مجال علم النفس
3. نشأة علم النفس والمدارس النفسية
3.1. مدارس علم النفس
أ- المدارس الكلاسيكية:
1- المدرسة البنائية: يعتبر علم النفس " وليم فونت " أول من حاول دراسة علم النفس بطريقة علمية وذلك عام 1879 عندما أسس أول مختبر لعلم النفس في العالم في جامعة ليبزج بألمانيا، وكانت الظواهر الأساسية التي حاول فونت دراستها هي ظواهر الحياة العقلية من احساس وإدراك وتذكر، حيث عرف علم النفس في ذلك الوقت:" بأنه العلم الذي يدرس الخبرة الشعورية .
وقد استخدم فونت طريقة الاستبطان أو التامل الذاتي لحل المشكلات وكشف الخبرات الشعورية واطلق عليه علم دراسة الخبرة الشعورية، وكان يعتقد أن علم النفس يجب أن يتصدى إلى تحليل هذه العمليات إلى مكوناتها تماما كما يفعل الكيمائي عندما يحلل المركبات إلى عناصرها المكونة.
2- المدرسة السلوكية: يعتبر واطسون أول من قال بأن السلوك هو الذي يجب أن يهتم به عالم النفس بدل اهتمامه بأفعال الانسان الداخلية، وقد حاول أصحاب هذا الاتجاه تفسير السلوك الانساني عن طريق ما يجري خارج الجسم من أحداث بيئية مشيرين إلى فهم العلاقة النظامية بين هذه الأحداث وبين سلوك الانسان كاف لتفسير السلوك بدل اللجوء إلى الدراسة المعنية للخلايا الدماغية ووصلاتها العصبية المعقدة..
رأى واطسون أن علماء النفس ينبغي أن يتفرغوا لدراسة ما هو ملاحظ وقابل للقياس، ونقصد بذلك السلوك الظاهر. وقد عرف علم النفس بأنه ذلك الفرع من العلوم الطبيعية والذي يتخذ من السلوك، الفعال والأقوال، المتعلم وغير المتعلم، موضوعا..
3- المدرسة الجشطالتية: ظهرت هذه الحركة سنة 1912 في ألمانيا في نفس الوقت الذي ظهرت فيه الحركة السلوكية فيس أمريكا، ويعتبر ماكس فيرتهايمر" من اتبرز مؤسسيها، إذ يرون أن الادراك لايمكن أن يجزأ بالطريقة التي ينادي بها البنائيون والسلوكيون، فعندما ندرك شيئا ما فإننا ندركه ككل متكامل لا كمجموعة من الأجزاء.
والمبدأ الذي اشتهرت به هذه المدرسة، الكل أكبر من مجموع أجزائه أي أن مجموع الأجزاء لا يساوي الكل، فالكل يساوي مجموع الأجزاء إضافة إلى التنظيم الذي يعطيها المعنى.
ومن هنا فقد رأى أتباع هذه المدرسة أن الظواهر السيكولوجية يمكن أن تفهم بشكل أفضل عندما ينظر لها على أنها كليات منظمة، أي النظر للظاهرة على أنها كل متكامل لا على أنها مجموعة كبيرة من الأجزاء.
ب- المدارس النفسية الحديثة:
1- المدرسة السلوكية: يعتبر مؤسس هذه المدرسة جورج واطسن (1875-1958)، الذي عرف السلوكية بانها توجه نظري قائم على مبدأ علم النفس العلمي، يجب أن يدرس فقط السلوك القابل للملاحظة، وقد اقترح واطسن عام 1913 على علماء النفس أن يتركوا للأبد دراسة الوعي والخبرات الشعورية ، وأن يتم فقط التركيز فقط على السلوكيات التي تستطيع ملاحظتها مباشرة كونها قابلة للملاحظة والقياس والاختبار.
وفيمايلي أهم الخصائص المميزة للمدرسة السلوكية الحديثة:
- تؤكد على أهمية استخدام المنهج العلمي في البحث العلمي.
- السلوك الملاحظ هو موضوع علم النفس وذلك لأننا نستطيع دراسته دراسة موضوعية، أما العمليات النفسية الداخلية فلا يجوز دراستها لأننا لا نستطيع وصفها بشكل موضوعي.
- غالبا ما يشار إلى النظريات السلوكية بنظريات المثير – الاستجابة، وذلك لأنها نظرت إلى السلوك على أنه استجابة لمثيرات يتعرض لها الكائن.
- يرون أن السلوك الانساني هو غالبا سلوك مكتسب أو متعلم.
- يحدث التعلم من خلال تكوين ارتباطات بين مثيرات واستجابات أو بين استجابات وتعزيز أو عقاب.
- لا تهتم النظرية السلوكية بالعمليات العقلية التي تحدث بين المثير والاستجابة .
- تنظر هذه المدرسة إلى السلوك المعقد على أنه يتكون من مجموعة من الارتباطات بين مثيرات واستجابات وتعزيز.
ومن هنا فقد نادى أتباع هذه المدرسة بتجزئة السلوك وتحليله.
2- المدرسة المعرفية: ظهرت هذه المدرسة كرد فعل على الحركة السلوكية التي أهملت دور المعرفة والعمليات العقلية في السلوك، فالحركة المعرفية ترى أن الفرد ليس مستجيب سلبي للمثيرات البيئية وإنما هو يفكر ويفسر ويجري العديد من العمليات العقلية قبل أن يستجيب للمثير.
وتتصف المدرسة المعرفية بمايلي :
- التركيز على أهمية العمليات المعرفية التي تتوسط بين المثير والاستجابة فالفرد ليس مستجيب سلبي، وإنما يقوم بمعالجة أنشطة المعلومات قبل أن يستجيب.
- الفرد كائن نشط وليس سلبي فهو يجري هذه العمليات بنشاط عقلي كبير مستعملا سلسلة العمليات المعرفية بدقة وفعالية.
- يشبه علماء النفس المعرفيون العقل الانساني بجهاز الحاسوب ويرون أن الفرد يتلقى مدخلات ويجري عليها عدداً من المعالجات أو العمليات العقلية.
- يمكن دراسة العمليات المعرفية دراسة علمية وموضوعية رغم أنها غير ملاحظة دون اللجوء إلى الاستبطان، لكن يمكن دراستها بشكل غير مباشر كاستخدام اختبارات الذاكرة ومهام حل المشكلة.
3- مدرسة التحيل النفسي:
نشأت مدرسة التحليل النفسي على يد العالم النمساوي "سيجموند فرويد" ( 1856-1939) وهي من أكثر المدارس تأثير لا في علم النفس فقط بل في الفكر الانساني المعاصر بشكل عام.
حيث انطلق فرويد في تفسيره للسلوك الانساني من أسس بيولوجية وافترض بأن سلوك الانسان محكوم بغرائز فطرية لا شعورية في معظمها وهذه القوى الخفية الني تحكم سلوك الانسان تمثل رغبات طفوليه قوية لم يرض عنها المجتمع فعاقبها عقابا شديدا إلى الدرجة التي ابتعدت فيها عن حيز التفكير الشعوري للفرد إلى مناطق حساسة، أما العمليات اللاشعورية والتي تعمل على الرغم من ذلك على التأثير في سلوكه.( سامي محمد ملحم، 2009، ص 17).
وبالتالي فقد استنتج أن سلوك الفرد يتأثر بالخبرات اللاشعورية المكبوتة عنده، إذ أن الفرد يلجأ إلى كبت الكثير من الخبرات والدوافع والرغبات التي يعاقب عليها المجتمع خاصة الولدان، وبالتالي لكي نفهم سلوك فرد ما علينا أن نتعرف على طبيعة الخبرات المكبوتة لديه .
ويرى أن شخصية الفرد تتكون من ثلاث أجزاء هي: الهو، الأنا والأنا الأعلى، حيث استخدم فرويد طريقة التحليل النفسي من أجل علاج المشكلات والأمراض النفسية والتحليل النفسي يعني تحليل خبرات الفرد في محاولة للتعرف على الخبرات والدوافع والصراعات اللاشعورية المكبوتة والتي يفترض فرويد أنها السبب الأساسي للاضطراب النفسي والأسلوب الذي استخدمه في الحليل النفسي هو التداعي الحر.
4- المدرسة الانسانية: من روادها ( ماسلو وروجرز).
تركز هذه المدرسة على جوانب القوة عند الانسان فهي تنظر للإنسان على أنه يتمتع بالإدارة الحرة والقدرة على اتخاذ القرارات وأنه قادر على التحكم في حياته وسلوكه وبالتالي فهو ليس أسيراً للمثيرات البيئية أو الدوافع اللاشعورية، ,ان الدافع الأساسي عند الانسان هو النزعة إلى النمو وتحقيق الذات، فالإنسان دائم البحث عن الأعمال والنشاطات التي تساعده على تحقيق طاقاته إلى أقصى َحدٍ ممكنٍ.
و يمكن تلخيص الملامح الرئيسية للاتجاه الانساني كمايلي:
-وصف الحياة والخبرات الداخلية أكثر من تطوير النظريات لتفسير السلوك والتنبأ به.
-يجب أن يكون الهدف الأساسي لعلماء السلوك تقديم الخدمات ومساعدة الأفراد على فهم أنفسهم والوصول بإمكاناتهم إلى حدها الأقصى.
-يتعين على علماء السلوك دراسة الانسان ككل، بدلا من تقسيمه إلى قطاعات وفئات كالإدراك والتعلم والشخصية.
-لابد أن تكون مشكلات الانسان المهمة هي موضوعات البحوث النفسية.
-يجب أن يركز علماء السلوك على العي الذاتي وكيف يرى الناس خبراتهم الخاصة.
-يتعين الاهتمام بفهم الفرد غير العادي وكذلك النمط العام والشائع بين الناس، وليس الاهتمام باكتشاف القوانين العامة التي تحكم سلوك الانسان.
-لابد أن يوسع علماء النفس من استراتيجياتهم في البحث، في استخدام الطرق الموضوعية، دراسة الحالة، الاستبطان غير شكلي، الانطباعات والمشاعر الذاتية لعلماء النفس أنفسهم.