علاقـــــة الديموغرافيــــا بالعلــــوم الأخـــرى
1. علاقة الديمغرافيا بالعلوم الاجتماعية:
يتمتع علم السكان بروابط وشيجة مع جل العلوم الاجتماعية، و التي تتقاطع جميعها عند محاولة فهم مقدار التغير الطارئ على الظاهرة السكانية (وفاة، هجرة، خصوبة، التركيب السكاني...) و اتجاهاته.. و ذلك تحت ضغط مجموعة الظروف و المتغيرات التي تحيط به في حياته اليومية، كالجماعة، المكان، الإنسان، العادات، التقاليد، الدين...
علاقة الديموغرافيا بعلم الاجتماع :تتميز العلاقة بين علم الاجتماع و دراسة السكان بطبيعة خاصة، و ذلك رغم كون الدراسات السكانية تعد أقدم من علم الاجتماع، و أمها ظهرت و نمت من أصول متنوعة، إلا أنها أصبحت اليوم أكثر ارتباطا بعلم الاجتماع دون سواه من العلوم.
- موضوع دراسة علم الاجتماع هو المجتمع من حيث بنائه و تغيره، و حيث أن السكان يشكلون العنصر الأساسي في المجتمع، فإنهم بالتالي يدخلون في دائرة اهتمام علم الاجتماع.
- يعتمد علم الاجتماع في تحليله للظواهر الاجتماعية على المعطيات الديمغرافية و المتغيرات السكانية، و يستفيد بها على المستويات المتباينة و خاصة الأسرة و المدينة، و جماعات الأقليات و الطبقات الاجتماعية ، و التدرج الاجتماعي و النسق السياسي و النظام الإقليمي و المكانة الاقتصادية و الاجتماعية، و ما غلى ذلك من مواضيع تقع في بؤرة اهتمام علم الاجتماع.
- تحليل و دراسة العلاقة بين الظواهر السكانية و الظواهر الاجتماعية، يثري علم الاجتماع و يساعده على الوصول إلى قدر عالي من التعميم و تجريد المعطيات و الوقائع، مما يؤدي إلى تطوير نظرية علم الاجتماع. كما استفاد علم السكان كثير من علم الاجتماع، حيث حرص هذا الأخير على توفير الشروط النظرية و المنهجية لعلم اجتماع السكان ، و تثبيت دعائم استقلاله و تميزه عن مجموعة النظم الفكرية الأخرى. وذلك من خلال توفير القضايا الامبريقية و الاستقرائية عن المتغيرات السكانية و الاجتماعية، و تمكينه من الاستعانة بمناهج و أدوات البحث الاجتماعي في دراسة للظواهر السكانية.
علاقة الديمغرافيا بعلم النفس : ترجع علاقة الديمغرافيا بعلم النفس إلى عقود طويلة مضت، و ذلك حينما لجأ كينز للاعتماد في تفسيره للعوامل المتحكمة في تحديد شقي الطلب الكلي الفعال (أي الطلب على الاستهلاك و الطلب على الاستثمار) إلى التحليل النفسي لسلوك المستهلكين و الرأسماليين، و لم يلجأ إلى القوانين الاقتصادية التي تظهر في مجال الإنتاج و التوزيع، حيث أدعى "أن الناس يميلون إلى زيادة استهلاكهم كلما تزايد دخلهم، و لكن ليس بنفس الكمية التي يتزايد بها الدخل". و هو القانون الذي رأى أنه ذو صلاحية مطلقة باعتباره متصل بالطبيعة الإنسانية، و لم يتوقف هامش التعاون عند هذا الحد، حيث أبدى العديد من علماء النفس في السنوات الأخيرة، اهتمام متزايد بمعالجة عدد من المواضيع ذات الارتباط الوثيق بالسلوك الديمغرافي، و التي من بين أكثرها تناولا نذكر عمليات تحديد النسل، و ذلك رغم كونها مسألة ديمغرافية بحتة، حيث حاول الكثير من المهتمين و الدارسين لهذا التخصص، معرفة الدوافع التي تصنع الفوارق في استجابات الأفراد، فتدفع البعض إلى كثرة الإنجاب و بعضهم الآخر إلى قتله.
علاقة الديمغرافيا بالأنثروبولوجيا: يتسم مجال الأنثروبولوجيا بالشساعة، جراء تناوله ظواهر كثيرة و متنوعة تتصلب الإنسان، مما أدى إلى تشعبه إلى عدة فروع معرفية، أبرزه الأنثروبولوجيا الطبيعية و التي تدرس المواصفات الطبيعية للإنسان، و كذا الأنثروبولوجيا الاجتماعية و الثقافية و التي تهتم بالإنسان بوصفه ظاهرة اجتماعية، لها نمط معين في المعيشة و السلوك و العقائد و التقاليد. و هي معطيات التي بات يستفيد منها علماء السكان في بعض دراستهم، و لا سيما ما تعلق منها بالبحث في الأصول السلالية و الثقافية لسكان مجتمعات معينة،و لقد تمخض عن ذلك ما بات يعرف بتمييز العنصر و التفاوت في الخصائص النوعية لبعض السكان دون غيرهم. و من أمثلة ذلك الجهود التي بذلها نفر من العلماء لدراسة التغيرات النوعية و السلالية التي تطرأ على السكان تحت تأثير الهجرة و الانعزال، و الذين يأتي على رأسهم: وانجر WAGNER، راتزل RATZEL، ليو فرويببنوس LEO FROBENIUS، بينا ردي لا بولاي، فوي FOY، انكرمان ANKERMANN، ... و الذين قسم بعضهم سكان العالم على أساس دوائر و مناطق ثقافية و أثنولوجية، علة ما فعل راتزل و ليو فرويببنوس و بينا ردي لا بولاي، و الذين حاولوا إيضاح العلاقات المكانية و الإقليمية بين مختلف الأجناس البشرية، كما حاولوا إثبات وجود علاقات أساسية بين هذه الأجناس، تساعد على معرفة الثقافة الأصلية و الحياة الفكرية الأولى لأقدم السلالات، كما توضح العلاقات الزمانية بين الثقافات المتعددة المنتشرة بين السكان في مختلف القارات.