محتوى المحاضرة الثانية
1. تمهيد
يذكر المؤرخون أنّ أقدم سفر يوناني جاءت فيه كلمة "فلسفة "بمعنى الرغبـة في المعرفة هو كتاب " هيرودوت "المـؤرخ حيـث يـروي أنّ "كريتس "قال لسولون -أحد الحكماء السبعة -:"إنّي سمعت أنك جبت ً كثيرا مـن الأقطـار متفلسفاً "أي راغباً في المعرفة.كما يروي مؤرخو الفلسفة أنّ هذه الكلمة قد جرت على لسان بعـض الفلاسـفة حيث نسب هؤلاء المؤرخون إلى فيثاغورث أنّه قال: لا حكيم إلا الله، وإنّمـا الإنسـان.فيلسوف، كما عزوا إلى سقراط أ نّه أطلق على منهجه كلمة "فلسفة "وإلى بـريكليس أنّـه قال:نحن نتفلسف بدون هوادة.
أما لغة فلفظة الفلسفة يونانية قديمة، مركبة من مقطعين هما " فيلو "بمعنى حب أو محبة،و"سوفيا "بمعنى حكمة .وهي فيلاسوفيا وتفسيرها: محبة الحكمـة فلمـا ع رّبـت قيـل :فيلسوف، ثمّ اشتقت الفلسفة منه .ومعنى الفلسفة: علم حقائق الأشياء، والعمل بمـا هـو أصلح.([1] (
وكلمـة فيلسـوف مكونـه من مقطعيـن همــا": فيلـوس" بمعنـى محـب، و"سوفوس" بمعنى حكمة، فالفيلسوف هو محب للحكمة. وقـد أطلـق على الفيلسوف اسم الحكيم "ولكن سقراط لم ترق هذه التسمية، فقال:أنا لست ً حكيما ولك نّني محب الحكمة فحسب.وقيل إنّ فيثاغورس كان يقول:لا حكيم إلا الله وحده، وإنّما الإنسان فيلسوف فحسب " أي محب للحكمة. ([2])
وحكي إن فيثاغورس من أهل شاميا وهو أول ما سمى الفلسفة.والمقصود بالحكمة: المعرفة العقلية الراقية، والإدراك الكلي لحقائق الوجود وقد أطلق على الشخص المتأمل عقلياً لحقائق الوجود وقضاياه الكبرى اسم الفيلسوف ً تمييـزا له عن غيره من عامة الناس.
إذاً يطلق الفعل "تفلسف "على الإنسان الذي يـرى ظـواهر الأشـياء المختلفـة فيتصورها ثم يُكَّون له فيها رأياً، ثم يجتهد في تعرف علل الظواهر الكونيـة، وعلاقـة الكون بظواهره.فالذي يتفلسف هو الذي يفكـر في شـيء خاص ذاتاً كان أو معنى.([3])وبعبارة أخرى معنى يتفلسف:الإنسـان الذي يبحث في ماهية الأشياء وأصولها وعلاقة بعضها ببعض .ولمّا كان الإنسان من طبيعته أن يفكر ويبحث على هذا النحو، فإنّ كلمة فيلسوف لم تطلق على كل إنسان، بل أطلقت على المرء الذي من أهم أهدافه في حياتـه دراسـة طبائع الأشياء وتعقلها، وكانت لديه قدرة إدراك الأشياء بسـرعة ً معتمـدا علـى فكـره الخاص، وزاول هذا العمل، وأصبح وكأنه مهنة أو صنعة له سـيطرت عليـه معظـم حياته.([4])
ولقد كان اليونانيون قبل ذلك يطلقون كلمة "سوفوس "على كل من كمل في شيء عقلياً كان أو مادياً، حيث أطلقوها على النجار والبحار والطاهي وغيرهم مـن أربـاب الحرف، ثم قصرت في الإطلاق على :من منح عقلاً راقياً وتفكيراً سامياً.([5] )
وبعد انتقال الفلسفة إلى المسلمين، ودخول مصطلحي الفلسفة والفيلسوف في اللغة العربية، صاغ العرب من ذلك الفعل بأنواعه، فقالوا: تفلسف، يتفلسف، ثـمّ قـالوا:هـو متفلسف، وهم متفلسفة، كما جعلوا الحكمة مرادفة للفلسفة فقالوا:حكماء الإسلام، بمعنـى فلاسفة الإسلام. وصفا لأولئك الراغبين في معرفة الحقائق الكلية.
معنى الفلسفة اصطلاحا:
اختلفت أقوال الفلاسفة القدامى والمحدثين في تحديد معنى للفلسفة، فمعناها عنـد فيلسوف يختلف عن معناها عند فيلسـوف آخـر، ومعناهـا في عصر ما يختلف عـن معناها في عصر آخر.وسبب ذلك:-
-1 أن الفلسفة مرَّت بعدة أدوار، اختلفت فيها موضوعاتها إلى حد بعيد.
-2 اختلاف مناهج الفلاسفة وطرائقهم في التفكير.
-3 اختـلاف بيئة وعصـر ومجتمع كل فيلسوف عن الآخر، ولأنّ الفلسـفة تصـطبغ
بالتجارب الشخصية للفيلسوف وعاداته الفردية.
ونذكر هنا طائفة من تعريفات الفلسفة حسب العصور التي مرّت بها:
أولاً:تعريف الفلسفة عند فلاسفة اليونان القدماء:
استعمل اليونان كلمة الفلسفة منذ القرن السادس قبل الميلاد، ولم يكـن معناهـا محدداً ولا مضبوطاً في أول الأمر، فكانوا يطلقون كلمة فلسفة على المعارف الإنسـانية المعروفة في زمانهم، فشملت الطب والفلك والهندسة والكيمياء والطبيعة والتنجـيم ثـم قصرت في الإطلاق على من تأمل في الوجود تأملاً عقليا. ومع ذلك فإنّ معناها كان يختلف من عصر إلى آخر ومن فيلسوف إلـى آخـر على النحو التالي:
-1 عصر ما قبل سقراط: إنّ موضوع الفلسفة في هذا العصر يتناول الكون الطبيعـي، ولذا فمحاولاتهم هي: معرفة الأصل الذي نشأ عنه هذا العالم الطبيعي المحسوس .فتعريف الفلسفـة إذاً في هذا العصر:هو "البحث فـي الوجـود الطبيعـي، وغايتــه ومصيره وعلل ظواهر الأشياء".
-2 عصر السوفسطائيين وسقراط: إنّ موضوع الفلسفة في هذا العصر قاصـر علـى الإنسان ومعرفة الحقيقة، والحق والعدل والخير، ودراسة هذه القيم مبنية على التصـور العقلي وحده ولا علاقة للحواس بها . أي أن الفلسفة عند سقراط قد اشتملت علـى بيـان وتوضيح معاني الحق الخير والعدل.فتعريف الفلسفة إذاً عند سقراط:"البحث عن الحقائق بحثاً نظريـاً، وخاصـة الحقـائق والمبادئ الخلقية من خير وعدل وفضيلة ".
-3 عصر أفلاطون وتلميذه أرسطو:
أ -موضوع الفلسفة عند أفلاطون: جواهر الأشياء وحقائقها الثابتة التي لا تتغير. ويطلق عليها أفلاطون "عالم المثل " فتعريف الفلسفة عند أفلاطون هي:" البحث عن الأمور الأزلية، أو معرفة حقائق الأشياء، ومعرفة الخير للإنسان.
ب –موضوع الفلسفة عند أرسطو : يشمل كل المعرفة الإنسـانية، أو بعبـارة أخـرى أصبحت الفلسفة مرادفة لمعنى العلـم، فتحـت الفلسـفة تنـدرج جميـع العلـوم مـن المنطق،والرياضة، والطبيعة، والأخلاق والسياسة .وتعرف الفلسفة عند أرسطو:"العلم بالمبادئ الأولى التي تفسر بها طبيعة الأشيـاء ".أو هي البحث عن علل الأشياء وأصولها الأولى .أي العلّة الأولى التي هي علة العلل .
-4 عصر ما بعد أرسطو: في هذا العصر جمد موضوع الفلسفة، ولم يبتكر الفلاسفة شيئاً بل كانوا مقلدين حاكين، وظهرت فيه مدرستا الأبيقوريين والرواقيين.
-5 موضوع الفلسفة عند الأبيقوريين والرواقيين: صـارت المباحـث عنـد هـاتين المدرستين الفلسفية قاصرة على بعض جوانب الإنسان من ناحية أخلاقه وسعادته وسلوكه في هذه الحياة، وقيمته فيها، وإن اختلفت المدرستان في تحديد الغاية التي تريد كل منهما الوصول إليها.
أ -فالأبيقوريون مثلاً:كانوا يطلبون السعادة ويرونها في الحصول على اللّذة. وتعريف الفلسفة عندهم:هي القدرة على السعادة بواسطة العقل والفطنة.
ب -أما الرواقيين:فكانوا يطلبون الواجب لذاته مهما كلفهم عمل الواجب من تضـحيات في المال أو النفس أو غيرهما، وقد توصلوا لذلك بعمل الفضيلة..وتعريف الفلسفة عندهم:السعي وراء الفضيلة، وما يجب أن يسـير عليهـا الإنسان فـي حياته.
أما تعريف الفلسفة عند الفلاسفة المسلمين فسوف نتعرض علها في المبحث القادم.