المبحث الأول: مفهوم الصفقات العمومية

2. المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للصفقات العمومية

2.2. الفرع الثاني: المعايير التشريعية لقيام عقد الصفقة العمومية

بالعودة إلى نص المادة 02 من المرسوم الرئاسي رقم 15 247- يمكننا أن نحدد معايير قيام عقد الصفقة العمومية في أربع معايير أساسية وهي: المعيار العضوي، المعيار الشكلي، المعيار الموضوعي، المعيار المالي [1].

أولا/ المعيار العضوي: يتمثل الشرط أو المعيار العضوي لقيام عقد الصفقة العمومية في وجوب أن يكون احد أطراف العقد شخصا من أشخاص القانون العام، والمصطلح على تسميته حسب تنظيم الصفقات العمومية "بالمصلحة المتعاقدة"، والمحددة حصريا حسب نفس النص في أشخاص القانون العام التالية:

الإدارات العمومية، الهيئات الوطنية المستقلة، الجماعات المحلية (البلديات و الولايات)، المؤسسات العمومية الخاضعة للتشريع الذي يحكم النشاط التجاري عندما تكلف بانجاز عمليات بمساهمة مؤقتة أو نهائية من الدولة أو الجماعات المحلية[2]، حيث تتعاقد المصلحة المتعاقدة كشخص من أشخاص القانون العام في إطار الصفقة العمومية مع شخص أو عدة أشخاص من القانون الخاص[3]، كطرف ثاني في عقد الصفقة العمومية والمسمى حسب تنظيم الصفقات العمومية بالمتعامل المتعاقد.

هذا وقد حدد المشرع الجزائري بصريح النص الاستثناءات الواردة على تطبيق المعيار العضوي، في نص المادة السابعة من المرسوم الرئاسي رقم 15-247[4].

ثانيا/ المعيار الشكلي: يقصد بالمعيار الشكلي هو وجوب خضوع العقد لشكليات خاصة، واجراءات وآجال محددة قانونا، وهو ما يتلخص عموما في شرط الكتابة، وما يسطره القانون من بنود الزامية وجب أن يتضمنها العقد الاداري، ؤبالنظر في أحكام تنظيم الصفقات العمومية الجزائري نجده يعرف عقد الصفقة العمومية ويحدد أول خصائصها باعتبارها عقود مكتوبة.

 وهو ما تسطره باقي مواد المرسوم رقم 15-247، بالتوافق مع نص المادة المتضمنة التعريف، محددة مكونات عقد الصفقة العمومية، والبنود الالزامية والتعاقدية الواجب أن يتضمنها العقد، بالاضافة إلى التحديد الدقيق لإجراءات وأساليب الابرام والتأكيد على إحترام آجال وشكليات ابرام العقد والرقابة على تنفيذه[5]، ورغم إرساء المشرع الجزائري لمعيار الكتابة في مختلف قوانين الصفقات العمومية إلا أنه أورد استثناء على القاعدة العامة وهو مايؤكده نص المادة 12 من المرسوم الرئاسي 15-247 الوارد فيه أنه:

 "... في حالة الاستعجال الملح المهدد بخطر داهم يتعرض له ملك  .... تجسد في الميدان ....ولا يسعه التكيف مع آجال إجراءات إبرام الصفقات العمومية، بشرط أنه لم يكن في وسع المصلحة المتعاقدة توقع الظروف المسببة لحالات الاستعجال، أو أن لا تكون نتيجة مناورات للمماطلة من طرفها، يمكن لمسؤول الهيئة المعنية أو الوزير، أو الوالي أو رئيس البلدية المعني، يرخص بموجب مقرر معلل بالشروع في بداية تنفيذ الخدمات قبل إبرام الصفقة، يجب أن تقتصر على ما هو ضروري فقط، وترسل نسخة من المقرر إلى الوزير المكلف بالمالية وإلى مجلس المحاسبة، ويجب أن تقتصر هذه الخدمات على ما هو ضروري فقط لمواجهة الظروف، وعندما لا يسمح الاستعجال الملح باعداد الصفقة قبل الشروع في بداية تنفيذ الخدمات يثبت اتفاق الطرفين عن طريق تبادل الرسائل، ومهما يكن من أمر لابد من ابرام صفقة عمومية على سبيل التسوية خلافا لأحكام المادة  3 أعلاه خلال ستتة أشهر ابتداء من تاريخ التوقيع على المقرر المذكور أعلاه إذا كانت العملية تفوق المبالغ المذكورة في الفقرة الاولى من المادة 13 أعلاه، وعرضها على الهيئة المختصة بالرقابة الخارجية على الصفقات العمومية".

 إذن، بتحليل نص المادة يتضح لنا أن المشرع قد جعل القاعدة العامة في التنفيذ أن يكون عملية لاحقة على الإبرام حيث أن هذا الأخير مرهون بالكتابة أو صياغة العقد، إلا أنه استثناءا منح ترخيصا للمصلحة المتعاقدة بتنفيذ العقد قبل إبرامه وعلق الأمر على ترخيص يمنح من مسؤول الهيئة المعنية أو الوزير، أو الوالي أو رئيس البلدية المعني، وبموجب مقرر معلل إذ يحتوي هذا الأخير على جملة من الأسباب التي تصوغ اللجوء للتنفيذ قبل مباشرة عملية الإبرام.

ثالثا/ المعيار الموضوعي:  يقصد بالمعيار المادي أو الموضوعي الالتزام بموضوع العقد، أو محل الصفقة العمومية، وهو موضوع الخدمة التي يقدمها المتعاقد المتعاقد للمصلحة المتعاقدة،  ولا يقصد به موضوع أو محل الالتزامات كما هو وارد في القانون الخاص[6]، ويشمل موضوع الصفقات العمومية حصريا، الأشغال، التوريد، الدراسات والخدمات، وبحكم أن الإدارة تبرم عقودا كثيرة، فلا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار جميع ما تبرمه من عقود مختلفة بمثابة عقود إدارية، بحيث أن الشرط الأساسي لاعتبار العقد إداريا هو أن تسلك الإدارة فيه طريق القانون العام، لذلك كان لزاما علينا إبعاد جملة من العقود التي تبرمها الإدارات العمومية وعدم إطلاق وصف الصفقة العمومية عليها ومن أمثلتها: عقود التأمين، عقود النقل وغيرها من العقود الخاصة.

 ولمعرفة موضوع الصفقة العمومية فما علينا سوى الرجوع إلى النصوص التشريعية كون الصفقات العمومية هي عقود إدارية محددة الموضوع بموجب القانون، وهو ما نصت عليه المادة 01 من الأمر 67- 90 قد ذكرت كل من عقد انجاز الأشغال، التوريدات والخدمات على أنها صفقات عامة ، في حين أشارت المادة 04 من المرسوم رقم 82- 145 إلى عقود انجاز الأشغال، اقتناء المواد والخدمات وهي نفس الصفقات المشار إليها في المادة 03 من المرسوم التنفيذي رقم 91- 434، في حين نجد أن المرسوم الرئاسي رقم 02- 250 المعدل والمتمم إضافة إلى ذكره لعقود الأشغال، التوريد والخدمات فإنه أضاف عقود الدراسات كنوع من أنواع الصفقات العمومية وهو نفس المنهج الذي انتهجه المرسوم الرئاسي رقم 10- 236[7]، والمرسوم الحالي الساري المفعول رقم 15-247[8].

وهنا تجدر الاشارة إلى أن أنواع الصفقات من حيث الموضوع يتعدى الاربع أنواع التي حددتها المواد السابقة، وذلك لأن موضوع الخدمات في الصفقة العمومية ورد شاملا فمجال الخدمات واسع ومنه من نص عليه تنظيم الصفقات العمومية كخدمات خاصة كما في نص المادة 24، والمادة 25، في شكل صفقة طلبات، ومنها ما يندرج ضمن نص المادة 29، باعتباره يخرج عن موضوع صفقات الاشغال واللوازم والخدمات، وهو ما تؤكده المطة الأخير من المادة 29 دائما، والتي تنص على أنه: "تهدف الصفقة العمومية للخدمات المبرمة مع متعهد خدمات إلى تقديم خدمات، وهي صفقة عمومية تختلف عن صفقات الاشغال واللوازم والدراسات".

رابعا/ المعيار المالي: أو العتبة المالية: إن ارتباط الصفقات العمومية بالخزينة العامة يستلزم ضبط حد مالي أدنى لاعتبار العقد صفقة عمومية، تخضع لقواعد وأحكام تنظيم الصفقات العمومية، ذلك لأنه من غير المعقول إلزام جهة الإدارة على التعاقد بموجب أحكام قانون الصفقات العمومية في كل الحالات وأيا كانت قيمة مبلغ الصفقة، وذلك لما ينطوي عليه إبرام الصفقة من مراحل مختلفة وإجراءات معقدة، وعليه فإنه من غير المنطقي أن تخضع المصلحة المتعاقدة في كل عقودها لهذا النظام المعقد من التعاقد.

 ولذلك وضع المشرع عتبة مالية محددة للجوء إلى إبرام صفقة عامة، إذ تلزم المصلحة المتعاقدة بإجراء صفقة عامة متى فاق مقدار العقد المراد إبرامه قيمة مالية محددة قانونا تختلف اختلاف موضوع الصفقة، وهي كالتالي كل صفقة عمومية يساوي فيها المبلغ التقديري لحاجات المصلحة المتعاقدة:

-  اثني عشر دينار جزائري (12.000.000 دج) أو يقل عنه للأشغال أو اللوازم.

-   وستة ملايين دينار جزائري (6.000.000)، للدراسات أو الخدمات، لا تقتضي وجوبا إبرام صفقة عمومية وفق الاجراءات الشكلية المنصوص عليها في الباب الأول من تنظيم الصفقات العمومية الصادر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 15-247[9].



[1]  - أنظر: المادة الثانية، من المرسوم الرئاسي 15- 247، المصدر السابق.

[2]  - أنظر: المادة السادسة من نفس المصدر.

[3]  -  وبمفهوم المخالفة لنص المادة السادسة، لا تعد صفقة عمومية العقود المبرمة بين أشخاص القانون العام المحددة في نص المادة المذكورة باسم المصلحة المتعاقدة مع بعضها البعض، وهو ما حدده المشرع الجزائري، في شكل استنثناء يرد على تطبيق النص المذكور بنصه الصريح في المطة الاولى من المادة السابعة الموالية على أنه لا تخضع لأحكام هذا الباب العقود الآتية: - المبرمة من طرف الهيئات والادارات العمومية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الاداريفيما بينها.

[4]  - أنظر: نص المادة السابعة، من المرسوم الرئاسي رقم 15-247، المصدر السابق.

[5]   -  لعل سر اشتراط الكتابة والتأكيد عليها في القانون الجزائري، يعود لسببين رئيسيين هما: إن الصفقات العمومية هي أداة لتنفيذ مخططات التنمية الوطنية والمحلية وأداة لتنفيذ مختلف البرامج الاستثمارية لذا وجب أن تكون مكتوبة، إن الصفقات العمومية تحمل أعبائها المالية الخزينة العامة، فالمبالغ الضخمة التي تصرف بعنوان الصفقات العمومية لجهاز مركزي أو مرفقي أو محلي أو هيئة وطنية مستقلة تتحمل أعبائها الخزينة العامة ولذلك وجب أن تكون مكتوبة، أنظر: عمار بوضياف،الصفقات العمومية في الجزائر، جسور للنشر والتوزيع، الجزائر، 2007، ص 54.

[6]  - قدوج حمامة،عملية إبرام الصفقات العمومية في القانون الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 2006 ص 105.

[7]  - أنظر: المادة 13 من المرسوم الرئاسي رقم 10- 236، المصدر السابق.

[8]  - أنظر: المادة 29 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247، المصدر السابق.

[9]   - أنظر: نص المادة 13، من المرسوم الرئاسي 15-247، المصدر السابق.