المسؤولية الإدارية عن الأضرار البيئية
Site: | Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2 |
Cours: | القانون الإداري للبيئة 2 |
Livre: | المسؤولية الإدارية عن الأضرار البيئية |
Imprimé par: | Visiteur anonyme |
Date: | Saturday 23 November 2024, 10:21 |
Description
تتمتع الإدارة بجملة من السلطات المستمدة من القانون العام وتتحمل مقابل ذلك مسؤولية تنفيذ القوانين وحماية النظام العام ، وإشباع الحاجات العامة للأفراد ، وإذا ما أخلت الإدارة بإحدى هذه الواجبات وترتب على ذلك ضرر على البيئة والإنسان قامت مسؤوليتها .
1. مسؤولية الإدارة المشروطة بوجود الخطأ
على الرغم من أن المسؤولية الإدارية تقوم مثل المدنية على أركان ثلاثة هي الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما . وإذا كان الخطأ عملا غير مشروع يصيب الغير ويلحق الضرر به ، والمتسبب في حدوثه ملزم بجبر الضرر بغض النظر عن نوع الخطأ ووصفه[1]، فإن الضرر البيئي له طبيعة خاصة ، لاسيما وأن السياسة الإدارية تسعى إلى توفير أكبر قدر من الوقاية لتوفير الحماية للبيئة علما وأن اشتراط الجسامة في الخطأ والضرر المترتب عليه يجعل المضرور في كثير من الحالات ضحية لخطأ الإدارة البسيط ، على الرغم من إمكانية إثباته ونسبته إلى الإدارة ، لكن القضاء لا يحكم للمضرور بالتعويض إذا كان الخطأ يسيرا ، كما أن ذلك يجعل الإدارة تتهاون بشأن الكثير من الخروقات والأخطاء التي تضر بالبيئة ، إذ أن البيئة بحكم طبيعتها وتكوينها لها القدرة على التنفس والتجدد التلقائي، الأمر الذي يخفف من وطأة جسامة الخطأ المقترف ويلطف من غلواء الضرر الناجم عنه[2].
وللتوضيح فإن الخطأ تختلف صوره باختلاف العمل المنسوب للإدارة ، فقد تخطئ الإدارة بعدم توفير أسباب الوقاية اللازمة لحماية البيئة ، وهذا هو الخطأ السلبي، وقد تخطئ بطريق إيجاد أسباب الحماية اللازمة للبيئة وهذا هو الخطأ الإيجابي ، وهي الصور التي ستكون محل الدراسة كالآتي :
[1] لمزيد من التفصيل راجع: د/ محيو أحمد ، المنازعات الإدارية ، ترجمة فائز أنجق و بيوض خالد ، الجزائر ، ديوان المطبوعات الجامعية ، طبعة 1994 ، ص 214 وما بعدها .
[1] لتفاصيل أكثر عن نشأة المسؤولية الإدارية راجع كل من :
- محيو أحمد ، المرجع السابق ، ص 208 وما بعدها .
- د/ سليمان محمد الطماوي ، د/ سليمان محمد الطماوي ، القضاء الإداري ، الكتاب الثاني ، قضاء التعويض وطرق الطعن في الأحكام ( دراسة مقارنة ) ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، 1996 ، ص 13 وما بعدها .
[2] د/ عارف صالح مخلف ، المرجع السابق ، ص 350 وما بعدها
[2] Raphael Romi, op.cit, p 117 .
1.1. خطأ الإدارة في توفير أسباب الوقاية للبيئة
يتمثل هذا الخطأ في صورته الإيجابية أين تقدم الإدارة على اتخاذ الإجراءات التي تعتقد أنها مناسبة ، غير أنها تلحق الضرر بالبيئة بدلا من سلامتها ، إذ يتجلى ذلك في أعمال الإدارة القانونية والمادية على حد سواء . ومن هنا يتخذ الخطأ صورة العمل الإيجابي من حيث قيام الإدارة وفي نيتها توفير أسباب الوقاية اللازمة لحماية البيئة ، غير أنها قد تخطئ في أعمالها الإيجابية ، مما يترتب عليه قيام الخطأ المرفقي متمثلا بسوء أداء العمل أو التباطؤ بانجازه . لذا سندرس خطأ الإدارة الإيجابي بصورة أعمال قانونية ، وخطأ الإدارة في أعمالها المادية كالتالي :
أ/ الخطأ في الأعمال القانونية اللازمة لوقاية البيئة: ويتخذ الخطأ الإيجابي في هذه الحالة عدة صور نتعرض لأهمها كالآتي :
- الخطأ في إصدار القرارات الإدارية البيئية : قد تخطئ الإدارة وهي تمارس سلطتها في توفير أسباب الوقاية اللازمة لحماية البيئة ، وذلك بإصدار قرارات إدارية معيبة يؤدي تنفيذها إلى الإضرار بالبيئة بدلا من سلامتها .
- أداء المرفق لعمله على نحو سيئ: إذا أخطأ المرفق أو أساء القيام بعمل ما ، وتمخض عن ذلك إلحاق أضرار بالبيئة أو الأفراد ، عندئذ يمكن إثارة مسؤولية الإدارة على أساس خطئها المرفقي .
- الخطأ في ممارسة سلطة الرقابة والتوجيه : يمكن أن تخطئ الإدارة في ممارسة عملها الرقابي والتوجيهي وأن تصيب البيئة بالأضرار جراء تلوثها
ب / الخطأ في الأعمال المادية : تقوم الإدارة بمجموعة كبيرة من الأعمال المادية التي لا تبتغي من ورائها إحداث آثار قانونية بشكل مباشر ، ولكنها قد تؤدي إلى إحداث آثار والتزامات قانونية إذا نتج عنها ضرر للغير، ويمكن عندئذ تحريك مسؤولية الإدارة عنها.
مثال ومثال ذلك الأعمال الفنية التي يقوم بها رجال الإدارة بحكم وظائفها كالمهندسين فيما يقون به من إعداد التصاميم والرسوم الفنية للمشروعات ومباشرة الأعمال الفنية لتنفيذها، أو استعمال الآلات والأدوات الميكانيكية والإنتاجية في مختلف الأنشطة الصناعية و التجارية و الخدماتية ، وما يتمخض عنها من أضرار بالبيئة والإنسان. كما يعد في حكم الأعمال المادية تنفيذ القرارات المادية غير المشروعة ، والأعمال غير الإرادية التي تقع نتيجة خطأ من جانب عمال الإدارة ، كتسرب الغازات السامة من بعض المصانع الكبيرة ، أو نفث كميات كبيرة من الغازات غير المعالجة إلى الهواء دون علم بعطل وتوقف وحدات المعالجة . أو غرق إحدى السفن المحملة بالنفط في المياه الإقليمية ، وإصابة هذه البيئة بالتلوث وانتقال التلوث إلى البساتين والمزارع المجاورة بفعل حركة المد والجزر الأمر الذي يسبب تلف المزروعات .
1.2. خطأ الإدارة نتيجة عدم توفير أسباب الوقاية اللازمة لحماية البيئة
يتطلب قيام الإدارة بواجبها اتجاه البيئة ومن ثم وقايتها من الأضرار التي تصيبها ، أن تتخذ جملة من الإجراءات القانونية والمادية اللازمة لحماية البيئة ، فإذا لم تقم بتلك الواجبات المقررة عليها قانونا قامت مسؤوليتها الإدارية وحق عليها تعويض المتضررين من ذلك . فهي صورة الخطأ السلبي المرتب للمسؤولية الإدارية ، أين تمتنع الإدارة عن القيام بممارسة نشاطها الإداري الضبطي الذي تستلزمه قواعد القانون البيئي.
ومنه تتجلى حالات امتناع الإدارة عن اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لحماية البيئة في عدة صور نتعرض لأهمها على النحو التالي :
أ /عدم اتخاذ الإدارة القرارات الإدارية اللازمة لوقاية البيئة :جزء الجزء 1إن امتناع الإدارة البيئية عن إصدار الأوامر والقرارات الإدارية في مجال حماية البيئة ووقايتها من الأضرار والأخطار ، على الرغم من وجود ما ينبئ عن ذلك ، كأن تكون الوقائع والأسباب القانونية والواقعية موجودة وتستلزم تدخل الإدارة لمنع حدوث تلوث في البيئة من خلال إصدارها لقرارات إدارية محددة ، فإنها تكون قد أخطأت ويمكن إثارة مسؤوليتها الإدارية عند عدم تدخلها .
ومثال ذلك كأن تمتنع سلطات الضبط الإداري البيئي عن اتخاذ القرارات الإدارية التنظيمية والفردية أو استعمال القوة المادية لأجل حماية النظام العام البيئي ، كما في حال عدم اتخاذها لقرارات وتدابير توقي وتحمي الأفراد من مخاطر الفيضانات التي تلحق أضرارا فادحة بالأراضي الزراعية ومنتجاتها ، أو في حال امتناع الهيئات الإدارية المكلفة بحماية الصحة العامة عن إصدار قرارات لمصادرة المواد الغذائية الفاسدة وإتلافها ، أو في حال عدم قيام الهيئات الإدارية المختصة بإصدار قرار لضبط وسائل ومعدات وغلق الأماكن التي تقلق راحة المواطنين وتضر بسكينتهم[1] .
ب /امتناع المرفق عن أداء عمله : جزء الجزء 2 قد تتخذ إدارة المرفق موقفا سلبيا بامتناعها عن القيام بعمل أو تقديم الخدمة المطلوبة منه والتي يجب عليها القيام به ، إذ أن هذا الامتناع يشكل خطأ مرفقيا تسأل عنه الإدارة لتعويض الأضرار الناجمة عنه ، ويطبق هذا الأمر على الاختصاصات المقيدة وكذا التقديرية للإدارة . وقد اعتبر البعض ترتيب المسؤولية الإدارية عن عدم قيام المرفق بأداء الخدمة يأتي بمثابة تقدم مجلس الدولة الفرنسي خطوة أخرى في اجتهاده القضائي[2] .
مثال : تبرز هذه الصورة بجلاء في الأعمال المادية للإدارة ولاسيما في الأضرار الناجمة عن الأشغال العامة ، ومن أمثلتها قرر مجلس الدولة الفرنسي مسؤولية الإدارة عن عدم إنشاء حواجز وقائية تمنع سقوط المارة فوق طريق مرتفع ، أو عدم إزالتها لقطع الحديد والأنقاض التي ألقيت في أحد الأنهار مما أدى إلى اصطدام سفينة بها، أو إحجام الإدارة عن صيانة إحدى الطرق العمومية مما أدى إلى تهدمها بشكل كبير وأدى إلى انقلاب مركبة وإصابة ركابها بأضرار،أو نسيت الإدارة أن تنشئ حاجزا يمنع سقوط المارة من المرتفع ...
ج/ عدم قيام الإدارة بالرقابة والتوجيه: جزء الجزء 3 إن السلطات التي تتمتع بها الإدارة المستمدة من أحكام القانون العام ليست امتيازا معقودا لمصلحة الإدارة كي تمارسها كيفما تشاء ومتى تريد ، بل هي واجب على الإدارة وموظفيها الضلوع بها بكل أمانة وحرص عند قيام موجباتها وإنها ليست مقررة لمصلحة الإدارة فحسب ، بل لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم ولضمان تحقيق الصالح العام ، ولعل واجب الإدارة في الرقابة والإشراف والتوجيه يعد أحد أهم أوجه الامتيازات التي تمارسها الإدارة وكل إخلال بممارستها أو عدم القيام بها يثير مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ المرفقي أو الشخصي[3] .
مثال كما لو أهملت إدارة مستشفى الأمراض العقلية في رقابة المجانين فتمكن أحدهم من الهرب وأشعل حريقة وألحق أضرارا بالبيئة والممتلكات،أوصب مادة سامة وملوثة في خزان مائي فتعرض الناس للتسمم والضرر.
2. مسؤولية الإدارة المشروطة بوجود المخاطر
سبق التوضيح إلى أنه بسبب صعوبة إثبات الخطأ أو نسبته إلى مرتكبه الفاعل الأصلي في مجال الأضرار البيئية ، نظرا لتعدد أسباب هذه الأضرار والملوثات الطبيعية والصناعية ، الأمر الذي صعب معه إثبات قيام مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ لانعدام الرابطة السببية بين خطأ الإدارة والضرر الواقع . تم الاعتماد على نظرية المخاطر كأساس لقيام مسؤولية الإدارة عن الأضرار البيئية ، وهذا لأن فكرة تحمل المخاطر تهدف إلى حماية المضرور طبقا لقواعد العدالة ، التي تقتضي أن من يمتلك الوسائل والأدوات الملوثة عليه أن يتحمل الأضرار التي تصيب البيئة والإنسان ، فهذا النوع من المسؤولية لا يصار إليه إلا إذا تعذر على المصاب إثبات الخطأ من جانب الإدارة .
وفي مجال حماية البيئة ومنع التلوث والأضرار التي تلحق بالبيئة والإنسان يمكن أن ندرس إمكانية قيام مسؤولية الإدارة على أساس المخاطر ، وفق التطبيقات القضائية وخاصة في القضاء الإداري الفرنسي من خلال أسلوبين، أسلوب مباشر للإدارة في تلويث البيئة وأسلوب غير مباشر في تلويث البيئة، نتعرض لهما كالآتي:
2.1. نشاط الإدارة غير المباشر وتلوث البيئة (الاستعمال المؤدي إلى التلوث بطريق غير مباشر)
وفي هذه الحالة يمكن أن تقام مسؤولية الإدارة عن الأضرار البيئية دون أن يكون بحوزة الإدارة أشياء أو آلات خطرة وملوثة بطبيعتها ، ودون أن تستعملها بصورة مباشرة في عملها كما في الحالة السابقة ، بل الإدارة هنا تكون بصدد استعمال عادي ومشروع لبعض المواد والأشياء ولكن هذا الاستعمال يقود إلى التلوث بصورة غير مباشرة .
مثال : أن يحصل التلوث بفعل الإنتاج حيث أن العمليات الإنتاجية تسبب التلوث وقد تكون مصدرا من مصادره ، ليس فقط عن طريق مخلفاتها أو نفاياتها وكذلك عن طريق احتياجاتها للمواد الأولية ، كما أن التلوث في هذه الحالة لا يرجع فقط إلى تسبب المنتج فيه ، بل قد ترجع إلى المستهلك نفسه ، ومن هذا استعمال الإنسان للسلع والخدمات يكون عملا مشروعا إلا أن المخلفات التي تتراكم بسبب ذلك أو بسبب سوء استعمال المنتج تلحق ضررا بالبيئة والأفراد من خلال تلويثها .
2.2. أسلوب الإدارة المباشر وتلوث البيئة ( الأشياء الملوثة بطبيعتها
تختلف الأشياء الملوثة بطبيعتها باختلاف استخدامها وتنوعها بتنوع المرافق العامة ، فقد تمارس هذه المرافق نشاطا خطرا ، أو قد تستعمل من الآلات والأدوات ما تكون خطرة بطبيعتها ، إذ يحصل أن تمارس الإدارة نشاطا مشروعا تتطلبه ضرورات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، لكنه يكون خطرا بذاته أو من جراء استعمالها لأدوات وآلات ميكانيكية خطرة بطبيعتها. فإذا ما ترتب على هذا النشاط ضرر بالبيئة والإنسان فإن ذلك يدعو إلى إثارة مسؤولية الإدارة لجبر الضرر الناجم عن نشاطها الخطر ، و من أمثلة هذه الأنشطة ما يأتي :
أ/ نشاط المرافق العامة المكلفة بحماية النظام العام الداخلي ورد العدوان الخارجي : عندما تقوم هذه المرافق بحماية النظام العام عن طريق رد العدوان الخارجي وعودة الاستقرار للاضطراب الداخلي أو لأزمات الهيجان الشعبي ، تمارس نشاطا يتسم بالخطورة ، مما يعرض حياة الأفراد وممتلكاتهم والبيئة لمخاطر غير عادية .
مثال :ومن الصور المتعددة لهذا النشاط خزن الأسلحة و الذخيرة الحربية داخل الأحياء السكنية أو نقل المواد الكيميائية والمتفجرات السامة ، أو إخفائها وسط المدن لمنع اكتشافها ، ومثال ذلك لو قامت بعض المرافق بتخزين كمية كبيرة من النفط في صهاريج قرب المنشآت التي تستخدمها كوقود تحسبا لظروف طارئة كوقوع عدوان أو التلويح به ، وحصل أن انفجرت هذه الصهاريج وأحدثت أضرارا بالبيئة وأملاك الناس ، فإن الإدارة يجب أن تلتزم حيال الأفراد المتضررين بالتعويض على أساس المخاطر. أو قام مرفق الدفاع ببعض المناورات العسكرية وترتب على ذلك إحراق غابة نتيجة لبعض المقذوفات الصادرة من طائرة حربية وقد حكم مجلس الدولة الفرنسي بالتعويض دون الإشارة إلى ركن الخطأ[1].
ب/ نشاط مرفق النقل والمواصلات : يمارس هذا المرفق نشاطا يعد خطرا بذاته أو يستعمل من الآلات و الأدوات الميكانيكية ما تنطوي على قدر من الخطورة بطبيعتها ولا يمكن الاستغناء عنها ، ولعل في مقدمة هذه الأدوات وسائل النقل البرية والبحرية والجوية التي ساهمت بشكل كبير وعلى يد مجلس الدولة في تطوير قواعد المسؤولية المبنية على أساس المخاطر .
إذ أن كثيرا من حوادث التلوث الحاصل بسبب نشاط مرفق النقل والمواصلات ترجع إلى خطورة هذا النشاط ، كما في حوادث غرق السفن والبواخر المحملة بالزيت أو البترول في الموانئ أو المياه الإقليمية التي تؤدي لتلوث البيئة المائية ، وإلحاق الضرر بالثروة السمكية وبالتنوع البيولوجي وغيره .
مثال وعلى أساس ذلك بني صدر و حكم لمجلس الدولة الفرنسي بتاريخ في 15 جوان 1950 في قضية (Ville de Belfort) ، والتي تتلخص ظروفها في أن الإدارة قامت بنقل العربات والدبابات المحطمة التي تخلفت عن الحرب العالمية الثانية ، والقريبة من بلدة Belfort ، فنجم عن ذلك إتلاف طرق تلك البلدة دون خطأ من جانب الإدارة ، وبالرغم من ذلك فإن مجلس الدولة قضى للبلدة بالتعويض نظرا لخطورة نشاط الإدارة في ذاته ، وما يسببه من أضرار جسيمة [2].
ج / نشاط مرفق الصحة : يعد مرفق الصحة من المرافق المهمة والمهتمة بحماية البيئة والصحة البيئية ، غير أن ذلك لا يمنع من استخدامه لأشياء وأدوات خطرة بطبيعتها ، والتي يمكن أن تلحق أضرار بالأفراد والبيئة مما قد يثير مسؤوليتها ويوجب عليها التعويض .
علما وأن مسؤولية المرافق الصحية قد طرأت عليها تطورات بفضل القضاء الفرنسي ، حيث كانت في البداية لا تقوم مسؤوليتها عن تعويض الأضرار الناجمة عن الأنشطة الطبية كمبدأ عام إلا إذا نسب إليها خطأ جسيم ،
مثال : تثار مسؤولية المرافق الصحية على أساس المخاطر كما لو تعاقدت أحد المستشفيات مع مورد للدم ، أو مورد للآلات والأدوات التي تستعمل لإجراء العمليات الجراحية ، وبعد فترة على استعماله تبين أن عددا من الأشخاص الذين كانوا يتعالجون في هذه المستشفى مصابين بمرض نقص المناعة المكتسب . وقد حكم القضاء الفرنسي في قضية مماثلة بمسؤولية المستشفى ، على الرغم من عدم توفر الخطأ في جانبه في أثناء عملية نقل الدم الملوث ، في الفترة التي لم يكشف فيها الدم الملوث فإن مسؤولية المرفق الصحي تقام على أساس المخاطر[3] .
د/ نشاط المرافق الإقتصادية : و هي أكثر الأنشطة تأثيرا على البيئة لأنها تستعمل من الأشياء الخطرة بطبيعتها، كما أن مبدأ دوام سير المرافق العامة بانتظام واطراد يؤدي إلى حصول التلوث بشكل غير مباشر ، وإلحاق أضرار بالإنسان وماله و بالبيئة إجمالا . الأمر الذي قد يثير مسؤوليتها عن عملها الضار أمام القضاء المختص بناء على المخاطر والأضرار التي تنتج عنه .
ومثال ذلك الدعوى التي رفعت ضد شركة إنتاج الألمنيوم في فرنسا حيث تطاير من مصانعها الغازات ذات التأثير الملوث للتربة وعلى المحاصيل الزراعية، طلب المزارعون المجاورون لهذه المصانع أمام محكمة استئناف تولوز بإلزام الشركة بتركيب أجهزة ومعدات فنية لمنع بث هذه الغازات في الجو ، وحكمت المحكمة بأنه كان من المستحيل في ضوء أحدث ما وصلت إليه صناعة المعدات أن تتخذ الشركة من الترتيبات لتحاشي انبعاث هذه الغازات ، أفضل مما اتخذت ، ورغم ذلك ألزمت المحكمة الشركة بأن تدفع لهؤلاء المزارعين تعويضات سنوية بقدر الضرر الذي يصيبهم ، محسوبا في ضوء الأسعار السنوية للمحاصيل الزراعية[4] .