الإرهاصات الأولية لمظاهر الحركة الفكرية في المغرب الأوسط

2. العناية بالبناء والتعمير:

العمارة والبناء كبناء القيروان، من أجل إيجاد حاضرة اسلامية تلم شمل المسلمين، وتكون فضاء لنشر الثقافة الاسلامية يقول ابن خلدون ان العلم يكون في الحضر وكلما تقدمنا الى البدو نقص العلم     

        نشوء الدولة ساهم في نشوء ثقافة اسلامية حاولت احتواء كل التيارات بتنوعها العربي والعرفي والثقافي، حيث ساهم في نشر الثقافة الاسلامية وتكوين تيار ثقافي جديد مشبع بروح جديدة متأثرة بالأوائل الفاتحين القادمين من المشرق، حيث ساهم هؤلاء في اطار الأسلمة والتعريب في تطهير الموروث الثقافي السائد واستبداله بثقافة اسلامية تستنير بالدين الاسلامي...

        سياسة الولاة أي الدولة من خلال تعريب الدواوين وتحويلها من اللغة اللاتينية إلى اللغة العربية وهي ساهمت بدورها بشكل كبير في عملية التعريب

بناء القيروان: ثمّ أنه ومع استقرار الفاتحين دخلت بلاد المغرب طورا جديدا تمثّل في مرحلة البناء والتمصير ،إذ كان على هؤلاء الفاتحين بالموازاة مع أعمال الفتوح التفكير الجدي في بناء الأمصار وتوسيعها بما يتماشى والتوافد الإثنوغرافي من بلاد المشرق إلى الأرض المغربية المفتوحة. ولقد تزامن هذا مع ذلك التراجع الذي عرفته المدن الرومانية في ظل تناقص عدد سكانها، وهو ما فتح الطريق لبداية عهد جديد من تاريخ التمدين بالمغرب الإسلامي تجسّد في نمط العمارة الإسلامية إلى جانب المدينة الرومانية القائمة آنذاك، والتي هجرها الروم، ولم تعمر الكثير منها، في الوقت الذي ظهرت بالقرب منها مدن إسلامية ،كانت مدينة القيروان أحد نماذجها. مع بناء مدينة القيروان أخذت هذه المدينة تتدرّج في التوسع، وامتداد الأطراف، كما حظيت باهتمام كبير مـن طرف ولاة الأمويين الذين زادوا في معالمها، وفي طليعتهم حسان بن النعمان الذي جدّد بناء مسجد القيروان بما هو أحسن سنة 84هـ /703م، لتتوالى حركة العمران بمدينة القيروان نموا، وتطورا، وتنوعا حسب حاجة المدينة والنمو الديموغرافي الذي تعرفه، والتوافد الإثنوغرافي الذي تستقطبه.

فبخصوص أمر الدفاع عن المدينة، وحمايتها من أي خطر قد يداهمها،لم يغفل ولاة أمورها عن اقامة الأسـوار والمحارس من مختلف جهاتها، إذ يذكر البكري أن للمدينة سبعة محارس أربعة خارجها وثلاثة داخلها، كما أن للمدينة سور من طوب، سعته عشرة أذرع، تتخلله أبواب، منها باب أبي الربيع، وباب تونس، وباب أصرم، وباب سلم. أما في فترة حياة البكري، فيشير هذا الأخير بأن لها أربعة عشر بابا، أشهرها باب النخل وباب الحديث. وتكون القيروان بناء على هذا النص على الرغم من كونها تقع في بسيط من الأرض إلا أنها أصبحت مدينة ذات تحصينات هامة ،من خلال السور الذي أحيطت به، والمحارس التي زوّدت بها ،والتي كانت تتماشى والتطور العمراني الذي كانت تشهده ،في ظل اهتمام القائمين على شؤونها، من فترة زمنية لأخرى ،حتى أضحت في عهـد الجغرافي البكري (ت487هـ /1094م) مدينة محصنة من الداخل والخارج ،كما عرفت اتساعا كبيرا، بحيث كان لها أربعة أبواب سنة أربع وأربعين ومائة للهجرة ،لتصبح في عهده أربعة عشر بابا. وإن كانت مدينة القيروان قد مثّلت منارة للعلم، ومركزا استراتيجيا عسكريا ،وسياسيا ،واقتصاديا ببلاد المغرب الإسلامي ،مذ كانت نقطة انطلاق للانتشار العربي الإسلامي حتى غدت مركزا للإشعاع الحضاري في عهد الـولاة ،والأغالبة ،فإن هذه الأهمية التي اكتستها المدينة والتطور الذي عرفته قد أخذ في التراجع بشكل تدريجي ،وذلك حينما دانت بلاد المغرب الأدنى لسلطان بني عبيد أو خلفاء دولة الفاطميين ،ذلك أن الخليفة الفاطمي الأول عبيد الله المهدي بعدما مكّن لدولته ،سعى لبناء عاصمة جديدة تؤوي الأسرة الشيعية الحاكمة ، وذلك حينما رأى ضرورة البحث عن موضع حصين يحميه من نفوس الرعية ،الذين كان معظمهم من أهل السنة المخالفين لمذهبه الشيعي.