محتوى المحاضرة الخامسة

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: تاريخ الجزائر1- المجموعة أ - د. كوندة سلمى
Livre: محتوى المحاضرة الخامسة
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: samedi 26 avril 2025, 22:18

1. تمهيد

ونتيجة للانتشار الإسلامي وتوالي الفتوحات في بلاد المشرق، كان من البديهي أن تمتد هذه الفتوحات لتشمل بلاد المغرب بهدف نشر الدين الإسلامي، بالإضافة إلى تصفية الإمبراطورية البيزنطية التي كانت تتبعها تلك البلاد في ذلك الوقت. ولم يكن هذا الفتح بالأمر السهل، إذ كانت الفتوحات الإسلامية للمغرب هي الأطول والأصعب في تاريخ الفتوحات الإسلامية، حيث استغرقت أكثر من 70 عامًا. ترجع هذه الصعوبة إلى عدة عوامل، منها الموقف السلبي للمغاربة المعادي لتلك الفتوحات، فضلاً عن أن الزحف الإسلامي قد توقف بسبب انتشار الفتن، وعلى اثر ذلك شهدت بلاد شمال افريقيا تحولاً تاريخياً مع وصول الفتح الإسلامي إليها في القرن السابع الميلادي. بعد أن كانت تحت السيطرة البيزنطية، وكان سكانها من البربر يعيشون في قبائل متفرقة، وعليه فقد أحدث الفتح الإسلامي تغييرات جذرية من النواحي الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية، وأسس لمرحلة جديدة في تاريخ المنطقة من خلال العديد من الولاة الذين أسهموا في هذا الفتح.

2. أولا-الفتوحات الإسلامية في شمال إفريقيا

1-مراحل الفتوحات الإسلامية:

مرت الفتوحات الإسلامية لبلاد المغرب بمرحلتين رئيسيتين:
أ-المرحلة الاستكشافية:

التي شملت حملات عمرو بن العاص وعبد الله بن سعد بن أبي السرح ومعاوية بن حديج

ب-مرحلة الفتح الحقيقي:

التي تتضمن حملات عقبة بن نافع وأبو المهاجر دينار وزهير بن قيس البلوي وحسان بن النعمان وموسى بن نصير.

حملة عمرو بن العاص كانت نقطة البداية، فقد أُرسل إلى فتح برقة وطرابلس وفزان، وكان ذلك بعد فتح مصر مباشرة. رغم نجاحه في فتح طرابلس، إلا أن الخليفة عمر بن الخطاب منعه من المضي قدمًا في فتح المغرب بسبب مخاوفه على جيش المسلمين وتشتته في مناطق شاسعة.

وتتضح أسباب الفتح الإسلامي للمغرب العربي أكثر في النقاط الآتية:

  • نشر الإسلام في المغرب القديم.
  • تأمين الحدود الغربية للدولة الاسلامية بعد ضم مصر.
  • توسيع الرقعة الجغرافية بضم أقاليم جديدة للدولة الاسلامية.
  • ضم عناصر جديدة للمجتمع الاسلامي.
  • طرد المحتل البيزنطي من شمال افريقيا.

2-استئناف الفتوحات الإسلامية:

عند تولي الخليفة عثمان بن عفان، قرر استئناف تلك الفتوحات، فقام بتعيين عبد الله بن سعد بن أبي السرح على رأس حملة قوية. تمكن عبد الله من تحقيق انتصار كبير على البيزنطيين في معركة سبيطلة. ولكن بسبب الفتنة في مصر، اضطر عبد الله للعودة إلى مصر.

ثم أُوكلت مهمة الفتح لمعاوية بن حديج من قبل معاوية بن أبي سفيان، حيث اتخذ من مدينة القيروان قاعدة انطلاق لمواجهات جديدة ضد البيزنطيين، وتمكنت قواته من السيطرة على مدن ساحلية هامة.

وقد توجت حملات عقبة بن نافع وأبو المهاجر دينار بالحملات الأكثر شهرة، حيث أسس عقبة مدينة القيروان كمركز عسكري، وقاد حملاته اللازمة لتأمين الفتوحات. قام أبو المهاجر بإكمال المسار العسكري وفتح مدن جديدة بالتعاون مع البربر ضد البيزنطيين، مما مكنهم من توسيع حدود الفتوحات.

ومع ذلك، كانت هناك تحديات كبيرة واجهتها الفتوحات، منها صعوبة الجغرافيا وكثرة القبائل المقاتلة. كان البربر يلجأون إلى المقاومة بشكل مستمر، حيث ارتدوا عن الإسلام أكثر من مرة. كما كانت القوات الإسلامية تُواجه هجمات بحرية مؤذية من البيزنطيين، فضلاً عن قلة عدد الفاتحين العرب مقارنة بمساحة المغرب الشاسعة وكثافة سكانها.

3-استكمال الفتح الإسلامي في شمال إفريقيا

أدت حملات حسان بن النعمان وجهود موسى بن نصير إلى إنجاز الفتح النهائي وتمكنهم من التوغل إلى المحيط الأطلسي، ما وضع أسس التقسيم الإداري وقاد إلى تعزيز العلاقات بين العرب والبربر، فقد قام حسان بن النعمان بدور حاسم في استقرار الحكم الإسلامي من خلال:

  • استرداد القيروان سنة 74هـ
  • مواجهة مقاومة الكاهنة
  • الانتصار النهائي وقتل الكاهنة سنة 82هـ.
  • تنظيم المناطق المفتوحة إداريا

أما فترة موسى بن نصير فقد شكلت مرحلة الاستقرار النهائي للفتح الإسلامي من خلال:

  • إخضاع القبائل المتمردة
  • فتح قلعة زغوان
  • تنظيم الإدارة والجباية
  • نشر الإسلام بين البربر
  • تمهيد الطريق لفتح الأندلس

ويمكن أن نلخص فترة الفتح الإسلامي في بلاد المغرب في الجدول الآتي:

ومما سبق تعد الفتوحات الإسلامية في المغرب مرحلة فارقة في التاريخ الإسلامي، وقد واجهت صعوبات عديدة نقلت البلاد إلى مرحلة جديدة في تاريخها.

3. ثانيا-عصر الولاة في شمال افريقيا

1-تعريف عصر الولاة 96-184هـ/715-800م:

عصر الولاة هو الفترة التي تلت الفتح الإسلامي للمغرب، حيث أصبح المغرب إقليما إسلاميا تابعا للدولة الأموية. خلال هذه الفترة، تم تعيين ولاة لإدارة المنطقة من قبل الخلفاء في دمشق أو الفسطاط. استمرت هذه الفترة حوالي ربع قرن وشهدت تعاقب ستة ولاة على البلاد، وتركزت اهتماماتهم على توسيع الدولة وتنظيم البلاد إدارياً ومالياً، رغم وجود أخطاء وتجاوزات أدت إلى تفجر الأوضاع.

2-الولاة المتعاقبون على المغرب الإسلامي:

تميزت فترة ولاة بني أمية على المغرب بالتنوع والتعقيد، حيث لم يكن الخلفاء يعينون ولاة محليين لكل المناطق، بل كانوا يعينون والياً واحداً على المغرب والأندلس.

برز من بين الولاة محمد بن يزيد القرشي (97-99هـ/716-717م) الذي عينه الخليفة سليمان بن عبد الملك، وتميزت فترته بالاستقرار والأمن. كما جاء بعده إسماعيل بن عبيد الله (100-102هـ/718-720م) الذي عينه الخليفة عمر بن عبد العزيز وركز على نشر الإسلام بالدعوة السلمية.

تعاقب بعده يزيد بن أبي مُسلم (102هـ/720م) الذي اتبع سياسة الشدة مع البربر فقُتل في نفس العام. ثم جاء بشر بن صفوان (103-109هـ) الذي استشهد خلال حملاته البحرية على الجزر.

واصلت الولايات التعاقب، حيث تولى عبيدة بن عبد الرحمن السلمي (110-115هـ/728-733م) الذي نظم حملات بحرية إلى صقلية، وبعده عُين عبد الله بن الحبحاب القيسي (116-123هـ/734-741م) الذي شهدت فترته ثورة ميسرة المرغري.

3-أوضاع المغرب الإسلامي أيام عصر الولاة:

كان كل والٍ جديد في المغرب يبدأ فترة ولايته بتصفية تركة الوالي السابق عن طريق إقصائه وأعوانه، بمختلف الوسائل من قتل وعقاب ومصادرة أموال وإلغاء التنظيمات القائمة. هذا الأمر جعل البلاد تعيش في حالة اضطراب وخوف ورعب عند بداية كل ولاية جديدة، مما دفع السكان إلى تجنب التعاون مع الحكام. وعلى الرغم من اهتمام الولاة بإدارة البلاد، إلا أن المصادر تحتفظ بمعلومات قليلة عن هذه الإدارة.

ولقد أنشأ يزيد بن أبي مسلم حرسًا من البربر على النمط البيزنطي لحمايته، إلا أن ذلك كان سببًا في مقتله. كما قام عبيد الله بن الحبحاب بإجراء تقسيم إداري جديد للمنطقة وأحدث ثلاث ولايات، بالإضافة إلى تنظيم المدن على الطريقة الإسلامية من خلال تعيين المحتسبين وتنظيم الأسواق.

اهتم الولاة أيضًا بتوسيع نطاق الإسلام في المناطق المجاورة وحماية الحدود من الأعداء، وعملوا على ضم مختلف القبائل البربرية إلى الإسلام والدولة الأموية. ومع ذلك، ارتكبت أخطاء كثيرة بحق البربر، حيث تم تهميشهم واعتبارهم موالي وعبيدًا للعرب، مما أدى إلى استياء واسع وغضب بينهم، خاصة مع السياسات المالية المتعسفة التي فرضت ضرائب عالية وزادت من معاناتهم. هذا الجو من الظلم والتهميش أدى إلى اندلاع ثورات عديدة في صفوف البربر.

4. ثالثا-الفرق بين عصري الفتح الإسلامي وعصر الولاة في بلاد المغرب الإسلامي

الفرق بين الفتح الإسلامي وعصر الولاة في المغرب الإسلامي:

تعد فترة تبعية المغرب للخلافة (عصر الولاة) - والتى تمتد من سنة(96هـ = 715م) إلى سنة (184هـ =800م) - من أهم الفترات وأخطرها فى تاريخ المغرب الإسلامى، وقد اختلفت هذه الفترة عن سابقاتها، لأن فترة الفتح كان يغلب عليها النشاط العسكرى، واتسمت بالامتدادوالانحسار، والخوف والاضطراب، ولم يعرف المسلمون شيئًا من الاستقرار بالمغرب إلا بعد تأسيس مدينة «القيروان» على يد «عقبة بن نافع»، ثم تمَّ لهم الاستقرار بفضل جهود: «زهير بن قيس»، و «حسان بن النعمان»، و «موسى بن نصير».

وقد اتسم عصر الولاة بسمات وصفات معينة؛ فهو عصر الاستقرارالعربى على أرض «المغرب»، ووضح فيه موقف الخلافة من المنطقة، وما ترتب على ذلك من علاقة بين الخلافة والولاة، فضلا عن علاقة الولاة بسكان هذه البلاد، يضاف إلى ذلك الأوضاع السياسية المختلفة التى ترتبت على هذه العلاقات؛ حيث ثار «المغرب الأقصى» وانفصل عن «الخلافة الأموية»، ثم انتقلت عدوى الثورة إلى المغربين الأوسط والأدنى، وبذلت «الخلافة العباسية» جهودًا كبيرة، وأموالا طائلة،ورجالا كثيرين، فى سبيل الحفاظ على هذه الأقاليم، ولكن الأمورأسفرت عن مجرد سلطة اسمية للخلافة العباسية على «المغرب الأدنى» مُمثَّلة فى قيام «دولة الأغالبة»، وقامت دويلات مستقلة بالمغربين الأوسط والأقصى.

5. خلاصة

وفي ختام محاضرتنا يمكن القول بأن الفتح الإسلامي وعصر الولاة في بلاد المغرب كان بمثابة فترة محورية في تاريخ شمال إفريقيا، حيث جلبت معها تأثيرات دينية وثقافية مميزة، ورغم التحديات والصراعات التي شهدتها تلك الحقبة، إلا أنها أسست لأسس قوية أدت إلى تشكيل الهوية الحضارية الإسلامية للمغرب العربي. وكانت هذه المرحلة بداية لانصهار الثقافات والبناء الحضاري الذي استمر لقرون، مما جعل بلاد المغرب تتألق بمزيج من التراث العربي والبربري والإسلامي.