تحديد الجغرافيا الطبيعية والبشرية لبلاد المغرب القديم
4. الجغرافية البشرية لبلاد المغرب القديم
4.2. ليبية واللوبيون
لقد وصف المؤرخ الإغريقي هيرودوت الذي عاش خلال القرن الخامس قبل الميلاد ليبيا أو لوبية بأنها تلك القارة الثالثة من قارات العالم المأهولة حينذاك، وهي تمتد من حيث تنتهي حدود مصر الغربية إلى رأس سولويس(Soloeis ) وهو رأس سبارتيل جنوب غربي طنجة على المحيط الأطلسي، ويضيف بأنها قد عمرت بأناس من أصل ليبي يتجمعن في شكل قبائل متعددة ومتفرقة، فيما عدا الأجزاء الساحلية منها التي كان يحتلها الإغريق قورينة) ( Cyrinaïque) بليبيا الحالية والفينيقيون إلى الغرب من ذلك. وقد تحامل المؤرخون الرومان على السكان المحليين ( الليبيون) بقول المؤرخ الروماني سالوست" كان سكان شمال إفريقيا الأوائل من الليبين والجيتوليين، وهم أقوام خشنون وبرابرة يتغذون بلحوم الحيوانات المتوحشة أو بأعشاب المروج على شكل قطعان الماشية، لا يحكمهم أمير ولا العادات أو القانون بل كانوا يعشقون المغامرة ومتفرقين، بحيث لا يتوقفون إلا إذا داهمهم ظلام الليل".أما عند المصريين فيرجعون هذا الاسم إلى قبائل الليبو(L.B.W ) أو الريبو وقد كانت منطقتهم تمتد من وادي النيل شرقا حتى المحيط الأطلسي غربا، وكان منهم المستقرون والمتنقلون الرعاة.
كما تعيد الكتابات المصرية تسمية ليبيا إلى اللغة المصرية وأنها أطلقت في عهد الفرعون مرنبتاح ( Merneptah ) في حوالي 1220 ق م، حيث وردت في نقش هيروغليفي يمجد انتصارات ذلك الفرعون على الليبو الذين غزوا مصر من الغرب.
وهناك من المؤرخين من يحاول إعادة اسم ليبيا إلى اسم ملكة كانت تحكم شعبا يقطن إلى الغرب من وادي النيل أو يمكن أن يكون الاسم قد استنبط من اسم ربة كانت تعبد في المنطقة ، أما الأساطير اليونانية فتقرن بين لوبه وبين الربة يوربا ( أوربا) التي اشتق منها اسم القارة الأوروبية.
ظل مصطلحا ليبيا واللوبيون يستخدمان في المصادر الإغريقية واللاتينية حتى أواخر العصور العتيقة، فقد تحدث فيرجيليس على مدن ليبيا ودببة ليبيا.
كما نعثر على هذين المصطلحين في النقوش البونيقية بشكل (LBT LBY ) في سلامبو بقرطاج وكذا في معبد الحفرة بسيرتا الذي عثر فيه على مجموعة من النصب ، وعند ياقوت الحموي في معجم البلدان، فإن لوبية مدينة بين الاسكندرية وبرقة، ينسب إليها لوبي و اسم ليبيا مشتق من اللوب واللؤوب واللواب الذي يعني العطش والحرارة الزائدة.
والمنطقة تتوفر فعلا على هذه الظروف المناخية، ويطابق هذا الرأي ما ورد في رحلة الضابط ف. بيشي ( F.W.Bee chy ) التي سجلها فيما بين سنوات 1821-1822، من أن اسم ليبيا يمكن أن يكون ساميا ويعني أرض الأسود، ذلك لأن كلمة: لوبة" تعني اللبؤة أي أنثى الأسد، أما لوب فهي العطش والجفاف.
ووردت أيضا الإشارة إلى اسم الليبيين في كتاب التوراة ( سفر التكوين) وذلك تحت اسم ليهابيم، أو لوبيم، كمااحتوت اسفار اخرى بدورها على تسمية الليبين ووصفهم بالجنود المحاربين ضمن جيش فرعون مصر شيشنق( فرعون من أصل ليبي) في معاركه ضد الملك العبراني رحبعام بن سليمان الحكيم.
أما حقل استخدام مصطلح ليبيا والليبيون فقد اختلف فيه من مفترة تاريخية لأخرى ومن مؤرخ لآخر، فإذا كان هيرودوت وكثير من المؤرخين الإغريق منهم هوميروس وسترابون يعنون بالليبيين كل القبائل التي تسكن السواحل الشمالية لإفريقيا من مصر حتى المحيط الأطلسي ، فإن بوليبيوس وهو مؤرخ إغريقي أيضا من القرن الثالث ق م يعني بالليبيين السكان الأصليين الخاضعين لقرطاجة.