النثر العربي القديم تاريخيا وجغرافيا

أ‌.    النثر لغة واصطلاحا:

ورد ت لفظة "نـــثر" في معجم  اللّسان: «النثرُ نَثــــــرُكَ الشيءَ بيدِك ؛تَرمِي به مُتفرِّقا "(لسان العرب مادة نثر).مثل نَثْر الجُــــوز واللُّوز والسّکر وکذلك نثر الحبّ إذا بُذِر». فالمعني اللّغوي يعني الشـــــيء المُبعثر ،المــــــتفرّق) الذي يتوزّع بشكل عشوائي ولا ينتظم في هيئة واحدة بحال من الأحوال ، أي: لا يقـــــــوم علي أساس من حيث الکــــــيف والکمّ والاتّساع ومجال الحرّية والاختيار فيه أكبر، مثله مثل تفريق الدراهم على العــروس في العادات والتقاليد أو تبعثُرِ أوراق الأشجار في فصل الخريف وغيرها ،وقد يأتي بمعنى تفريق شيءٍ كان مُجتمعا.

ب‌.  النثر اصطلاحاً:

هو الکلام الذي لا يتقيّد بوزن وقافية ويعتمد على خطاب العقل والمـــنطق والطرح الفكري وتسلسله،و بتعبير آخر: النثر قديما هو کلام مُستــرسلٌ مسجوعٌ، وهو أساس الكلام وجُلُّه،قال ابن وهب :"والمنثور هو الكلام"(البرهان في وجوه البيان) وعرّفه ابن سنان بحدِّ الكلام فقال:" الكلام عندنا ما انتظم من هذه الحروف التي ذكرناها أو غـــــــــــرها" (سرّ الفصاحة) وقال ابن خلدون :" هو الكلام غير الموزون" (المقدمة) ووضــــعوه إزاء النظم وقد يطلق على اسم "المنثور" و"النّثير" الذي وضعوه إزاء المنظوم (البيان).

والنثر هو الأصل  في الكلام ولم تتكلّم العرب أوّلا إلّا بهِ، فهو أسبق من الشعر،ولم يصل من العرب القدماء إلّا القليل منه، وقد قيل :" ما تكلــــمت به العرب من جيّد المنثور أكثر ممّا تكلّمت به من جيّد الموزون،فلم يحفظ من المنثور عشره ولا ضاع من الموزون عشره."(العمدة).

وكان النثر يستعمل في أغراض محدودة وتوسّع العرب فيه فأـصبح ألوانا كثيرة وقد قسّمه ابن وهب إلى خطابةٍ وترسّلٍ أي رسالة واحتجاج وحديث،ونافس النثر الشعر بهذا التوسع وأصبح يعبّر عن مختلف الفنون والأغراض وسلب الشعر الكثير من أغراضه وفنونه"(معجم مصطلحات النقد القديم ،د/ أحمد مطلوب ص422/423.

وهو علي ضربين منه النثر العادي الذي يقال في لغة التخاطب اليومي، وليست لهذا الضرب من النثر قيمة أدبية إلا ما يُضرَبُ فيه أحيانا من أمــــــــــــثال وحکم، وأما القسم الثاني فهو النثر الذي يرتفع فيه أصحابُه إلي لُغة  مميّزة فيها من الفن والفصاحة والمهارة ما يجلب الانتباه ويمتّع الذائقة الجمالية، وهذا الضرب هو الذي يُعنى  به النّـــقاد في اللّغات المختلفة  ، فيقومون بالبحث فيه ودراسته  وجمعه ،قصد تصنيفه وتبيان ما مــــــرّ به من أحداث وتطوّرات ، وما يمتاز به في کل مرحلة من صفات وخصائص، وذلك عبر المقـــــــارنة والموازنة سواء من حيث الفترات الزمنية أو الأنواع الأدبية وما لحق بها،وقد ورد منه  في القديم الخبر والجانب القصصي ، و الخطابة والکتـــــابة ،والرسائل الأدــبية أو ما يُسمّى بالنثر الفني .