أساس قيام المسؤولية الدولية في المجال البيئي
Site: | Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2 |
Cours: | قانون المسؤولية الدولية للبيئة |
Livre: | أساس قيام المسؤولية الدولية في المجال البيئي |
Imprimé par: | Visiteur anonyme |
Date: | Saturday 23 November 2024, 09:27 |
:مقدمة
لفترة طويلة، ظلت المسؤولية الدولية للدول من منظور تقليدي تشبه بالأساس المسؤولية المدنية، فكانت تقتصر وفقا لذلك على الالتزام بموجب أحكام القانون الدولي بإصلاح الضرر الناتج عن الإخلال بالتزام مترتب لمصلحة شخص من الأشخاص القانونية، سواء تعلق الأمر بالدولة الضحية أو مواطنيها أو ممتلكاتها.
وفي حقيقة الأمر لم يتم تبني نظام المسؤولية الدولية بناء على الخطأ إلا بصفة جزئية في المجال البيئي،تاركا المجال لتطور فكرة المسؤولية دون خطأ responsabilité sans faute. ويعزى ذلك لكون المسؤولية الدولية للدول من منظور الفقه التقليدي تشبه بالأساس المسؤولية المدنية إلا أنها تقتصر على الالتزام بإصلاح الناتج عن الإخلال بالتزام مترتب لمصلحة شخص من الأشخاص القانونية. لذلك فهي وفقا لأحكام القانون الدولي ليست بالمسؤولية المدنية المعروفة في القانونالداخلي ولا الجنائية، وإنما ببساطة هي مسؤولية دولية
تعد نظرية الخطأ من أقدم نظريات المسؤولية التي تم نقلها من مجال القانون الداخلي إلى القانون الدولي على يدّ الفقيه "جروسيوس" والذي اقتنع بضرورة ترتيب المسؤولية على الدولة التي ينسب إليها خطأ أو إهمال نتيجة فشلها في الحيلولة دون وقوع التصرف الخاطئ من رعاياها، ويستوي في ذلك كونها أجازت هذا التصرف بالإمتناع عن العقاب عليه أو التهاون في توقيع العقاب
ويعد إقامة المسؤولية الدولية للدول على أساس الخطأ في القانون الدولي ضربا من التضليل و التشويش. ذلك أن الخطأ يأخذ وصفين ،الأول يتحدد وفقا للمدلول الذاتي ويتطلب وجود النية أوالقصد أو التهور من جانب الدولة. أما الثاني فهو موضوعي ومحله خرق التزام دولي.
وينجم عن التميز بين المدلولين السابقين أنه في حال الاستناد إلى المعنى الذاتي فلا مجال للحديث عن المسؤولية الدولية في المجال البيئـي استنادا لفكـرة الخطأ. ويتعزز القول باستبعاد المفهوم الذاتي للخطأ لمصلحة المفهوم الموضوعي بالرجوع إلى القانون الروماني الكلاسيكي، والذي يقر بأن الخطأ الذي تنبني وفقا له المسؤولية يمتاز بخصائص موضوعية باعتباره ناجم عن الظروف الموضوعية التي تحيط بالضرر بدلا من الحالة الذهنية للقائم به (بالخطأ).وبالتالي تقوم نظرية الخطأ على أساس عدم إمكانية مساءلة الدول ما لم يصدر عنها فعل خاطئ يلحق ضررا بغيرها من الدول بغض النظر عما إذا كان هذا الخطأ متعمدا أم غير ذلك، كما يستوي أن يكون الفعل الخاطئ عملا إيجابيا أو في صورة امتناع عن القيام بعمل.
نخلص إذن إلى أن مفهــوم الخطأ كأساس للمسؤوليــة ينحصر في عـدم التصرف مع بذل العنايـــة اللازمـة أو الواجبــة أوخرق لأحكام معاهدة أو إتيان عمل محظـور.
يكفـي في هذا الصدد الاستدلال بما انتهى إليه الأستـاذ Jiménez de Aréchaga بقوله :" إذا كانت القاعدة الدولية التي تم حذفها على وجه التحديد تنطوي على الخبث أو الإهمال المتعمد، فإن قواعد القانون الدولي لا تتضمن شرطا عاما للإهمال أو النية المبيتة كشرط لقيام المسؤولية ".
مثال:
1- تعبر قضية مضيق كورفو بين ألبانيا و المملكة المتحدة المناسبة التي من خلالها اعترفت المحكمة الدائمة للعدل الدولي بمسؤولية ألبانيا عن الأضرار التي لحقت بالبحرية البريطانية نظرا لكون الظروف المحيطة تدل على استحالة جهل ألبانيا بوجود ألغام في مياهها الإقليمية،وفي ذلك إشارة لقيام المسؤولية على أساس الخطأ. ومع ذلك لم تستعمل المحكمة مصطلح " الخطأ" عند إقرارها بمسؤولية ألبانيا بالرغم من تأكدها من أن مسؤولية هذه الأخيرة قامت لعدم اتخاذها الإجراءات اللازمة وامتناعها عن إعلام السلطات البريطانية بوجود الألغام في نطاق بحرها الإقليمي رغم علمها بذلك.
2- كذلك من الحالات التي طبق فيها القضاء نظرية الخطأ قضية الدار البيضاء، والتي بمناسبتها أقامت محكمة التحكيم الدولية الفرق بين المخالفات الناتجة عن الإهمال وتلك بدون خطأ على خلفية التنازع في الاختصاص بين السلطات العسكرية الفرنسية المحتلة لمدينة الدار البيضاء المغربية و القنصل الألماني.
3- ومن القضايا التي اعتبر فيها الخطأ كأسـاس لقيـام المسؤوليــة الدوليـة قضيــة دار جمعيــة التبشيــــر homemissionary society بين المملكة المتحدة وبريطانيا سنة 1920.
بالرغم من أن جانب من الفقه أيد بقوة نظرية الخطأ، ومن ذلك نستشهد بما ورد عن الفقيه LAUTERPACHT في تعليق له على حكم المحكمة الدائمة للعدل الدولي في قضية مضيق كورفو والذي يعتبره بمثابة تأكيد بأن الخطأ يصلح كأساس للمسؤولية الدولية وبأنه لا مجال للحديث عن المسؤولية دون الخطأ، إلا أن تطبيق هذه النظرية تعترضها العديد من الصعوبات منها على وجه التحديد :
1/ غموض نظرية الخطأ واعتمادها على المعيار الشخصي يصعب من تطبيقها في التعامل الدولي.
2/ عدم توافق فكرة التصرف الضار مع القانون الدولي وبالتبعية صعوبة حصر الخطأ وتحديد مرتكبه. 3/ أن مناط قيام المسؤولية الدولية هو انتهاك الالتزامات و القواعد الدولية، وهذا الأمر لا يتطلب ضرورة حدوث خطأ شخصي من جانب الدولة ولا سوء نية أو عدم حيطة.
4/ عدم صلاحية نظرية الخطّأ لمعالجة كافة أنواع الأضرار، لاسيما البيئية منها.
مقدمة:
أضعف المدلول الشخصي لفكرة الخطأ، الأساس الذي تنبني عليه المسؤولية الدولية وفقا لنظرية الخطأ. وفي أعقابه ظهر اتجاه فقهي بقيادة الفقيه Anzilotti ينادي بتبني نظرية الفعل الدولي غير المشروع على اعتبار ارتباط المسؤولية بطبيعة الإصلاح المقرر جبرا للضرر نتيجة فعل غير مشروع أي نتيجة سلوك ينسب للدولة وفقا لأحكام القانون الدولي، سواء تم في صورة القيام بفعل أو الامتناع واللذان ينجم عنهما المخالفة للالتزامات الدولية المقررة في القانون الدولي الاتفاقي أو العرفي أو وفقا للمبادئ القانونية العامة المستقرة .
نص قانوني: نصت المادة الأولى من مشروع المواد حول مسؤولية الدول نتيجة فعل دولي غير مشروع المتبناة من قبل لجنة القانون الدولي CDI في 9 أوت 2006 على أن : " أي عمل دولي غير مشروع للدولة يحرك مسؤوليتها الدولية" .
مفهوم الفعل الدولي غير المشروع:
ينصب العمل الدولي الغير مشروع على انتهاك الشخص الدولي (الدولة) لالتزاماته الدولية سواء في شكل إيجابي أي الإتيان بعمل أو سلبي أي الامتناع ، ومهما كان مصدر هذه الالتزامات الدولية، مما ينجم عنه الالتزام بإصلاح الضرر. وبالتالي فالعمل الدولي الغير مشروع يتجسد في الإتيان بعمل أو مجموعة من الأعمال أو الامتناع أو في الصورتين معا. ومن جهة أخرى مسألة تحديد وجود فعل غير مشروع دوليا يرتبط بالدرجة الأولى بمضمون الالتزام الذي تم خرقه وبالشروط العامة المحددة للطابع غير المشروع للعمل. ومن ذلك نجد بأن المحكمة الدائمة للعدل الدولي أكدت صراحة في قضية الفوسفات في المغرب على أنه عندما تقوم دولة بعمل غير مشروع دوليا اتجاه دولة أخرى، فإن مسؤوليتها الدولية تقوم مباشرة في إطار العلاقات بين الدول . في المجال البيئي نطاق تطبيق نظام المسؤولية وفقا للعمل الدولي غير المشروع محدد ومقيد، لكونه نظام مكمل لا يمكن اللجوء إلى تطبيقه إلا في حالة عدم وجود نظام آخر للمسؤولية بموجب أحكام اتفاقية دولية.
أكدت محكمـة العدل الدوليــة CIJ في كل من قضيــة مضيــق كـورفو وقضيــة الأنشطــة الحربيــة و شبه حربية في نيكاراغوا وضدها وكذلك في قضية مشروع Gabcikovo_Nafymaros، علاوة على بعض من آراءها الاستشارية، كرأيها بمناسبة تفسير اتفاقيات السلام ورأيها بمناسبة إصلاح الأضرار التي لحقت بمصالح الأمم المتحدة بعبارات صريحة بأنه : "من الواضح بأن رفض الوفاء بالتزام اتفاقي أو تعاهدي من شأنه تحريك المسؤولية الدولية".
عناصر الفعل الدولي غير المشروع:
تفرض المادة الثانية من مشروع مواد لجنة القانون الدولي لقيام المسؤولية الدولية على أساس الفعل الدولي غير المشروع ضرورة توفر شرطين أساسيين :
أولا: ضرورة وجود عمل أو امتناع عن عمل يشكل خرقا و انتهاكا للالتزامات الدولية للدولة (شرط موضوعي).
ثانيا: نسبة الفعل الدولي غير المشروع إلى الدولة بموجب أحكام القانون الدولي (شرط شخصي).
والملاحظ أن هذان الشرطان تم التأكيد عليهما في العديد من المناسبات. ففي قضية فوسفات المغرب ربطت المحكمة الدائمة للعدل الدولي نشأة المسؤولية بوجود تصرف يسند إلى دولة ويوصف بأنه مخالف للالتزامات التعاهدية لدولة أخرى.
كما أن محكمة العدل الدولية في قضية الرهائن بين الولايات المتحدة الأمريكية وطهران اعتبرت أن مسؤولية الأخيرة تقوم في الحالة التي يمكن من خلالها إسناد التصرف إلى طهران والتأكد من مدى مطابقته مع الالتزامات الدولية المفروضة عليها بموجب المعاهدات السارية أو بموجب أي قاعدة من قواعد القانون الدولي الواجبة التطبيق. وفي هذه القضية بالذات انتهت المحكمة إلى قيام مسؤولية طهران نظرا لعدم تحرك السلطات الإيرانية inaction والتي لم تتخذ التدابير اللازمة في الظروف القائمة.
زيادة على ذلك يستوي أن يكون الفعل الدولي الغير مشروع مخالف للالتزام تعاهدي أو غير تعاهدي. وفي هذا الإطار أكدت المحكمة الدائمة للعدل الدولي في قضية مصنع كورزو chorzow بأن: " انتهاك التزام دولي ما يؤدي بالضرورة إلى الالتزام بإصلاحه بشكل مرض وكاف ".
أساسي:
لا توجد قاعدة عامة بخصوص ضرورة وجود ضرر dommage لقيام المسؤولية، فانتهاك التزام دولي من قبل دولة قد لا يتسبب في حدوث ضرر لدولة أخرى نتيجة لهذا الخرق. كما أن أغلب الفقه يرى بأن الخطأ faute لا يعتبر شرطا أساسيا لقيام الفعل الدولي غير المشروع لاسيما إذا كان المقصود من الخطأ العامل المعنوي أ و البسيكولوجي أي مدى وجود نية خبيثة ( سوء نية).
من الثابت قضاء أن تكييف الفعل على أنه غير مشروع هي مسألة قانون دولي وبالتالي لا تتأثر بالتكييف الذي يتم وفقا للقانون الداخلي.
اعتبرت محكمة العدل الدولية في قضية Elettronica Sicula أن مطابقة التصرف للقانون الداخلي و مطابقته لأحكام معاهدة دولية هي مسائل مختلفة. فما يشكل خرقا للالتزام تعاهدي قد يعتبر مشروعا في القانون الداخلي ، وما يعتبر غير مشروع في القانون الداخلي قد لا ينجم عنه أي انتهاك للالتزام دولي. وعليه تكييف الفعل الدولي على أنه غير مشروع في القانون الدولي لا يتأثر بتكييفه على أساس المشروعية وفقا للقانون الداخلي .
بالرغم من قيام هذه النظرية على أسس منطقية و قانونية لتأسيس مساءلة الدول نتيجة الضرر وليد الفعل الدولي غير المشروع، وإقرارها نتيجة لذلك بالتزام هذه الأخيرة المتسببة في الضرر بصورتيه المادية و المعنوية بالتعوض جبرا لهذا للضرر، إلا أنه يعاب عليها عدم مسايرتها للتطورات العلمية والتكنولوجية في المجال البيئي، والتي أثرت على طبيعة الفعل المولد للضرر و للمسؤولية الدولية تبعا لذلك، لاسيما وأن التقدم التقني أفضى عن ظهور أخطار وأضرار جديدة في العديد من المجالات البيئية بالرغم من أنها من نتاج أفعال مشروعة لا يحظرها القانون.
إن الفعل الدولي الغير مشروع كأساس للمسؤولية الدولية في مجال البيئة يسمح بإفلات بعض التصرفات و الأفعال الصادرة عن الدولة والتي تتسبب في أضرار بيئية من المساءلة، كالأنشطة الاقتصادية العادية والتي تعتبر مشروعة من وجهة نظر القانون الدولي . الأمر الذي يدعوا للبحث في الأساس الذي تنبني عليه المسؤولية في مثل هذه الحالات طالما لم يتم انتهاك أي التزام دولي.
تولت لجنة القانون الدولي CDI منذ 1963 مهمة إرساء قواعد نظام قانوني للمسؤولية على أساس المخاطر، أين فرق مقررها الخاص R.Ago بين المسؤولية الدولية على أساس العمل الدولي غير المشروع و التي تندرج ضمن ما يعرف بـ "المساءلة" Responsability أي إمكانية مساءلة الدولة عن الأفعال الصادرة عنها وبالتبعية عن انتهاكها للالتزام الدولي، والمسؤولية على أساس المخاطر Liability والتي ترتبط بالتزام الدولة بإصلاح الأضرار التي تتسبب فيها بالرغم من انتفاء اللامشروعية
وفقا للمفهوم الواسع lacto sensu تعني المسؤولية الدولية على أساس
المخاطر:" المسؤولية عن عمل لا يلعب فيه الخطأ أي دور مؤسس...وتوصف بأنها موضوعية كونها تترتب موضوعيا دون إمكانية نسبة أي خطأ لم يرتكب".
لم يعد الخطأ و الفعل غير المشروع كأسس لقيام مسؤولية الدولة بإمكانهما مسايرة التقدم الصناعي والتكنولوجي والثورة العلمية، كما لم تعد الأفعال المشروعة التي لا يحظرها القانون في منأى عن تحريك آلية المسؤولية متى كانت تنطوي على خطورة تنتج عنها أضرارا تلحق بالدول المجاورة، في غياب اشتراط الخطأ أو الإهمال أو حدوث الضرر. لذلك فهذه المسؤولية تقوم على فكرة تحمل النتائج المترتبة عن النشاطات الخطرة متى ثبت وجود علاقة سببية بين هذه الأخيرة و الضرر الواقع على شخص قانوني دولي. و عليه فالعبرة بحدوث الضرر عن النشاطات الغير محظورة دوليا. لذلك فإن الأساس القانوني لهذه المسؤولية هو فكرة تحمل التبعة أو الغنم بالغرم . وبتعبير آخر، تستند هذه النظرية إلى موضوعها أو محلها أي إلى الضرر،ولا ينظر فيها إلى عنصر الخطأ الذي يتعذر غالبا إثباته في ظل مشروعية الأنشطة التي تقوم بها الدولة وفقا لمعايير القانون الدولي. نخلص إذن إلى أنه طبقا لفكرة المسؤولية الدولية المؤسسة على المخاطر، فإن الدولة تعتبر مسؤولة عن أي عمل يسبب ضررا لمصلحة يعترف بها ويحميها القانون الدولي بصرف النظر عن أية مخالفة لأحكام هذا الأخير أو وجود خطأ صادر عنها، إعمالا لفكرة أن من يقوم بنشاط شديد الخطورة، يجب أن يتحمل المسؤولية عن المخاطر التي يخلفها هذا النشاط.. وعليه فهذه النظرية كفيلة بتخطي صعوبة إثبات الخطأ المسبب للضرر، وبالتالي عدم حرمان الطرف المتضرر من الحصول على التعويض المناسب عن الأضرار الجسيمة التي تلحق به
1/ مشروع المواد المتعلق بالمسؤولية الدولية على أساس الفعل المشروع أو الأنشطة التي لا يحرمها القانون الدولي هو نتاج تطور تدريجي للقانون الدولي الاتفاقي و ليس له أي أساس عرفي.
2/ يطرح إشكال تحديد الأنشطة الخطرة التي لا يحضرها القانون الدولي وهذا من شأنه تقويض الحماية الفعلية للبيئة نتيجة ظهور أنشطة مستقبلية جديدة. وعليه، فنطاق مشروع المواد يعتبر محدد من زاوية أنه لا يشمل ولا يغطي كافة الأنشطة التي لا يحضرها القانون الدولي لأنه يركز فقط على الأنشطة التي تتضمن خطر التسبب في أضرار بيئية، وبالنتيجة فمشروع المواد يرتبط بـالأنشطة الخطيرة activités dangereuses والجد خطيرة extremement dangereuses في حين أن الأنشطة البيئية تتضمن مخاطر لابد أن تخضع للتقدير الموضوعي لارتباطها بوضعيات و تنبؤات مستقبلية.
3/ تولى مشروع المواد تكييف الضرر و اشترط أن يكون "عابرا للحدود"transfrontiere و "ذو شأن Significatif وبالتالي فالمصطلح الأول يغطي مسائل الإقليم والولاية والرقابة، بحيث يجب أن تمارس الأنشطة على إقليم دولة أو على أماكن تخضع لولايتها أو رقابتها وتكون لها أثارا على المناطق التي تخضع لإقليم أو ولاية أو رقابة دولة أخرى. في حين يبقى الغموض قائما بشأن مفهوم الضرر ذو شأن.
وعند قراءة التعليق على مشروع المواد، يتبين بأن الضرر ذي شأن هو ضرر " يتجاوز مجرد القابلية للكشف عنه " Détectable" ولكن دون اشتراط ضرورة أن يصل إلى مستوى " الخطير Grave " أو الجوهري . فهو الضرر الذي يجب أن تكون له آثارا ضارة حقيقية على الأشياء كالصحة أو الممتلكات أو البيئة إلخ... من جهة ، وإمكانية تقدير هذه الأضرار بمعايير واقعية Factuels وموضوعية Objectives وكذلك معايير ذاتية ترتبط بظروف الحالة وبالوقت أو الزمن الذي تمت خلاله عملية تقدير الخطورة .
في حادثة Tchernobyl في 26 أفريل 1986 على الساعة 1.23 صباحا،على إثر إجراء اختبار سلامة على المفاعل النووي رقم أربعة (4)،حدث أضخم انفجار عرفه العالم. ولمدة 10 أيام استمر الوقود النووي في الاحتراق مخلفا عناصر مشعة في الجو (ما مقداره 60% من اليود المشع، و40% من مادة السيزيوم) بلغ مداها ثلاثة أرباع أوربا لاسيما روسيا، أوكرانيا، بيلاروسيا،والجمهوريات السوفياتية.
بناء على استنتاجات لجنة القانون الدولي حول التفرقة بين المسؤولية الدولية على أساس الفعل الدولي غير المشروع والمسؤولية على أساس المخاطر، أوصيت الجمعية العامة للأمم المتحدة لأول مرة في 30 نوفمبر 1970 اللجنة بضرورة دراسة مسألة المسؤولية الدولية عن النتائج الضارة الناجمة عن أنشطة أخرى، وتم تأكيد هذه التوصية في ديسمبر 1944 و 1975 .
وبموجب اللائحة رقم 97/31 الصادرة عن الجمعية العامة في 15/12/1976، تم تكليف اللجنة (CDI) بمعالجة مسألة المسؤولية الدولية عن النتائج الضارة للأنشطة التي لا يحضرها القانون الدولي، بهدف وضع نظام للمسؤولية يعرف بالمسؤولية الموضوعية La responsabilité Objective عن الفعل المشروع دوليا. مع الإشارة إلى أن هذا النوع من المسؤولية ليست له أية سوابق في القانون العرفي، وهو ما يترجم صعوبة المهمة التي تعاقب عليها ثلاثة مقرين Baxter (1984)، Barbosa (1985) و(R.AGO) لتقنين ما لا يمكن تقنية " l'incodifiable Codifier ". الأمر الذي تطلب من اللجنة تقسيم الموضوع إلى جزئيين :
الأول يتعلق "بالوقاية من الأضرار العابرة للحدود والناتجة عن الأنشطة الخطيرة "و" المسؤولية الدولية عن الأضرار العابرة للحدود الناتجة عن الأنشطة الخطيرة". وبعد ما يقارب 30 سنة من العمل الشاق للجنة ظلت مهمة وضع نظام عام للمسؤولية على أساس المخاطر تعد من قبيل الإشكاليات الصعبة نظرا لعدم وضوح مفهومها وحجم اتساعها . وهذا ما جعل اللجنة تركز أعمالها على نظام مسؤولية الدولية بفرض التزام بالوقاية باعتباره نتيجة منطقية تترتب عن الأخذ في الحسبان الأضرار البيئة .
1/ الوقاية من الأضرار العابرة للحدود الناتجة عن أنشطة خطرة (2001)
تم تبني مشروع مواد متألف من 19 مادة في 23 ديسمبر 2001 من قبل اللجنة (CDI) بموجب لائحة الجمعية العامة رقم 82/56، ويفضي إلى ضرورة اتخاذ الدول كافة الإجراءات والتدابير المناسبة للوقاية من الأضرار الخطيرة العابرة للحدود أو على الأقل التقليل من أخطارها قدر الإمكان. وعليه هذا الالتزام العام بالوقاية يقوم على ضرورة التعاون بحسن نية(المادة 4)، وتطوير تبادل المعلومات بخصوص المخاطر التي تتضمنها الأنشطة أو الأضرار التي قد تترتب عنها (المواد 12 إلى 14). كما يتعين على الدول على المستوى الداخلي اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية للقيام بالالتزام العام بالوقاية لاسيما فيما يتعلق بأنظمة منح التراخيص المتعلقة بالأنشطة الخطيرة (المواد 5، 6)، والذي يشترط قيامها على تقدير المخاطر مع التزام الدولة في حال تبين إمكانية حدوث أضرار عابرة للحدود بتبليغ الدولة المحتمل تضررها بكافة المعلومات اللازمة وضرورة التعاون للتقليل من آثارها. كذلك من أهم ما تضمنه هذا المشروع، ضرورة تبليغ الدولة المحتمل تضرها بالأخطار التي تقع في حالة الضرورة لوضع الخطط المناسبة بالتعاون مع الدولة المتسببة في الضرر والمنظمات الدولية المختصة (المواد 16 و17) .
2/ مشروع المبادئ المتعلق بتوزيع الخسارة في حالة الضرر العابر للحدود الناجم عن أنشطة خطرة (2006)
يهدف هذا المشروع إلى وضع المبادئ العامة لتعويض ضحايا الضرر العابر للحدود وحفظ وحماية البيئة في حال وقوع مثل هذا الضرر وإصلاحها أو إعادتها إلى وضعها السابق (المبدأ 3) . يمتاز هذا النظام بأنه نظام مكمل وعام يطبق بغض النظر عن قواعد المسؤولية على أساس الفعل الدولي غير المشروع. وبالمقابل يدعوا إلى وضع نظم دولية مناسبة في مجالات معينة تخص الأنشطة الخطيرة، بموجب ترتيبات فعالة ضمن الاتفاقيات العالمية أو الإقليمية أو الثنائية (المبدأ السابع). للإشارة تم تبني هذا المشروع في 18/12/2006، يتألف من 8 مبادئ، وتعتبر الاتفاقية المتعلقة بالمسؤولية الدولية عن الأضرار الناجمة عن الأجسام الفضائية التي دخلت حيز النفاذ في 1972، الاتفاقية الوحيدة المتبناة في هذا الإطار. وفي كافة الأحوال لا يمكن الاعتماد على نظرية المخاطر في كل الحالات، فهي صالحة فقط على الأنشطة المشروعة دوليا التي تسبب أضرارا عابرة للحدود.