النظرية النقدية عند ايمانويل كانت وتأسيسه للقيم

1. تأسيس كانت للقيم

1.6. علاقة القيم بالمنفعة والدين

(5): علاقة القيم بالمنفعة واللذة

يقول كانت : (( ... لأن قاعدة لا تكون صالحة موضوعياً وبششكل شامل إلاّ حينما تكون قائمة من دون شروط مصادفة وذاتية تميز الكائن العاقل عن غيره فليس للقوانين الأخلاقية مرجعية سوى الإرادة وحدها )) ص 89.

لقد اتخذ كانت موقفا صارماً من ربط أو تعيق القيم بالرغبة واللذة وهو موقف الرفض حتى وان كان لهذه الملكة دوراً في خلق الرغبة والإرادة وهو يقول :(( كل المبادئ العملية  التي تفترض موضوعاً لملكة الرغبة كونها سبباً لتعيين الإرادة ن هي بمجملها تجريبية ولا يمكن أن تصلح لأن تكون هي بمجملها تجريبية و لا يمكن أن تصلح لأن تكون قوانين أخلاقية –عملية- ))ص، 70 فهو يرفض إدراج المنفعة واللذة والرغبة الذاتية مادية كانت أو روحية في التأسيس للفعل الإرادي الأخلاقي ، كون الرغبة في تشكلها المادي والروحي تعد بمثابة شرط للفعل الأخلاقي وهذا يجعل  الأخلاق مرهونة بشروط مادية تجريبية مسبقة دافعة وغائية الأمر الذي قد يحط من قيمة الفعل الأخلاقي وكذلك الإرادة الإنسانية بل ويجعل منت الالتزام الأخلاقي متذبذب ومتناقض داخليا كما أن عدم تحقق الرغبة او اللذة يؤدي إلى النفور من الالتزامات الأخلاقية ويشبه كانت ادراج أو اقحام الرغبة في عالم اليقيم مثل تلك المحاولات التي كانت ترمي إلى ربط الكائنات الرياضية بعالم التجربة الأمر الذي يمكن أن ينقص من كرامة وصرامة البرهان الرياضي .

الرفض الكانتي هنا ليس وليد الرغبة في الوفاء للنسقية الفلسفية التي أسس علها نظام القيم بل الأمر في حقيقته مرتبط بالقيم في حد ذاتها .

-         فالمبادئ العملية مرتبطة بالتجربة ومنه تكون اللذة والألم بعديين وليس قبليين وهذا يعني أن الأسنان يقوم بالأفعال ناولا ثم يدرس ويختبر النتائج وبعدها يتخذ القرار ومعنى هذا أن بناء نظام القيم يبقى في حلقة المحاولة والخطأ مما يدخل الإنسان فيما يسمى في التيه الأخلاقي وهذا فعلا ما حدث للإنسان المعاصر حينما اتبع المطالب النفعية الضيقة فأصبح يعيش فراغاً أخلاقيا رهيباً جعله يفقد حتى طعم ولذة الحياة .

-          فالمنفعة والرغبة مؤقتة وظرفية متغيرة أمّا الأخلاق فهي ثابتة ومطلقة(( فالعقل وحده – العقل المحض- هو وحده عملي من تلقاء نفسه ويعطي الإنسان قانوناً عاماً نسميه القانون الأخلاقي ))ص84

 

(6):  علاقة القيم بالدين : إذا كان الإيمان يحمل قيماً أخلاقية حسب كانت فإنها تخضع للعقل ،كون هذه الأخيرة هو وحده قادر عل تحقيق الفهم الراقي لركائز الدين والإيمان ، فهم حقيقة الله والإيمان بالحياة البعدية ، وهذا يبين لنا موقف كانت من الدين ودوره في عالم القيم ، فهو لا يلغي أهمية الدين والإيمان في نظام القيم ، فالدين يمكن أن سيساهم بشكل كبير في تحضير الإرادة البشرية للالتزام بالقيم التي تأتي على شكل واجبات أخلاقية خالصة ، فدور الدين تعزيزي يقوي الإرادة على تجاوز المطالب النفعية لكن هذا الدور الذي يجب أن يقوم به الدين مرهون بتدخل العقل في فهم الدين ، يبدو هنا أن كانت يجعل تأثير الدين من الناحية الإيجابية على علم القيم مرهون بالرقابة العقلية الحامل للقانون الأخلاقي الخالص .وكأنه يشير بشكل أو بآخر إلى أن الإيمان والدين لوحده غير كاف لتوجيه السلوك البشري بشكل أخلاقي سليم وهو بهذا ينطلق من واقع المجتمع الغربي في عصره الذي غلبت عليه بعض الفهوم الخاصة بالدين والإيمان  ، فهوم كانت تهمش العقل وتكرس لثقافة أخلاقية نفعية تقلل حتى من قيمة الدين .

بالنسبة لفيلسوف الأنوار هناك وساطة تربط بين الدين والطبيعة والتي تتمثل في الغايات ،فمن نظام المعرفة الذي يستمده الإنسان من الطبيعة  ونظام التخلق والدين وهذا يبين وجود التقاء بين المعرفة والدين رغم اختلاف عالميهما بحيث يكون هذا الالتقاء في نقطة تتمثل في القيم الأخلاقية التي تحدد نظام الغائية الإنساني وفي هذا تأكيد من كانت على أن العقل يبقى هو المصدر الأساسي للقانون الأخلاقي .فمن العقل تنبع القيم واليه نرجع لتقييم الأفعال .