عوامل نمو الحركة الفكرية والتعليمية في المغرب الأوسط

1. الرحلة العلمية

      

الرحلة في شقّها العلمي تشكّل أحد الأركان الهامة في بناء صرح الانتاج المعرفي والفكري للفرد، وأرضية خصبة لإنعاش مواده وتغذية مشاربه، وبحرا عميقا لريّ مضاميره وإشباع حاجاته، لذلك نجد ابن خلدون يؤكّد على أنّ من تشوف للعلم بفطرته خصوصا من نشأ بالقرى والأمصار غير المتمدّنة لا بدّ له "من الرحلة في طلبه إلى الأمصار المستبحرة شأن الصنائع كلّها". والرحلة في منظوره "لابدّ منها في طلب العلم لاكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال". ولئن كنّا في غنى لنُثبت ما هو في الأصل ثابت بشأن ما تنطوي عليه نصوص الرحلات وجهود من اضطلع بها من قيمة علمية وفائدة في الكتابة التاريخية وفي الحقل المعرفي بكل مواطنه، فإنّ استحضار جانب من السمات المعرفية الهامة التي اصطبغت بها والأهمية المعرفية الخالدة التي تكتسيها، واستنطاق مساحة من الجهد الفكري الدارس لنصوصها الكاشف لجهود الرحالة على اختلاف مذاهبهم الرحلاتية ومشاربهم العلمية واهتماماتهم المعرفية على امتداد المسار الزمني الـمُؤطّر للحقبة المغربية الوسيطة، لا يُلجِم أقلامنا عن التنويه بحجم الآثار الايجابية التي تخلفها على الحياة الفكرية.

ومن ذلك: تحريك عجلة التأليف، وتنمية حقول المعرفة وتطويرها. بالاضافة إلى الاحتكاك الفاعل بين أهل العلم وطلبته.