مقاصد الشريعة ودورها في الحفاظ على حقوق الطفل
1. المنظور الإسلامي لحقوق الطفل
1.3. الحق الثاني: حق حفظ الدين: حق التربية
غرض التربية في الإسلام:
إن التربية الإسلامية تستهدف غرضين:
1- الغرض الديني، ويقصد به التنشئة للعمل للآخرة، حتى يلقى العبدُ ربَّه وقد أدى ما عليه من حقوق.
2- الغرض العلمي الدنيوي، وهو ما يعرف بالإعداد للحياة.
الأولاد والعقيدة الإيمانية:
إن التربية العقدية الشرعية للمولود أهم بكثير من التربية الجسدية، فحياة الجسد تفنى بالموت، وحياة الإيمان تستمر إلى ما بعد الممات، ومن حق الطفل أن يُحافظ له على فطرته السليمة، وعقيدته الإيمانية؛ دون أن تُلوث بفعل الأبوين.
قال الله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً[[التحريم:6]، وهذه الآية تدل على:
أولاًَ: من حق الأطفال على الآباء والأمهات والمربين أن ينالوا تربية إيمانية وأخلاقية واجتماعية وفكرية تنأى بهم عن الانحراف.
ثانياً: من حق الطفل وجوده في أسرة ينتمي إليها، وتحافظ عليه وتحميه، ويشعر بالأمن بين أفرادها.
ثالثاً: إن المهمة التربوية ليست مجرد تلقين من البيت الكبير (المجتمع والبيئة)، بل إن في مراحلها الأولى تحتاج إلى الآباء والأمهات ولمربين؛ وبالتالي لا بد أن يكون المشرف على التربية مؤمناً ملتزماً بأخلاق الدين وآدابه، ليكون لهم أثرهم في التربية عن طريق القدوة الحسنة، وليكون عملهم التربوي أضمن نجاحاً وأبلغ أثراً في التنشئة الصالحة.
ومن حقوق الأطفال في المجتمع وفى الأسرة والمدرسة أن يُنَشَّؤوا على الإيمان بالله واليوم الآخر، وعلى طاعة الله تعالى وعبادته وتقواه ومحبته، وعلى العمل بمكارم الأخلاق وتقديرها والاعتزاز بها، وتثبيت الحقائق العليا في نفوسهم.
وقد أمرت الشريعة بتعليم الأطفال كل ما يعود عليهم بالنفع في الدنيا والآخرة، وأول شيء يُلَقَّن لهم ويلقى في أسماعهم: أعذب الكلام وأطيبه، وهو ذكر الله سبحانه وتعالى، وفى هذا يقول رسول الله e: "افتحوا على صبيانكم أول كلمة بـ (لا إله إلا الله).." ([1]).
ويؤكد ذلك فعل النبي e هذا بنفسه، قال أبو رافع: رأيت رسول الله e"أَذَّن في أُذُُن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة"، وفى حديث آخر أنه e: " أَذَّن في أُذُُن الحسن اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى"([2]).
ولعل الحكمة في التأذين: أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلمات الأذان المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي هي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك تلقينا له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه من الدنيا.
الرحمة والشفقة في التربية الإسلامية:
مما لا شك أن القسوة في معاملة الولد: مثبطة للهمة، قاتلة للذكاء، مؤدية للذل، باعثة على النفاق، ولم يقر الإسلام الشدة والعنف في معاملة الأولاد، واعتبر الغلظة والجفاء في معاملة الأولاد نوعاً من فقد الرحمة من القلب، حيث قال e للأقرع بن حابس لما أخبر أنه لا يُقَبِّل أولاده:" من لا يَرحم لا يُرحم"([3]).
ولقد ضرب رسول الله e المثل الأعلى في الرفق في تربية الأطفال وعلاج أخطائهم بروح الشفقة والرأفة والعطف والرحمة، ومعرفة البواعث التي أدت إلى هفواتهم والعمل على تداركها وإفهام الأولاد نتيجتها.
وعمل رسول الله e على إدخال السرور في قلوب الأطفال، حيث كان يُقبلهم ويداعبهم ويحملهم على ظهره في صلاته، ويقوم بتنظيفهم، والسنة المطهرة فائضة بكثير من الأحاديث في هذا المجال وهذه طائفة منها:
أن رسول الله e كان يصلى وهو حامل أُمَامة بنت زينب بنت رسول الله e، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها([4]).
وروى عبد الله بن شداد قال: "بينما رسول الله e يصلى بالناس إذ جاءه الحسين فركب عنقه وهو ساجد، فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه قد حدث أمر، فلما قضى صلاته، قالوا: قد أطلت السجود يا رسول الله حتى ظننا أنه قد حدث أمر فقال: "إن ابني قد ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضى حاجته"([5]).
وعن أسامة بن زيد: كان رسول الله e يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم يضمهما، ثم يقول: "اللهم أحبهما فإنى أحبهما"([6]).
وقد كان رسول الله e يداعب الصبيان فقد ثبت عنه e أنه قال لأخ صغير لأنس بن مالك: "يا أبا عمير ما فعل النغير([7])"؟([8]).
وكان e يَقْدُم من السفر فيتلقاه الصبيان فيقف عليهم، ثم يأمر بهم فيرفعون إليه؛ فيُرْفع منهم بين يديه ومِن خلفه، ويأمر أصحابه أن يحملوا بعضهم، وقد ورد أن عبد الله بن جعفر قال لابن الزبير أتذكر إذ تلقينا رسول الله e أنا وأنت وابن عباس قال نعم فحملنا وتركك([9]) فربما تفاخر الصبيان بعد ذلك فيقول بعضهم لبعض: حملني رسول الله e بين يديه وحملك أنت وراءه، ويقول بعضهم: أمر أصحابه أن يحملوك وراءهم([10]).
وكان يؤتى بالصبي الصغير لِيَدْعُوَ له بالبركة وليسميه، فيأخذه فيضعه في حجره، فربما بال الصبي فيصبح بعض مَن يراه فيقول: لا تزرموا الصبي، فيدعه حتى يقضى بوله، ثم يفرغ من دعائه له وتسميته، ويبلغ سرور أهله فيه لئلا يروا أنه تأذى ببوله، فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعده([11]).
ومن هذه النصوص تتضح مدى عناية رسول الله e بالأطفال، وشفقته بهم، وحرصه على إدخال السرور عليهم، فالأطفال يمثلون بعض اليوم وكل الغد، فيحتاجون إلى بناء شخصيتهم وإشعارهم بالاهتمام بهم، وهذا بلا شك يترك آثاراً حسنة في نفوسهم، ويعودهم على الثقة بالنفس، ويربى فيهم العزة والأنفة وحب الغير، والتآخي، ويشيع بينهم المودة.
صلاح الأولاد مقصد إسلامي:
إن رعاية الأطفال وتربيتهم، والعناية بهم ذات جوانب متعددة، واجتهادات كثيرة، وهي من الثوابت الواضحة الأصول والقواعد، يقول الله تعالى: ]هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تَغَشَّاها حملت حملاً خفيفاً فمرَّت به فلما أثقلت دعوا الله ربَّهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين[[الأعراف: 189].
وهذه الآية تدل على أن المقصود من الزواج:
أولاً: السكن بين الزوجين فيطمئن كل منهما للآخر.
ثانياً: ولادة الأطفال ذكوراً وإناثاً.
ثالثاً: تربيتهم ليكونوا صالحين.
وتشير الآية إلى أن صلاح الأولاد مطمح الزوجين كليهما، وليس مطمح الزوج وحده، ولا مطمح الزوجة وحدها ]دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين[[الأعراف: 189] فكان الدعاء منهما معاً.
وتنطوي الآية على أنه ينبغي أن يخيم على الأسرة: التوافق والانسجام بين الزوجين، وهذا عنصر رئيسي من عناصر النجاح في بناء الأسرة ورعاية الأطفال ليكونوا صالحين.
والإنسان الصالح هو الإنسان الذي يعشق العلم، ويعشق الحق، ويقول الحق، ويلتزم الحق؛ فيكون مثلاً حياً في سمو خلقه، ومثلاً رائعاً في الثبات والتضحية، ومثلاً قويماًً في استقامته وحسن سلوكه؛ فلا يبيع رأيه بمال ولا بجاه ولا بمنصب، بل ولا بأعراض الدنيا كلها بل ولا بحياته.
ولا ريب أن بناء الإنسان أصعب من إشادة المدن وبناء القصور، وأشق من بناء السدود وإقامة الجسور، وإن تشذيب الصخور وتهذيب الحجارة لِتَصبِحَ صالحةً للبناء أهون وأيسر بكثير من تشذيبِ الفِكَر والفِكْر وتهذيبِ الخُلُق لدى الإنسان؛ لأن تربية الإنسان غرس إيمان، وتربية قلب، وصقل عقل، وتنمية شعور، وتهذيب ضمير، وإعلاء ذوق، وتقويم سلوك.
وتظهر أهمية التربية للأطفال أن المجتمعات تحوى دروباً صعبة ومسالك ضيقة، وتعترضه كثير من العقبات، وتستثيره كثير من الرغبات، ويطمح إلى عدد من المطالب والحاجات، وتحيط به مؤثرات وموجهات؛ فإذا لم يُرعَ حق الرعاية ويُعْنَى بها غاية العناية فإنه يقع فريسة هذه الدروب الوعرة والطرق الملتوية، ولذا:
فالطفل يحتاج إلى عطف الأبوة وحنان الأمومة ونُبل الكلمة والشفقة في المعاملة ومؤانسة الرفيق والهدوء والسكينة؛ وعلى التربية أن تجنبه عوامل الأحزان والكآبة، وعوامل الإعياء والإرهاق والتعب، كما يحتاج إلى التعليم والتثقيف لينال حظه من الرضا ويحصل على الابتهاج وينعم بالسرور وجمال الحياة.
حق الطفل في التربية:
والتربية من وجهة النظر الإسلامية تتطلب تدريبات روحية، وتمارين فكرية، ومُثُل عملية أخلاقية، قال رسول الله e: "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وآل بيته، وقراءة القرآن"([12])، كما تتطلب تدريبات جسدية، فالإسلام يدعو إلى تعليم الأولاد السباحة والرماية وركوب الخيل، وفي الوقت نفسه يدعو إلى تعليم الأولاد الصلاة إذا بلغوا سبع سنين وضَرْبِهم عليها إذا بلغوا عشراً، وهذا يعني التدريب عليها، وغرس فضيلة الأدب فيهم حتى يشبوا وقد انطبع في قلوبهم حب الفضيلة وبغض الرذيلة، ففي الحديث: "أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم"([13]).
فالولد أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة؛ خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما يُنقش فيه، ومائل إلى عمل ما يميل إليه، وعلى الوالد ألا يسهو عن تأديب ولده؛ وذلك بأن يُحَسِّن عنده الحسن، ويُقَبِّح في عينيه القبيح، وليحثه على مكارم الأخلاق، وجميل الآداب، وليحضه عل تَعَلُّم العلم والأدب، ويدربه على ذلك.
ومن جميل الشعر، قالوا:
عَوِّد بنيك على الآداب في الصغر كيما تَقّرَّ بهم عيناك في الكِبَر
فإنما مَثَل الآداب تجمعها في عنفوان الصبا كالنقش في الحجر
هي الكنوز التي تنمو ذخائرها ولا يُخاف عليها حادث العِبَر
ولقد ضرب رسول الله e المثل الأعلى في الرفق في تربية الأطفال وعلاج أخطائهم بروح الشفقة والرأفة والعطف والرحمة، واعتبر e الغلظة والجفاء في معاملة الأطفال نوعاً من القسوة في القلب، وهدد المتصف بها بأنه عرضة لعدم حصوله على الرحمة من الله، فقال e: "إنه مَن لا يَرحم لا يُرحم"([14]).
ومن الواجب في تربية الطفل أن ننتبه بأن تكون تربيته متكاملة بدنياً، وخُلُقياً، وروحياً؛ فكما تهتم الأسرة بغذاء أولادها، وتدقق في كميته ونوعه؛ فإن الاهتمام بتعامله مع الناس القريب والصديق والبعيد والغريب، من الأمور المهمة تربوياً.