النظريات المفسرة لحرية الاعلام
3. نظرية المسئولية الاجتماعية
نظرية المسئولية الاجتماعية
بدأت المراجعات النقدية للنظرية الليبرالية للصحافة ابتداء من العقد الثاني من القرن العشرين، ولكنها بلغت ذروتها عند نهاية الحرب العالمية الثانية عندما تشكلت لجنة لحرية الصحافة مكونة من اثني عشر أستاذا أكاديميا يرأسهم البروفيسور روبرت هوتشنز وضمت بين أعضائها أبرز نقاد الصحافة الأمريكية مثل وليم ديفرز وتيودور بترسون. وقد أجرت اللجنة دراستها على الصحافة الأمريكية بتمويل من مجلة تايم الأمريكية ودائرة المعارف البريطانية وقدمت تقريرها في كتاب أعدته اللجنة كاملة 1947 بعنوان : " صحافة حرة و مسئولة " وفي دراسة أخرى كتبها وليم هوكنج عضو اللجنة في مؤلف بعنوان "حرية الصحافة "وهي الكتابات التي صاغت نظرية المسئولية الاجتماعية .
ولقيت دعوة لجنة حرية الصحافة لصحافة حرة ومسئولة صدى داخل الولايات المتحدة وخارجها في بلدان أوربا وعلى رأسها المملكة المتحدة، فتشكلت اللجنة الملكية الأولى للصحافة عام 1949 ودعت إلى ضرورة إحساس العاملين في الصحافة بمسئوليتهم الاجتماعية، حيث تقوم الفكرة المحورية لأفكار هذه النظرية على التنظيم الذاتي الاختياري لمهنة الصحافة فتقوم الصحافة بتنظيم نفسها وفقا لمعايير هذه النظرية إلى جانب تشكيل مجلس للصحافة. ووافق الممارسون في الولايات المتحدة على أن الحرية السلبية في النظرية الليبرالية غير مرغوبة في المجتمع الحديث، وأن الحرية لابد أن ترتبط بالمسئولية، فالإنسان ليس كائنا عاقلا راشدا بل عرضة لعمليات تأثير واسعة النطاق من قبل خبراء العلاقات العامة.
وأدت التطورات في مجال الإعلام إلى رؤية ترى أن حرية الصحافة ليست حقاً طبيعياً لكنها امتياز منح على أساس أن تشكل فائدة للمجتمع ولذا فإنها حتى تستمر لابد أن تكون حرية مسئولة.
ونص تقرير لجنة حرية الصحافة لعام 1947 على أن صناعة الإعلام في الولايات المتحدة يجب أن تستمر في يد القطاع الخاص واضعة في اعتبارها المصلحة العامة، ووضعت اللجنة مجموعة تصورات حول وظائف الصحافة في المجتمع الحديث، وعددًا من التوصيات للحكومة، وللمؤسسات. فمن حيث وظائف وسائل الإعلام في المجتمع المعاصر رأت اللجنة أن الصحافة يجب أن تقوم بالوظائف التالية:
1- إعطاء تقرير صادق وشامل وذكى عن الأحداث اليومية في سياق يعطى لها مغزى.
2- أن تعمل كمنبر لتبادل التعليق والنقد.
3- أن تقدم صورة ممثلة للجماعات المتنوعة التى يتكون منها المجتمع.
4- أن تهدف إلى تحقيق أهداف المجتمع وقيمه وتوضيحها.
5- أن توفر معلومات كاملة عما يجرى يومياً.
وأوصت لجنة حرية الصحافة الحكومة بتطبيق الضمانات الدستورية لحرية الصحافة، وأن تعمل الحكومة على تسهيل ظهور وسائل إعلام جديدة واستمرار المنافسة بين الوسائل الكبيرة القائمة، كما طالبت اللجنة
بإلغاء التشريع الذي يحظر على الأفراد مساندة إجراءات تهدف إلى إحداث تغييرات ثورية على المؤسسات القائمة لأن هذا التشريع يهدد المناقشات السياسية والاقتصادية.
وأوصت لجنة حرية الصحافة المؤسسات الإعلامية بتقديم خدمة تتسم بالتنوع والكم الملائم لاحتياجات الجماهير، فضلا عن زيادة مراكز الدراسة الأكاديمية والبحث والنشر في مجال الإعلام، وإنشاء هيئة جديدة
مستقلة لتقييم أداء الصحافة لعملها وتقديم تقرير سنوي حول هذا الأداء.
كما أوصت اللجنة العاملين في مجال الإعلام بالنقد المتبادل والاستماع لبعضهم وأن يقبلوا مسئوليتهم كناقل عام للمعلومات والمناقشة.
كما قدم أستاذ أمريكي هو كيرتس مونتجرى في كتابه مسئولية لرفع المعايير رؤية جديدة للمسئولية تقول: إنه إذا قامت الصحافة بإعلام الناس والمحافظة على خصوصيتهم ومراعاة قيمهم فهذه نصف
المسئولية، ولكن النصف الآخر هو بيان مسئولية الجماهير تجاه المادة المذاعة التي هي بدورها تجاه أنفسهم، إذ يجب على الجمهور ألا يتعامل مع ما يقدم من خلال الصحافة والتليفزيون على أنه وجبة كتلك
التي يشتريها من السوبر ماركت، بل عليه أن يدرك الوقائع، ولا يتقبلها كما يقرأها أو يسمعها، ويزن الأفكار التي تتفق مع ميوله والتي تختلف
ويضع افتراضاته الأساسية محلاً للنقاش. ويساوى روبرت رأى في كتابه مسئولية الجرائد بين المسئولية الاجتماعية وصدق الأخبار والحيدة لأنها أساس حق القراء في المعرفة، ثم المناقشة الديمقراطية الحقة في المجتمع والتي تسهم في تطويره.
ويلخص دينيس ماكويل المبادئ الأساسية لنظرية المسئولية الاجتماعية في الجوانب التالية:
1- أن الصحافة وكذلك وسائل الإعلام الأخرى يجب أن تقبل وأن تنفذ التزامات معينة للمجتمع.
2- أن هذه الالتزامات يمكن تنفيذها من خلال الالتزام بالمعايير المهنية لنقل المعلومات مثل الحقيقة والدقة والموضوعية والتوازن.
3- لتنفيذ هذه الالتزامات يجب أن تنظم الصحافة نفسها بشكل ذاتي.
4- أن الصحافة يجب أن تتجنب نشر ما يمكن أن يؤدى إلى الجريمة والعنف والفوضى الاجتماعية أو توجيه أية إهانات إلى الأقليات.
5- أن الصحافة يجب أن تكون متعددة وتعكس تنوع الآراء وتلتزم بحق الرد.
6- أن للمجتمع حقا على الصحافة هو أن تلتزم بمعايير رفيعة في أدائها لوظائفها.
7- أن التدخل العام يمكن أن يكون مبرراً لتحقيق المصلحة العامة.
ويلاحظ أن هذه النظرية قد طرحت بعض الحلول التي تتمثل في التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة، وذلك من خلال إصدار مواثيق شرف مهنية لحماية حرية التحرير الصحفي والممارسة الصحفية، وإصدار قوانين للحد من الاحتكار، وإنشاء مجالس للصحافة مهمتها الحفاظ على حرية الصحافة والالتزام بالمعايير المهنية الرفيعة للصحافة وبحث شكاوى الجمهور ضد الصحف إلى جانب إنشاء نظام لتقديم إعانات للصحف.
ولكن مجمل الأفكار التي طرحتها هذه النظرية لم تتح لها فرصة التنفيذ بشكل كامل، فقد نظر الصحفيون الأمريكيون إلى هذه الأفكار على أنها تمثل اتجاهاً نحو الاشتراكية وخطرا على حرية الصحافة، كما عارضت هذه الأفكار بشدة مجموعات ملاك الصحف.
ومع ذلك يمكن القول: إن نظرية المسئولية الاجتماعية قد حققت بعض النتائج الإيجابية في بعض دول أوربا مثل السويد التي قامت بمواجهة خطر سيطرة الاحتكارات على صحافتها بإنشاء نظام لتقديم إعانات حكومية للصحف بهدف المحافظة على التنوع الصحفي، ونجحت هذه المعونات خلال حقبة الستينيات في المحافظة على حياة كثير من الصحف الصغيرة في السويد.
ولكن فكرة تقديم معونات للصحف تم رفضها بشكل واسع في بريطانيا وغيرها من دول أوربا خوفا من استغلال الحكومات لها في التدخل في شئون الصحافة، كما صدرت قوانين للحد من الاحتكار والتركيز في ملكية الصحافة في بريطانيا وفرنسا، ولكن هذه القوانين لم تستطع أن توقف تزايد معدل التركيز والاحتكار، أو أن تحفظ الحياة للصحف الصغيرة.