صعوبات إعمال قواعد المسؤولية التقليدية في المجال البيئي

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: قانون المسؤولية الدولية للبيئة
Livre: صعوبات إعمال قواعد المسؤولية التقليدية في المجال البيئي
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Sunday 5 May 2024, 20:27

1. الصعوبات القانونية

بالرغم من تسجيل وجود بعض القضايا ذات الصلة المباشرة بحماية البيئة ،إلا أنها تظل محدودة في مجال تحريك المسؤولية الدولية للدول نتيجة عدة عوامل ذات الأصل التقني، المالي، السياسي و القانوني. هذا العامل الأخير سيتم تناوله بالتحليل الدقيق.

في حادثة Tchernobyl كافة الشروط كانت متوفرة لإقرار مسؤولية الاتحاد السوفياتي دوليا عن الأضرار الناتجة عن الإشعاعات التي طالت دول الجوار،غير أنه لم يتم وضعها محل اتهام نتيجة عوامل سياسية وصعوبات استراتيجية، لاسيما وجود تضامن بين الدول بحيث أن المتضررة منها كانت تخشى أن تتحول هي الأخرى في المستقبل إلى دول ملوثة.

الفيديو الموالي يلخص وقائع هذه الكارثة البيئية وأثر الأضرار البيئية على دول الجوار من زاوية النطاق الجغرافي:

1.1. الصعوبات المرتبطة بطبيعة الالتزامات البيئية

سبق أن ذكرنا بأن الفعل الدولي غير المشروع يتحقق عند خرق التزام دولي بالمفهوم الذي تأكد في قضية مصنع كورزو. وللتأكد من مسألة الخرق أو الانتهاك لابد من تحديد طبيعة الالتزام محل الخرق.

نقل هذا الكلام في المجال البيئي  يؤدي إلى ظهور إشكال يرتبط أساسا بمرونة الالتزامات الدولية في مجال البيئة، إذ أن معظم المعاهدات الدولية في هذا الصدد تحدد أو ترسم فقط ملامح الأهداف الواجب تحقيقها من خلال الالتزامات التعاهدية، وهذا ما يجعل مضمون الالتزام في حد ذاته يرتبط بـإرادة الأطراف المتعاقدة .

كذلك يعتبرالالتزام في المجال البيئي التزام سابق obligation d'antipation والتزام بـالوقاية obligation de prévention وهذا ما يجعل مضمونه يختلف من نشاط إلى آخر وكذلك رهنا بالوسائل و درجة التقدم التقني. وعلى مبنى مما سبق يظهر بأن الالتزامات البيئية هي التزامات مرنة و غامضة أو غير دقيقة من حيث محتواها، وهذا ما ينجم عنه صعوبة في تحديد الالتزام الأولى الذي يستند إليه لتكييف الفعل الدولي و تحديد عدم مشروعيته و بالتبعية الوقت الذي تترتب ابتداء منه المسؤولية. 

1.2. صعوبة تحديد الجهة المسؤولة و إسناد الفعل غير المشروع

بهدف التوصل إلى إسناد الفعل الغير مشروع دوليا إلى جهة معينة، يتعين مبدئيا تحديد المسؤول عن الفعل غير المشروع. وهذا الأمر يطرح إشكالا كبيرا في مجال حماية البيئة. ومن ذلك نجد أن عامل المسافة بين الجهة المسؤولة عن التلوث ومصدر الضرر لا يمكن تحديده بسهولة أو بالدقة اللازمة، كما لا يمكن السيطرة عليه.

ومن أمثلة ذلك التلوث العابر للحدود لاسيما جراء الأبخرة و الغازات أو التلوث الإشعاعي .

هناك عامل آخر يرتبط بإمكانية صدور التلوث عن كيانات خاصة بحيث يكون هذا التلوث عابر للحدود،. وبالتالي تظهر صعوبة تحديد إطار تحريك المسؤولية لأنها ترتبط بعامل الرقابة.

ويزداد الإشكال تعقيدا متى كانت هذه الرقابة ممارسة أو خاضعة لمجموعة من الدول بشأن نفس النشاط، بحيث إذا لم تحدد بصفة واضحة و مسبقة الدولة التي يكون لها أفضلية الرقابة تطبيقا للمادة 47 من مشروع مواد 2001، ففي مثل هذا الوضع تنعقد المسؤولية لكل الدول المعنية. وبالنتيجة إسناد الفعل الدولي غير المشروع للدولة يرتبط بمفهوم الرقابة،والذي يبقى في مجال البيئة غامضا نظرا للمخاطر التي قد تنجر عن النشاطات البيئية، لذلك يوجد غالبا تلازم بين مفهوم الرقابة ومفهوم الوقاية Prévention.

1.3. الصعوبة المرتبطة بإقامة علاقة السببية

في الفعل الدولي غير المشروع، حتى و إن كان الضرر لا يعد عنصرا ضروريا لإثارة المسؤولية الدولية إلا أن ضرورة القيام بإصلاحه يتطلب إقامة علاقة السببية بين الالتزام الدولي الذي تم انتهاكه و الضرر المستجوب للإصلاح.

وهذه العلاقة يصعب إثبات وجودها في المجال البيئي لعدة أسباب أهمها :

1/ صعوبة تحديد الضرر الموجب للمسؤولية سواء نتيجة عدم تحققه دفعة واحدة أو لكونه ضررا غير مباشر، لاسيما بالنظر للمسافة المادية و الزمنية التي قد تفصل بين الفعل و الضرر. و مثل هذه الحالة تجسدت مرارا لاسيما على إثر حادثة Tchernobyl في أوكرانيا سنة 1986 ( 26 أفريل ) .

2/ يضاف إلى ذلك إشكالية تفاعل أنواع مختلفة من التلوثات مما يترتب عنها صعوبة تحديد مصدر و نوع التلوث المتسبب في الضرر وكذلك استحالة حصر آثاره نتيجة العوامل الفيزيائية والمناخية مما يعيق إسناد الضرر إلى سبب أو عامل معين و محدد. وبالتالي صعوبة إقامة علاقة سببية بين التصرف أو خرق الالتزام الدولي و الضرر مما يحول دون إمكانية المطالبة بالتعويض .

الصورة الموالية تختزل هذا الإشكال الأخير الذي يسم الأضرار البيئية:

                                   

1.4. صعوبة إثارة المسؤولية

تعتبر تقنية المسؤولية على أساس الفعل غير المشروع صعبة التطبيق في مجال حماية البيئة التي تتطلب تحديات و تمس المصلحة العامة للدول و للإنسانية على حد السواء.

في هذا الصدد نجد أن محكمة العدل ّالدولية في قضية Gabcikovo – Nagymaros في 1997 اعتبرت بأن اهتمامات المجر المرتبطة بالبيئة تنطوي على مصلحة أساسية للدولة.كما أكدت على أن الأهمية التي يعكسها احترام البيئة، لا ترتبط فقط بالدول ولكن بمجموع النوع البشري في عمومه. لذلك يظهر بأن الالتزامات في المجال البيئي ترتبط في عديد الحالات بـقواعد في مواجهة الكافة Erga Omnes أي ذات مصلحة مشتركة، لاسيما في حالة كون الأضرار البيئية تمس بالتراث المشترك Res Communis أي بمجالات غير خاضعة لسيادة أي دولة كأعالي البحار و المجال الجوي الدولي أو الفضاء الخارجي ... الخ.

ففي مثل هذه الحالات لا يمكن اعتبار أي دولة بأنها متضررة على سبيل التحديد نتيجة الفعل الدولي غير المشروع، لكون الضرر في مثل هذا الوضع يلحق بالإنسانية جمعاء، ولا يوجد في القانون الدولي إمكانية لتقديم مطالب باسم هذه الإنسانية. وهذا ما يستدعي ضرورة إعمال الأحكام ذات الصلة الواردة بالاتفاقيات المعنية، كأحكام اتفاقية مونتي قوباي لسنة 1982 المتعلقة بنظام المنطقة الدولية أين يمكن للسلطة الدولية لأعماق البحار أن تتحرك باسم الإنسانية. وهو ما يفيد قصور ومحدودية نظـام المسؤولية الدولية الذي لا يزال عاجزا عن إيجاد أحكام تخص الحق في تحريك دعوى المسؤولية نيابة عن البشرية أو الجماعة الدولية .