الحكاية على لسان الحيوان (كليلة ودمنة)

1. القصة على ألسنة الحيوان

القصة أو الحكاية  على ألسنة الطير و الحيوان، جنس أدبيٌ ذائع في آداب العالم. تُعزى فيه الأفعال والأقوال إلى الطيور و الحيوانات، قناعاً يشفّ عمّا وراءه، ورمزاً يومئ إلى المرموز إليه، وتنطوي هذه الحكايات على غايات أخلاقية ودروس اجتماعية وتربوية ومضامين سياسية ناقدة.

 كما  أنّ القصّ على ألسنة الطير و الحيوان، سبيلٌ مأمون، يسلكه حكماء السياسة  ونُقّادها، وأرباب الإصلاح الاجتماعي والأخلاقي، وأصحاب النظرة المثالية المتسامية، فينفّسون به عمّا تجيش به صدورهم . إضافة إلى المتعة الفنيّة، والقيمة الجمالية، التي تنبع من إدهاش المتلقّي، وهو يرى الحيوان يقلّد السلوك الإنساني، فتميل لسماعه الأسماع، وترغب في مطالعته الطّباع، لأنَّ الوحوش و البهائم والهوام والسوائم، غيرُ معتادة لشيءٍ من الحكمة، ولا يُسند إليها أدبٌ ولا فطنة  والحكمة على لسان الحيوان أدعى للقبول والإقناع منها على لسان الإنسان، الذي تنطوي حكمته الإرشادية، ونصائحه الوعظية على نوع من الاستعلاء الضمني بين الناصح والمنصوح، وهو أمرٌ في حقيقته مرفوض من المتلقي لا شعورياً، وإن لم يفصح عن ذلك  .

وفي الأدب العالمي يطلق البعض  على فن الحكايات التي ترد على ألسنة الطير والحيوان اسم الخرافة أو الخرافات ، مثلما فعل الكاتب الفرنسي الشهير (لافونتين) حيث سمى ما كتبه من حكايات على ألسنة الطير والحيوان (خرافات).

والخرافة في اللغة : الكلام المستملح المكذوب ، لذلك يقال : هذا حديث خرافة .

ونجد هذه الحكايات في الآداب العالمية نثراً وشعراً ، وإن كان طابع الشعر أكثر بروزاً في هذا الجانب. 

وقد اختُلف حول نشأة هذا الفن ومهاده التاريخي، فقيل: إنّ أصوله ترجع إلى الهنود والإغريق والفراعنة ،وربما كانت النشأة عند المصريين القدماء وأخذها عنهم الإغريق عندما دخل الإسكندر الأكبر مصر ومن ثم أخذها الإغريق معهم إلى الهند عندما وصل إليها الإسكندر الأكبر غازيا  ولكن لاتوجد أدلة ثابتة على ذلك وقيل: بل إنّ الهند أسبق الأمم في حلْبة هذا الفنّ، وثمّة من يرى غير ذلك.  وعلى أي الأحوال لايعد مثل هذا اللون من القصص فنا إلا إذا اعتمد على الرمز كوسيلة فنية تعليمية ولعلّ ارتباط هذا الفن بالحكاية أو القصّ الشعبيّ، والنشأة الأسطورية له، يكمنان وراء شيوعه لدى كثير من أمم الأرض.‏

وقد عرف العرب الحكاية على لسان الحيوان معرفة تامّة منذ العصر الجاهلي ويتجلّى هذا الأمر واضحاً في قصص الأمثال الواردة في كتب الأمثال،( كالأمثال للمفضّل الضّبي‏ ت170هـ)، و(جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري ت نحو 395هـ)، و(مجمع الأمثال للميداني ت 518هـ). وفي الشعر الجاهلي زادٌ وافرٌ من هذه الحكايات، ولاسيما في دواوين أمية بن أبي الصلت، والأعشى الكبير، والنابغة الذبياني. وجاء في القرآن الكريم كثير من الآيات عن الحيوان لغايات عديدة، فدارت حوله كثير من الحكايات في كتب التفاسير، التي فصّلت ما أُجمل فيه .

وفي كثرة وجودها دلالةٌ على اهتمام العرب بهذا الفن، واتّخاذهم له سبيلاً للعبرة والموعظة الأخلاقية، وكان يُروى شفاهاً حتى عصر التدوين، وبفعل الامتزاج الاجتماعي والثقافي الواسع في العصر العباسي الأول تعرّف العرب إلى حكايات الأمم الأخرى، فهذا (ابن المقفع ت 142 هـ) يخطو بالحكاية على لسان الحيوان خطوة واسعة، لا عهد للأدب العربي بها، فيكون أوّل من نقل هذا الفنّ القصصي من مرحلة الشفاهية الشعبية  عند العرب، إلى الأدب المدوّن الكتابي في أول خطوة من نوعها في تاريخ الأدب العربي القديم عامّة، والإبداع القصصي خاصّة، وتزداد هذه الخطوة أهمية، إذا وضعنا في الاعتبار أنّ هذه هي المرّة الأولى في التراث الأدبي عند العرب، التي يُوضع فيها بعد الشعر أول كتاب قصصي مجموع في صعيد واحد.‏

وتنبَّهَ العرب إلى قيمة هذا الأثر الخالد، الذي تنقل بين الأدبين الهندي والإيراني، قبل أن ينتقل إلى العربية، فأُرسي أساس صرحه إرساءً جديداً، ومنه أُخذت ترجمات كثيرة، تربو على الستين . ومن صور اهتمام العرب به، وتأثيره في أدبهم، محاكاتهم إياه ونسجهم على مثاله. وممّن حاكاه ونسج على منواله،( سهل بن هارون ت 215 هـ في النمر والثعلب)، و(إخوان الصفا في رسالة تداعي الحيوانات على الإنسان) في القرن الرابع الهجري، و(ابن ظَفَر الصّقلي ت 565هـ في سُلوان المطاع في عدوان الأتباع)، و(أبو العلاء المعري ت 449هـ، في أكثر من كتاب وصل إلينا منها الصاهل والشاحج)، و(ابن الهبارية ت 504هـ، تحت عنوان نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنة) وممّن عُرِفَ بنظمه (أبان بن عبد الحميد اللاحقي ت 200 هـ)، و (علي بن داود ت 230هـ)، و(بشر بن المعتمر ت 210هـ)،. وغير هؤلاء كثير. فكان تأثير كليلة ودمنة بالغ الأهمية في الأدب العربي .‏ لأنه يمثل نموذجا من أخصب نماذج حركة الأدب المقارن ولا يزال عطاؤه متجددا منذ أن ألفه الفيلسوف الهندي ( بيدبا ) استجابة لمطلب ملك الهند ( دبشليم ) والكتاب يشهد على أن اللجوء إلى القصص على ألسنة الحيوان كان لونا من ألوان التعبير الرمزي عن قضايا الواقع المعيشي يلجأ إليها الكاتب في محاولة للتخفي وراء الرمز لمواجهة عسف الحاكم وظلمه حيث يشهد على ظلم الملك ( دبشليم) وسوء حكمه ومحاولة (بيدبا ) نصحه وإرشاده بطريقة مباشرة فسجنه ( دبشليم ) فاضطر (بيدبا ) إلى كتابة ( كليلة ودمنة )وجعله لونا من ألوان التوجيه والنصح غير المباشر .

وحديثا كتب فؤاد حجازي – أديب مصري معاصر- مجموعته القصصية ( الأسد ينظر في المرآة ) الصادرة عام 1990 م .الموجهة للفتيان وقد نال عنها جائزة الدولة التشجيعية .

سنتناول من تلك المجموعة  قصة قصيرة ، تقوم على الفكرة ، وهي قصة رمزية على لسان الطيور بعنوان ( سباق العقبان والنسور ) تهدف إلى تعميق الوعي الوطني  .