الرواية الشفوية
1. الرواية الشفوية
1.1. مفاهيم واصطلاحات
I) مفاهيم ومصطلحات:
لكل علم من العلوم الإنسانية أو الحقة مصطلحاته ومفاهيمه الخاصة به، ولذلك فإن إلقاء نظرة على المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بعلم التاريخ الشفوي والتي تتميز بالتداخل والتمازج على مستوى المعاني والموضوعات، لمن شأنه أن يساهم في انسياب فهمنا وسهولة اكتساب أكبر قدر ممكن من المعلومات حول هذا العلم، الذي أهملته أجيال من المؤرخين البنيويين، الذين لم يروا بديلا عن الوثيقة المكتوبة في تدوين التاريخ.
أول تلك المصطلحات “التراث الشفوي”، وثانيها هو مصطلح “الرواية الشفوية” “tradition orale” والتي تعد حجر الزاوية ونوعا مهما من مصادر التاريخ الشفوي، بما هو دراسة وبحث وتحقيق.
ويرتبط المفهومان ارتباطا عضويا بعلم التاريخ الشفوي “l’histoire-orale” أي كتابة التاريخ الذي يعتمد على مصادر شفوية في الأساس، دون الاعتماد على سند من الوثائق أو المواد الأرشيفية.
ونجد في الرواية التاريخية ضرب منها يمتزج فيه التاريخ بالخيال، تهدف الرواية التاريخية إلى تصوير عهد من العهود أو حدث من الأحداث الضخام بأسلوب روائي سائغ مبني على معطيات التاريخ، ولكن من غير تقيد بها أو التزام لها في كثير من الأحيان، والواقع أن الروايات التاريخية ـ باستثناء قلة منها قليلة، من مثل رواية ( الحرب والسلم ) لتولستوي ـ لا ترقى من وجهة النظر الفنية إلى مستوى الروائع التي أبدعها روائيو العالم العظام، وعلى أية حال، فمنذ صدور أولى الروايات التاريخية، وهي رواية ( وايفرلي ) لوالتر سكوت Walter Scott، عام 1814، والرواية التاريخية تنعم بشعبية واسعة، ومن أبرز ممثلي هذا الضرب من الرواية، بالإضافة إلى والتر سكوت( في الإنجليزية ) وتولستوي( في الروسية ) ، ألكسندر دوما الأب ( في الفرنسية ) وجرجي زيدان ( في العربية).
ليس معناها العميق الحدوث في الزمن الماضي فهي رواية تستحضر ميلاد الأوضاع الجديدة. وتصور بداية ومساراً وقوةً دافعة في مصير لم يتشكل بعد. وهي عمل يقوم على توترات داخلية في تجارب الشخصيات تمثيلاً لنوع من السلوك والشعور الإنساني في ارتباطهما المتبادل بالحياة الاجتماعية والفردية، وهي تمثل بالضرورة تعقيداً وتنوعاً في الخبرة والتجربة. وهي تختلف أيضاً عن ذلك النوع من الروايات الاجتماعية التي تتطلب استقراراً. فلكي "تصنع" تلك الروايات شريحةً من الحياة يجب أن يكون الواقع مستقراً هادئاً تحت مبضع الروائي. ولكن الرواية التاريخية لا تأخذ مجتمعها كقضية مقرة، هادئاً راسخاً تحت عدستها، تدرس تدرجاته وتعدد ألوانه، فهي تواجه مجتمعاً بعيداً عن الثبات والرسوخ. وينتقل الاهتمام بدلاً من التدرجات وتعدد الألوان إلى مصير المجتمع نفسه. وتصبح لغة الأفراد سؤالاً يدور حول "أتقف مع هذا المجتمع أو ضده" وإجابة تجعلهم يطابقون بين أنفسهم وبين فكرة ما أو دور ما. فهناك حلبة معركة أمام طاقات البطل وهو يشق طريقه إلى المجتمع وخلال المجتمع، لا بمواهبه وطاقاته الفردية فحسب بل خلال متغيرات في علاقات الواقع الذي لم يعد مصطلحاً ثابتاً متجانساً. فقواعد الصعود قد استقرت ثم هوت واضمحلت، وأصبح على إرادته الفردية في عصر الثبات والاستقرار أن تكون جزءاً من مصير اجتماعي اتخذ شكلاً، وتصاعداً مدرجاً. ولكن تلك الدرجات بدأت تذود عن وضعها المغلق أمام الوافدين الجدد المتسلقين بقوة إرادتهم وطاقاتهم الفردية المتأقلمة وحدها.
وتقوم الرواية التاريخية باستخلاص فردية الشخصيات من الطابع التاريخي الخاص لعصرهم لا من مجرد أزياء العصر. فنرى فولتير وديدرو قد وضعوا رواياتهم التاريخية في زمان ومكان متخيلين ومع ذلك أبرزوا ملامح الصراع الماثلة في عالمهم بواقعية جريئة نفاذة، أما فيلدنج فقد اتخذ عنده مكان الفعل وزمانه طابعاً تفصيلياً ملموساً في الأشخاص والأحداث. وكانت الرواية التاريخية عند فولتير إعداداً فكرياً للثورة الفرنسية، واستهدفت إبراز ضرورة تحويل المجتمع غير المعقول للحكم الإقطاعي المطلق، وعند والتر سكوت نرى الأحداث المؤثرة هي عملية تحويل وجود الناس ووعيهم في أرجاء أوروبا. وهناك الرواية التاريخية عند جرجي زيدان ومحمد فريد أبو حديد وسعيد العريان وعلي الجارم وجمال الغيطاني.