مفهوم البيئة

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: القانون الإداري للبيئة 2
Livre: مفهوم البيئة
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Saturday 23 November 2024, 09:55

Description

إن تعريف البيئة من الناحية العلمية والقانونية ليس بموضوع يسير ، لاسيما و أنها تعد من المصطلحات والمفاهيم الحديثة والشائكة في القانون تحديدا ، و الذي لا يمكن له أن يحمي البيئة ما لم تكن هذه الأخيرة محددة ومضبوطة  المفهو م

1. تعريف البيئة

مصطلح البيئة من المصطلحات الشائعة في شتى حقول المعرفة ، لذا يمكن تعريفها كالآتي : 

1.1. تعريف البيئة لغة

ليس هناك تعريف محددا جامعا للبيئة يحدد نطاقاتها المتعددة ، نتيجة اختلاف عوامل التأثير و التأثر ، وعليه هناك اختلاف في التعارف اللغوية للبيئة  نوضحه كالآتي :

أ/تعريف البيئة في اللغة العربية : هي حالة الاستقرار والنزول ، فيقول تبوأ مكانا أو منزلة ، بمعنى حل ونزل وأقام[1] ، ومن ذلك قول الله تعالى في القرآن الكريم :" وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء..."[2]، وقوله تعالى أيضا : " والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ..."[3]. ومنه فإن البيئة لغة هي النزول والحلول في المكان ، ويمكن أن تطلق مجازا على المكان الذي يتخذه الإنسان مستقرا لنزوله وحلوله ، أي على المنزل ، الموطن ، الموضع الذي يرجع إليه الإنسان فيتخذ فيه منزله وعيشه [4].

        كما عرفت البيئة في الدراسات العلمية المعاصرة بمفاهيم عديدة بصورة تتميز بخصوصية الكيان الخاص ، فرحم الأم يمثل بيئة الإنسان الأولى ، والبيت بيئة والمدرسة بيئة ، والحي بيئة ، ويمكن النظر إلى البيئة من خلال النشاطات البشرية المختلفة ، كالبيئة الزراعية ، والبيئة الصناعية ، والبيئة المائية ، البيئة الثقافية ، والبيئة الاجتماعية ...الخ[5] .

ب- تعريف البيئة في اللغة الفرنسية : لم تعرف المعاجم الفرنسية كلمة «L’environnement » إلا بعد عام 1972 إذ عقد مؤتمر استوكهولم لتنمية الموارد البشرية الذي نبه فيه لأول مرة لخطر التلوث المحدق بالبيئة ، وادخل ضمن مفردات معجم اللغة الفرنسية Le grand Larousse عام 1972 ، ويراد به مجموعة العناصر الطبيعية والصناعية اللازمة لحياة الإنسان[6].

ج/ تعريف البيئة في اللغة الإنجليزية : ويراد بكلمة  «Environment » الظروف والأشياء المحيطة بالإنسان والمؤثرة في نمو وتطور الحياة ، كما يستخدم للتعبير عن حالة الهواء والماء والأرض والنبات والحيوان والظروف المحيطة بالإنسان كافة . كما يدل على الوسط أو المحيط أو المكان الذي يحيط بالشخص ويؤثر في مشاعره و أخلاقه وأفكاره[7].



[1]  القامومس المحيط للفيروزابادي  ، القاهرة ، مؤسسة الرسالة ، 1987 ، ص 43 . نقلا عن  د/ عارف صالح مخلف ، الإدارة البيئية ( الحماية الإدارية للبيئة ) ، عمان ، الأردن ، دار اليازوري للنشر والتوزيع ، 2007 ، ص 30 .

[2]  سورة يوسف ، الآية 56 .

[3]  سورة الحشر ، الآية 9 .

[4] لسان العرب لإبن منظور ، الجزء الخامس ، دار المعارف بالقاهرة ، بدون تاريخ الطبع ، ص 382 . نقلا عن د/ أحمد لكحل، دور الجماعات المحلية في حماية البيئة ، الجزائر ، دار هومة ، 2014 ، ص 15 .

[5] د/ إسماعيل نجم الدين زنكنه ، القانون الإداري البيئي ، بيروت ، منشورات الحلبي الحقوقية ، الطبعة الأولى، 2012، ص 26.

- Agathe Van Lang , droit de l’environnement , Paris , Presses Universitaires de France , 3e edition , 2011, p 16 .

[6]  د/ عارف صالح مخلف ، نفس المرجع ، ص 31 .

-  Agathe Van Lang, Op.cit , p 21 .

[7]  د/ عارف صالح مخلف ، المرجع السابق ، ص 31 . وكذا د/ أحمد لحكل ، المرجع السابق ، ص 16 .

1.2. تعريف البيئة اصطلاحا

إن أول من استخدم المعنى الاصطلاحي للبيئة هو العالم الألماني "إرنست هايكل" في سنة 1866 ، إذ توصل إلى ذلك المعنى باستخدام مصطلح « Ecology » وهو عبارة عن دمج كلمتين يونانيتين ، الأولى "Oikos" والتي تعني المسكن والثانية " Logos" ومعناها العلم ، وعرفه بأنه العلم الذي يدرس علاقة الكائنات الحية بالوسط الذي تعيش فيه .

وتبرز البيئة اصطلاحا لاسيما في المجالات التالية :

أ/ البيئة في العلوم الطبيعية : ظهر اهتمام كبير بتحديد المعنى الاصطلاحي للبيئة في مجال العلوم الحيوية والطبيعية ، بحيث اتفق العلماء على أنها تشمل مفهومين متكاملين ، المفهوم الأول البيئة الحيوية وهي كل ما يختص بحياة الإنسان نفسه من تكاثر ووراثة ، كما يشمل علاقة الإنسان بالمخلوقات الحية الحيوانية والنباتية التي يعيش معها . والمفهوم الثاني البيئة الطبيعية وتشمل موارد المياه ، الفضلات والتخلص منها ، الحشرات ، تربة الأرض والمساكن ، الجو ونقاوته أو تلوثه ، والطقس وغير ذلك من الخصائص الطبيعية للوسط . 

ب/ البيئة في العلوم الإنسانية : البيئة الإنسانية تشتمل على البيئة المشيدة أو المستحدثة ، كبيئة السكن ، بيئة العمل ، أي مجموع التركيبات للمجتمع الإنساني بين البيئة الطبيعية والبيئة المشيدة ، وما يعرف بالبيئة الإنسانية ، وتأثير كل منهما في الآخر ومدى إمكانية التوافق بينهما[1].

ج/ البيئة في الفقة الإسلامي : يقدم الإسلام الكثير من التعاليم والأحكام البيئية ، وكثيرا من القيم والتوجيهات الأخلاقية ، والأفكار الخلاقة في مجال حماية البيئة ومسؤولية المحافظة على توازن عناصرها وتنميتها[2]. فقد سبق الإسلام في تشريعاته المواثيق الحديثة المنظمة للنظام البيئي ، وحمايته من التلوث والفساد ، وقد التزم المنهج الإسلامي في هذا الميدان بمبدأين أساسيين يحددان مسؤولية الإنسان اتجاه البيئة التي يعيش فيها ، وهو درء المفاسد حتى لا تقع بالبلاد والعباد وتسبب الأذى للفرد والمجتمع والبيئة ، وبذل كل الجهود التي من شأنها تحقيق الخير للبيئة .

        ومن أهم ما يميز المنهج الإسلامي في مجال حماية البيئة هو الأمر بالتوسط والاعتدال ، والنهي عن الإسراف والتبذير نظرا لمحدودية الموارد ، وفقدان هذا المبدأ يعد من أهم عوامل الخلل والاضطراب في منظومة التوازن البيئي المحكم ، الذي لطالما أكد الإسلام على مراعاته بين مكونات الطبيعة ، لأن هذا التوازن يضمن المحافظة على الحياة واستمرارها ، والإخلال به يقود إلى تدهور نوعية الحياة [3].



[1]  د/ أحمد لحكل ، نفس المرجع ، ص 20 .

[2]  د/ عبد الناصر زياد هياجنة ، القانون البيئي ( النظرية العامة للقانون البيئي مع شرح التشريعات البيئية ) ، الأردن ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ، 2012 ، ص 255 .

[3]  د/ أحمد لحكل ، نفس المرجع ، ص 20 وما بعدها. وكذا د/ عبد الناصر زياد هياجنة ، نفس المرجع ، ص 256 .

1.3. التعريف القانوني للبيئة

ظهر الاهتمام القانوني بحماية البيئة على المستوى الدولي والوطني ، باعتبارها قيمة اجتماعية جديدة حري بالحفاظ عليها وحمايتها من كل فعل يسبب إضرارا بها

        وعليه سوف يتم التعرض لتعريف البيئة من النواحي القانونية التالية :

أ/تعريف البيئة في ظل التقنينات الدولية : ساهمت العديد من المؤتمرات والتنظيمات الدولية في تعريف البيئة ، ومن أهم هذه التعاريف ما يلي :

- مؤتمر استوكهولم :  ظهر استعمال مصطلح البيئة لأول في مؤتمر الأمم المتحدة لتنمية الموارد البشرية المنعقد في استوكهولم بالسويد بين 5- 16 جوان 1972 ، بدلا من مصطلح الوسط البشريLe milieu humain ، حيث أعطى للبيئة مفهوما واسعا بأنها مجموعة النظم الطبيعية والاجتماعية والثقافية التي يعيش فيها الإنسان والكائنات الأخرى ، والتي يستمدون منها زادهم ويؤدون فيا نشاطهم ، فالبيئة وفقا لهذا الاتجاه تدل على أنها تمثل المخزون الديناميكي للمصادر الطبيعية والاجتماعية ، المتوفرة في أي وقت من أجل تلبية احتياجات الإنسان .

        هذا ويعتبر مؤتمر استوكهولم أول مؤتمر من نوعه يتعلق بإعلان مفهوم البيئة الإنسانية بأسلوب علمي، وبخطة علمية مع إفراد جزء ليس بالقليل من المبادئ التي أسفر عنها المؤتمر للعمل على مواجهة ظاهرة التلوث البحري[1].

- برنامج الأمم المتحدة للبيئة : عرف البيئة بأنها مجموع الموارد الطبيعية والاجتماعية المتاحة في وقت معين من أجل إتباع الحاجات الإنسانية ، وتعبر البيئة في مفهومها أنها نظام قائم بذاته ، وليست مجالا خاصا ذو حدود دقيقة ، ولذلك جرت العادة أن يقال أن كل دراسة متعلقة بالبيئة هي دراسة متداخلة التخصصات[2] .

ب/ تعريف البيئة في الأنظمة القانونية المقارنة: عرفت البيئة من خلال العديد من التشريعات الوطنية الداخلية، سنتطرق لأهمها على النحو التالي :

- تعريف البيئة في التشريع الجزائري : عرفت البيئة بموجب المادة 4 من القانون رقم 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة[3] بأنها : "البيئة : تتكون من الموارد الطبيعية اللاحيوية والحيوية كالهواء والجو والماء والأرض وباطن الأرض والنبات والحيوان ، بما في ذلك التراث الوراثي ، وأشكال التفاعل بين هذه الموارد، وكذا الأماكن والمناظر والمعالم الطبيعية ".

علما و أن موضوع البيئة إجمالا ، حظي بعناية المؤسس الدستوري الجزائري نظرا لأهمية البيئة في حياة الأفراد وهناء معيشتهم ، وكذا تطورهم ودوام استمراريتهم. فقد أقر بحق المواطن في بيئة سليمة خالية من الأضرار[4] ، وأسند للدولة مهمة الحفاظ على البيئة والعناية بعناصرها المختلفة ، كما ألزم القانون بتحديد واجبات الأشخاص ودورهم في حماية البيئة. وهذا من خلال نص المادة 68 من الدستور

والمستخلص من هذا التعريف أن المشرع الجزائري ركز على المفهوم الواسع للبيئة ، والذي يعني شمولها الكلي من الوسط الطبيعي الذي يشمل العناصر الطبيعية ، من ماء وهواء وتربة وبحار ، والآثار والمواقع والسياحة ، والتراث الفني والمعماري ، والمنشآت الصناعية وغيرها[5].

- تعريف البيئة في التشريع الفرنسي : تبنى المشرع الفرنسي مفهوما واسعا لمصطلح البيئة في القانون الصادر في 10جويلية 1976 بشأن حماية الطبيعة ، وحسبه البيئة مصطلح يعبر عن ثلاثة عناصر (الطبيعة، الموارد الطبيعية ، الأماكن والمواقع الطبيعية السياحية ) [6].

- تعريف البيئة في التشريع المصري : عرفت البيئة في التشريع المصري بموجب المادة الأولى من قانون البيئة المصري القانون رقم 4 لعام 1994 بأنها : " المحيط الحيوي الذي يشمل الكائنات الحية ، وما يحويه من مواد وما يحيط بها من هواء وماء وتربة ، وما يقيمه الإنسان من منشآت". وهذا التعريف جاء متفقا مع التعريفات الفقهية الحديثة التي توسعت في مفهوم البيئة المحمية بالقانون [7].

ج/ تعريف البيئة لدى الفقه القانوني : لم يتفق الفقه القانوني بصدد إيراد مفهوم محدد للبيئة ، وذلك يرجع أساسا إلى صعوبة وضع مفهوم قانوني للبيئة بسبب غلبة الصبغة القانونية التي تدفع رجل القانون إلى التحديد والدقة في اختيار الألفاظ ، أملا في الوصول إلى تعريف يكون شاملا لما يندرج تحته ، ومانعا من دخول غيره فيه[8].

وعليه أكد الأستاذ Lanversin بأن مصطلح البيئة غامض ومبهم ، ونطاقه غير واضح وغير محدد بصورة دقيقة ، فهي تطابق فكرة واضحة في مضمونها إلا أنها غير محددة تماما فيما يحيط بها.

عرفها الدكتور أحمد عبد الكريم سلامة بأن : " البيئة هي مجموع العوامل الطبيعية والحيوية والعوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، التي تتجاوز في توازن ، وتؤثر على الإنسان والكائنات الأخرى بطريق مباشر أو غير مباشر"[9].



[1]  علي عدنان الفيل ، المنهجية التشريعية في حماية البيئة ( دراسة مقارنة ) ، الأردن ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ، 2012 ، ص 49 .

[2]  د/ أحمد لحكل ، المرجع السابق ، ص 28 .

[3]  القانون رقم 03-10 المؤرخ في 19 جويلية 2003 يتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة ، ج ر 43 . والذي بموجب المادة 113 منه تم إلغاء أحكام القانون رقم 83-03 المؤرخ في 5 فيفري 1983 والمتعلق بحماية البيئة .

[4]  لمزيد من التفصيل حول الحق في البيئة راجع :

- د/ عبد الناصر زياد هياجنة ، المرجع السابق ، ص 102 وما بعدها .

[5]  د/ أحمد لحكل ، نفس المرجع ، ص 31 .

[6]  د/ عارف صالح مخلف ، المرجع السابق ، ص 36 وما بعدها .

[7]  د / ماجد راغب الحلو ، قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة ، الإسكندرية ، منشأة المعارف ، 2002 ، ص 39 .

وكذا د/ أحمد لحكل ، المرجع السابق ، ص 32 .

[8]  د/ إسماعيل نجم الدين زنكنه ، المرجع السابق ، ص 36.

[9] نقلا عن : د/ إسماعيل نجم الدين زنكنه ، المرجع السابق ، ص 39.

2. عناصر البيئة

تعرف البيئة بأنها المحيط الحيوي الذي يعيش فيه الإنسان ، مع كل ما يحتويه هذا المحيط من عناصر طبيعية ( الماء ، الهواء ، الأرض ) ،و أخرى صناعية مشيدة بفعل الإنسان. 

2.1. العناصر الطبيعية

وهي مجموع العناصر التي لا دخل للإنسان في إحداثها ، بل إنها سابقة في إقامتها على وجود الإنسان على سطح الكرة الأرضية ، وتتمثل هذه العناصر في ما يلي :

أ/ الهواء : يعد الهواء أثمن عنصر من عناصر البيئة ، فهو روح الحياة وسرها ولا يمكن الاستغناء عنه إطلاقا ، ويمثل الهواء الغلاف الجوي المحيط بالأرض ، ويسمى علميا بالغلاف الغازي لكونه يتكون من غازات تعد أساسيات لحياة الكائنات الحية ، أبرزها غازات النيتروجين والأكسجين وأرجون خامل وثاني أكسيد الكربون وغازات أخرى نادرة كالهيوم والهيدروجين والميثان والزينون والكبريتون.

        وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن المشرع الجزائري لم يعرف الهواء وهو حال جل التشريعات المقارنة المتعلقة بالبيئة ، غير أنه بين مقتضيات حماية هذا العنصر الهام ، وأدرج تدابير هامة لحماية الهواء والجو كما هو جلي من خلال المواد من المادة 45 إلى المادة 47 من القانون رقم 03-10 .

ب/ الماء : يعد الماء أساس الحياة لقوله تعالى " وجعلنا من الماء كل شيء حيا "[1]، وتغطي المياه 70 % من سطح الكرة الأرضية ، وهو عنصر ذو أهمية بالغة بالنسبة للكائنات الحية وبالأخص الإنسان ، ولا يمكن تصور بقاء واستمرار الحياة على الكوكب الأرضي من دون وجود الماء ، ولكن هذا العنصر وإن كان موردا متجددا باستثناء معظم المياه الجوفية ، فلا يمكن استخدامه أو التعامل معه دون حدود أو قيود ، فالماء أصبحت موارده شحيحة أحيانا وتعرضت إلى شتى أنواع الفساد و التلوثات[2].

        وقد أولت التشريعات اهتماما كبيرا  لهذا العنصر ومكوناته من أجل المحافظة عليه وحمايته من التلوث ، ومنها المشرع الجزائري الذي خصص الفصل الثالث من الباب الثالث من القانون رقم 03-10 لمقتضيات حماية المياه والأوساط المائية ، محددا تدابير وآليات مختلفة لحماية المياه العذبة ، وأخرى لحماية البحر ، وهذا من أجل المحافظة على هذا العنصر الحيوي والهام لحياة كل الكائنات[3].

كما أورد جملة من النصوص القانونية تعنى بحماية هذا العنصر الهام وترشيد استعماله وتسعى للحفاظ عليه[4]، كما انضمت الجزائر لجملة من الاتفاقيات الدولية المتضمنة حماية مياه البحر من التلوث[5]. لاسيما وأن هذا العنصر الحساس والضروري لحياة واستمرار كل الكائنات ، حظي بحماية قانونية دولية مميزة عن طريق الاتفاقيات الدولية والإقليمية الخاصة لحمايته من التلوث ومكافحته[6].

ج/ التربة : يقصد بها ذلك الغطاء الرقيق الذي يكسو سطح الأرض ، وهي أهم مورد طبيعي للإنسان ، أو هي الطبقة الهشة التي تغطي صخور القشرة الأرضية وتتكون من مزيج معقد من الموارد المعدنية والمواد العضوية والماء والهواء ، وهي مورد طبيعي من موارد البيئة التي تتجدد وتعد أحد المتطلبات الأساسية للحياة على كوكب الأرض ، وهي أكثر حيوية من الماء والهواء ، لكونها أساس الدورة العضوية التي تجعل الحياة ممكنة .

        ونظرا لأهمية وحيوية هذا العنصر البيئي فقد أولى المشرعون في العالم اهتماما وافرا لحمايته ، حيث خصص المشرع الجزائري في قانون حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة ، فصلا كاملا لمقتضيات حماية الأرض وحتى باطن الأرض من أجل الحفاظ على هذا المعطى الطبيعي الهام ، ضمانا لاستمرار عيش الكائنات الحية[7] .

        وباعتبار أن البيئة الأرضية وعناصرها الحية تتعرض إلى أخطار كبيرة ومحدقة عن طريق الأنشطة الملوثة أو عن طريق الاستهلاك، سارع المجتمع الدولي إلى معالجة هذا التلوث عن طريق القواعد القانونية الاتفاقية[8]. ومن أهمها اتفاقية الجزائر عام 1968 للحفاظ على الطبيعة ومواردها ، والتي أكدت على التزام الدول الأطراف باتخاذ تدابير حفظ وتنمية التربة والمياه والموارد النباتية [9].

د/ التنوع البيولوجي للأحياء : ويشمل النباتات والحيوانات التي تعيش على الموارد الطبيعية المتجددة ( الماء ، الهواء و التربة ) ، لذا فإن الكثير من المؤلفات المتعلقة بالبيئة لا تدرجها كعنصر مستقل من عناصر البيئة الطبيعية ، باعتبارها مرتبطة وجودا وعدما بالعناصر الطبيعية الأساسية المشكلة للبيئة وهي جزء منها.

        وقد عرف المشرع الجزائري التنوع البيولوجي بموجب المادة 4 من القانون رقم 03-10 بأنه : "قابلية التغير لدى الأجسام الحية من كل مصدر ، بما في ذلك الأنظمة البيئية البرية والبحرية وغيرها من الأنظمة البيئية المائية والمركبات الإيكولوجية التي تتألف منها ، وهذا يشمل التنوع ضمن الأصناف وفيما بينها ، وكذا تنوع النظم البيئية "[10].

        ونظرا لأهمية هذا العنصر الهام من العناصر الطبيعية المشكلة للبيئة ، فقد تبنى المشرع مبدأ المحافظة على التنوع البيولوجي ، وأدرجه ضمن المبادئ العامة التي يتأسس عليها القانون أعلاه، فأفاد أنه ينبغي بمقتضى هذا المبدأ على كل نشاط تجنب إلحاق ضرر معتبر بالتنوع البيولوجي[11].

        لذا كان من الواجب إحاطة هذه الأحياء بنوع من الحماية من أجل توازن البيئة وحماية الإنسان ، فوضع المشرع الجزائري في القانون أعلاه مجموعة من التدابير و التراتيب التي من شأنها تحقيق هذا المقصد البيئي الهام [12]. كما صادقت الجزائر على اتفاقية ريو دي جانيرو بشأن التنوع البيولوجي لسنة 1992[13]، وكذا على بروتكول قرطاجنة بشأن السلامة الإحيائية التابع للاتفاقية المتعلقة بالتنوع البيولوجي[14] .



[1]  سورة الأنبياء ، الآية 30 .

[2] د/ إسماعيل نجم الدين زنكنه ، نفس المرجع ، ص 48 .

[3] راجع المواد من المادة 48 إلى المادة 58 من القانون رقم 03-10 .

[4] القانون رقم 05-12 المؤرخ في 4 أوت 2005 المتعلق بالمياه ، ج ر 50 . وكذا المرسوم الرئاسي رقم 07-399 المؤرخ في 23 ديسمبر 2007 المتعلق بنطاق الحماية النوعية للموارد المائية ، ج ر 80 . وكذا المرسوم التنفيذي رقم 08-148 المؤرخ في 21 ماي 2008 الذي يحدد كيفيات منح رخصة استعمال الموارد المائية ، ج ر 26 . وكذا المرسوم التنفيذي رقم 10-01 المؤرخ في 4 جانفي 2010 المتعلق بالمخطط التوجيهي لتهيئة الموارد المائية والمخطط الوطني للماء ، ج ر 1 .

[5] وعلى سبيل المثال نذكر الاتفاقيتين التاليتين :

- الاتفاقية الدولية حول مكافحة تلوث مياه البحر بالوقود المنضمة إليها الجزائر بموجب المرسوم رقم 63-344 المؤرخ في 11 سبتمبر 1963 والمتضمن انضمام الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية للاتفاقية الدولية حول مكافحة تلوث مياه البحر بالوقود، ج ر 66 .

- اتفاقية حماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث ، المبرمة ببرشلونة في 16 فيفري 1976 ، المنضمة إليها الجزائر بموجب المرسوم رقم 80-14 المؤرخ في 26 جانفي 1980 والمتضمن انضمام الجزائر إلى اتفاقية حماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث ، ج ر 5 .

[6]  ولأكثر توضيح راجع : علي عدنان الفيل ، المرجع السابق ، ص 30 وما بعدها .

- Jean-François  Neuray , Droit de l’environnement , Bruxelles , Bruylant , 2001, pp 442.

[7]  راجع المواد من المادة 59 إلى المادة 62 من القانون رقم 03-10 .

[8]  راجع : علي عدنان الفيل ، المرجع السابق ، ص 25 وما بعدها .

[9]  والتي صادقت عليها الجزائر بموجب المرسوم رقم 82-440 المؤرخ في 11 ديسمبر 1982، والمتضمن المصادقة على الاتفاقية الإفريقية حول المحافظة على الطبيعة والموارد الطبيعية ، الموقعة في 15 سبتمبر 1968 بمدينة الجزائر .

[10]  ولأكثر تفصيل حول مفهوم التنوع البيولوجي راجع : السعيد حداد ، " الآليات القانونية الإدارية لحماية التنوع البيولوجي  في الجزائر " ، مذكرة مكملة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم القانونية ، تخصص قانون البيئة ، قسم الحقوق ، كلية الحقوق والعلوم السياسية ، جامعة سطيف 2 ، 2014/2015 ،  ص 11 وما بعدها .

[11]  راجع المادة 3 من القانون رقم 03-10 .

[12]  راجع المواد من  المادة 40 إلى المادة 43 من القانون رقم 03-10 .

[13]  وهذا بموجب المرسوم الرئاسي رقم 95-163 المؤرخ في 6 جوان 1995 ، يتضمن المصادقة على الاتفاقية بشأن التنوع البيولوجي ، الموقع عليها في ريو دي جانيرو في 5 جوان 1992 ، ج ر 32 .

[14]  وهذا بموجب المرسوم الرئاسي رقم 04-170 المؤرخ في 8 جوان 2004، يتضمن المصادقة على بروتوكول قرطاجنة بشأن السلامة الإحيائية التابع للاتفاقية المتعلقة بالتنوع البيولوجي ، ج ر 38 .

2.2. العناصر الاصطناعية

وهي العنصر الثاني الذي تتكون منه البيئة والمتمثل في العنصر الصناعي أو المستحدث ، ويشمل العوامل الاجتماعية ، حيث تبرز مجموعة النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والإدارية التي وضعها الإنسان ، لينظم بها حياته ويدير من خلالها نشاطاته وعلاقاته الاجتماعية لمواجهة العناصر التي يتكون منها الوسط الطبيعي.

ويدخل ضمن هذا العنصر الأدوات والوسائل التي ابتكرها الإنسان للسيطرة على الطبيعة ، فمنذ أن وجد على هذه المعمورة وهو يسعى لإشباع حاجاته المتعددة والمتطورة باستمرار ، وذلك تحقيقا لرخائه وتقدمه ورفع مستوى معيشته في هذه البيئة التي يعيش فيها ، ويمارس فيها نشاطه الاجتماعي والثقافي والإنتاجي عن طريق استغلال الموارد والثروات الطبيعية الموجودة فيها[1].

ملاحظة هامة : وجبت الإشارة في صدد تعداد عناصر البيئة ، الطبيعية منها والاصطناعية ، أن أنواع البيئة تتقرر بموجب هذه العناصر و يتم تصنيفها بناء عليها في غالب الأحيان. وعليه هناك البيئة الطبيعية والتي بدورها تنقسم إلى البيئة المائية ، بيئة هوائية وبيئة أرضية ، والبيئة الاصطناعية ، البيئة العمرانية ، البيئة الاجتماعية ....الخ .



 [1]  د/ أحمد لحكل ، المرجع السابق ، ص 35 .