مفهوم الأضرار البيئية

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: القانون الإداري للبيئة 2
Livre: مفهوم الأضرار البيئية
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Saturday 23 November 2024, 09:29

Description

أصبحت الأضرار اللاحقة بالبيئة ظاهرة ملموسة  وخطيرة وجب معالجتها  

1. تعريف الأضرار البيئية

يعتبر الضرر البيئي من المفاهيم التي دخلت حديثا في مجال القانون بصفة عامة والقانون البيئي بصفة خاصة ، حيث أن اصطلاح الضرر البيئي الذي يحدث تعديا على عناصر النظام البيئي ، استعمل لأول مرة من طرف الأستاذ Despax عام 1968 ، وقد ذكره من أجل أن يقرر أنه ضرر لا يقبل التعويض عنه لأنه ضرر غير مباشر[1] .

لذا وجب البحث عن تعريفه تشريعا وفقها ، وهذا على النحو التالي :



[1]  رحموني محمد ، آليات تعويض الأضرار البيئية في التشريع الجزائري ، مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير في القانون العام ، تخصص قانون البيئة ، قسم الحقوق ، كلية الحقوق والعلوم السياسية ، جامعة سطيف 2 ، 2015/2016 ،ص 9.

1.1. تعريف الضرر البيئي فقها

حاول العديد من الفقهاء تعريف الضرر البيئي، فاتجه البعض منهم كالبروفسورGirod إلى تعريفه بأنه: "الضرر الناجم عن التلوث وينطبق على جميع الأضرار التي يأتيها الإنسان وتصيب مختلف العناصر الطبيعية من ماء وهواء وضوضاء...".

أما الدكتور أحمد حشيش فقد تبنى نفس الاتجاه ، ومن ثم اعتبر أن الضرر البيئي بمعناه الفني هو الإضرار بالحيوية الأولية لعناصر البيئة ، ليس ضررا شخصيا ، وإنما هو ضرر غير شخصي أصلا ، حتى إن الحق في التعويض عن الضرر البيئي يؤول في نهاية الأمر إلى البيئة ذاتها ، لا إلى غيرها ، ولو أن البيئة ليست شخصا قانونيا بالمعنى الفني.

وهكذا فالتعويض عن الضرر البيئي بمعناه الفني الدقيق لا يؤول إلى أشخاص لأنه ليس تعويضا عن ضرر شخصي،إنما هو تعويض للبيئة ذاتها، بينما التعويض عن ضرر الضرر البيئي فإنه يؤول إلى أشخاص، لأنه ليس تعويضا عن ضرر بيئي بمعناه الفني،إنما هو تعويض عن ضرر شخصي بمعناه التقليدي[1].



[1]  د/ أحمد محمد حشيش ، المرجع السابق ، د/ أحمد محمد حشيش ، المفهوم القانوني للبيئة في ضوء مبدأ أسلمة القانون المعاصر ، مصر ، دار الكتب القانونية ،2008 ، ص 165 وما بعدها .

 

1.2. - تعريف الضرر البيئي تشريعا

تكاد تنعدم التعاريف القانونية للضرر البيئي ، وهذا لصعوبة تحديد مفهوم واضح للضرر البيئي واختلاف وجهات نظر وعوامل ضبطه ، فعلى الصعيد الأوروبي نلاحظ أن الكتاب الأبيض بصدد تناوله للمسؤولية البيئية ، عرف الضرر البيئي من خلال تجميعه وتصنيفه لفئتين من الضرر، الأضرار التي تلحق بالتنوع البيولوجي ، والضرر الناتج عن تلويث المواقع ، والمتمثلة في التربة ، والمياه بأنواعها السطحية والجوفية[1] .

في حين أن المشرع الجزائري لم يرد تعريفا محددا للضرر البيئي في القوانين المتعلقة بالبيئة وحمايتها ، غير أنه وباستقراء العديد من مواد القانون رقم 03-10 يتضح لنا جليا أن المشرع يقر بوجود هذا النوع الخاص من الضرر ، بدليل إدراجه في المادة 3 منه جملة من المبادئ يتأسس عليها قانون البيئة ، أهمها مبدأ النشاط الوقائي وتصحيح الأضرار البيئية بالأولوية عند المصدر ، ومبدأ عدم تدهور الموارد الطبيعية .



[1] livre blanc sur la responsabilité environnementale , commission européenne , Luxembourg , office des publications officielles des communautés européennes , 2000 , p 17 .

2. تطور الأضرار البيئية

الضرر البيئي قبل الثورة الصناعية والتطور التكنولوجي لم يكن يتعدى تلك النفايات المنزلية وبعض مخلفات النشاطات الإنسانية البسيطة ، لكن مع الثورة الصناعية انقطع التوازن البيئي الذي كان قائما بين الإنسان والطبيعة ، فقد اقترن الإنتاج باستخدام الآلات واكتشاف مصادر طاقة جديدة زاد استهلاكها باطراد ، وكان لذلك أثر كبير على الوسط الحيوي ، أدى إلى تلوث هذا الوسط بأنواع شتى من النفايات الصناعية لم يكن يعرفها الإنسان .

        و مما لا شك فيه أن التقدم التقني في مجال الصناعات الخطرة مثل الصناعات النووية والكيميائية وصناعة الأسمدة والإسمنت...، ينتج عنها ملايين الأطنان من النفايات التي تحمل في خصائصها العضوية خطورة بالغة على الصحة و البيئة [1].

       ووجبت الإشارة في هذا الصدد أن تطور الضرر البيئي صاحبه تطور في الاهتمام القانوني بهذا الضرر، فقد حظيت البيئة بعد مؤتمر استكهولم باهتمامات متزايدة ومستمرة ، فتكاتفت المساعي واتجهت الأنظار إلى حتمية تناسق الجهود من أجل مواجهة المشكلات البيئية وعلى رأسها التلوث البيئي ، وهذا من قبل كل أشخاص المجتمع الدولي بإبرام العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تعنى بشؤون البيئة والتصدي لمختلف الأضرار التي تصيبها [2].



[1] معلم يوسف ، المسؤولية الدولية بدون ضرر – حالة الضرر البيئي - ، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام ، فرع القانون الدولي ، كلية الحقوق والعلوم السياسية ، جامعة منتوري ، قسنطينة ، ص 29 وما بعدها – بتصرف -

[2]  لمزيد من التفصيل حول هذا التطور راجع : معلم يوسف ، نفس المرجع ، ص 38 وما بعدها .وكذا:

- Jean-François  Neuray , op.cit , pp 663.

3. الخصائص القانونية للضرر البيئي

بناء على ما سبق عرضه حول تعريف الأضرار البيئية ، يتضح لنا جليا أن الضرر البيئي ينفرد بخصائص وطبيعة ذاتية تميزه عن الضرر المتعارف عليه في القواعد العامة ، وهذا راجع إلى تعدد مصادر الضرر البيئي وخصوصية العناصر البيئية محل التعويض ، فضلا عن الطابع التدريجي التراكمي لهذا الضرر[1] . وأهمها :



[1] Agathe Van Lang , Op.cit , p 272 .

3.1. الضرر البيئي ضرر جسيم

يوصف الضرر البيئي بالضرر الجسيم أو المزمن ، نظرا للآثار السلبية الحادة على عناصر البيئة ، تصل في بعض الأحيان إلى الحد من قدرتها على التجدد الذاتي ، بل واستحالة إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل حدوث التلوث ، ويؤكد ذلك انقراض العديد من الحيوانات والطيور والأسماك وكذا النباتات النادرة ، وكذا التدمير الكلي لبعض الغابات وأنظمتها البيئية نتيجة تلوث كبير وخطير.

مثال : ويكفي مثالا على ذلك الأضرار البيئية الناجمة عن غرق الناقلة البترولية Amoco Cadiz في إقليم بريتاني شمال غرب فرنسا16 مارس 1978 بحيث تسرب منها كامل حمولتها ولوثت ما يقرب من 200 ميل من الساحل ، وأدت حينها إلى أكبر خسارة للحياة البحرية نتيجة التسرب النفطي ، وأدت إلى نفوق العديد من الطيور والأسماك ، والملايين من الرخويات والكائنات الدقيقة[1].



[1]  رحموني محمد ، المرجع السابق ، ص 21 – بتصرف - .

3.2. الضرر البيئي ضرر واسع الانتشار

من المعلوم أن الضرر الذي يصيب الإنسان في جسمه أو ماله أو مشاعره هو ضرر محدد من حيث نطاقه و أبعاده ، حيث يكون الضرر محدد تبعا للحالة إما بجسم المضرور أو أمواله أو بمقدار مشاعر الشخص الذي أصابه الضرر ، ففي كل هذه الحالات يكون الضرر محددا ، بخلاف الضرر البيئي الذي يتميز بأنه ذو طبيعة شاملة لا تعرف حدودا معينة و لا مجالات محددة لانتشارها ، فتتعدى مكان وقوعها عابرة لمسافات طويلة [1].

        لذلك فإن الأضرار البيئية لا تقتصر على مناطق بعينها ولا تعرف حدودا جغرافية و سياسية ، فالغلاف الجوي متصل وتدور فيه المواد الملوثة من مكان لآخر ن والبحار مفتوحة تنتقل منها المواد الملوثة بحرية مع التيارات المائية . ونفس الأمر بالنسبة للضرر البيئي الناجم عن التفجيرات النووية ، فهو لا يعرف حدودا طبيعية أو سياسية ، فأي مصدر مشع يمكن أن ينتقل إلى آلاف الأميال بفعل التيارات الهوائية والبحرية .

مثال : حوادث انفجار المفاعلات النووية التي يعد من أشهرها احتراق الوحدة الرابعة من المفاعل النووي في تشرنوبيل مدينة كييف السوفيتية في 26/4/1989 ، والذي امتدت آثاره بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية في ماي 1989 إلى أجواء فنلندا والسويد بعد يومين فقط من وقوع الحادث، ووصل إلى فرنسا وألمانيا بعد أربعة أيام.



[1]  د/ حميدة جميلة ، المرجع السابق ، ص 88 .

3.3. الضرر البيئي ضرر متراخي

من أهم خصائص الضرر البيئي أنه ضرر متراخي حيث لا تتضح آثاره في غالب الأحيان فور حدوث عمليات تلويث البيئة، وإنما يتراخى ظهوره إلى المستقبل ، ولا يظهر ضرر التلوث إلا بعد فترة زمنية معتبرة وقد يمتد لأجيال متعاقبة ، لذلك يوصف أيضا بالضرر التراكمي ، إذ يظهر الضرر عند تراكم المواد الملوثة للبيئة تأتي على شكل أمراض مزمنة وخطيرة كالسرطان والفشل الكلوي ...

        فهذه الخاصية تثير مشكلة مدى توافر رابطة السببية بين الضرر البيئي ومصدره ، حيث يصعب وقد يتعذر إثبات هذه الرابطة بسبب مرور فترة زمنية طويلة ، يحتمل فيها تدخل أسباب أخرى مع السبب الأصلي المحدث للضرر البيئي ، فتلوث الهواء مثلا  من أحد المصانع أو الأنشطة المختلفة لا تظهر في حينها ، بل تحتاج إلى وقت طويل تصل خلاله إلى تركيز عال وجرعات سامة تبدو آثارها على البيئة ، باستثناء تحقق تلك الآثار في الحال كإلقاء مواد سامة في مجرى النهر مثلا ، ويترتب عليه موت الأحياء البحرية التي به.

مثال : وأحسن مثال في هذا المقام التلوث الإشعاعي الذي لا تظهر آثاره الضارة بطريقة فورية ، بل تحتاج لوقت طويل ، حتى تصل درجات تركيز الجرعات الإشعاعية أو المواد السامة إلى حد معين ، بعدها تأخذ أعراض الضرر في الظهور ، وخير مثال على ذلك الآثار البيئية للتجارب النووية الفرنسية بالصحراء الجزائرية التي لا زالت حتى يمنا هذا تفتك بالبيئة والإنسان[1] .



[1]  رحموني محمد ، المرجع السابق ، ص 19 – بتصرف - .

3.4. الضرر البيئي ضرر غير مباشر

إذا كان الضرر المباشر هو الذي ينشأ عن الفعل الضار حيث يكون وقوع الفعل شرطا لازما لحدوث الضرر ، فإن الضرر غير المباشر لا يتصل بصفة مباشرة مع الفعل ، بحيث تتداخل عوامل أخرى بين الفعل والنتيجة ، ومن المستقر عليه قانونا هو أن الضرر لا يكون قابلا للتعويض إلا إذا كان ضررا مباشرا وهو الذي يستحق التعويض .

غير أن الضرر البيئي بطبيعته وخصوصيته المميزة جعلت من الصعب توافر خاصية الضرر المباشر فيه، ذلك أن الضرر البيئي تتحكم فيه عدة عوامل أهمها مقتضيات التطور التكنولوجي ، وتطور المواد المستخدمة في مختلف الأنشطة البشرية التي تعد نتاجا لتطور تكنولوجي علمي متزايدين ومتواصلين ، بالإضافة إلى ذلك تعدد مصادر الضرر البيئي ، وتعدد العوامل التي تؤدي إلى وقوع النتيجة النهائية للفعل الضار[1].

        وبناء على ذلك ينتج عن كون الضرر البيئي ضررا غير مباشر صعوبة تحديد المسؤول عن هذا الضرر وإسناده لفاعل محدد ، لاسيما مع تعدد مسببات التلوث واختلاط الملوثات اختلاطا يصعب معه التمييز بينها نظرا لتداخلها وتفاعلها في إحداث هذا النوع المميز من الأضرار.



[1]  د/ حميدة جميلة ، النظام القانوني للضرر البيئي وآليات تعويضه ، الجزائر ، دار الخلدونية ، 2011 ، ص 83 .

3.5. الضرر البيئي ضرر غير شخصي

الضرر البيئي هو ضرر يصيب الموارد الحيوية للبيئة ، وهو عبارة عن ضرر يصيب بصفة مباشرة الموارد البيئية كضرر عيني ، والذي يمس مباشرة البيئة ومواردها ، فعند الحديث عن الضرر البيئي فإن البيئة هي الضحية لهذا الضرر بالدرجة الأولى ، لأنه لا يلحق بشخص معين مباشرة ، وإذا سلمنا بأن الضرر البيئي ضرر عيني فإن الحق في التعويض يعود للمتضرر  وهي البيئة والتي لا تعد شخصا قانونيا ، كما أن هذا الضرر يلحق بالأشخاص والأموال عن طريق المحيط الذي أصابه الضرر.