النظرية النقدية عند ايمانويل كانت وتأسيسه للقيم

1. تأسيس كانت للقيم

1.3. مصدر القيم ( القانون الاخلاقي)

(2 ) :مصدر القيم ( القانون الأخلاقي ) :إذا كان كانت يرفض إطلاقا أن تكون الرغبات العملية النفعية مصدرا للقيم فهو بذلك يؤكد أن مسلمات الإرادة ليست فواعدا أخلاقية خالصة بالضرورة ، هذا ما يستوجب إخضاعها لميزان مستقل عنها وثابت يفصل فيها ويميز فيها ما هو أخلاقي من ما هو غير أخلاقي ، ذلك المرجع عند هو منبع ومصدر القانون الأخلاقي في كل الأحوال ، انه يتمثل في العقل ، هذه الملكة التي تتوزع على الناس بشكل عادل وهذا يضمن حسب كانت التساوي في إدراك القانون الأخلاقي والوعي بضرورة الالتزام به لهذا يعتبر كانت العقل المصدر والمرجع الذي يجب الرجوع إليه لتحديد قيم الخير و الحكم على السلوك البشري وكذلك تقييم وتقويم مسلمات الإرادة .

العقل عند كانت يحمل المبادئ التي من خلالها ينبني القانون الأخلاقي وتوزن الأفعال والأشياء ودور هذه القواعد لا يتوقف عند حد الحكم على السلوك بل يتعدى إلى تحديد ما يجب أن يكون عليه الإنسان والمجتمع الإنساني ، انه مصدر ذي أفق واسع لا نهائي لا يتأثر بالظروف العابرة الذاتية المختلفة والمتغيرة .

أصل هذه المبادئ:  لكن قد  يقول قائل حتّى العقل نسبي وتختلف قوته من فرد إلى آخر ، لكن كانت يؤكد أنّ المبادئ التي يتحدث عنها والتي تنظم نظام القيم لا علاقة لها بالتعلم أو التربية أو التجربة والخبرة في الحياة إنها كامنة فيه ثابتة بالفطرة موجودة عند كل ذي عقل دون استثناء ويمكن إدراكها والرجوع إليها بل كل إنسان يعرفها ويجدها توجهه نحى اتجاه أخلاقي محدد ، فهي بمثابة المحكمة الداخلية التي يعلو سوطها فوق كل الاعتبارات القيمية الأخرى مثل تقديم المصلحة الذاتية أو الالتزام بفعل الخير لهدف نفعي آخر، مثل أن أقدم العون لشخص حتى يقال عني  أنني شخص كريم فمثل هذه الأفعال ترفضها هذه المبادئ الأخلاقية الخالصة الكامنة فيه بالفطرة ، بل تجد الفرد في ذاته يحتقر مثل هذه النية ويعتبرها تتنافى والأخلاق الراقية ولهذا نجد كانت يقول : ((إنّ العقل هو الذي يعين الإرادة مباشرة في قانون أخلاقي ، ليس بواسطة شعور باللذة أو الألم يدخل بينهما ولا حتّى في هذا القانون و أنّ هذا العقل ، كونه عقلاً محضاً يمكن أن يكون عملياً فهذا وحده ما يمكنه من أن يكون مشرّعاً ))(1)

نتيجة :إذن العقل عند كانت هو مصدر القيم الأخلاقية ، والأمر الذي يؤهله كي يكون كذلك هو المبادئ الفطرية الكامنة فيه ، وهي موجودة في كل العقول ومنه ستكون القيم الأخلاقية مطلقة عند البشرية ، ولا علاقة للقيم النفعية بتلك المبادئ ، كما أن الإرادة الحقة هي الإرادة التي تخضع لهذه المبادئ بحيث تعطي العقل الأولوية في مراجعة كل مسلمتها والحكم عليها ومنه يجب أن تلتزم بقرار المحكمة الداخلية التي لا تتأثر بمختلف المؤثرات الداخلية أو الخارجية فالخير يبقى خيراً في كل الأحوال ولا يمكن أن يصبح شراً والأمر سيان بالنسبة لكل القيم الأخلاقية الأخرى.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)   كانت ، نقد العقل العملي المحض ، ص 74.