المدرسة الألمانية: الحتمية الجغرافية لراتزل و هاوشوفر و نظريات القوة البرية

1. توطئة لرواد المدرسة الألمانية في الجغرافيا السياسية:

1.1. الرجل الاول لعلم الجغرافيا السياسية : فريدريخ راتزل " Friedrich Ratzel "

مثلت نهاية القرن التاسع عشر، بداية تزايد إهتمام الألمان بالقوة البرية ، ففي ظل هذه الاجواء التي طبعت هذه الحقبة جاء'فريدريخ راتزل' أستاذ الجغرافيا بأول صياغة للجغرافيا السياسية.فريدريك راتزل (1844 - 1904م) عالم أحيائي، وجغرافي، وعالم حيواني، وعالم سياسة، وأستاذ جامعي ألماني في جامعة لايبزيغ Leipzig Friedrich Ratzel صاحب كتاب الجغرافيا السياسية ويعتبر المؤسس الأول لعلم الجغرافيا الحديثة، درس راتزل في هايدلبرغ سنة 1868م علم الحيوان والجيولوجيا والتشريح، له كتابه جغرافية الإنسان، كتب عن العوامل التي تتحكم في توزيع الإنسان في الكرة الأرضية.

وقدم جملة من الافكر نذكر اهما:

دينامكية الدولة كالكائن الحي

في اصل الفكرة

ان في منتصف القرن السابع عشر كتب وليام بني وهو طبيب بريطاني كتابا أوضح في كثير من البراعة العلاقة بين الدول ونظمها ونموها وبين ظروف البيئة الجغرافية، فقد تكلم عن المساحة المثالية للدولة التي تستطيع أن تسيطر عليها وتبسط نفوذها في أرجاء هذه المساحة، ويمكن للسكان استغلالها على الوجه الأكمل، وفطن إلى أهمية المدن الكبرى في ربط وتوجيه السكان نحو مراكز القوة والجذب في الدولة، وذكر أهمية كثافة السكان وغنى الدولة وانتشار العمران حتى تصبح الدولة وحدة سياسية متماسكة في الداخل وقوة لها اعتبارها في الخارج.

وبعد وليام بني بقرنين صدر كتاب الجغرافيا السياسية Politische Geographie)1897) الذي ألفه العالم الجغرافي الألماني فريدريك راتزل F. Ratzel استاذ الجغرافيا في جامعة ليبزيج، ويعد هذا أول كتاب منهجي في الجغرافيا الحديثة يتناول الموضوع السياسي من الجغرافيا؛ إذ إن راتزل قد اعتبر الجغرافيا السياسية جزءا لا يتجزأ من ميدان البحث الجغرافي، وقد نشر راتزل مقالا بعنوان (القوانين السبعة للنمو الارضي للدولة)

تبرز كتابات الجغرافي الألماني فردريك راتزل مدى تاثره بافكار و تنبيهات عالم الاحياء تشارلز دارون( تأثر راتزل في كتابه الجغرافيا السياسية بنظرية التطور الطبيعي التي طرحها دارون وتقوم هذه النظرية على افتراض ان استمرار وبقاء الكائن الحي يتوقف على مدى قدرته على التكيف وان التكاثر هو دليل التكيف ومن هنا فان الكائنات الحية تكافح من اجل البقاء وهذه العملية وصفها داروين بالانتقاء الطبيعي أو بقاء الأصلح وقد زاد تاثر داروين بعد أن طرح عالم الاجتماع هربرت سبنسر تفسيره لهذه النظرية أو ما سُمي بالدروانية الاجتماعية ويقوم التفسير على افتراض ان هناك تشابها كبيرا بين المجتمعات الإنسانية والكائنات العضوية وان قوانين الانتقاء الطبيعي تحكم حياة هذه المجتمعات،ويقول أن فكرة داروين عن الصراع من اجل البقاء يمكن مساواتها بالصراع من اجل المكان، فكل اشكال الحياة على كوكب كانت تشارك في السعي للمجال الحيوي ،و كان تطبيق هذه الفكرة على الجيوبولتيك الأوروبي يتطلب نظرية حيوية لتكوين و تطور الدولة و هذا المفهوم الذي قدمه راتزل ثم طوره كيلين بعد ذلك.

ب.جوهر فكرة الدولة ككائن حي

في كتابه الجغرافيا السياسية والذي ظهر عام 1897 قدّم راتزل فكرته الكبرى، بأن الدولة كائن عضوي يكبر وتزداد احتياجاته باستمرار، وأن الحدود هي أشبه بجلد و اطراف الكائن العضوي، والذي يجب أن يتمدد باستمرار مع نموه.

ولم يكن راتزل يتحدث من فراغ، فقد كانت ألمانيا حينها تموج بالنشاط الصناعي، وهي بحاجة للمواد الخام والأسواق، وبالتالي قدم راتزل نظريته لتكون في خدمة ألمانيا، فالحدود هنا ليست نهايات الدول، ولكنها محطة من محطات نمو الدولة، فكلما كبرت احتياجات الدولة حق لها أن تلتهم جيرانها لتواصل نموها.

والنظرية أعطت مبرراً للحراك النازي الكبير لاجتياح أوروبا، ورغم أن العالم استقر بعد الحرب العالمية الثانية نظرياً على ثبات الحدود وضرورة احترامها، ولكن علمياً بقيت الحدود سيالة، ولا زالت التغييرات الحدودية جارية في العالم، واستعيض عن فكرة الحدود المادية بفكرة الحدود الشفافة. ( والحدود الشفافة تعني أن الدول تتدخل حيث توجد مصالحها، وأن سيادة الدول القانونية لا تعني سيادتها الفعلية، وبهذه الذريعة توجد القوى العظمة في كل العالم، بحجة حماية مصالحها، وتستطيع أن تتدخل في نزاع حدوجي، أو داخلي للدول الأقل حظاً على الرغم أن القانون الدولي يتحدث عن الحدود الثابتة والمرسومة، ولكن الفعل السياسي على الأرض يختزن مفهومين نقيضين، وهما الحدود البيولوجية والحدود الشفافة)