نتيجة شروط معينة كالشروط المالية أو العلمية أو الاجتماعية، دون المساس ببعض الشروط التنظيمية كالسن والجنسية والأهلية[6]. وكانت هناك فئة قليلة من رجال الثورة الفرنسية من ساندوا هذه النظرية، ومنهم الفقيه روبسبير Robespierre[7].

الفرع الثالث: الانتخاب وظيفة وحق

   ظهر هناك اتجاه ثالث رأى بأن الانتخاب حق ووظيفة في الوقت نفسه، فالتصريح بأن الانتخاب حق إنما هو اعتراف للفرد ببعض حقوقه الطبيعية والتي لا يجوز المساس بها أو الإنقاص منها لأنها تسمو على القانون الوضعي[8]. أما التصريح بأن الانتخاب وظيفة فذلك معناه أن الانتخاب ليس خيارا للفرد، بل هو إجباري عليه ولا بد له أن يمارسه وإلا كان مسؤولا أمام القانون، وهو ما يدفع أكبر عدد ممكن من الافراد يتوجهون لممارسه الانتخاب، مما يجعلهم مسؤولين عن كل ما يحدث في المجتمع[9].

الفرع الربع: الانتخاب سلطة قانونية

    يقوم الخلاف على طبيعة الانتخاب في الغالب على اعتبارات سياسية أكثر منها نظريات قانونية[10]. فتكييف الانتخاب وفق النظريات السابقة لا يلزم المشرع في شيء خلال تبنيه لنص معين أو إهماله لنص آخر. فالصالح العام هو هدف أجهزة الدولة والناخب معا، لذلك رأى اتجاه أن الانتخاب هو سلطة قانونية مقررة للناخب يحددها القانون ويضع شروطها، تسمح بالمشاركة في الحياة السياسية بشكل عادل ومتساوي. فالتحديد للمشرع والممارسة من عدمها للناخب وفق ما حدده هذا المشرع[11].

المبحث الثاني: أساليب ممارسة العملية الانتخابية.

   تبنى الفقه الدستوري أسلوبين أساسيين لممارسة الانتخاب، هما أسلوب الاقتراع المقيد وأسلوب الاقتراع العام، كما تبنى أسلوبين لفرز نتائجها من خلال نظام الأغلبية ونظام التمثيل النسبي. وسوف نعرض لهذه الأساليب بالتفصيل فيما يلي:

المطلب الأول: أساليب الانتخاب

   هناك عدة أساليب للانتخاب، منها أسلوب الاقتراع المقيد والانتخاب العام، ثم الانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر.

 الفرع الأول: الانتخاب المقيد

    إن مصطلح التقييد الوارد في هذا النوع من الاقتراع أو الانتخاب يعني وجوب اشتراط توافر أمور محددة في المترشح كالنصاب المالي أو مستوى ثقافي معين أو هما معا، إضافة إلى شروط أخرى تسمح بممارسة حق الاقتراع[12]. وانتشر هذا النوع من الاقتراع في الدساتير التي ظهرت في القرن الثامن عشر، كالدستور الأمريكي والدساتير الفرنسية حتى سنة 1848 باستثناء دستور 1793 والنظام الانتخابي الانجليزي حتى سنة 1918، وذلك لسيطرة نظرية مبدأ سيادة الأمة خلال هذه الفترة. وكانت رؤية واضعي نظام الاقتراع المقيد آنذاك هي تحقيق التوازن بين مصلحتين، هما الاختيار الأفضل لفئات الأمـــــــــــــة القادرة على التمثيل الأحسن والابتعـــــاد على النزوات الشخصية والمصالح الخاصة[13]. فشرط النصاب المالي اشترطه مختلف الدساتير والقوانين الانتخابية في وقت من الأوقات، وذلك لسعي الطبقة البورجوازية الاحتفاظ بالسلطة السياسية بعد أن انتزعتها منها الطبقة الأرستقراطية[14].

   كما ذهب رأي آخر إلى أن اشتراط النصاب المالي وامتلاك ثروة، خاصة العقارية منها، بهدف المساهمة في تحمل نفقات الدولة، وبالتالي المساهمة في الدفاع عن الوطن. كما أن امتلاك هذه الثروة دون غيره من المواطنين يعني حسن الإدارة والكفاءة في التسيير[15].

   كما ذهب اتجاه آخر لتبرير هذا الشرط آنذاك وهو أن ما دام أصحاب الثروات هم الذي يدفعون الضرائب، فهم الذين يحق لهم المشاركة في الحيــــــــــــــــــــــاة السياسية وممارسة حـــــق الانتخاب[16].

   لكن هذا القيد تعرض لعدة انتقادات، لأنه خلق فئة كبيرة من المواطنين بعيدة عن مصدر القرارات السياسية، لذلك تراجع هذا القيد مع تطور الوعي الديمقراطي وزيادة المشاركة الشعبية، وهو ما تجسد في صدور التعديل الرابع والعشرين للدستور الأمريكي سنة 1964، وصدور الإصلاح الانتخابي في انجلترا عام 1918.[17] أما شرط الكفاءة أو التعليم فمضمونه وجوب حصول الناخب على مستوى تعليمي معين أو درجة علمية أو الإلمام بالقراءة والكتابة، مثلما ذهبت بعض القوانين الأساسية لولايات الجنوب الأمريكية حينما اشترطت الكتابة والقراءة باللغة الانجليزية وتفسير الدستور الأمريكي. كما أن بعض الأنظمة القانونية خففت من شرط النصاب المالي بشرط توافر المستوى العلمي لدرجة معينة[18].

الفرع الثاني: الانتخاب العام

   يقصد بمصطلح "العام" في هذا النوع من الاقتراع أو الانتخاب هو عدم اشتراط أي شرط في الناخب، مالي أو تعليمي أو أي شرط آخر. فبمجرد ورود شرط معين كان الاقتراع مقيدا[19]. وكان الانتقال إلى هذا النوع من الاقتراع هو التطور الديمقراطي والرغبة في توسيع القاعدة الشعبية المشاركة. غير أن عدم اشتراط النصاب المالي والمستوى التعليمي لا يعني عدم إمكانية اشتراط شروط أخرى تكون في مصلحة الناخب والمترشح في آن واحد، كاشتراط سن معينة، لأنه لا يصلح أن ينتخب الأطفال أو المجانين أو فاقدي الأهلية[20].

     كما أن هناك شرط آخر لا يتنافى مع الاقتراع العام هو شرط الجنسية، فالانتخاب هو من أهم الحقوق السياسية لأي مواطن، لذلك فإنه من البديهي أن يقتصر على مواطني الدولة الذين يحملون جنسيتها. أما الأجانب فلا يتمتعون بهذا الحق، لأنه لا يعقل مساواة الاثنين في ممارسة الحقوق السياسية، بل هناك من الدول من تميز حتى بين المواطن الأصلي والمتجنس، حيث تشترط في هذا الأخير مدة معينة حتى يمكن قياس مدى اندماجه وولائه للدولة التي رغب في حمل جنسيتها[21]. كما أن هناك شرطا آخر أضافته بعض الدساتير والأنظمة الانتخابية وهو شرط الجنس، فالانتخاب يقتصر على الذكور دون الإناث. وكان إلى وقت معين منح الإناث حق الانتخاب يعد مخالفة دستورية[22]. وكان مبرر هذا الاتجاه أن الرجال يتفوقون على الإناث بحكم التكوين الجسماني والنفسي وهو ما ينعكس على أعمالهم ومنها الانتخاب[23]. ومع انتشار الديمقراطيات الحديثة وزيادة حركات تحرير المرأة، ذهبت غالبية الدساتير في العالم إلى الاعتراف للنساء بحق الانتخاب، بل الأكثر من ذلك الحق في الترشح[24]. كما أن هناك بعض الدساتير والأنظمة الانتخابية تشترط بلوغ سن معينة لممارسة حق الانتخاب، ويسمى هذا السن بالسن الانتخابي أو سن الرشد السياسي، وهو السن الذي يمكن من ممارسة الحق الانتخابي بعد استيفاء الشروط الأخرى، فسن الرشد السياسي يفترض اكتمال النضج السياسي لصاحبها، والذي يمكنه من ممارسة حق الانتخاب والمشاركة في تدبير بعض الأمور السياسية[25]. لذلك ذهبت غالبية الدول إلى فرض سن الرشد السياسي أكبر من سن الرشد المدني. وكانت غالبية الدول قد أخذت بسن الرشد السياسي بين 18 و25 سنة[26]. كما أن هناك دول اشترطت الأهلية العقلية والأهلية الأدبية، أو ما يسمى بالاعتبار الأدبي الناتج عن عدم الحكم الجزائي أو الحجر أو سلب الحرية.

  واتجه الفقه الدستوري إلى أن الاقتراع العام يتماشى مع الديمقراطية والحرية والمساواة، فهو يسمح للشعب بالمشاركة في الحياة السياسية عكس الاقتراع المقيد، لأنه يسمح بتربية سياسة جيدة ويدفع بالمواطن للاهتمام أكثر بالشؤون العامة وإصلاح الأمور السياسية والاجتماعية للشعب بالمشاركة الفعالة من خلال الاقتراع[27]. كما رأى جانب آخر من الفقه أن الاقتراع العام هو سبيل للوقاية من الثورات الناتجة عن الحقد الذي ولده الاقتراع المقيد[28]. لذلك فإن الأنظمة السياسية والقانونية التي جربت هذه الآثار لا يمكنها العودة إليه، بل وتسعى إلى توطيد أسس الاقتراع العام[29].

 

الفرع الثالث: الانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر

    إن الانتخاب المباشر هو الذي يقوم به الناخبون مباشرة لاختيار ممثليهم، أما الانتخاب غير المباشر فهو الذي يقوم فيه الناخبون باختيار مندوبين عنهم يتولون بدورهم انتخاب ممثليهم من المترشحين. فالانتخاب المباشر يكون على درجة واحدة، بينما الانتخاب غير المباشر يكون على درجتين أو أكثر[30]. وأصبح نظام الانتخاب المباشر هو الشائع في مختلف الأنظمة القانونية الحديثة بسبب خدمته للديمقراطية وارتباطه بالاقتراع العام وما له من مزايا وإيجابيات. فعيوب الانتخاب غير المباشر جعلت الدول تستبعده إلا في أمور محددة كالدول التي تأخذ بنظام المجلسين في السلطة التشريعية، بحيث يكون انتخاب الأول بطريقة مباشرة، ويكون انتخاب المجلس الثاني بطريق غير مباشر[31]. كما أن الانتخاب المباشر يوسع تمثيل القاعدة الشعبية وتنمية شعورها بالمسؤولية السياسية[32].

الفرع الرابع: الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة



[1] المرجع نفسه، ص. 275

[2] المرجع نفسه، ص. 276

[3] كمال غالي، مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية، المرجع السابق، ص. 210

[4] محمود عاطف البنا، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 244

[5] عبد الغني بسيوني عبد الله، النظم السياسية، المرجع السابق، ص.224

[6] نعمان الخطيب، المرجع السابق، ص. 277

[7] ثروت بدوي، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 195

[8] محسن خليل، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 210

[9] نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص. 278

[10] ثروت بدوي، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 197

[11] مصطفى أبو زيد فهمي، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 109

[12] نعمان احمد الخطيب، المرجع السابق، ص. 281

[13] ثروت بدوي، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 203

[14] كمال الغالي، مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية، ص. 211

[15] سعيد بوالشعير، المرجع السابق، ص. 103

[16] أنظر:

. Duverger, M, Institutions Politiques et Droit Constitutionnel, Op.Cit, p.113

[17] نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص. 283

[18] ثروت بدوي، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 305

[19] أنظر:

 Barthelemy.J et Duez. P., Traité de Droit Constitutionnel, Op.Cit, p.294.

[20] سليمان الطماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري، المرجع السابق، ص. 209

[21] ثروت بدوي، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 206

[22] المرجع نفسه، ص. 209

[23] محمود عاطف البنا، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 351

[24] نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص.287

[25] ادمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري العام، المرجع السابق، ص. 451

[26] انظر:

. Burdeau. G, Manuel de Droit Constitutionnel et Institutions Politiques., Op.Cit., p.477

[27] نعمان أحمد الخطيب، الوسيط...، المرجع السابق، ص. 302

[28] مصطفى أبو زيد فهمي، الأنظمة السياسية، المرجع السابق، ص. 111

[29] محسن خليل، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 182

 

[30]أنظر:

. Duverger. M., Institutions Politiques et droit Constitutionnel, Op. Cit., p. 120

[31] سعيد بو الشعير، القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة، المرجع السابق، ص. 109

[32]أنظر:

. Giquel.J et Hauriou. A, Droit Constitutionnel…, Op. Cit., p. 244

2. المبحث الثاني: أساليب ممارسة العملية الانتخابية.

تبنى الفقه الدستوري أسلوبين أساسيين لممارسة الانتخاب، هما أسلوب الاقتراع المقيد وأسلوب الاقتراع العام، كما تبنى أسلوبين لفرز نتائجها من خلال نظام الأغلبية ونظام التمثيل النسبي. وسوف نعرض لهذه الأساليب بالتفصيل فيما يلي:

2.1. المطلب الأول: أساليب الانتخاب

هناك عدة أساليب للانتخاب، منها أسلوب الاقتراع المقيد والانتخاب العام، ثم الانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر.

 الفرع الأول: الانتخاب المقيد

    إن مصطلح التقييد الوارد في هذا النوع من الاقتراع أو الانتخاب يعني وجوب اشتراط توافر أمور محددة في المترشح كالنصاب المالي أو مستوى ثقافي معين أو هما معا، إضافة إلى شروط أخرى تسمح بممارسة حق الاقتراع[1]. وانتشر هذا النوع من الاقتراع في الدساتير التي ظهرت في القرن الثامن عشر، كالدستور الأمريكي والدساتير الفرنسية حتى سنة 1848 باستثناء دستور 1793 والنظام الانتخابي الانجليزي حتى سنة 1918، وذلك لسيطرة نظرية مبدأ سيادة الأمة خلال هذه الفترة. وكانت رؤية واضعي نظام الاقتراع المقيد آنذاك هي تحقيق التوازن بين مصلحتين، هما الاختيار الأفضل لفئات الأمـــــــــــــة القادرة على التمثيل الأحسن والابتعـــــاد على النزوات الشخصية والمصالح الخاصة[2]. فشرط النصاب المالي اشترطه مختلف الدساتير والقوانين الانتخابية في وقت من الأوقات، وذلك لسعي الطبقة البورجوازية الاحتفاظ بالسلطة السياسية بعد أن انتزعتها منها الطبقة الأرستقراطية[3].

   كما ذهب رأي آخر إلى أن اشتراط النصاب المالي وامتلاك ثروة، خاصة العقارية منها، بهدف المساهمة في تحمل نفقات الدولة، وبالتالي المساهمة في الدفاع عن الوطن. كما أن امتلاك هذه الثروة دون غيره من المواطنين يعني حسن الإدارة والكفاءة في التسيير[4].

   كما ذهب اتجاه آخر لتبرير هذا الشرط آنذاك وهو أن ما دام أصحاب الثروات هم الذي يدفعون الضرائب، فهم الذين يحق لهم المشاركة في الحيــــــــــــــــــــــاة السياسية وممارسة حـــــق الانتخاب[5].

   لكن هذا القيد تعرض لعدة انتقادات، لأنه خلق فئة كبيرة من المواطنين بعيدة عن مصدر القرارات السياسية، لذلك تراجع هذا القيد مع تطور الوعي الديمقراطي وزيادة المشاركة الشعبية، وهو ما تجسد في صدور التعديل الرابع والعشرين للدستور الأمريكي سنة 1964، وصدور الإصلاح الانتخابي في انجلترا عام 1918.[6] أما شرط الكفاءة أو التعليم فمضمونه وجوب حصول الناخب على مستوى تعليمي معين أو درجة علمية أو الإلمام بالقراءة والكتابة، مثلما ذهبت بعض القوانين الأساسية لولايات الجنوب الأمريكية حينما اشترطت الكتابة والقراءة باللغة الانجليزية وتفسير الدستور الأمريكي. كما أن بعض الأنظمة القانونية خففت من شرط النصاب المالي بشرط توافر المستوى العلمي لدرجة معينة[7].

الفرع الثاني: الانتخاب العام

   يقصد بمصطلح "العام" في هذا النوع من الاقتراع أو الانتخاب هو عدم اشتراط أي شرط في الناخب، مالي أو تعليمي أو أي شرط آخر. فبمجرد ورود شرط معين كان الاقتراع مقيدا[8]. وكان الانتقال إلى هذا النوع من الاقتراع هو التطور الديمقراطي والرغبة في توسيع القاعدة الشعبية المشاركة. غير أن عدم اشتراط النصاب المالي والمستوى التعليمي لا يعني عدم إمكانية اشتراط شروط أخرى تكون في مصلحة الناخب والمترشح في آن واحد، كاشتراط سن معينة، لأنه لا يصلح أن ينتخب الأطفال أو المجانين أو فاقدي الأهلية[9].

     كما أن هناك شرط آخر لا يتنافى مع الاقتراع العام هو شرط الجنسية، فالانتخاب هو من أهم الحقوق السياسية لأي مواطن، لذلك فإنه من البديهي أن يقتصر على مواطني الدولة الذين يحملون جنسيتها. أما الأجانب فلا يتمتعون بهذا الحق، لأنه لا يعقل مساواة الاثنين في ممارسة الحقوق السياسية، بل هناك من الدول من تميز حتى بين المواطن الأصلي والمتجنس، حيث تشترط في هذا الأخير مدة معينة حتى يمكن قياس مدى اندماجه وولائه للدولة التي رغب في حمل جنسيتها[10]. كما أن هناك شرطا آخر أضافته بعض الدساتير والأنظمة الانتخابية وهو شرط الجنس، فالانتخاب يقتصر على الذكور دون الإناث. وكان إلى وقت معين منح الإناث حق الانتخاب يعد مخالفة دستورية[11]. وكان مبرر هذا الاتجاه أن الرجال يتفوقون على الإناث بحكم التكوين الجسماني والنفسي وهو ما ينعكس على أعمالهم ومنها الانتخاب[12]. ومع انتشار الديمقراطيات الحديثة وزيادة حركات تحرير المرأة، ذهبت غالبية الدساتير في العالم إلى الاعتراف للنساء بحق الانتخاب، بل الأكثر من ذلك الحق في الترشح[13]. كما أن هناك بعض الدساتير والأنظمة الانتخابية تشترط بلوغ سن معينة لممارسة حق الانتخاب، ويسمى هذا السن بالسن الانتخابي أو سن الرشد السياسي، وهو السن الذي يمكن من ممارسة الحق الانتخابي بعد استيفاء الشروط الأخرى، فسن الرشد السياسي يفترض اكتمال النضج السياسي لصاحبها، والذي يمكنه من ممارسة حق الانتخاب والمشاركة في تدبير بعض الأمور السياسية[14]. لذلك ذهبت غالبية الدول إلى فرض سن الرشد السياسي أكبر من سن الرشد المدني. وكانت غالبية الدول قد أخذت بسن الرشد السياسي بين 18 و25 سنة[15]. كما أن هناك دول اشترطت الأهلية العقلية والأهلية الأدبية، أو ما يسمى بالاعتبار الأدبي الناتج عن عدم الحكم الجزائي أو الحجر أو سلب الحرية.

  واتجه الفقه الدستوري إلى أن الاقتراع العام يتماشى مع الديمقراطية والحرية والمساواة، فهو يسمح للشعب بالمشاركة في الحياة السياسية عكس الاقتراع المقيد، لأنه يسمح بتربية سياسة جيدة ويدفع بالمواطن للاهتمام أكثر بالشؤون العامة وإصلاح الأمور السياسية والاجتماعية للشعب بالمشاركة الفعالة من خلال الاقتراع[16]. كما رأى جانب آخر من الفقه أن الاقتراع العام هو سبيل للوقاية من الثورات الناتجة عن الحقد الذي ولده الاقتراع المقيد[17]. لذلك فإن الأنظمة السياسية والقانونية التي جربت هذه الآثار لا يمكنها العودة إليه، بل وتسعى إلى توطيد أسس الاقتراع العام[18].

 

الفرع الثالث: الانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر

    إن الانتخاب المباشر هو الذي يقوم به الناخبون مباشرة لاختيار ممثليهم، أما الانتخاب غير المباشر فهو الذي يقوم فيه الناخبون باختيار مندوبين عنهم يتولون بدورهم انتخاب ممثليهم من المترشحين. فالانتخاب المباشر يكون على درجة واحدة، بينما الانتخاب غير المباشر يكون على درجتين أو أكثر[19]. وأصبح نظام الانتخاب المباشر هو الشائع في مختلف الأنظمة القانونية الحديثة بسبب خدمته للديمقراطية وارتباطه بالاقتراع العام وما له من مزايا وإيجابيات. فعيوب الانتخاب غير المباشر جعلت الدول تستبعده إلا في أمور محددة كالدول التي تأخذ بنظام المجلسين في السلطة التشريعية، بحيث يكون انتخاب الأول بطريقة مباشرة، ويكون انتخاب المجلس الثاني بطريق غير مباشر[20]. كما أن الانتخاب المباشر يوسع تمثيل القاعدة الشعبية وتنمية شعورها بالمسؤولية السياسية[21].

الفرع الرابع: الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة

    يتم الانتخاب الفردي بتقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية بقدر عدد النواب المراد انتخابهم، وبالتالي يكون لكل دائرة انتخابية نائب واحد ينتخبه سكانها، ولا يجوز لأي ناخب أن ينتخب أكثر من مترشح واحد. أما الانتخاب بالقائمة فيقلل عدد الدوائر الانتخابية ويخصص لكل دائرة عدد من النواب يتم انتخابهم في قائمة، ويقوم الناخب بانتخاب نواب الدائرة الانتخابية بواسطة قائمة يكتب فيها أسماء المرشحين الذين يختارهم بالعدد الذي يحدده قانون الانتخاب[22]. والانتخاب بالقائمة قد يكون انتخابا مغلقا بحيث يشترط على الناخب التصويت على القائمة كلها دون تغييرها أو تعديلها، أو المزج بين عدة قوائم[23].

  اختلف فقهاء القانون الدستوري في تقييمهم لكل نوع من هذين النوعين من الانتخاب. وكان لكل اتجاه حججه ومبرراته. فأما مبررات وحجج الاتجاه المؤيد للانتخاب الفردي فيرون أنه نظام يمتاز بالسهولة والبساطة، لأن الناخب يسهل عليه اختيار نائب واحد من المترشحين في دائرته الانتخابية، بينما الانتخاب بالقائمة يصعب اختيار الناخب[24]. فالانتخاب الفردي يسهل الحكم على المترشح منفردا، بالإيجاب أو بالسلب، بينما الانتخاب بالقائمة قد لا يسمح بالحكم على المترشحين ما دام أنه يمكن وضع أسماء ذات وزن وأسماء أخرى ليست كفؤة أو سمعتها لا تسمح لها بالترشح[25]. كما أن الانتخاب الفردي يحقق المساواة بين الدوائر الانتخابية ما دام أن كل دائرة يمثلها مترشح واحد، وهو النائب الذي سيمثلها. بينما في الانتخاب بالقائمة فإن النواب يختلف عددهم. لذلك يرى الفقه الدستوري أن هذا الفرق يؤدي إلى إعطاء فرصة للأحزاب الصغيرة في الفوز بمقاعد عكس الانتخاب بالقائمة الذي قد يجعل الفوز بالمقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية مخصصا فقط للأحزاب الكبيرة[26]. أما مبررات وحجج الانتخاب بالقائمة فيرون هذا النظام أفضل من الانتخاب الفردي، لأن الانتخاب على القائمة يعني الانتخاب على البرنامج والسياسات وليس على العلاقات الشخصية. كما أن التوسيع من الدوائر الانتخابية يوجه الاهتمام إلى المستوى الوطني بدل المستوى المحلي. فالانتخاب بالقائمة يجنب المجتمع وسائل تشويه الانتخابات كالضغط على الناخبين أو المرشحين، فقد قيل إنه من السهل تسميم كوب ماء، لكن من الصعب تسميم نهر بأكمله[27].

     إن هذا التقييم، من خلال مزايا وعيوب كل نظام، جعلت الدول مترددة في اتباع نظام معين. ففرنسا مثلا ترددت بين النظامين لمدة طويلة، حيث اتبعت نظام الانتخاب بالقائمة منذ سنة 1857، ثم رجعت إلى نظام الانتخاب الفردي عام 1889، ثم إلى نظام القائمة سنة 1919 ثم الفردي سنة 1927 ثم القائمة سنة 1946[28].



[1] نعمان احمد الخطيب، المرجع السابق، ص. 281

[2] ثروت بدوي، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 203

[3] كمال الغالي، مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية، ص. 211

[4] سعيد بوالشعير، المرجع السابق، ص. 103

[5] أنظر:

. Duverger, M, Institutions Politiques et Droit Constitutionnel, Op.Cit, p.113

[6] نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص. 283

[7] ثروت بدوي، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 305

[8] أنظر:

 Barthelemy.J et Duez. P., Traité de Droit Constitutionnel, Op.Cit, p.294.

[9] سليمان الطماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري، المرجع السابق، ص. 209

[10] ثروت بدوي، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 206

[11] المرجع نفسه، ص. 209

[12] محمود عاطف البنا، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 351

[13] نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص.287

[14] ادمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري العام، المرجع السابق، ص. 451

[15] انظر:

. Burdeau. G, Manuel de Droit Constitutionnel et Institutions Politiques., Op.Cit., p.477

[16] نعمان أحمد الخطيب، الوسيط...، المرجع السابق، ص. 302

[17] مصطفى أبو زيد فهمي، الأنظمة السياسية، المرجع السابق، ص. 111

[18] محسن خليل، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 182

 

[19]أنظر:

. Duverger. M., Institutions Politiques et droit Constitutionnel, Op. Cit., p. 120

[20] سعيد بو الشعير، القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة، المرجع السابق، ص. 109

[21]أنظر:

. Giquel.J et Hauriou. A, Droit Constitutionnel…, Op. Cit., p. 244

[22] نعمان أحمد الخطيب، الوسيط...، المرجع السابق، ص. 318

[23] سليمان الطماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري، المرجع السابق، ص. ص. 221-222

[24]أنظر:

 Burdeau. G, Manuel de droit Constitutionnel et Institutions Politiques, Op.Cit, p.479.

[25] نعمان أحمد الخطيب، الوسيط...، المرجع السابق، ص. 319

[26] عبد الحميد متولي، القانون الدستوري والأنظمة السياسية، المرجع السابق، ص. 147

[27] سليمان الطماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري، المرجع السابق، ص. 222

[28] نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص. 321

2.2. المطلب الثاني: أساليب فرز النتائج الانتخابية

هناك أسلوبين رئيسيين لفرز النتائج الانتخابية هما أسلوب الأغلبية وأسلوب التمثيل النسبي. ويتعلق هذان النظامان بنتائج الانتخاب وليس بطريقة التصويت، فهما وسيلتين لفرز الأصوات وتحديد المقاعد التي تحصل عليها المترشحون.

الفرع الأول: نظام الأغلبية

   يقصد بنظام الأغلبية أن الفوز سيكون حليف المرشح الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات، سواء كان انتخابا فرديا أو انتخابا بالقائمة. فإذا كان الانتخاب فرديا فإن المترشح الفائز هو الذي يتحصل على أكبر عدد من أصوات الناخبين، أما إذا كان الانتخاب بالقائمة فإن الأغلبية تعني فوز القائمة التي تحصلت على أكبر عدد من الأصوات[1].

  وتتنوع الأغلبية إلى أغلبية مطلقة (Absolue) وأغلبية نسبية أو بسيطة (Simple ou relative).

أولا: الأغلبية المطلقة

     تعني الأغلبية المطلقة حصول المترشح الفائز (سواء كان انتخابا فرديا أو بالقائمة) على أكثر من نصف عدد أصوات الناخبين الصحيحة التي انتخبت، أي نسبة 50% من الأصوات زائد صوت على الأقل، وهذا معناه أن باقي المترشحين، مهما كان عددهم، سيحصلون مجتمعين على أقل من خمسين بالمئة، لذلك يقال إنها نسبة مطلقة، أي طليقة ولا تحتاج إلى أي شرط أو سبب لتكملتها، فهي حرة من أي عامل مكمل آخر[2]، وتسمى منه الأغلبية بالمطلقة وتفترض تحقيق هذا العدد مهما كان عدد الأدوار التي تتم فيها العملية الانتخابية.

ثانيا: الأغلبية النسبية أو البسيطة

   تفترض هذه الأغلبية فوز كل مترشح (مهما كان نوع الانتخاب، فرديا أو بالقائمة) الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات، مهما كان عددها، فالمهم في العملية هو فوز المترشح الذي كان نصيبه من الأصوات المعبر عنها والصحيحة أكبر، وهذا مهما كان مجموع الأصوات التي تحصل عليها بقية المترشحين. ومثال ذلك لو كان عدد الأصوات الصحيحة في العملية الانتخابية 5000 صوت، تحصل المترشح الأول على 1500 صوت، وتحصل الثاني على 1000 صوت، والثالث على 900 صوت، والرابع على 800 صوت، والخامس على 800 صوت، فإن المترشح الفائز هو الذي يتحصل على 1500 صوت ولو كان مجموع ما تحصل عليه البقية أكبر منه، وهذا مهما كان نوع الانتخاب فرديا أو بالقائمة[3]. لذلك تسمى الانتخابات التي يتم فرز نتائجها بهذه الطريقة بانتخابات الجولة الواحدة أو الجولة الأولى[4].

الفرع الثاني: نظام التمثيل النسبي

    توزع المقاعد في هذا النظام الانتخابي على الأحزاب المشاركة في الانتخابات أو القوائم الحرة بحسب عدد أصوات الناخبين التي تحصل عليها كل قائمة في هذه العملية الانتخابية. لذلك فإن هذا النظام يفترض أن تكون العملية الانتخابية بالقائمة مع تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية[5].

    ولفهم أكبر لهذه الطريقة أو هذا النظام (نظام التمثيل النسبي) نسرد هذا المثال البسيط، فلنفترض أن دائرة انتخابية ما خصص لها خمسة عشر مقعدا، وكل مقعد يحتاج إلى 1000 صوت. تحصلت القائمة (أ) على 5000 صوت وتحصت القائمة (ب) على 4000 صوت والقائمة (جـ) على 3000 صوت، والقائمة (د) على 2000 صوت، والقائمة (ه) على 1000 صوت، فيكون نصيب القائمة (أ) 5 مقاعد، ويكون نصيب القائمة (ب) 4 مقاعد، ويكون نصيب القائمة (جـ) 3مقاعد، ويكون نصيب القائمة (د) مقعدين، وأخيرا يكون نصيب القائمة (هـ) مقعد واحد[6]. فلو كان النظام هو نظام الأغلبية، فيفوز الحزب (أ) على المقاعد الخمسة عشر، فنظام التمثيل النسبي يضمن للأحزاب الصغيرة المشاركة في الحياة السياسية.

  يمتاز نظام الأغلبية بالبساطة والوضوح والقدرة على تكوين أغلبية برلمانية متماسكة وقوية لتشكيل حكومة متجانسة تضمن استقرارا في الحكم، خصوصا في الدول التي تعتنق النظام السياسي البرلماني. كما يمتاز هذا النظام أيضا ببساطة الإجراءات والسرعة في فرز النتائج الإيجابية.

   وإذا كان من إيجابيات نظام الأغلبية أنه يضمن تشكيل حكومة متماسكة، خصوصا في الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني، فإن هذه الإيجابية قد تتحول إلى سلبية إذا ما استبدت هذه الأغلبية وواجهت الأقلية ولم تحترم الرأي الآخر، أو لم تشكل الحكومة إلا من حزب واحد، فقد نكون أمام فساد سياسي يؤدي إلى فساد النظام النيابي ككل[7]. كما رأى غالبية الفقه الدستوري أن نظام التمثيل النسبي أكثر الأنظمة قربا واتفاقا مع الديمقراطية، لأنه يسمح بتمثيل كافة شرائح الشعب واتجاهاته، ويسمح لأكبر عدد ممكن من الوصول إلى المراكز والمناصب السياسية، فهو، في رأي الفقه الدستوري، الأكثر عدالة من ضمن بقية الأنظمة[8]. يشجع النظام الانتخابي المبني على التمثيل النسبي الناخبين على كما أنه لن تكون هناك أغلبية تؤدي إلى استبداد واحتكار للممارسة السياسية، فهو يحافظ على التنافس السياسي من خلال الحفاظ على الأحزاب الموجودة في الدولة الكبيرة منها والصغيرة.

   بينما لنظام التمثيل النسبي عدة سلبيات، رغم الإيجابيات التي سبق التفصيل فيها. ومن هذه السلبيات كثرة وتعقيد إجراءاته، فهو نظام معقد في العملية الانتخابية وفي تحديد وفرز الأصوات وإعلان النتائج[9]. كما يؤدي نظام التمثيل النسبي إلى تعدد الأحزاب السياسية وكثرتها، مما قد يشتت الحياة السياسية ويجعل من الصعب اختيار الحزب الأجدر بتمثيل الشعب[10]. ثم إن نظام التمثيل النسبي يجعل من وصول عدد أكبر من الأحزاب إلى البرلمان (الانتخابات التشريعية)، وهي ميزة من ميزات هذا النظام. لكن قد تنقلب هذه الميزة إلى سلبية وعقبة في الحياة السياسية للدولة، وربما الوصول إلى حالات فراغ دستوري يهدد الدولة، وذلك من خلال عدم حصول أي حزب على أغلبية تسمح له من تشكيل الحكومة بمفرده، مما يجبره على اللجوء إلى بقية الأحزاب أو القوائم الحرة، ربما لم تحصل على أصوات كثيرة، وذلك لتشكيل حكومة تسمى حكومة "ائتلافية". وإذا ما تشكلت هذه الحكومة الائتلافية فإنها تكون ضعيفة في مواجهة القرارات والوضع ما دامت ستكون مبنية على تعدد الآراء وبالتالي قد تكون نتيجة مجاملات سياسية، ربما نتجت عن مساومات خاصة دون مراعاة للصالح العام. وإذا لم يكتب لهذه المساومات أن تحققت، فإن مآل الحكومة هي الفشل وبالتالي الانهيار، مما يجعل الحياة السياسية مهددة في كل مرة[11]. كما أن هذا اللا استقرار الحكومي يؤدي إلى عدم الاستقرار الوزاري، ما دام كل حزب أو قائمة حرة يساوم على الحقائب الوزارية التي يرى أنها تخدم مصالحه بغض النظر عن المصلحة الوطنية، فهو يرى أن الذين لجأوا إليه هم في حاجة ماسة إليه، ولو لم يتحصل على عدد كاف من المقاعد النيابية[12].

 

 



[1] ثروت بدوي، النظم السياسية، المرجع السابق، ص. 231

[2] محسن خليل، النظم السياسية والقانون الدستوري، المرجع السابق، ص.193

[3] نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص. 325

[4]أنظر:

 Duverger. M, Op. Cit., p.130.

[5] محسن خليل، النظم السياسية...، المرجع السابق، ص. 195

[6] نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص. 327

[7] انظر:

 Barthelemy et Duez, Traité de droit Constitutionnel, Op.Cit, p. 345.

[8] نعمان الخطيب، المرجع السابق، ص. 331

[9] نعمان الخطيب، الوسيط...، المرجع السابق، ص. 332

[10] حامد ربيع، علم النظرية السياسية، القاهرة، 1980، ص. 314

[11] عبد الحميد متولي، أزمة الأنظمـــــــــة الديمقراطية، دار المعارف، 1964، ص. 46،

     ونعـــمان الخطيـــب، المرجع السابق، ص. 333

[12] سليمان الطماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري، المرجع السابق، ص. 267