الإرادة المنفردة كمصدر للالتزام

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: مصادر الالتزام الإرادة المنفردة والعقد
Livre: الإرادة المنفردة كمصدر للالتزام
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Friday 17 May 2024, 03:49

1. تعريف الإرادة المنفردة كمصدر للالتزام

     يقصد بالإرادة المنفردة إرادة الشخص الواحد، وبهذا فهي تختلف عن العقد الذي قوامه تطابق إرادتين لشخصين على الأقل. (4) فالإرادة المنفردة إذن هي تصرف قانوني من جانب واحد، ويمكن من خلاله ترتيب آثار قانونية عديدة، كإنشاء الأشخاص الاعتبارية، أو الحقوق العينية، أو تصحيح التصرفات القانونية كالعقد القابل للإبطال... (5)

   تعريف: التصرف القانوني الانفرادي acte juridique unilatéral هو عمل قانوني يتم وينتج أثره بإرادة واحدة.(6)

   ملاحظة: واختلف الفقه بشأن مدى اعتبار الإرادة المنفردة مصدرا للالتزام بين مؤيد ومعارض؛ نتيجة الخلاف حول مدى كفاية الإرادة الواحدة لإنشاء الالتزام، فاعتبر جانب من الفقه أن الإرادة المنفردة مصدر عام للالتزام مثله مثل العقد، بينما ذهب جانب آخر إلى اعتبارها مصدرا خاصا لبعض الالتزامات فقط. للتفصيل أكثر في هذه النقطة، راجع الملف التالي: ملف

    هام: تأثر المشرع الجزائري بالجدل الفقهي حول مدى اعتبار الإرادة المنفردة مصدرا للالتزام؛ ويظهر ذلك من خلال تباين موقفه من هذه المسألة، وهو التباين الذي يمكن استنتاجه من خلال مقارنة نصوص مواد ق.م.ج. قبل وبعد سنة 2005 حيث تم تعديل القانون في عدة مسائل (9)، ومنها مسألة الإرادة المنفردة. فقبل 2005 كانت الإرادة المنفردة مجرد مصدر استثنائي للالتزام، لتصبح مصدرا عاما بعد ذلك. (10)

   نص قانوني: تنص المادة 123 مكرر من ق. م. ج. على أنه: " يجوز أن يتم التصرف بالإرادة المنفردة للمتصرف ما لم يلزم الغير."

   ومهما كان الخلاف حول مدى اعتبار الإرادة المنفردة مصدرا عاما أم خاصا للاتزام، فإن هذا الخلاف لا وجود له بشأن الوعد بجازة، باعتبارها تطبيقا للإرادة المنفردة كمصدر للالتزام في مختلف التشريعات المعاصرة. وهو ما سندرسه، فيمايلي.

2. تطبيقات الإرادة المنفردة كمصدر للالتزام ( الوعد بجائزة)

يعتبر الوعد بجائزة تطبيقا تشريعيا للإرادة المنفردة في مجال مصادر الالتزام، وهو الصورة النموذجية للتعبير عن الإرادة بصورة منفردة والتي ترتب آثارا قانونية.

يمكن تعريف الوعد بجائزة بأنه:

   تعريف: إعلان موجه للجمهور يلتزم الواعـد بموجبـه بإعطاء جائزة على عمل يقوم به شخص غير معين بذاته (7). تصرف قانوني بإرادة منفردة هي إرادة الواعد الذي يعلن للجمهور عن جائزة لأي شخص يقوم بعمل معين (8).

2.1. شروط الوعد بجائزة

لم يخص المشرع الجزائري الوعد بجائزة بتعريف خاص، بل اكتفى بتحديد الشروط الواجب توفرها في الإرادة المنفردة لتعتبر وعدا بجائزة.

    نص قانوني: المادة 123مكرر1 من ق. م. ج.: " من وعد الجمهور بجائزة يعطيها عن عمل معين يلزم بإعطائها لمن قام بالعمل، ولو قام به دون نظر إلى الوعد بالجائزة أو دون علم بها. و إذا لم يعين الواعد أجلا لإنجاز العمل، جاز له الرجوع في وعده بإعلان الجمهور، على ألا يؤثر ذلك في حق من أتم العمل قبل الرجوع في الوعد. يمارس حق المطالبة بالجائزة في أجل ستة(6) أشهر من تاريخ إعلان العدول للجمهور " . 

نستنتج من هذا النص أنه ليكون التصرف وعدا بجائزة لابد من الشروط التالية: 

     1. أن توجد إرادة باتة تتجه إلى الالتزام: لقيام الوعد بجائزة يجب أن تصدر عن الواعد إرادة نهائية لا مجال للتردد أو الرجوع فيها تهدف إلى ترتيب الالتزام بشكل نهائي و يس فقط مجرد الدعوة إلى التعاقد. ذلك أن مصدر الالتزام في هذه الحالة مصدر إرادي هو الإرادة المنفردة الباتة هي الإرادة التي ينشأ عنها الالتزام ،ويجب أن ترد هذه الإرادة بناء على أهلية قانونية و تراض سليم من عيوب الإرادة وأن ترد على محل مستوف لشروطه من حيث الإمكان والتعيين و امشروعية، وأن يتوافر سبب مشروع.

      2. أن يوجه الوعد إلى الجمهور: يجب أن تتوجه الإرادة المنفردة إلى أشخاص غير معنيين بذواتهم، أي إلى الجمهور ويقصد منه العامة من الأشخاص، لأنها إذا وجهت إلى شخص معين فلا تكون وعدا بالمفهوم القانوني السليم للوعد بجائزة بل تصبح إيجابا لا بد أن يقترن به قبول وإلا سقط. وفي هذا الفرض نكون في نطاق العقد وليس الإرادة المنفردة. وبالتالي فإن التعبير عن الإرادة هنا يكون بأن يتم توجيهه للجمهور وليس إلى شخص معين، ويقصد بالجمهور ذلك العدد غير المحدد من الناس، الذين يتم إعلامهم بأية وسيلة من شأنها أن تحقق علمهم بالوعد.

    مثال: ومثال ذلك الإعلان عبر الجرائد اليومية عن جائزة نقدية لمن يجد طفلا ضائعا، الإعلان عبر الرسائل النصية القصيرة أو عبر اللوحات الإشهارية عن جائزة نقدية أو عينية للمشترك المليون في شركة اتصالات.

     3. أن يقوم بالعمل واحد من الجمهور الموجه إليه الوعد بالجائزة: يلتزم الواعد بإعطاء الجائزة لمن يقوم بالعمل المعين في الوعد، ذلك أن سبب الوعد هو القيام بعمل معين. ويشترط في العمل أن يكون معينا، وممكنا غير مستحيل، ومشروعا. كما أنه لا يكفي لاستحقاق الجائزة مجرد التواجد في مركز معين دون القيام بأي عمل، بمعنى آخر أن الوعد بجائزة لا ينطبق على من تتوافر فيه صفة معينة، دون أن يقوم بأي عمل.

    مثال: ومثاله التواجد في مركز معين، كأن يولد طفل في تاريخ محدد، أن يصاب شخص في معركة حربية،أن يصاب الشخص بمرض معين، أو أن يبلغ سنا محددا.

    في هذه الحالالت لا يمكن تطبيق الوعد بجائزة؛ ذلك أن الأشخاص هنا لم يقوموا بأي عمل، بل توافرت فيهم صفات جعلتهم في مراكز قانونية خاصة. لهذا فإن ما يقدم لهم من أشياء مادية أو معنوية يكون بموجب عقد هبة يتطلب رضاهم، فنكون بصدد عقد بإرادتين، وليس بصدد وعد بجائزة بناء على إرادة واحدة.

    ملاحظة: انفرد التقنين المدني الإيطالي لسنة 1989 باعتباره لتواجد الشخص في مركز معين من قبيل الوعد بجائزة الموجه للجمهور متى تم الإعلان العام عن هذه المراكز القانونية. فقد اعتبر بأن " من يوجه للجمهور وعدا بجائزة لمن يوجد في مركز معين أو يقوم بعمل معين يلتزم بذلك الوعد متى صار علنيا". (11)

    4. أن يتضمن الوعد إعطاء جائزة معينة: يجب على الواعد أن يلتزم بأن يقدم جائزة ذات قيمة معينة. ويستوي  أن تكون الجائزة ذات قيمة مادية بأن تكون في صورة نقدية ( مبلغ من النقود) أو في صورة عينية ( هاتف، سيارة، منزل، أثاث، رحلة...). أو أن تكون ذات قيمة معنوية بأن تكون في صورة تكريم، أو كاس، أو وسام...

2.2. أحكام الوعد بجائزة

    تختلف أحكام الوعد بجائزة بحسب ما إذا كان الوعد محددا أو غير محدد بمدة.

    1. أحكام الوعد بجائزة محدد المدة: الوعد بجائزة محدد المدة هو الوعد الذي يحدد فيه الواعد تاريخا للجمهور ليقوم خلاله بالعمل محل الوعد. فإذا حدد للواعد مدة محددة لوعده يكون قد التزم وبإرادته المنفردة على أن يبقى على وعده وأن لا يرجع فيه إلى ينقضي أجل الوعد،  كما أنه يلتزم في مواجهة الشخص مستحق الجائزة الذي قام بالعمل محل الوعد وخلال الأجل المحدد بأن يقدم له الجائزة الموعود بها. ولا يؤثر في استحقاق الجائزة أن يكون الشخص قد قام بالعمل محل الوعد قصد الحصول على الجائزة أو لسبب آخر، كما لا يؤثر فيه مدى علم الشخص القائم بالعمل بوجود الوعد بالجائزة أو بعدم وجودها، زلا حتى أن يكون الشخص قد قام بالعمل قبل الإعلان عن الجائزة. أما إذا انقضى الأجل المحدد في الوعد دون أن يقوم أي شخص بالعمل، فإن الوعد يسقط ويتحلل الواعد منه. وكذلك الحال عندما يشرع الشخص في العمل ولكنه لا يتمه إلا بعد انتهاء الأجل، فإن الواعد في هذه الحالة لا يلتزم بأي شيء ولا يحق للشخص مطالبة الواعد بأي تعويض، ذلك أن الواعد لم يصدر عنه أي خطأ يستوجب التعويض.

    2. أحكام الوعد بجائزة غير محدد المدة: الوعد بجائزة غير محدد المدة هو الوعد الذي لا يحدد فيه الواعد تاريخا للجمهور ليقوم خلاله بالعمل محل الوعد بل يبقى الأجل مفتوحا. نميز بين الفرضيات الثلاثة التالية:

        1.2. إذا لم يشرع بعد أي شخص في القيام بالعمل موضوع الوعد بالجائزة، جاز للواعد الرجوع عن وعده دون أن تترتب عليه أية آثار قانونية.

        2.2.  إذا قام و أتم شخص معين بالعمل موضوع الوعد بالجائزة قبل إعلان الواعد الرجوع عن وعده، كان لهذا الشخص الحق في مطالبة الواعد بالجائزة الموعود بها مقابل العمل الذي قام به على أساس التزامه بالإرادة المنفردة .

        3.2. إذا شرع شخص في القيام بالعمل موضوع الوعد بالجائزة وأعلن الواعد عن رجوعه عن وعده  قبل إتمام العمل بشكل نهائي،  كان للشخص الذي شرع في القيام بالعمل الرجوع على الواعد العادل عن الوعد على أساس المسؤولية التقصيرية، ويحق له أن يحصل على تعويض عما لحقه من خسارة أو ما فاته من ربح على أن لا تتجاوز قيمة التعويض قيمة الجائزة الموعود بها.

الوعد بجائزة محدد المدة هو الوعد الذي يحدد فيه الواعد تاريخا للجمهور ليقوم خلاله بالعمل محل الوعد.فإذا حدد للواعد مدة محددة لوعده يكون قد التزم وبإرادته المنفردة على أن يبقى على وعده وأن لا يرجع فيه إلى ينقضي أجل الوعد،  كما أنه يلتزم في مواجهة الشخص مستحق الجائزة الذي قام بالعمل محل الوعد وخلال الأجل المحدد بأن يقدم له الجائزة الموعود بها. ولا يؤثر في استحقاق الجائزة أن يكون الشخص قد قام بالعمل محل الوعد قصد الحصول على الجائزة أو لسبب آخر، كما لا يؤثر فيه مدى علم الشخص القائم بالعمل بوجود الوعد بالجائزة أو بعدم وجودها، زلا حتى أن يكون الشخص قد قام بالعمل قبل الإعلان عن الجائزة.أما إذا انقضى الأجل المحدد في الوعد دون أن يقوم أي شخص بالعمل، فإن الوعد يسقط ويتحلل الواعد منه. وكذلك الحال عندما يشرع الشخص في العمل ولكنه لا يتمه إلا بعد انتهاء الأجل، فإن الواعد في هذه الحالة لا يلتزم بأي شيء ولا يحق للشخص مطالبة الواعد بأي تعويض، ذلك أن الواعد لم يصدر عنه أي خطأ يستوجب التعويض.