علاقـــــة الديموغرافيــــا بالعلــــوم الأخـــرى
2. علاقتها بالعلوم السياسية و الاقتصادية و الإحصاء
امتد مجال اهتمام الديمغرافيا إلى ثلاثة ميادين معرفية أخرى، لا تقل أهمية عن سابقتها و هي: العلوم السياسية و الاقتصادية و الإحصاء، كما سنقف عليه في العرض التالي
1-2- علاقة الديموغرافيا بالعلوم السياسية : تلعب المتغيرات السياسية دور بالغ الأهمية في تشكيل الأحداث الديمغرافية، و على سبيل المثال نجد أنه صدر في اليابان عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، قانون يبيح و يشجع على عمليات العقم و الإجهاض، و قد أدى ذلك بطبيعة الحال إلى انخفاض المواليد بهذه الدولة، و الأمر ذاته ينسجم على الصين كذلك اليوم، أين أثرت سياسة تحديد النسل المنتهجة من قبل السلطة السياسية، و التي تقضي بمنح كل أسرة الحق في إنجاب طفل واحد مع إمكانية تمديد هذا الحق إلى طفل ثاني في حالة ما إذا كان الطفل الأول بنت، إلى تغير جذري في التركيب السكاني للمجتمع الصيني. كما ان قوانين المتعلقة بعملية الهجرة (منع/ترخيص) و المتبعة في الكثير من الدول، تؤثر على عدد السكان و توزعهم بطريقة ملحوظة سواء كانت هذه الهجرة داخل البلد فقط أو إلى خارجها.
2-2- علاقة الديمغرافيا بالعلوم الاقتصادية: تعتبر العلاقة بين الاقتصاد و الديمغرافيا حسب الكثير من الدارسين ذات طابع أزلي، سواء من حيث الارتباط المفاهيمي أو الفكري، كما أنها ذات تأثير متبادل، ففي حين يحدد تطور الاقتصاد من نواحي كثيرة طبيعة السمات الأساسية للنمو السكاني و تركيبته، فإن حجم السكان وتركيبتهم يؤثران أيضا بشكل لا يستهان به في وتيرة النمو الاقتصادي و مستوياته، و حتى نوعية الخيارات الواجب اعتمادها... و قد أصبحت التطورات العالمية المعاصرة على هذا الموضوع أهمية أكبر، جعلته محط اهتمام الحكومات، في إطار مساعيها الرامية إلى تحقيق الرفاهية الاقتصادية، و ذلك عن طريق دراسة العلاقة القائمة بين حجم السكان و الموارد الطبيعية والإنتاج القومي و مدى كفايته، حتى بات في حكم المؤكد ندرة وجود ظاهرة اقتصادية لا تتأثر بحجم السكان و العكس صحيح أيضا، و من شواهد ذلك نذكر:
- تأثير المتغيرات الاقتصادية على معدل الحراك السكاني (الهجرة)، إذ أنه في أوقات الكساد تقل الهجرة إلى داخل البلاد، و في أوقات الانتعاش الاقتصادي فغنها تزيد.
- كما ان الأحوال الاقتصادية تؤثر في الخصوبة، و الدليل على ذلك ما حدث في الثلاثينيات من القرن الماضي من كساد في الولايات المتحدة الأمريكية، و قد لوحظ بأن نسبة المواليد قد قلت في تلك الفترة، و أرجع العلماء ذلك إلى الأوضاع الاقتصادية السيئة قد دفعت الشباب للإحجام عن الزواج.
- كما يستوجب لمعرفة المتطلبات المالية لسياسة التامين الاجتماعي في المستقبل، أن نعرف التركيب العمري للسكان في المستقبل.
- و قد أثمر هذا الارتباط اليوم، عن قيام حقلين معرفيين مشتقين منهما، الأول و يطلق عليه مسمى اقتصاد السكان، و الذي يعرف بأنه علم فرعي شامل لجميع الأسس والمبادئ المنهجية، الخاصة ببحث العلاقة بين تطور السكان و تطور المجتمع في جوانبه الاقتصادية، في إطار تشكيلة سوسيو-اقتصادية معينة. معتمدا بشكل كبير على المبادئ و القواعد المنهجية للاقتصاد السياسي.
أما الثاني فيعرف باسم الديمغرافيا الاقتصادية، و يشكل فرعا معرفيا آخر في منظومة العلوم الديمغرافية، و يتناول تأثير الجوانب الاقتصادية في عملية إعادة الإنتاج معتمدا في تحاليلها على المبادئ المنهجية و المقولات المحددة في علم الاقتصاد السكان.
3-2- علاقة الديمغرافيا بالإحصاء: يشكل الإحصاء أحد الروافد المعرفية الهامة التي يتغذى مننها علم السكان، فالبيانات الخام التي يبحث رجل الديمغرافيا عن معرفتها سواء كانت في صورة تعدادات أو تسجيل للوقائع الحيوية... إلخ تنتج في أحيان كثيرة من عمليات تجميع تبادر بها مصالح إحصائية مختلفة، و لا يكون هدفها غالبا علم السكان و لا تمت بصلة مباشرة، كما هو عليه الحال بالنسبة لنتائج التحقيقات الميدانية المعدة بشكل خاص لدراسة موضوع ما، كمعطيات هيئات التأمين و الضمان الاجتماعي، و المعلومات الحصرية المستقاة من الدوائر الوطنية للإحصاء، و لكنها تشكل في النهاية المادة الأساسية التي يشتغل بها المختصين بها في علم السكان، أي أنها هي التي تقدم مادته الرئيسية عن أعداد السكان و خصائصهم، و كيفية توزيعهم عبر المكان و تطورهم عبر الزمان....كما ان أحد الأدوار الرئيسية عن لعلم السكان، هي تحويل معطيات الرصد الخام التي يحصل عليها بطريقة إلى عدة نتائج معدة، وذلك من خلال ما يصطلح على تسميته بعملية التحليل السكاني، و في ذلك كل المقاييس الإحصائية تكون قاعدة ثابتة في أغلب الأبحاث السكانية، و هذا لا يفاجئ أحدا طالما موضوع الدراسة يتقبل العمليات الحسابية بشكل جيد، و كمثال على دلك فإن الطلاق و الموت تنتجان عادة عن استطراد مجموعة معقدة من الوقائع، فمن الملائم لتوضيحهما أن لا نبحث فقط عن معرفة أعدادهما، بل أيضا معرفتهما حسب مجموعة متعددة من المعايير، يمثل بعضها آثار الظواهر السكانية على المجتمع ك: الجنس، العمر، الحالة، المدينة، مقر الإقامة، المستوى التعليمي، فئات الأسر ، النشاط الاقتصادي...أين يمكن حسابها بشكل مشترك أو منعزل، و بهذا الشكل فإننا سوف ندرس مختلف مظاهر السكان