تطور و نشأة الفانون الإداري

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: دروس في القانون الإداري
Livre: تطور و نشأة الفانون الإداري
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Friday 26 April 2024, 03:35

1. انفصال قواعد القانون الإداري عن قواعد القانون الخاص و مراحل نشأته

يرجع الفضل الكبير في إرساء قواعد القانون الإداري بمفهومه الضيق الغني إلى القضاء الفرنسي ، بحيث كرس حكم محكمة التنازع الفرنسية في قضية الطفلة Blancoانفصال قواعد القانون الإداري عن قواعد القانون الخاص ، ثم سرعان ما تطور هذا القانون على يد مجلس الدولة الفرنسي  الذي أثرى القانون الإداري بالعديد  من النظريات و المبادئ و المفاهيم .

- حكم محكمة التنازع الفرنسية في قضية Blanco :

إن الحذر الذي راود الكثير من رجال الفقه و الإدارة في فرنسا لم يكن من القضاء العادي فقط ، بل كان التخوف مركزا أكثر على قواعد القانون  الخاص . لذلك فإن تخصيص قضاء مستقل للإدارة كانالهدف منه إحداث نواة لقانون متميز بحكم نشاطها ، و كانت مهمته هذه في غاية من الصعوبة ، خاصة من ناحية تعليل عدم صلاحية قواعد القانون الخاص لأن تحكم بعض صور نشاط الإدارة ، و لقد تجسدت النقلة النوعية في قرار بلانكو الشهير ، و نظرا لأهمية تسوق وقائعه و منطوقه .

تعرضت بنت صغيرة تدعى اجنيربلانكو لحادث تسببت فيه عربة تابعة لوكالة التبغ التي كانت تنقل انتاج هذه الوكالة من المصنع إلى المستودع ، فقام ولي البنت برفع دعوى لتعويضه الضرر المادي الذي لحق ابنته أمام المحاكم العدلية (محاكم عادية) على أساس أحكام القانون المدني الفرنسي . إلا أن وكالة التبع اعتبرت أن النزاع يهم الإدارة و أن مجلس الدولة الفرنسي هو صاحب الاختصاص ، لذلك طالبت بإيقاف النظر في الدعوى حتى ثبت محكمة تنازع الاختصاص في هذا الإشكال ، و حال عرض الأمر عليها أجابت محكمة تنازع الاختصاص بتاريخ 08 فيفري 1973 بما يلي :

-  حيث أن المسؤولية التي يمكن أن تتحملها الدولة بسبب الأضرار التي يلحقها أعوان المرفق العام بالأفراد لا يمكن أن تخضع لمبادئ القانون المدني التي تضبط علاقة الأفراد فيما بينهم .

- و حيث أصبحت بالتالي السلطة الإدارية وحدها المختصة بالنظر في هذا النزاع و هو ما يجعل قرار رئيسالمقاطعة في رفع القضية أمام المحكمة قرارا صائبا يستوجب إقراره .

و هكذا يتضح لنا بما لا يدع مجالا للشك أن هذا القرار أحدث هزة لا مثيل لها بخصوص إثبات ذاتية القانون الإداري على اعتبار أنه مجموعة قواعد تحكم الإدارة العامة و تتضمن أحكاما استثنائية غير مألوفة في مجال روابط القانون الخاص .

و إذا أمعنا النظر في حيثيات هذا القرار و منطوقه نستنتج ما يلي :

- أن هذا القرار أعلى عن وجود قواعد خاصة تحكم نشاط الإدارة بحيث ذهب إلى أنه " حيث أن المسؤولية التي يمكن أن تتحملها الدولة لا يمكن أن تخضع لقواعد القانون المدني ... " و يفهم من هذه الحيثية أن قواعد القانون المدني لم تعد تواكب نشاط الإدارة و لا تليق بطبيعة عملها لذا وجب استبعادها لعدم صلاحيتها و قصر تطبيقها فقط على الأفراد بحسب ما أشير إليه صراحة . و حين يستبعد القانون المدني يقتضي المنطق القانوني التفكير في قواعد بديلة أكثر ملاءمة لطبيعة النشاط الإداري اصطلح على تسميتها فيما بعد بقواعد القانون الإداري .

-أ ـكد هذا القرار على خضوع الدولة للمسؤولية ، فعدم خضوعها لقواعد القانون المدني لا يعفيها  من تحمل المسؤولية ، و في هذا المسلك مخالفة للقناعة السائدة في ذلك الوقت و هي عدم مسؤولية الدولة ، و الحقيقة التي لا يمكن انكارها أن القانون الإداري كفرع من فروع القانون العام ما كان ليظهر للوجود دون تطبيق فكرة مسؤولية الدولة عن أعمال موظفيها .

- أفصح هذا القرار عن المعيار المعتمد لمعرفة طبيعة المنازعة و هل يختص بالفصل فيها القضاء الإداري أمام القضاء العادي و هذا المعيار اصطلح على تسميته بمعيار المرفق العام ، فهو الذي فرض مثل هذه القواعد غير المألوفة في مجال روابط القانون الخاص .

- أقرت محكمة التنازع الفرنسية صراحة أن القواعد التي يخضع لها المرفق العام غير مستقرة و ثابتة ، بل إنها تتغير كلما فرضت مصلحة المرفق ذلك ، فهي إذن في حركة مستمرة . و إزالة لكل خوف لدى الأفراد المتعاملين مع الإدارة أعلنت محكمة التنازع إن هذه القواعد غير المألوفة ينبغي أن يراعي فيها التوفيق بين مصلحة الإدارة و حقوق الأفراد .

- اعترف هذا القرار التاريخيللقاضي الإداري بتطبيق قواعد القانون الإداري . و لقد كان لهذا القرار بصمة واضحة ليس من ناحية إقرار مسؤولية الدولة فحسب بل من ناحية تعريف القانون الإداري و تحديد أسسه و رسم نطاقه و ولايته.




 

 

2. - مراحل نشأة القانون الإداري في فرنسا

لقد مر القانون الإداري بمراحل عديدة في فرنسا أدت إلى تبلور قواعده شيئا فشيئا و انفصالها عن قواعد القانون الخاص و تمثلت هذه المراحل فيما يلي : 

- مرحلة الفساد القضائي : و يطلق البعض على هذه المرحلة مرحلة ما قبل الثورة الفرنسية (2)، بحيث تميزت هذه المرحلة بفساد جهات القضاء العادي المتمثلة في البرلمانات القضائية التي كانت تعمل على عرقلة الاصلاحات الإدارية ، مما ترك أثرا و انطباعا سيئا لدى المجتمع الفرنسي حول القضاء العادي .

- مرحلة الثورة الفرنسية : تميزتهذه المرحلة بصدور قانون 16-84أوت 1790 و الذي أدى إلى سحب الاختصاص ينظر منازعات الإدارة من البرلمانات القضائية ، و هي مرحلة الإدارة القضائية (l’Administration – juge) و لقد استمرا فلات الإدارة من رقابة  القاضي إلى غاية إنشاء مجلس الدولة .

- مرحلة القضاء المحجوز أو المقيد :و هي المرحلة التي شهدت إنشاء مجلس الدولة الفرنسي كهيئة استشارية أحكامها غير نهاية تنتظر التصديق من الملك .

- مرحلة القضاء المفوض : تحول قضاء مجلس الدولة الفرنسي في هذه المرحلة إلى قضاء مفوض بعد صدور قانون 24 ماي 1872 و الذي أعطى لهذا المجلس صلاحية إصدار أحكام نهائية لا تنتظر التصديق من الملك .

- مرحلة القضاء البات : ظل مجلس الدولة الفرنسي إلى هذه المرحلة مرتبطا بالسلطة التنفيذية بحيث لم يكن بالإمكان رفع الدعوى مباشرة أمامه ما لم يقم المعني بالأمر برفع تظلمه أمام الوزير المختص ، و لقد تخلص مجلس الدولة الفرنسي من قيد السلطة التنفيذية نهائيا بعد إصداره أحكه في قضية CADOT عام 1889 . بحيث قبل المجلس الدولة الدعوى دون أن يرفع المعني التظلم أمام الوزير المختص .

- مرحلة ظهور المحاكم الإدارية :لقد تحولت مجالس الأقاليم بموجب المرسوم الصادر في 30/12/1953 إلى محاكم إدارية تختص بالفصل في المنازعات الإدارية بحكم ابتدائي قابل للاستئناف أمام مجلس الدولة .

- مرحلة ظهور محاكم الاستئناف : بموجب إصلاح نظام المنازعات الإدارية الصادر بقانون 31/12/1987 ، أصبحت أحكام المحاكم الإدارية تستأنف أمام محاكم استئنافية إدارية أنشئت لهذا الغرض .