السرد (حكايات ألف ليلة وليلة)

4. أسلوب السرد في كتاب ألف ليلة وليلة

يعمل أسلوب سرد حكايات «ألف ليلة وليلة» على دفع المتلقي إلى زمنٍ قديم، لذلك كان استخدام صيغة «يُحكى» والتي تعقبها عبارة «والله اعلم بغيبه وأحكم» تعتبر صيغة للتخلص من تبعات نقل النص وسنده ومتنه، بخلاف كتب الحديث والأدب والتاريخ التي اعتنت بهذه الأمور. إذ أن العمل يعتبر نص أدبي متخيل ومصنوع حيث يحمل بين طياته الكثير من الموقف والرؤى والاتجاهات، وباعتباره متخيلاً فإن هذه المواقف هي انعكاس لوجهة نظر منتج النص، لذلك كان الراوي المصطنع وسيلة للتخلص من هذه التبعية حيث يلقى له مهمة السرد والحكي، فلذلك وجِدت صيغة «يحكى أن» التي تحيل إلى المجهول الذي يتحمل كافة المسؤولية عن كل ما سيقال ضمن النص المروي. تبدأ حكاية «ألف ليلة وليلة» على المستوى السردي براوٍ مجهول، جرى تحميله مسؤولية ما سيقال، لذلك كانت «يحكى أن» الأنسب للحيلولة دون أن تلقى المسؤولية على شخص ما. فالفعل يحكىفعل مضارع مبني للمجهول وفاعله غير معلوم، وهذا تمهيد ليتحول السرد إلى راوٍ آخر ولكن ضمن الإطار الداخلي للنص أو القصة التي يعتبر ساردها الكلي غير معلوم. فشهرزاد تتخذ على المستوى السردي دورين، دور السارد الداخلي القائم بمهمة السرد، ودور الشخصية المشاركة في الحدث. إذ أن الحكاية الأولى من حكايات شهرزاد، تتم عبر راوٍ خارجي وهو الراوي المجهول، حيث تبدأ الحكاية بعبارة: «قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان تاجر من التجار ...»، فأسلوب السرد هذا يشير إلى أن هناك شخص آخر يتحدث، ولكنه سرعان ما يختفي عندما يظهر صوت شهرزاد تقول: «بلغني أيها الملك السعيد» لينتقل السرد على المستوى العملي إلى شهرزاد. إن السرد الذي تمارسه شهرزاد بعناية وحذر شديدين يعتبر سرد خطير، لأنه يحمل بين طياته موتها الحتمي، ما لم تتمكن من جذب انتباه الملك شهريار إلى حديثها، لذلك فهي تلجأ إلى عبارة «بلغني» وهذه العبارة تخلص شهرزاد من تبعات ما تقول إذ لم يعجب الملك حديثها.