الفواعل المؤثرة في العلاقات الدولية : طبيعة دور الأطراف الدولية
1. الفواعل المؤثرة في العلاقات الدولية
المبحث الأول :الدول كفاعل في العلاقات الدولية
تعتبر الدولة كمفهوم وموضوع من أهم القضايا في أجندة العلوم السياسية عامة والعلاقات الدولية خاصة، لذلك تعددت التناولات مفاهيمية لمضمونها المعرفي تبعاً للاختلاف توجهات الباحثين في بيان مدلولها المصطلحي
المطلب الأول؛تعريف الدولة
أولاً: الدولة لغة:
لفظة الدولة تثير باديء ذي بدء فكرة السلطة:السلطة الفعالة والمحمية والمنظمة
ثانياً: من الناحية الإصطلاحية:
مما لا شك فيه أن فكرة "الدولة" ترتبط بفكرة "السلطة" بشكل عام، بالرغم من شمول الأولى على الثانية، وبالرغم من قدم فكرة الدولة التي كان آخرها ظهور الدولة الحديثة وذلك مع نشوء الدولة القومية بعد معاهدة وستفإلىا عام 1648،
وفي هذا السياق جرى تعريف الدولة بأنها فكرة مجردة، ولكن لها فوائدها ومخاطرها، إلا أن تعريفها قد وقع ضمن إستراتيجيتين؛ الوظيفية والتنظيميّة. أما الأولى فإنها؛ تعتبر الدولة مجموعة من المؤسسات الحكوميّة تقوم بوضع القوانين وتتوكل في عملية الضبط والتوجيه والتنظيم. وهنا يمكن القول بأن الدولة في تعريفها التنظيمي ليست عنصراً جوهرياً ملازماً للمجتمع البشري، وعلىه فقد ذكر علماء الأنثروبولوجيا أن هناك بعض المجتمعات التي لم تشهد ظاهرة "الدولة" من أمثال الأنظمة القبليّة المجزّأة، أو التجمعات الصغيرة المنعزلة؛ التي يتم فيها وضع القواعد واتخاذ القرارات بصورة جماعيّة، أو من خلال التفاوض الضمني، دون ضرورة لاقتصار الحكم على مجموعة أشخاص معينين. وغالباً ما يكون الأساس الذي تقوم علىه هذه القواعد تقليدياً أو دينيّاً.
ويمكن إبراز جملة من الخصائص لظاهرة الدولة كالآتي:"
أن الدولة هي مؤسسة، أو مجموعة مؤسسات منفصلة بشكل بيّن.
تتمتع الدولة بالسيادة، وهي صاحبة السلطة المطلقة في كل ما يخص القانون والقواعد الملزمة المدعومة بالعقوبات، التي تحفظها حقيقة الاحتكار الرسمي للقوّة.
تمتد سيادة الدولة لتشمل كل الأفراد.
تقوم الدولة بالإشراف على العاملين في مؤسساتها وهي موكلّة بتدريبهم.
الدولة هي صاحبة الولاية في جميع الإيرادات.
وبالرغم من كل ذلك فإن هذه الخصائص هي أفكار مجردة لذلك فهي عصيّة على التطبيق المتساوي في كل البلدان، وكل ما يمكن الأخذ به أنها ميّزت بين الدولة التقليدية (ما قبل الحداثة) وبين الدولة الحديثة.
أما التعريف الوظيفي للدولة فيمكن أن يأخذ شكلين؛ أولهما مبني على المقاربة القائمة على أن الدولة كائن قبل الدولة (ex ante)، وعلىه تعرّف الدولة بأنها :مجموعة من المؤسسات التي تنفذ أهدافاً وأغراضاً معيّنة. وهذا يعني أن أية مؤسسة تتداخل أهدافها أو غاياتها مع وظائف الدولة تصبح جزءاً منها. وثانيهما ما هو مبني على ما هو كائن بعد الدولة (ex post)، بحيث تعرّف الدولة، تماهياً مع هذه المقاربة، انطلاقاً مما ينجم عنها من تبعات كالمحافظة على النظام الاجتماعي
لتوضيح على سبيل الإضافة؛
تصبح الدولة رديفاً لتلك المؤسسات أو السلوكيات التي من شأنها تحقيق الاستقرار.
إلا أن من الضرورة بمكان تناول التعريف الأساسي للدولة والقائل بأن الدولة هي "جماعة من الناس يعيشون بصورة دائمة فوق إقليم جغرافي محدد ويخضعون لسلطة سياسية معينّة". إلا أن الأدبيات الحديثة قد أضافت إلى هذين العنصرين؛ عنصر سيادة السلطة وعنصر الاعتراف الدولي. كما أضافت هذه الأدبيات قولها أن لا اشتراط لمساحة الدولة أو عدد سكانها، إلا أن اشتراط السلطة ذات السيادة والاعتراف الدولي هما الأساسان اللذان يجب توفرهما حتى تستكمل الدولة وجودها الفعلى، وحتى تتمكن من مباشرة حقوقها وإقامة علاقات مع المجتمع الدولي. وفي حدود العناصر الثلاثة الأولى تتساوى الدول إما في العنصرين الباقيين فيقع التمايز بين الدول، من حيث حجومها الفعلىة، فتصنف الدول بين ناقصة السيادة أو كاملتها، وبين الاعتراف بفعلها على المستوى الدولي
مما سبق يمكن وصف الدولة كفاعل له الاحتكار سلطة الإكراه بمدى كامل داخلياً و ونسبياً على المستوى الخارجي، نظراً لإعتماد سيادة الدولة خارجياً على ما تملكه من عوامل القوة العسكرية الإقتصادية وترجمتها سياسياً في المجال الخارجي
المطلب الثاني؛مكانة القوة في تعزيز دور الدولة
لذلك ، إن مفهوم القوّة (Power) هي ببساطة القدرة على التأثير على الآخرين وإخضاعهم لإدارة القوى الفاعلة في أي موقف اجتماعي كان أم سياسياً أم اقتصادياً أم ثقافياً. وتعتبر قوّة الدولة من العوامل التي يعلّق علىها أهمية خاصة في ميدان العلاقات الدولية، وذلك لأن هذه القوّة هي التي ترسم أبعاد الدور الذي تقوم به الدولة في المجتمع الدولي، وهي التي تحدد إطار علاقاتها بالأطراف الخارجيّة في البيئة الدولية.
من هذا المنطلق ، تعتبر الدولة كفاعل في العلاقات الدولية عندما تستطيع إستخدام أحد عناصر قوتتها المادية والغير المادية في تعديل سلوك باقي الفواعل الدولية خاصة الوحدات السياسية ذات السيادة.كما يمكن قياس تأثير دولة ما ، من خلال رصد أدوراها في المشهد الدولي من خلال إطار نظري يعرف بنظرية الدور في العلاقات الدولية. (The Role Perspective) التي تسمح بعمق الفحص الإجرائي لفاعلىة دولة ما تجاه محيطها الخارجي. وذلك عبر تتبع ، ثلاثة أشكال رئيسية لدور الدولة وهي، تغيّر الدور Role Change وتطور الدور Role Evolution وصراع الدور Role Conflict.